الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية

الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية | مرابط

الكاتب: د سامي عامري

591 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ما إلحاد القرنين العشرين والواحد والعشرين؟

إنه ذاك الصّراخ الصّاحب والحَفد السريع لإثبات أن الإنسان بهيمةٌ من البهائم لاتَفْضْل النعاج والسباع بشيء، وإن تميّرَت عنها جينيا، كتميّز القطّط عن الضّفَادع، والكلاب عن القنافد، والقرود عن التُعالب. وليس في ذلك التمايز فاضل ومفضول، ولا حَسَنٌ ومقبوحٌ؛ لأنّ هذا الاختلاف كمي لا تَعلّق له بالفضائل القيميّة؛ فهو لا يرفع الخير فوق الشرّ ولا يَسْتَحْسِن الحقٌّ دون الباطل. وقد ألغى الإلحادٌ -بذلك- الفارق بين الوحشيّة والأخلاق المدنيّة، والعقل والجنون..

لقد ترك الملاحدة للداروينتة صياغة صورة حقيقة الإنسان وصناعة مراحل تاريخه؛ وهو أمر يَظهَر بوضوح في جميع أدبياتهم عند مناقشة قضايا نظريّة المعرفة والقيم، ومعنى الحياة. والفكاك عن ذلك -إلحاديًا- مُحالٌ؛ لأنّ رفض الداروينية أو أيّ صورة أخرى من صور التطوّر العشوائي للكائنات الحيّة؛ حُجَة للتدخل فوق الطبيعي (=الإلهيّ) في هذا العالم، وذاك ما يرفضه الملاحدة قاطبة؛ فإنّ العلم قد أثبت أن مستوى تعقيد الكائنات الحيّة بالغ جدًّا، لا يمكن تفسيره بالنُشُوء العفويّ اللّحظيّ؛ ولذلك يَفِر الملاحدةٌ إلى الخلْقِ العشوائي التّدَرّجِيَ البطيء جدًا من البسيط إلى المعقّد.

لقد أَسَقَطَ الإلحاد الإنسان المؤمن بالداروينية من عز التكريم الإلهيّ إلى درَكِ الحيوانية بعد أن سَلَبَهُ فضيلتين، أولاهما: أن الكون مسخر له؛ وقد خلق الحيوان والنبات لأجله، وله أن يأخذ منهما لتحقيق بقائه ما شاء ضمن حدود تضبطها الشرائع السّماوية. وثانيهما: أنه مخلوق بزينة العقل؛ فهو بعقله يرتقى فوق جميع الحيوانات ليكون الكائن الأرضيّ الوحيد المخلوق لينحت طريقَهُ في الحياة عن إرادة حُرَّةٍ ووّعي لا عن غريزة جبرية قاهرة..

لقد أضحى الإنسان -في الرؤية الالحاديّة- جزْءًا من الطبيعة، لا يَفضل غيرَهُ بشيء؛ فكلٌ الأحياء على الأرض أثرٌ لأخطاء النَّسخ في الشّريط الصَبغيّ داخل الخلية، فلا تمايز ولا تَفَاضُلَّ ولا قيمة ترفع وتخفض... كل العالم المادي الحيّ طفيلي على الأرض، لم يُسْتَدْعَ وجوده، وإِنّما تسلّل عن طريق الحركة العمياء للتّناسخ الحيويّ.

إن الطبيعة التي تحيط به لم تُخلقْ له -كما هو مُعْتَقَدُ المؤمنين بالقرآن-، وإنّما تطوّرَ الإنسانٌ ليوافق بناء الطبيعة. وإن كان لأحدهما فضْلٌ؛ فَليكُنْ هو فضل الطبيعة التي
أنشأته وأَخْضَعَته لها ضمن سنّة الانتتخاب الطبيعي.

 


 

المصدر:

د. سامي عامري، الإلحاد في مواجهة نفسه، ص35

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإلحاد
اقرأ أيضا
مراجعة العلماء | مرابط
اقتباسات وقطوف

مراجعة العلماء


مقتطف هام للعلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني يشير فيه إلى ضرورة مراجعة العلماء لبعضهم خصوصا لو وقع أحدهم في خطأ ما بدلا من التشنيع عليه مباشرة دون مذاكرته أو مراجعته أو تنبيهه لما بدر منه من خطأ وهذا يحدث كثيرا في عصرنا فقد نأى كل عالم بنفسه وانقطعت حبال التواصل

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
2271
الوقت | مرابط
فكر مقالات

الوقت


الوقت هو العملة الوحيدة المطلقة التي لا تبطل ولا تسترد إذا ضاعت: إن العملة الذهبية يمكن أن تضيع وأن يجدها المرء بعد ضياعها ولكن لا تستطيع أي قوة في العالم أن تحطم دقيقة ولا أن تستعيدها إذا مضت هذا المقال الماتع للأستاذ مالك بن نبي يتحدث عن الوقت وقيمته في الحياة

بقلم: مالك بن نبي
2405
آداب النوم | مرابط
تفريغات

آداب النوم


عبد الله إذا كنت لا تدري إذا صعدت روحك إلى بارئها حال النوم أتكون ممن تمسك روحه فلا يقوم أم ممن ترسل لتكمل بقية أجلها فليس يليق بك أن تودع الدنيا بالفجور والعصيان أو يكون آخر ما يقرع سمعك ألحان وغناء وأصوات الموسيقى والتخيلات الباطلة بل ودع الدنيا بخير ما ينبغي أن تودع به ثم نم على ذكر الله تبارك وتعالى واحتسب نومتك عبادة عند الله وتذكر دائما أنها ربما تكون آخر نومة تنامها فاشكر الله على عافيته وكفايته وإيوائه لك

بقلم: خالد الراشد
861
قصة العلمانية المؤسلمة | مرابط
مقالات العالمانية

قصة العلمانية المؤسلمة


يستعرض المقال عددا من الرؤى التجديدية في الفكر السياسي كما يعرضها بعض المعاصرين ويفحصها جميعا من خلال مقارنتها ب المضمون العلماني ليكشف عن وجه الاختلاف الذي تفترق فيه هذه الرؤى عن المضمون العلماني حين نفحص هذا الوعاء نجد أن المبادئ العامة أمور كلية فطرية متفق عليها بين جميع الناس فلا وجود لمنظومة فكرية ذات بال تقول إنها ترفض الحرية أو العدالة أو المساواة وإنما الخصومة والنزاع دائما في التفصيلات والتشريعات الجزئية

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2407
أين الثوابت والمتغيرات | مرابط
فكر مقالات

أين الثوابت والمتغيرات


حين نستعرض تفسيرات المعاصرين للثوابت والمتغيرات في الشريعة الإسلامية نجدها ترجع لثلاث تفسيرات رئيسية تفسير الثوابت بالقطعيات والمتغيرات بالظنيات أو تفسير الثوابت بالمجمع عليه والمتغيرات بالمختلف فيه أو تفسير الثوابت بالأصول والمتغيرات بالفروع ويكمن الإشكال في الأحكام التي تترتب على هذا التقسيم وفي التصورات التي تبنى على هذه التفسيرات فسؤال: أين الثوابت والمتغيرات ليس مشكلا كسؤال ما الذي سيترتب على تفسير الثوابت والمتغيرات

بقلم: فهد بن صالح العجلان
2442
خطورة الربا | مرابط
تفريغات اقتباسات وقطوف

خطورة الربا


فالربا يخرب الديار ويهلك العباد ويحل سخط الله سبحانه وتعالى فكثير من الناس يظن نفسه على خير وعشرات ومئات الآلاف والملايين من ماله تعمل في الربا ويظن نفسه من الصالحين وهو على خطر عظيم فينبغي أن يتنبه لأمره

بقلم: عمر الأشقر
460