بدأت أؤمن أن فتنة النساء بالنسبة للرجال ليست مقتصرة أبدا على الانجذاب الفطري لها بشكل محرم إذا لم تكن زوجة، أو بشكل يؤدي إلى محرم إذا كانت زوجته ولكن يؤدي التعلق بها إلى حرام آخر في اكتساب المال أو عقوق الوالدين وغير ذلك.
فقد رأيت حالات قد يؤدي تعلق الرجل فيها بالمرأة كحالة أو كقضية عامة -وليس التعلق بامرأة معينة بالضرورة- إلى منزلقات عقدية وشرعية كثيرة، حالة التعاطف المطلق مع المرأة سواء كانت مصيبة أو مخطئة، تعميم حالة الاستضعاف على النساء جميعا لجعله هو الأصل وتعميم أو المبالغة في رصد حالات تجبر الرجال -الذي هو منهم- بصورة تنفي مطلقا التناسب بين فطرة الرجل وبين تكاليفه، يؤدي تعميم الاستثناء واستخدام الإعذار دائما لجانب واحد دون الآخر إلى الاصطدام مع الشريعة بلا شك، وتقديم الهوى والاستحسان الشخصي عليها، ذلك لأن الشرع نزل بالأحكام العامة والمركزية بناء على الأصل في الخلقة، وشرع وسائل التعامل مع الاستثناءات، لكن عندما تقوم أنت تدريجيا بنفي ذلك الأصل ستسقط الأحكام العامة والمركزية نفسها وكأن الخالق الذي يعلم من خلق لم يكن يعلم خلقه جيدا بمقدار علم ذلك الفتى مدعي الفكر والإنصاف، فالأصل المبني عليه الحكم لن يكون أصلا -عنده-، بل ولا يلتزم حتى بأحكام الاستثناء مع الحالات التي تحيد عن الطريق، فهي كافية جدا.. ولكن.
ولكن الذي يشعل شرارة الهوى والعجب في فتيل الانتقائية والاستحسان لا تتوقف نيرانه قبل أن تأتي على كل ما في قلبه من تسليم وتعظيم لشعائر الله، أصلا واستثناء، إلا أن يتغمده الله برحمته وتطفئ أمطار الإفاقة نيران هواه في وقت مناسب.
وياليت سرعة انتشار الحريق معتمدة فقط على الشرارة والفتيل، ولكن للأسف تعليقات النساء (الموجوعات) اللاتي وجدن أخيرا الرجل المتدين العاقل الذي يدافع عنهن (بإطلاق) إلى درجة الاصطدام الصريح أو غير الصريح مع الشرع نفسه تنصب على هذه النار كالبنزين، فتجد للأسف انحدار من أخذ تلك البداية يمضي بسرعة كبيرة تتناسب مع مربع عدد التعليقات الشاكرة والمؤيدة والمطالبة بالمزيد من الإعانة والمساندة الفكرية لجبر ضعفهن ومحو دموعهن ورفع الظلم - بدون تعريف شرعي لهذا الظلم- عنهن.
ولا تتصور أنني أقصد أولئك المنتفعين الفاسدين الذين يتوددون للنساء بمنتهى "المياصة" لتحقيق شهرة ومكاسب مالية في مراكزهم ومحاضراتهم ودوراتهم "التخريبية"، ولا حتى أقصد من يفعلون هذا لإقامة علاقات نسائية مع بعض المنبهرات بزيادة، بل أنا أتكلم عن أناس لا يتكسبون من هذا التوجه، وربما يشعرون من داخلهم أنهم يحسنون صنعا ويخدمون أمة وينقذون مجتمعا، لكن ضغط نوعية القضية المؤثر جدا في نفسية الرجال ولو كانوا حازمين -كما جاء في نص الحديث النبوي الذي يغفل أكثر الناس عن مغزاه الحقيقي- يدفع الرجل للسير في عكس الاتجاه ونسيان أن إحسان الصنع وخدمة الأمة وإنقاذ المجتمع لن يكون أبدا بأهوائه ولا بتأييد المعلقات، وإنما بالعودة والدعوة إلى الشرع الذي لم تطرأ تلك المشكلات أصلا إلا بسبب كثرة المخالفين و"المخالفات" له.