رواية الأحاديث بالمعنى لم تدخل ضررا على الدين ج1

رواية الأحاديث بالمعنى لم تدخل ضررا على الدين ج1 | مرابط

الكاتب: محمد أبو شهبة

2352 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ملخص: مقال مختصر يرد فيه الكاتب محمد أبو شهبة على بعض الشبهات والأباطيل التي أثارها محمود أبو رية حول السنة النبوية، ومن ذلك زعمه أن الأحاديث رويت بالمعنى وأن هذا ربما أدخل ضررًا على الدين، بل وقال أن الرواية بالمعنى هو الأصل والقاعدة والرواية باللفظ هو العارض أو النادر، وبالطبع يؤسس بهذا لفكرة أخرى وهي أن الأحاديث لم تسلم من التغيير والتبديل والتحريف وأنها لم تصلنا بلفظها كما نطقها النبي، ويرمي في النهاية إلى توهين الانقياد والاستسلام للسنة النبوية بشكل عام.

 

الرواية بالمعنى وشبهات أبي رية

1- من دَأْبِ هذا المؤلف -يقصد أبا رية- في كتابه أنه إذا استولت عليه فكرة أو غلب عليه هوى، جعل البحث تابعًا لما يرى أو يَهْوَى، وفي سبيل هذا يركب الصعب والذلول، ولا عليه في هذا السبيل أنْ يُحَرِّفَ الكَلِمَ عن مواضعه، وَيُحَمِّلَ الألفاظ ما لم تتحمل، وأنْ ينقل نقولًا بتراء، وأنْ يقع في أعراض بعض العلماء والأئمة المُتَثَبِّتِينَ. ومن دأبه اَيْضًا التهويل والمبالغة عند عرض فكرة أو رأي له، وأنه يجعل الفرع أصلًا والأصل فرعًا، وهذا هو ما صنعه عندما عرض لبحث «رواية الحديث» في [ص 54] وما بعدها فقد جعل رواية الأحاديث بالمعنى هو الأصل والقاعدة ومجيئها على اللفظ أمرًا شاذًا نادرًا.

بل وأنحى باللائمة والتجهيل للذين يحسبون: «أنَّ أحاديث الرسول التي يقرأونها في الكتب أو يسمعونها مِمَّنْ يتحدَّثون بها جاءت صحيحة المبنى مُحْكَمَةَ التأليف، وأنَّ ألفاظها قد وصلت إلى الرُواة مصونة كما نطق بها النَّبِي بلا تحريف ولا تبديل، وأنَّ الصحابة ومن جاء بعدهم مِمَّنْ حملوا عنهم إلى زمن التدوين قد نقلوا هذه الأحاديث بنصها كما سمعوها، وأدُّوها على وجهها كما لَقَّنُوهَا، فلم ينلها تَغَيُّرٌ ولا اعتراها تبديل، وأنَّ الرُواة للأحاديث كانوا صنفًا خاصًا في جودة الحفظ وكمال الضبط وسلامة الذاكرة»، إلى أنْ قال: «ولقد كان -ولا جرم- لهذا الفهم أثر بالغ في أفكار شيوخ الدين -إِلاَّ من عصم ربك- فاعتقدوا أنَّ هذه الأحاديث في منزلة آيات الكتاب العزيز من وجوب التسليم بها، وفرض الإذعان لأحكامها، بحيث يأثم أو يَرْتَدُّ أو يفسق من خالفها، ويستتاب من أنكرها أو شك فيها».

والقارئ لهذا الكلام - إذا لم يكن من أهل العلم والمعرفة بالحديث النبوي - يُخَيَّلُ إليه أنَّ السُنَّة لم يأت فيها حديث على مُحْكَمِ لفظه، وأنها قد دخلها الكثير من التغيير والتحريف، مع أنَّ الأصل في الرواية أنْ تكون باللفظ المسموع من الرسول - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ -، وأما الرواية بالمعنى فهي رُخْْصَةٌ يَتَرَخَّصُ فيها بقدر الحاجة إليها إذا غاب اللفظ عن الذهن أو لم يتأكد منه.

ومِمَّا لا ينبغي أنْ يخفى على باحث في الحديث النبوي أنْ يعلم أنَّ بعض العلماء والرُواة قد منعوا الرواية بالمعنى مطلقًا، وألزموا أنفسهم وغيرهم بأداء اللفظ كما سمع، وأنَّ من أجاز من العلماء والرُواة الرواية بالمعنى إنما أجازها بشروط فيها غاية التحوط والأمن من التزيد والتغيير والتبديل، فقالوا: لا تجوز الرواية بالمعنى إِلاَّ لعالم عارف بالألفاظ ومقاصدها، خبير بما يحيل معانيها، بصير بمقدار التفاوت بينها، كما قالوا: إنَّ هذا فيما يروى قبل أنْ يُدَوَّنَ، أما ما دُوِّنَ في الكتب فلا يجوز تغييره بمرادفه ولا التصرف في لفظه بحال من الأحوال (1).

والعجيب أنَّ المؤلف نقل نحوًا من هذا عن كتاب " توجيه النظر " للعلامة الشيخ طاهر الجزائري، ولا أدري كيف ينقل شيئًا ولا يقتنع به؟! وكيف غاب عن ذهن المؤلف أنَّ التدوين بدأ بصفة عامة ورسمية في نهاية القرن الأول، ولم يكد ينتهي القرن الثالث حتى كانت السُنَّة كلها مُدَوَّنَةً في الكتب من صحاح وسُنن ومسانيد؟ وأنَّ بعض الصحابة والتابعين كانوا يُدَوِّنُونَ الأحاديث في القرن الأول ولا سيما بعد وفاة النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (2) فكيف تتفق هذه الحقائق وما رمى به من أحكام جائرة ظالمة؟ وهل على أحد من حرج بعد هذا لو وصم هذا المؤلف بِخُبْثِ الطَوِيَّةِ وَسُوءِ القصد ومحاولة هدم الأصل الثاني من أصول التشريع؟؟.

وماذا يبتغي أعداء الإسلام أكثر مِمَّا يقوم به «أَبُو رَيَّةَ» وأمثاله من تقويض إحدى دعامتي الدين بهذه المحاولات الفاشلة الهازلة؟ وليعلم أَبُو رَيَّةَ أنَّ شيوخ الدين - أَعَزَّهُمْ اللهُ - حينما يعرفون للسُنَّةِ مكانتها من الدين، ويحلونها من أنفسهم المحل اللاَّئق بها، ويرون التزامها علمًا وعملًا وسلوكًا، وَيَذُبُّونَ عن ساحتها كل دَعِيٍّ زنيم، ويفسقون أو يؤثمون من يرد ما ثبت من السُنَّة ويحاول جاهدًا إبطالها والكيد لها أو الاستهزاء والاستخفاف بها، لا يستحقون منه كل هذا الغمز واللمز، لأنهم يصدرون في هذا عن دين قويم ورأي مستنير وعلم أصيل.

 

أهل القرون المفضلة

2- إنَّ هذه الأحكام الجائرة إنما تصدر عَمَّنْ غفل عن العوامل الدينية والنفسية والخلقية التي اتَّصَفَ بها الرُواة من الصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم من أهل القرون الفاضلة بشهادة المعصوم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشهادة الواقع التاريخي، فهم ذَوُو الدين الكامل والخُلُقِ العالي والتقوى والمروءة، وهم يعلمون حَقَّ العلم [أنهم] يَرْوُونَ نَصًا يعتبر مرجعًا في الدين وأصلًا من أصوله وأنَّ أَيَّ تزيد فيه أو تحريف وتبديل يُؤَدِّي بهم إلى أنْ يَتَبَوَّأُوا مقاعدهم في النار، وهم إلى ذلك ذَوُو حوافظ قوية، وأذهان سَيَّالَةٍ، ووِجْدَانٍ حَيٍّ، وقلوب عاقلة واعية، وإنكار هذه الخصائص أو بعضها إنكار للحق الثابت والواقع الملموس.

 

من أدلة المجوّزين للرواية بالمعنى

3- حينما نقل من أدلة المُجَوِّزِينَ للرواية بالمعنى حديث عبد الله بن سليمان اللَّيْثِيِّ قال:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ الْحَدِيثَ لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُؤَدِّيَهُ كَمَا أَسْمَعُ مِنْكَ يَزِيدُ حَرْفًا أَوْ يَنْقُصُ حَرْفًا، فَقَالَ: «إِذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا، وَلَمْ تُحَرِّمُوا حَلاَلًا، وَأَصَبْتُمُ الْمَعْنَى فَلاَ بَأْسَ» فَذُكِرَ هَذَا لِلْحَسَنِ فَقَالَ: «لَوْلاَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا»، قال في الهامش [ص 57]: هذا الحديث يناقض ولا ريب حديث: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا» ولكن لا بُدَّ لكل فئة من أنْ تُؤَيِّدَ رأيها بحديث، يريد الطعن فيه بالوضع والاختلاق.

وإني أقول له إنَّ هذا الحديث رواه ابن منده في " معرفة الصحابة "، والطبراني في " المعجم الكبير "، والخطيب في كتبه، وغيرهم، ونقله أئمة الحديث وأطباؤه في كتبهم، ولم يحكم عليه أحد منهم بالوضع (1)، وكنت أحب من المؤلف لو أراد البحث النزيه المستقيم أنْ ينقده نقدًا صَحِيحًا من جهة سنده أو متنه، وَيُبَيِّنُ موضع الدخل فيه، ولكنه لم يفعل، أما ما تَخَيَّلَهُ من مناقضة بين الحديثين فغير صحيح، فحديث «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا ... » للترغيب في المحافظة على المسموع وَالحَثِّ عليه، وليس من شك في أنَّ المُجَوِّزِينَ للرواية بالمعنى يرون أنَّ الأفضل والأحسن رواية الحديث بلفظه، وأما الحديث الثاني فهو لبيان جواز الرواية بالمعنى بشروطها، ثم ألا يقال لمن روى كلامًا بمعناه مع التحوط البالغ إنه أَدَّاهُ كما سمعه؟ بلى.

 

بعض الأحاديث التي يستدل بها أبو رية

4- ولكي يُدَلِّلَ المؤلف على ما جازف به من آراء فإنه ذكر أمثلة للرواية بالمعنى، فعرض لما ورد في صيغ التشهد من أحاديث، ولما ورد في «حديث الإسلام والإيمان»، وحديث «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» وحديث «مِنَ الصَّلاَةِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»، وقد استغرق ذلك من كتابه عِدَّةَ صفحات، والغرض الذي قصده من وراء هذا أنْ يخلص إلى ضرر الرواية بالمعني من الناحية الدينية، وقد شاء الحق سبحانه أنْ يسقطه بسبب ما عرض له سقطات لا لما له منها، وقد أسفرت عن ضحالة المؤلف في البحث، ومبلغ علمه بالحديث، وَسَأُبَيِّنُ وجه الحق فيما عرض له مع الإيجاز...

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. مقدمة ابن الصلاح بشرحها " ص 110، طبعة الشام
  2. مفتاح السُنَّة ": ص 18

 

المصدر:

  1. محمد بن محمد أبو شهبة، دفاع عن السنة، ص55
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إنكار-السنة
اقرأ أيضا
واجبنا تجاه ما أخبر به الله ورسوله | مرابط
تفريغات

واجبنا تجاه ما أخبر به الله ورسوله


فعلى العبد أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أسماء الله وصفاته على الوجه الذي يليق به سبحانه لا يشابه خلقه في شيء من صفاته فنؤمن بذلك على الوجه الذي يليق به سبحانه ليس له مثيل ولا نظير ولا كفء ولا ند جل وعلا فعلمه كامل ليس كعلمنا وقدرته كاملة ليست كقدرتنا وبصره كامل ليس كبصرنا وهكذا بقية صفاته سبحانه وتعالى وهكذا يسمع ويبصر ليس كسمعنا وبصرنا بل هو أكمل وأعظم

بقلم: ابن باز
363
ولا يبدين زينتهن | مرابط
تفريغات المرأة

ولا يبدين زينتهن


قول الله جل وعلا: ولا يبدين زينتهن النور:31 في نهي الله جل وعلا عن إبداء الزينة جاءت الزينة في هذه الآية في موضعين: الموضع الأول في النهي والموضع الثاني في الاستثناء إلا ما ظهر منها أمر الله جل وعلا بعدم إبداء الزينة وفي قوله جل وعلا: إلا ما ظهر منها النور:31

بقلم: عبد العزيز الطريفي
715
مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى


ومن أعظم صور المكابرة للفطرة وللعقل في الفكر الليبرالي: هي مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى وبهذا يهونون من الغايات كفاحشة الزنى لو وقعت وأن الغايات لا تستحق لأجلها وضع كل هذه الوسائل التي يسمونها عراقيل وعقبات فهم ينظرون لزنى الجنسين كمصافحة الكفين لبعضهما بل من المسلمين من يعظم أمر مصافحة الجنسين الأجنبيين بعضهما البعض أعظم من تعظيم زناهما في الفكر الليبرالي انتكست الفطرة وزالت الغايات وزالت الوسائل معها

بقلم: عبد العزيز الطريفي
1037
مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن ج2 | مرابط
مناقشات

مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن ج2


تعتبر مقالات محمد الخضر حسين من أهم ما قدم في الرد على كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي وهذه المقالات تفند جميع مزاعمه وترد عليها وتبين الخطأ أو ربما الأخطاء والمغالطات التي انطوت عليها نظريته التي قدمها فيما يخص الشعر الجاهلي وكيف أن هذه الأخطاء تفضي إلى ما بعدها وبين يديكم أحد أهم مقالاته في الرد على كتاب طه حسين حول موضوع الحياة الجاهلية وهل نلتمس ملامحها من القرآن أم من الشعر

بقلم: محمد الخضر حسين
682
حين يكون الرد على النسوية سببا في انتشارها | مرابط
النسوية

حين يكون الرد على النسوية سببا في انتشارها


مع انتشار موجة النسوية وما تحمله من أفكار مخالفة للشريعة فإن من الواجب على المصلحين أن يعتنوا بمقاومة هذه الموجة ويبنوا أسوار الوقاية من أضرارها وينقضوا أصولها ويكشفوا زيف شعاراتها بالحجة والبرهان. غير أن بعض من يقاوم هذه الموجة يتعامل بطريقة تزيد من انتشارها بدلا من تقليصها وهذا ما يوضحه الكاتب في مقال موجز.

بقلم: أحمد يوسف السيد
818
هل شك إبراهيم عليه السلام | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل شك إبراهيم عليه السلام


يقول بعض الطاعنين في القرآن الكريم أن بعض الآيات صورت سيدنا إبراهيم بغير ما يليق به وهذا دليل على أن القرآن ليس وحيا من عند الله ويستندون في ذلك إلى مسألة ربوبية الشمس والقمر وإلى طلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يشهد عملية الإحياء والرد على هذا الزعم الباطل في المقال الذي بين يدينا بقلم الدكتور منقذ السقار

بقلم: د منقذ محمود السقار
2558