في معاني تفضيل عشر ذي الحجة

في معاني تفضيل عشر ذي الحجة | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

348 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

 

من مقتضيات ومعاني التفضيل لهذه العشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها محترزات ومنهيات في بعض الأعمال, فالزمن والمكان الذي يقع فيه نهي بفعل من الأفعال آكد من غيره؛ لأن هذا تعظيم له, ومكة أعظم من غيرها؛ لأنها حرم, فيحرم أن ينفر الصيد, وكذلك أن يعضد الشوك ونحو ذلك.

 

وكذلك أيضًا أن يلحد الإنسان فيها بشيء من الذنوب, وكلما عظم ذنبه في الحرم عظم جرمه عند الله عز وجل؛ ولهذا فالمعنى الصحيح في معنى الإلحاد في الحرم أنه يشمل جميع الذنوب, وكلما عظمت عظمت عند الله جل وعلا العقوبة, والله جل وعلا يجعل العقوبة مساوية لذلك العمل.

 

ولا يقال: إن الإنسان إذا أذنب ذنبًا يسيرًا في الحرم, أن الله عز وجل يعاقبه بعقاب كمن ارتكب جريرة عظيمة, ولكن الله عز وجل يزيده عقابًا عن غيره مما لو كان في غير الحرم, وإنما قلنا في هذه العشر: إنها آكد وأفضل من غيرها؛ لأن الله عز وجل حث فيها على العمل بذاتها, ونهى عن أعمال فيها, فإذا اجتمعت في زمن معين أو في مكان معين دل على عظمته.

 

والمنهيات في ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من أراد أن يضحي -فرأى هلال ذي الحجة- فعليه ألا يأخذ شيئًا من شعره وظفره؛ حتى يضحي، وهذا دليل على فضل هذه الأيام العشر.

 

كذلك أيضًا فإنه يستحب للإنسان في هذه الأيام العشر الإكثار من الصلاة, وما يفعله الإنسان معتادًا من عبادة في غيرها فإنها فيها آكد وأعظم, فالإنسان مثلًا الذي يؤدي النوافل المطلقة, أو يؤدي مثلًا تحية المسجد, أو السنن الرواتب وغير ذلك, فإنها أعظم أجرًا من غيرها, فهذا هو المقتضى, فإن الفضل إذا جاء للنوافل المطلقة وهي أعظم من غيرها, فإنه يكون في المقيدة من باب أولى.

 

وهل يقال: إنها تضاعف أو تعظم؟

 

لا يثبت في ذلك نص عن النبي عليه الصلاة والسلام في مضاعفتها, وإنما نصه في تعظيمها, والدليل على هذا ما جاء في حديث عبد الله بن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من أيام العمل فيهن أحب), جاء في لفظ: (أعظم), إذًا المعنى في ذلك التعظيم وليس المضاعفة.

 

ولهذا نقول: إن الفريضة على ما هي عليه مما شرعه الله جل وعلا، والأمر في ذلك على التعظيم ولا يكون ذلك تضعيفًا, جاء في ذلك جملة من الأخبار في تضعيف العبادة في العشر, جاء في حديث عبد الله بن عباس، وجاء في حديث أنس بن مالك، وجاء أيضًا في حديث رجل من بني مخزوم وهذه كلها معلولة.

 

وقد جاء في حديث سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر, فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير وذكر الله والصلاة والصيام؛ فإن صيام يوم فيها أعظم من صيام سنة, أو كصيام سنة), وهذا الحديث منكر، وقد جاء عند البيهقي من حديث أنس بن مالك، ورواه البيهقي من حديث الأوزاعي عن رجل من بني مخزوم, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكنه قد جعل عمل اليوم بألف, ويوم عرفة بعشرة آلاف، وهذا خبرٌ منكر؛ فإنه رواه الأوزاعي قال: أخبرني به رجل من بني مخزوم, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإسناده فيه مجهول.

 

ولهذا نقول: إن التضعيف للعمل في عشر ذي الحجة لا يثبت فيه عن النبي عليه الصلاة والسلام خبر, والثابت في ذلك التعظيم؛ وذلك أنه مقتضى المحبة في قوله: (أحب), وكذلك مقتضى التعظيم أو هو ظاهر التعظيم في قوله: (أعظم عند الله من هذه الأيام العشر).

 

وكذلك أيضًا من وجوه التعظيم: أن الزمن أو المكان إذا جاء فيه حث أو حظ على أعمال تعبدية, دل على فضل هذا الزمن أو فضل هذا المكان، وقد جاء الفضل عمومًا عن النبي عليه الصلاة والسلام بالأعمال في قوله: (العمل فيهن), و(أل) في قوله: (العمل) للاستغراق شامل لجميع أنواع الأعمال الظاهرة والباطنة, وجاء مفصلًا ذلك في معنى الذكر, والصدقة من النحر, والصيام وغير ذلك.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العشر-من-ذي-الحجة
اقرأ أيضا
أثر نظرية التطور على الدين | مرابط
اقتباسات وقطوف

أثر نظرية التطور على الدين


مقتطف من كتاب ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث للدكتور سلطان العميري يتحدث فيها عن أثر نظرية دارون على الدين حيث كان لهذه النظرية أثر بليغ وخطير على العقل الغربي بأجمعه ونتيجة لذلك التأثير جعل روبرت داونز كتاب أصل الأنواع لدارون مندرجا ضمن قائمة الكتب التي غيرت وجه العالم

بقلم: سلطان العميري
584
مناظرة مع طائفة ردت الأخبار كلها | مرابط
مناظرات تعزيز اليقين

مناظرة مع طائفة ردت الأخبار كلها


في هذا المقال جزء من مناظرة الإمام الشافعي رحمه الله مع أحد المنتسبين إلى طائفة ردت الأخبار كلها وفي هذا المقتطف يدور الحديث حول إثبات أن الحكمة هي السنة وأنها وحي من عند الله وأن الله فرض علينا ان نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم

بقلم: الإمام الشافعي
2007
القلب لا يعيش إلا في العواصف والمحن | مرابط
اقتباسات وقطوف

القلب لا يعيش إلا في العواصف والمحن


وهذا القلب إنما يستمد مادة حياته من المحن ومن العوارض ومن المتاعب فالجوارح تستمد حياتها من الراحة أما القلب فهو يستمد حياته من المحن ففيها سلامة القلب فالقلب لا يعيش إلا في العواصف والمحن ولذلك اختار الله عز وجل البلاء فجعله من نصيب أوليائه

بقلم: أبو إسحق الحويني
519
شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

شبهات الحداثيين العرب حول تدوين السنة النبوية والرد عليها ج2


هذه دراسة نقدية تبرز أهم الشبهات التي أثارها الحداثيون العرب حول تدوين السنة النبوية وما يتعلق به ولقد حاولت ذكر أبرز الشبهات المتداولة حديثا بين أوساط الحداثيين والعقلانيين وبينت بطلان هذه الشبهات معتمدا في ذلك على جملة من الأدلة العقلية والنقلية ومستعينا بأقوال جملة من أهل العلم ممن درسوا هذه الشبهات وبينوا زيفها متتبعين في ذلك سقطاتهم ومسلطين الضوء على عثراتهم وهناتهم وموضحين الآليات القويمة في التعامل معها والله الموفق والمستعان وعلى نبيه الصلاة السلام

بقلم: شنوف عبدالهادي
2026
دلالة القرآن على أن السنة وحي الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

دلالة القرآن على أن السنة وحي الجزء الأول


نعلم أن سهام منكري السنة تتوجه في الغالب إلى السنة النبوية ذاتها سواء في متنها أو سندها أو حتى حجيتها من الأساس فهم لا يؤمنون بأنها وحي من عند الله وفي المقابل يدعون الإيمان بالقرآن وما جاء فيه ومن هنا ندرك أهمية الوقوف على حجية السنة النبوية من نصوص القرآن الكريم وفي هذا المقال يقدم لنا الكاتب أحمد يوسف السيد أدلة قرآنية تثبت أن السنة النبوية هي وحي من عند الله

بقلم: أحمد يوسف السيد
2473
الحكمة من جعل الصلاة على النبي تفريجا للكربات | مرابط
تعزيز اليقين

الحكمة من جعل الصلاة على النبي تفريجا للكربات


لقد خلق الله النبي صلى الله عليه وسلم وصنعه على عينه واصطفاه اصطفاء جديرا بأن يكون له ما لم يكن لغيره لا من جهة خصه بإعلاء اسم الله تعالى وإظهار دينه والعمل بشريعته فقط.. بل أيضا من جهة المحبة واللطف والعناية التي لا توازيها محبة ولطف وعناية..

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
442