حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج1

حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج1 | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

782 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحصار الاقتصادي والعسكري والنفسي على بغداد

أول هذه المقدمات حصار يضرب حول بغداد؛ لإضعاف الحالة الاقتصادية والعسكرية والنفسية، وشارك في هذا الحصار التتار وحلفاؤهم من الأرمن ومن المسلمين.
وهكذا ضُرِب الحصار في (13) محرم سنة (656هـ)، ثم طلب هولاكو الرسل للمفاوضات، فأرسل له الخليفة المسلم رسولين للمفاوضات، والعجيب أن الرسول الأول هو الوزير العلقمي الشيعي، والرسول الثاني: البطريرك المسيحي في بغداد.

 

تسليم الخليفة العباسي زعيمي فكرة الجهاد في بغداد وأتباعهما لهولاكو

كان الطلب الأول الذي طلبه هولاكو: تسليم مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه، اللذين كانا يتزعمان فكرة الجهاد في سبيل الله في بغداد، ولكن الخليفة رفض هذه الفكرة وعلم هولاكو من مؤيد الدين العلقمي خطورة هذين فطلب تسليمهما، فوافق الخليفة العباسي على تسليمهما استرضاءً للتتار، وبعث بالرجلين، لكن هولاكو الخبيث أراد تفريغ بغداد من المجاهدين فأعادهما وقال: ابعثوا معهما أتباعهما لنفيهم إلى الشام، وقال: نحن فقط سننفيهم إلى الشام، ووافق الخليفة وجمع لرسل هولاكو كل الناس الذين كانوا مؤيدين لفكرة سليمان شاه ومجاهد الدين أيبك، وبعثهم لـهولاكو لكي ينفيهم إلى الشام، وانتهز بعض الجبناء من المسلمين الفرصة، وطلبوا من الخليفة أن يخرجوا مع الوفد، لكي ينفوا للشام، وفي نظرهم أن هذا أحسن لهم من محاربة التتار، ووافق الخليفة على ذلك، وخرج الوفد الكبير سليمان شاه ومجاهد الدين أيبك وأتباعهما، وأولئك الجبناء الذين طلبوا النفي إلى الشام اختيارًا، وتسلمهم هولاكو، فقام هولاكو؟ فقتلهم جميعًا، فكانت خيانة عظمى وجريمة كبرى! ولكنها خيانة متوقعة.

وهكذا دبّ الرعب في أوصال الخليفة العباسي المستعصم بالله ، وأدرك في لحظة كانت واضحة لكل أهل الأرض من أن هؤلاء لا عهد لهم ولا أمانة، ولكن هذا الإدراك كان متأخرًا جدًا بعد أن فرغت بلاد المسلمين من الصفوة.

 

رسالة من هولاكو بتزويج ابنته من ابن المستعصم مقابل شروط جديدة

جاءت رسالة جديدة من هولاكو تجدد الآمال في نفس الخليفة، وهي وعود جديدة من هولاكو وفيها تزويج ابنة هولاكو لابن المستعصم بالله، وعلى أن يبقى المستعصم بالله في منصب الخلافة، والأمان لأهل بغداد جميعًا! لكن ما هي الشروط التي يمليها زعيم التتار على خليفة المسلمين؟
أولًا: تدمير الحصون العراقية.

ثانيًا: ردم الخنادق.

ثالثًا: تسليم الأسلحة، السيوف والخيول.

رابعًا: الموافقة على أن يحكم خليفة بغداد العراق تحت رعاية تترية، ثم أن يخرج له الخليفة المستعصم بالله هو ومن معه من كبار رجال الدولة والعلماء والفقهاء وأولاد المستعصم ، وبالذات الولدين الكبار: أحمد وعبد الرحمن ؛ وذلك لأن واحدًا منهم سيصير زوجًا لبنت هولاكو ، ويعدون استقبالًا كبيرًا لـهولاكو لدخول بغداد، وختم هولاكو كلامه بأنه ما جاء إلى هذه البلاد إلا لإرساء قواعد العدل والحرية والأمان، وبمجرد أن يطمئن على هذه المعاني السامية سيعود مباشرة إلى بلاده.

رحمة من هولاكو عليه لعنة الله، ومع أن سيوف التتار لم تجف بعد من دماء مئات الآلاف من المسلمين، وآخر هؤلاء مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه ، إلا أن الخليفة العباسي لم يجد بدًا من أن يسمع ويطيع.

لماذا لم يحارب الخليفة العباسي التتار حين رأى الصورة واضحة؟ ماذا سيخسر لو أنه مات مرفوع الرأس أو عاش عزيزًا ملكًا على بلاده، لكن الهزيمة النفسية الداخلية كانت أشد من أن ينتصر عليها الخليفة.

إن أهل بغداد في ذلك الوقت كانوا قد تجاوزوا المليونيين، ولكن كانوا غثاء كغثاء السيل، فقد كان جيش التتار المحاصر لبغداد مائتي ألف فقط، ولو كانت في قلوب المسلمين حمية لقاموا إليهم ولفتكوا بهم بأيديهم لا بسيوفهم ورماحهم، ولكن ماتت أرواح المسلمين قبل أن تموت أجسادهم!

 

دور الإعلام الإسلامي في مضاعفة المأساة وإضعاف معنويات المسلمين في ذلك الوقت

العجيب أن الإعلام الإسلامي في ذلك الوقت كان يضاعف من المأساة، ويزيد من حرج الموقف! فقد انتشرت الإعلانات عن جيوش التتار واستعداداته وإمكانياته ومعجزاته، فقد وجد في كتابات الأدباء والشعراء وأصحاب الأقلام في ذلك الوقت كلام عجيب، من ذلك قولهم: التتار تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم.
التتار إذا أرادوا جهة كتموا أمرهم ونهضوا دفعة واحدة، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوها.

التتار نساؤهم يقاتلن كرجالهم.

التتار خيولهم تحفر الأرض بحوافرها -يعني: حتى الخيول تخترق الأرض، وتأكل عروق النبات لا تحتاج إلى شعير ولا تمويل.

التتار لا يحتاجون إلى الميرة والمؤن، والميرة: التي هي المواد المغذية للجيش؛ وذلك لأن معهم الأغنام والأبقار والخيل.

التتار يأكلون جميع اللحوم ويأكلون بني آدم، هذا الكلام فعلًا كان مكتوبًا في كتبهم.

اجتياح هولاكو بغداد وقتله الخليفة وأبناءه وكبراء قومه من الوزراء والعلماء
رضخ الخليفة الضعيف المستعصم بالله ، وخرج هو وكبراء قومه وأبناؤه إلى لقاء هولاكو ، وهناك أمسك هولاكو بالخليفة وقتل كل من معه في لحظة واحدة، فكان غدرًا فظيعًا من هولاكو ، وهو أمر متوقع تمامًا، ولكن هولاكو أبقى على حياة الخليفة المستعصم بالله ؛ لكي يعلمه بمكان كنوز العباسيين، أين كنوز الأجداد التي جمعت على مدار خمسة قرون سابقة؟ قاد هولاكو الخليفة أمامه يرسف في أغلاله، ودخل به بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية ما يزيد على خمسة قرون، فكم من الجيوش خرجت لتجاهد في سبيل الله من هذا المكان؟ كم من العلماء جلسوا يعلمون الناس دينهم في هذا المكان؟

أواه يا بغداد لم يبق لك أحد، أين خالد ؟ أين القعقاع؟ أين النعمان؟ أين المثنى بن حارثة ؟ أين سعد بن أبي وقاص؟ أين الحمية في صدور الرجال؟ أين النخوة في أبناء المسلمين؟ أين العزة والكرامة؟ أين الذين يطلبون الجنة؟ أين المقاتلون في سبيل الله؟ لا أحد، فتحت بغداد أبوابها على مصراعيها، لا مقاومة، لا حراك، لم يبق في بغداد رجال، ولكن فقط أشباه رجال.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التتار #الدولة-العباسية
اقرأ أيضا
ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا | مرابط
اقتباسات وقطوف

ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا


ما أكثر الأوقات التي تضيع على من غفل عن ذكر الله تضيع بلا فائدة وأنت إذا رأيت من نفسك أن أوقاتك ضائعة بلا فائدة فيجب عليك أن تلاحظ قلبك فإن هذا لا يكون إلا من غفلة القلب عن ذكر الله ولو رأيت أو لو نظرت فيما سبق من التاريخ كيف أنتج العلماء ما أنتجوا من المؤلفات

بقلم: ابن عثيمين
492
خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج1 | مرابط
فكر الديمقراطية

خلط الإسلام بالديمقراطية إساءة كبيرة للإسلام ج1


الديمقراطية لما كانت تعني باختصار حكم الشعب - سواء في وضعها البدائي عند اليونان أو في تطبيقاتها المعاصرة - صار الشعب عندهم هو مصدر السلطات بما فيها أهم وأكبر السلطات وهي السلطة التشريعية التي تعد في الإسلام خالص حق الله وحده لاشريك له وبذلك أصبح الشعب في الوضع الديمقراطي المرجع الوحيد في التحليل والتحريم فالمحرم ما حرمه الشعب والمباح ما أباحه بقطع النظر عن وجود حكم شرعي مغاير بالكلية لاختيار الشعب في القرآن والسنة وإجماع الأمة عبر القرون

بقلم: د عبدالله بن عبدالعزيز العنقري
2668
دلالة المخلوقات على الخالق | مرابط
تعزيز اليقين

دلالة المخلوقات على الخالق


إن كل شيء يدل على وجود الله تعالى إذ ما من شيء إلا وهو أثر من آثار قدرته سبحانه وما ثم إلا خالق ومخلوق والمخلوق يدل على خالقه فطرة وبداهة إذ ما من أثر إلا وله مؤثر كما اشتهر في قول الأعرابي الذي سئل: كيف عرفت ربك؟ فقال -بفطرته السليمة: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وجبال وبحار وأنهار أفلا تدل على السميع البصير؟

بقلم: سعود العريفي
261
استحضار أرواح الموتى | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

استحضار أرواح الموتى


بلغ من افتتان الغرب بالمنهج التجريبي في المعرفة أنهم طمحوا إلى إخضاع عالم الغيب للتجريب وكان من أبرز ما ظهر في هذا الميدان إدخال عالم الروح في ميدان التجريب وابتدعوا لذلك علما سموه الروحية أو spiritualism وفي هذا المقال توضيح لهذه الدعوة وبيان مآلاتها والرد عليها

بقلم: محمد محمد حسين
2358
هجرة وهجرة | مرابط
مقالات

هجرة وهجرة


الهجرة إلى الله عز وجل من أسمى المعاني الإيمانية ومن أعظم التضحيات التي يمكن أن يقدمها العبد إرضاء لله سبحانه وتعالى ومن ثم وعد الله عز وجل الذين هاجروا بأعظم الثواب وأرفع الدرجات فقال سبحانه وتعالى والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون

بقلم: د راغب السرجاني
2142
موقف شحرور من وجود الله | مرابط
فكر مقالات

موقف شحرور من وجود الله


يقول شحرور: الإيمان بالله عندي تسليم وأنا مسلم بوجود الله واليوم الآخر وهذه مسلمة والمسلمة هي أمر لا يمكن البرهان عليه علميا كما لا يمكن دحضه علميا ولهذا لا يجوز للملحد المنكر لوجود الله أن يقول: أنا ملحد لأن الإلحاد موقف علمي ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي وعندي أن الإلحاد أو الإيمان خيار يختاره الشخص بنفسه ولنفسه وفي هذا المقال فحص وتمحيص لمسألة وجود الله عند شحرور

بقلم: يوسف سمرين
2439