فقه الواقع: بين النسوية والدعاة

فقه الواقع: بين النسوية والدعاة | مرابط

الكاتب: أسامة لعايض

373 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

بعض الدعاة والشيوخ يخدمون النسوية وإن ادعو محاربتها، كما خدم عدنان إبراهيم الإلحاد وسأشرح كيف:

نموذج عدنان والإلحاد

عدنان إبراهيم دجال، ولكن لنفترض لوهلة أنه كان حسن النية وصادقا في طرحه. نلاحظ أن عدنان إبراهيم كان له ردود على الملاحدة، وبعض الدعاة استحسنها فعلا. ولكننا لم نسمع بكثير من الملاحدة اهتدو بسبب ردود عدنان إبراهيم، بل على العكس، سمعنا بشباب كثير ألحدو بسبب استماعهم لعدنان إبراهيم، لماذا؟

معظم الشباب الذين يلحدون تجدهم مصابين ببعض أمراض العصر، كانبهارهم بالغرب، أو تعظيمهم للدنيا فوق كل اعتبار أو تأثرهم بفكرة نسبية الحقيقة وتكافؤ الأدلة، وهذا هو الأغلب فيهم. حيث أن معظم من يلحد، لا تجده يقضي وقتا في التفكر في بعض الأصول كنشأة الكون والإبداع في الكون.... إلخ، بل تلاحظ تأثير أمراضه النفسية في حواراته التي يناقش فيها الفرعيات دائما.

وعدنان إبراهيم كان يزيد من استحكام هذا المرض في خطاباته لأنه هو بنفسه معظم للغرب ولمركزية الدنيا. فيجعل متابعيه معظمين للغرب أكثر مما هم فيه، ويجعل أمور الدنيا عندهم فوق كل عقيدة وكل اعتبار.

زد على هذا طيش الشباب وحب تميزهم وكثرة الشهوات والشبهات التي يتعرضون لها كل يوم، فهذا يزيد من حيرتهم وكثرة تخبطهم.
هذا الشاب، عندما يشاهد خطبة لعدنان إبراهيم، لن يشاهدها ليزداد علما، إنما غرضه الاحساس بالطمأنينة في منهجه عبر التقاط شبهة حول حجية السنة، أو طعن في صحابي، أو إلقاء اللوم على الفقهاء عبر العصور واتهامهم بالتشدد... الخ.

وحتى لو ألقى عدنان إبراهيم، سلسلة محاضرات تأصيلية في الرد على الإلحاد، فإن الشاب الملحد لن يتأثر بشكل كبير بخطاب عدنان إبراهيم، لأن الحقيقة بالنسبة له ولعدنان إبراهيم غير مطلقة، وأن الملحد يمكنه أن يكون خيرا من المسلم ويدخل الجنة، إذ أن الادلة بالنسبة له متكافئة، والنقاش في أصل الوجود عويص، ويعذر فيه الانسان مهما كانت النتيجة التي توصل إليها. أليس عدنان إبراهيم هو نفسه الذي اخترع حوارا خياليا بين ستيفن هوكنغ والله تعالى؟

أليس عدنان إبراهيم هو الذي قال أن لا مشكلة عنده في الترحم على ستيفن هوكنغ ولا يترحم أبدا على سيدنا معاوية بن أبي سفيان؟ فما الفائدة من التأصيل في أمور الإلحاد إذا؟ على الأقل، اذا كنت ملحدا، سيرأف بك عدنان إبراهيم ويبحث لك عن أعذار، أما إذا أسلمت، فأنت معرض للشتم والتهم وجلد الذات الذي يلقيه عدنان إبراهيم في أسماع المسلمين ليل نهار.

الدعاة والنسوية

نرجع لبيت القصيد... المرأة اليوم، متأثرة كما الرجل بمحدثات الثقافة الغالبة، وغالبا، لن تجد امرأة إلا وهي متأثرة بفكرة المساواة مع الرجل إلى حد ما، أو فكرة الاستحقاقية بحيث ترى أن أعظم شيء تمتلكه هو كونها امرأة، وفكرة المظلومية... الخ

فتجدها محملة بالعديد من الأفكار المسبقة وتعتبرها مسلمات، ونظرا لأنها تحب الدين، فهي تحاول أن تجد نقطة اتصال بين تلك الأفكار والشرع، وهنا يأتي دور الداعية الذي لا ينتبه لمداخل العصر، ولا لأمراض الناس النفسية، فلا يستطيع أن يعالج مشاكل الناس بشكل جذري بسببها، هذا إن كان يفهمها أصلا.

فهو عندما يرى مجموعة من النساء يستمعن إليه، يعتقد بسذاجة أنهن جئنه ليتعلمن أمور دينهن مبدئيا، وهذا غير صحيح... المرأة المحملة بأفكار العصر لا تحتاج منك أن تشرح لها الدين كما يجب، بل هي تحتاج منك أن تكلمها عن:

-تكريم الإسلام للمرأة، حتى لو لم تتكلم بالتفاصيل، هي ستتكلف بذلك.
-حقوق المرأة في الإسلام، وتحدث بشكل عام وهي ستتكلف بملئ الفراغات في كل ما يمكن تصنيفه في جانب الحقوق.
-ظلم الرجال للمرأة عبر التاريخ.
-تكلم عن بعض القصص التي كانت فيها المرأة ضحية لبطش الرجل حتى نبرر بها بعض حالات النشوز والطيش.
-تكلم عن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، ليس لتعليم الرجال كيفية التعامل مع زوجاتهم، فالتعدد الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم جريمة، وليس للتعلم من أخلاق أمهات المؤمنين، ولكن لإضفاء صيغة شرعية تمكن المرأة من تأنيب زوجها لعدم موافقته زوج الأحلام الذي صنعته لها المسلسلات.

الأمثلة لا تحصر في هذا السياق ولكن عموما، أغلب النساء اللاتي يتابعن الدعاة، ليس لهن هم في معرفة أحكام المرأة في الإسلام بشكل متجرد، إنما هن يلتقطن ما يحتجنه في حياتهن لإضفاء الصيغة الشرعية على تصرفاتهن دون الشعور بالذنب. ولهذا تجد الواحدة منهن لا تعرف عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها تحفظ كل الآيات والأحاديث التي تحض على الحرص على المرأة وحفظ حقوقها. بل تستحضر هذه الأدلة بشكل تلقائي عند الحوارات، لان المسألة بالنسبة لها مشروع عمر وليس نقاشا عابرا كما توهمت أيها الساذج.

ولذلك، الدعاة الذين لا ينتبهون لهذه العقد والأمراض، ولا يهتمون بمعالجتها لا ينتبهون أن خطاب الترغيب والمداهنة الذي يستعملونه لا ينفع إلا في جلب جمهور نسائي ليستفيد من مادته بالشكل الذي يرغب فيه. واذا لم تعجبه مادة، تحول الجمهور إلى داعية آخر.

حتى لو ادعى هذا الداعية أنه يحارب النسوية وأنه سجل موادا في ذلك، فإن هذه المواد عموما لا يكون لها أثر على أرض الواقع. فالمرأة المريضة بداء الاستحقاقية والمظلومية، وإن تكلمت لها عن واجباتها في الإسلام بشكل عام، تستطيع أن تأول كلامك بما يتلائم مع مظلوميتها واستحقاقيتها:

- فهي تشعر أن من الواجب عليها، عذر المجتمع الذي لم يعاملها كأنها ملكة ولم يذقها حياة الترف التي تستحق.
- هي تشعر أن من الواجب عليها الصبر على كون زوجها لا يشبه ألفريدو الذي كانت تتابعه في المسلسل الأخير.
- هي تشعر أن من الواجب عليها السكوت عن بعض الظلم تشعر به كل يوم، الظلم الذي في عقلها طبعا.

هذا يتعلق بالخطاب الدعوي اليوم، وإلا فهناك جانب مهم لا يجب إهماله وهو تراكم أساليب الخطابات الدعوية في القرنين الأخيرين. إذ أن المسلمين غيرو من أساليبهم الدعوية في التعامل مع الجماهير وذلك تأثرا بالإرهاب والضغط الذي وجه إليهم من قبل الغرب وأذناب المستشرقين. وبكثرة الإتهامات بالغلو واضطهاد المرأة التي وجهت إليهم مرارا وتكرارا، اتخذ الخطاب الدعوي موقفا دفاعيا فأصبح الشغل الشاغل لكل الدعاة إظهار تبرئهم من أي فكر يضطهد المرأة أو يتشدد في امرها (من خلال وجهة نظر غربية). وهذه المسألة، يفهمها كثير من الدعاة ولكنهم سرعان ما يقعون في مثلها بدون ان يشعرو بسبب تأثير العوامل الخارجية فيهم. ولهذا فكلامي هذا لا أتهم فيه النيات بقدر ما أتهم فيه فهم الواقع وعدم التنبه للتغيرات المحيطة بالشخص. 

مع أن النيات تلعب دورا مهما في هذا الموضوع، إذ أن كثيرا من المتصدرين تكون لديهم رغبة ملحة في جمع الجمهور وذلك لكي تصل كلمته إلى أكبر عدد ممكن من الناس، ومع المدة تتحول وسيلة التجميع إلى غاية في حد ذاتها فيفتن الداعية بالجماهير ويجد حرجا في معارضة أهواء من يتشوقون لسماع كلامه.

لهذا عندما نقول أن بعض الدعاة يساهمون في نشر النسوية، لا نقصد أنهم يدعمون الفكر النسوي مباشرة أو يتلقون دعما من منظمات نسوية ضرورة، إنما قد يكون داعما لها دون أن يشعر، هذا إن كان سليم النية طبعا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #الدعاة
اقرأ أيضا
كيف تقرأ كتابا ج3 | مرابط
تفريغات

كيف تقرأ كتابا ج3


من الأمور التي تشد أو تحبب القراءة للشخص أن يحس بالمردود وإذا كان المردود سريعا كان تحبيب القراءة أو حبه للقراءة أكثر فمثلا: لو أن الإنسان قرأ مسألة فقهية ثم تعرض لها فإنه يستأنس جدا لأنه يعرف الجواب مثلا: لو قرأت عن الحج ثم ذهبت إلى الحج سيكون إحساسك بفائدة القراءة كبيرا لو قرأت كتابا في صفة الوضوء أو صفة الصلاة وأنت تطبق ذلك يوميا ستشعر بحب للقراءة لأن الثمرة مرئية ومشاهدة وسريعة

بقلم: محمد صالح المنجد
410
أثر نظرية التطور على الدين | مرابط
اقتباسات وقطوف

أثر نظرية التطور على الدين


مقتطف من كتاب ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث للدكتور سلطان العميري يتحدث فيها عن أثر نظرية دارون على الدين حيث كان لهذه النظرية أثر بليغ وخطير على العقل الغربي بأجمعه ونتيجة لذلك التأثير جعل روبرت داونز كتاب أصل الأنواع لدارون مندرجا ضمن قائمة الكتب التي غيرت وجه العالم

بقلم: سلطان العميري
500
الاحتجاج بخصوصية نزول الآيات | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاحتجاج بخصوصية نزول الآيات


إن أغلب محاولات الإصلاح بالقرآن الكريم تواجه بهذه الدعوى أن الآية نزلت في الكفار أو نزلت في الشرك الأكبر فلا ينبغي الاستدلال بها في كذا وكذا والحقيقة أن هذه دعوى خاطئة وهذا مقتطف لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يعلق على نفس القضية

بقلم: محمد بن عبد الوهاب
2306
أهل البدع يتوارثون الحقد على ابن تيمية | مرابط
تفريغات

أهل البدع يتوارثون الحقد على ابن تيمية


هذا الرجل النبيل الكريم البحر العلم الذي ما يزال يرمى بالكفر حتى هذه الساعة وكثير من المسلمين لا يعرفون شيئا عنابن تيمية حياة شيخ الإسلامابن تيميةحياة لا تعلم إلا بمطالعة كل ما كتب عنه سواء بقلمه أو بقلم أتباعه فإذا كنت ممن يحبه بالغيب تزداد له حبا وإن كنت ممن يتوقف في محبته فتحبه بلا تردد وإن كنت ممن عاديته فتراجع نفسك على أقل تقدير

بقلم: أبو إسحق الحويني
617
القرآن الكريم وطلب العلم | مرابط
مقالات

القرآن الكريم وطلب العلم


كلما وجدت شخصا يريد الفقه في الدين ويلتمس العلم يبذل ويتعب ويجتهد في التحصيل والقراءة ويصبر على قراءة واستماع سجالات فكرية ومسائل مثارة وكتب فكرية ونحوها. لكنه مصروف عن القرآن لا يصبر على تلاوته ولا على تعلمه ولا يسعد به ولا يطلب معانيه ولا يطلبه أن يكون في صدره بل لو قرأ شيئا منه يقرأه قراءة روتينية قراءة موظف يفكر متى ينتهي من ورده لو كان له ورد أصلا أقول: هذا شخص مسكين جدا والله أشفق عليه جدا

بقلم: حسين عبد الرازق
460
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج2 | مرابط
تفريغات

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج2


لو قال قائل: إن زفر وابن القاسم والمزني والأثرم كانوا فقهاء وكل واحد منهم ينتمي إلى مذهب من المذاهب الأربعة وإن أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد لم يكونوا فقهاء أو قال: إن الأخفش وابن الأنباري والمبرد كانوا نحاة والخليل وسيبويه والفراء لم يكونوا نحاة فهذا مستحيل ولا يوافقه أحد من أهل هذا الفن وأيضا لو قال أحد: إن صاحب الملكي والمسيحي ونحوهما من كتب الطب كانوا أطباء ولكن بقراط وجالينوس ونحوهما لم يكونوا أطباء فقوله مردود عند الأطباء وأصحاب كل فن يعرفون المتقدم في هذا الفن ولا يمكن أن يقروا بص...

بقلم: سفر الحوالي
726