آداب النوم

آداب النوم | مرابط

الكاتب: خالد الراشد

858 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

الحمد لله رب العالمين "فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ" [الأنعام:96].

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، ويعلم مستقرها ومستودعها، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، كان نومه أعدل النوم، وهو كما قال ابن القيم رحمه الله: أنفع ما يكون من النوم، وأنفع النوم -كما قال الأطباء- ثلث الليل والنهار: ثمان ساعات، ويتفاوت الناس على حسب أعمالهم واحتياجهم لساعات النوم، فمنهم من تكفيه أربع، ومنهم من تكفيه ست، لكن لا تزاد ساعات النوم على ثمانِ ساعات.

 

اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه الأنبياء والمرسلين.

 

عباد الله! إن للمصطفى صلى الله عليه وسلم هديًا في النوم حري بنا أن نتعلمه ونعمل به؛ حتى يكون نومنا عبادة لله رب العالمين، فكان إذا أوى إلى فراشه قال: (باسمك اللهم أحيا وأموت).

 

وكان من هديه أن يجمع كفيه ثم ينفث فيهما، ويقرأ: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" [الإخلاص:1]، "وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ" [الفلق:1] "وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ" [الناس:1]، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، ويفعل ذلك ثلاث مرات، فيبدأ بهما على رأسه ووجهه ثم ما أقبل من جسده.

 

وكان صلى الله عليه وسلم ينام على شقه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، ثم يقول: (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك). رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد صحيح.

 

ومن دعائه أيضًا إذا أوى إلى فراشه: (الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤو)، وهذا الحديث يذكرنا بجموع من المسلمين في زماننا هذا تسلط عليهم الأعداء فأخرجوهم من ديارهم، فهاموا على وجوههم بحثًا عن الزوايا، وبحثًا عن ركن يأوون إليه، أو طعام يستطعمون به، فنسأل الله أن يردهم إلى بلادهم، ويمكن لهم في أرضهم، ويمكن لهم من عدوهم، قال صلى الله عليه وسلم: (من أصبح آمنًا في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، ألا فلنشكر الله على هذه النعم.

 

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ذكر الله في حال النوم تسبيحًا وتحميدًا وتكبيرًا، وتلك وصيته لأقرب الناس إليه وهي فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وذلك حينما سألاه الخادم: فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم: إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثًا وثلاثين، واحمداه ثلاثًا وثلاثين، وكبراه أربعًا وثلاثين، فذلكما خير لكما من خادم). رواه الشيخان وغيرهما.

 

ومن هديه صلى الله عليه وسلم حال النوم: الوضوء والتطهر، وفي هذا يقول: (طهروا هذه الأجساد طهركم الله؛ فإنه ليس عبد يبيت طاهرًا إلا بات معه ملك في دثاره لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك هذا فإنه بات طاهرًا).

 

ومن هديه أيضًا: قراءة آية الكرسي، فلا يزال على قارئها من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وبالجملة: (من اضطجح مضطجعًا لا يذكر الله تعالى فيه إلَّا كانت عليه من الله ترة) أي: حسرة وخسارة وندامة، رواه أبو داود بإسناد حسن.

 

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الاضطجاع على الشق الأيمن، وهناك صفة ذميمة في النوم أيقظ النبي صلى الله عليه وسلم صاحبها، ألا وهي النوم على البطن، فعن يعيش بن طخفة الغفاري رضي الله عنه قال: قال أبي: (بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني إذ رجل يحركني برجله، فقال: إن هذه ضجعة يبغضها الله، فنظرت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أبو داود بإسناد صحيح، وفي بعض الروايات: (تلك نومة أهل النار)، والعياذ بالله.

 

ومن أدب الإسلام: ألا ينام المرء وبيده بقايا من أثر الطعام حتى يغسلها، قال عليه الصلاة والسلام: (من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه). رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح.

 

ومن آداب النوم: أن ينفض الإنسان فراشه احتياطًا مما قد يخلفه فيه من بعده، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك اللهم أرفعه، إن قبضت روحي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).

 

عبد الله! إذا كنت لا تدري إذا صعدت روحك إلى بارئها حال النوم أتكون ممن تمسك روحه فلا يقوم، أم ممن ترسل لتكمل بقية أجلها، فليس يليق بك أن تودَّع الدنيا بالفجور والعصيان، أو يكون آخر ما يقرع سمعك ألحان وغناء وأصوات الموسيقى والتخيلات الباطلة، بل ودَّع الدنيا بخير ما ينبغي أن تودَّع به، ثم نم على ذكر الله تبارك وتعالى، واحتسب نومتك عبادة عند الله، وتذكر دائمًا أنها ربما تكون آخر نومة تنامها، فاشكر الله على عافيته وكفايته وإيوائه لك، ونم وأنت عازم على القيام للصلاة المكتوبة، وإذا استيقظت فاحمد الله وقل كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)، وإذا تعاريت من الليل -أي: استيقظت في وسط الليل- فقد أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإن قلت: اللهم اغفر لي! أو دعوت استجيب لك، وإن قمت فتوضأت ثم صليت قُبلتْ صلاتك). رواه البخاري وأحمد وغيرهما.

 

عبد الله! وإذا أصابك أرق أو فزع أو وحشة فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلم أصحابه أن يقولوا في حال الفزع: (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه، ومن شر عباده، ومن شر همزات الشياطين وأن يحضرون) رواه أحمد وغيره وهو حديث حسن.

 

وورد: (أن رجلًا شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الأرق، فقال له قل: اللهم! غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، يا حي يا قيوم أنم عيني، وأهدئ بالي، فقالها الرجل فذهب عنه الأرق). وهكذا أحبتي يبدو الإسلام عظيمًا في كل تشريعاته، فهو ينظم أمور الحياة في الليل والنهار، وفي اليقظة والمنام، وصدق الله: "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" [الأنعام:38]. اللهم فقهنا في ديننا، وارزقنا شكرك وذكرك وحسن عبادتك. اللهم لك الحمد كما آويتنا وكفيتنا، وأنمتنا وأيقظتنا. اللهم اكف من لا كافي له، وآو من لا مأوى له، وأطعم من لا مطعم له.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النوم
اقرأ أيضا
إذا كانت الأمور مقدرة فلماذا يحاسبنا الله عليها | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

إذا كانت الأمور مقدرة فلماذا يحاسبنا الله عليها


يروج بعض المشككين لشبهة قديمة وهي: إذا كان كل شيء مقدر عند الله فما الدافع الذي يجعلنا نعمل ونسعى ولماذا يحاسبنا الله على الأعمال إن كانت هي مقدرة علينا والحقيقة أن هذه الشبهة تنتمي إلى التساؤل القديم الذي أجاب عنه العلماء وهو: هل الإنسان مخير أم مسير وفي هذا المقال تجد الإجابة على هذه التساؤلات والتأصيل الشرعي المناسب لهذه القضية

بقلم: مجموعة كتاب
1737
أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعلان الحرب ضد الرجال | مرابط
مقالات النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعلان الحرب ضد الرجال


أعلنت الأنثوية حربا شعواء ضد الرجل ورفعت شعارات من قبيل الرجال طبقة معادية والحرب بين الجنسين بل وصل حد المطالبة بالقتال من أجل عالم بلا رجال ووصل الحد بالمناداة باستعمال القسوة والعنف مع الرجال إلى حد أن هناك منظمة أنثوية أمريكية معرفة بحركة تقطيع أوصال الرجال تنادي باستئصال شأفة الرجال في المجتمع

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
2402
الهجرة إلى الله ورسوله | مرابط
مقالات

الهجرة إلى الله ورسوله


لما فصل عير السفر واستوطن المسافر دار الغربة وحيل بينه وبين مألوفاته وعوائده المتعلقة بالوطن ولوازمه أحدث له ذلك نظرأ فأجال فكره في أهم ما يقطع به منازل السفر إلى الله وينفق فيه بقية عمره فأرشده من بيده الرشد إلى أن أهم شيء يقصده إنما هو الهجرة إلى الله ورسوله فإنها فرض عين على كل أحد في كل وقت وأنه لا انفكاك لأحد عن وجوبها وهي مطلوب الله ومراده من العباد

بقلم: ابن القيم
717
عوائق بر الوالدين | مرابط
تفريغات

عوائق بر الوالدين


إن الله تبارك وتعالى إذا يسر للإنسان البر ورأى دلائله فما عليه إلا أن يشكر فإن الله تأذن بالمزيد لمن شكر إذا وجدت سرور الوالدين بك ورضاهما بما كان منك فاحمد الله عز وجل على نعمته واسأله المزيد من فضله نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا البر برحمته

بقلم: محمد مختار الشنقيطي
457
لا تكن إقصائيا | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

لا تكن إقصائيا


تعد لفظة الإقصاء من الألفاظ الذميمة في ثقافتنا المعاصرة فتراها تتوارد على الألسنة في سياقات متعددة وصياغات كثيرة تكشف عن نفور الناس منها وهي سياقات تشترك في التحذير من هذه الممارسة وذم أصحابها مع الدعوة إلى ما يقابلها من مفاهيم التسامح والانفتاح وسعة الصدر وتقبل الآخر وغيرها الإشكالية في هذه المقولة أنها تتسم بقدر عال من الإجمال يستدعي شيئا من التفتيش في تفاصيلها الداخلية

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2200
نظرات في فاتحة الكتاب الحكيم الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

نظرات في فاتحة الكتاب الحكيم الجزء الأول


بين يديكم مقالة تحليلية للكاتب محمد عبد الله دراز يتناول فيها فاتحة الكتاب ليخرج لنا الكثير من الكنوز والأسرار واللفتات والإضاءات التي ربما لم نلحظها أو لم ننتبه إليها من قبل فهو لا يتناول السورة بمعزل عن سور القرآن وإنما ينظر إلى مقاصدها وخطابها ومعانيها مقارنة ببقية السور وفي ضوء مقاصد الدين ورسالة الإسلام

بقلم: محمد عبد الله دراز
2508