قاعدة الجزاء والحساب ج2

قاعدة الجزاء والحساب ج2 | مرابط

الكاتب: عمر الأشقر

724 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الله لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه

(يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا)، إن الله تبارك وتعالى لا تضره معصية العاصي، ولا تنفعه طاعة الطائع، فهو لم يخلقنا لحاجة لنا، فهو غني عنا وعن أعمالنا. (إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)، إنما تنفع نفسك فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ [يونس:108]، وإنما تضر نفسك وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [يونس:108]، وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت:6].

عندما تقدم الأضحية: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37]، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58] أي: لا يريد منك رزقًا، فالله هو الذي يرزقك وهو الذي يطعمك، فهو غني عنك.

إن البشر جميعًا لو كانوا في التقى والصلاح كمحمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه لم يزد هذا في ملك الله شيئًا، ولو كانوا كلهم كإبليس في الشر والفجور ما ضر ذلك الله شيئًا ولا انتقص من ملك الله شيئًا.

(يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا -ولو كانوا على أفجر قلب شيطان- ما نقص ذلك من ملكي شيئًا). وعندما يسأل العباد ربهم لا ينقص من ملكه شيء مهما أعطى ومنح وبذل؛ لأن غناه غناء أبدى، فلا ينقص من ملكه شيئًا.

 

خزائن الله ملأى

(يا عبادي! لو أن أولكم) منذ إبليس إلى آخر رجل: (وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسأل كل إنسان مسألته)، سأل الدنيا بمراتبها.. بآلاتها.. بما عليها، فأعطى الله كل إنسان ما يريد (ما نقص من ملكي إلا كما ينقص المخيط) أرأيت هذه الإبرة عندما تدخلها في البحر، ماذا تأخذ من البحر؟ لا شيء، وكذلك ملك الله لا ينقصه شيء، وخزائن الله ملأى، ولذلك أقل أهل الجنة يتمنى ويتمنى ويتمنى فيقول الله: (يكفيك قدر ملك الدنيا، يقول: ربي رضيت). هذا أقلهم ملكًا في الجنة.

أما أعلاهم فالله أعلم بملكه، ويبقى في الجنة فضل لا يسكنه أحد، فيخلق الله تبارك وتعالى له خلقًا.. إن ملك الله واسع، وخزائن الله ملأى، لا تنقص ولا تقل، فلو سأل العباد ربهم فأعطى كل إنسان سؤله لظل ملك الله كما هو لم ينقص منه شيئًا. (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها) إنما الحساب على الأعمال، فأعمالك ترفعك أو تخفضك، والقول من العمل، قال معاذ : (يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، في كتاب: لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49] فأعمالك تحصى عليك حتى إذا مت ختم على عملك، ووضع في عنقك، ويوم القيامة يخرج لك كتاب ويقال: هذا كتابك: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14] فمن وجد خيرًا فليحمد الله تبارك وتعالى، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].

إن السيئة بمثلها، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعين ضعفًا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وهذه هي قاعدة الجزاء والحساب التي يحاسب عليها العباد عندما يجمع الله الأولين والآخرين في يوم الدين، فليعد كل امرئ عدته لمثل ذلك اليوم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.

 

أعمال الدنيا مزرعة الآخرة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.

أما بعد:

فهذه معان عظيمة جاء بها الحديث الكريم، فحري بالمسلم أن يتذكرها دائمًا، وأن تكون على باله، فإن لها تأثيرًا في صلاح قلبه وفكره وعمله، فتجعله دائمًا يتفكر فيما بين يديه، فالناس يعيشون في غفلة، وقد تمضي الأيام والشهور والسنون، ثم يأتي الموت فيجد الإنسان نفسه قد قصر كثيرا، وأنه كان في دنياه غافلًا.

فعلى المسلم أن يتذكر هذا الحديث فلا يظلم الناس، ويلجأ إلى الله تبارك وتعالى في كل أموره، فيطلب منه الهداية والسداد والرشاد، وعليه أن يعلم أن رزقه عند علام الغيوب ليس عند البشر، ولا في خزائن البشر، فلو شاء الله لك لقمة لا يمنعها كبار الطواغيت من أن تصل إليك، فإن الله أعظم من كل عظيم، إذا ما شاء الله لك في أمر ولم يرده عبد كسر رقبته، وأنهى وجوده، فأمر الله ماض، وأمر الله مفعول، وقدره مقدور وكائن لا بد منه، فعلى الإنسان أن يعلق قلبه بربه: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:22-23]

فعلى المسلم أن يعبد الله تبارك وتعالى حبًا ورغبة ورهبة ورجاءً وتوكلًا واعتمادًا، فالأمر كله بيد الله تبارك وتعالى، فنحن نعبد الله حبًا في الله عز وجل، فالله لا تنفعه طاعتنا، ولا تضره معصيتنا، فهو تبارك وتعالى غني عنا وعن أعمالنا، وإذا شاء إذهابنا أذهبنا، وإن يشأ يأت بغيرنا فهو على كل شيء قدير.

أعمالكم هي زراعة اليوم وحصاد الغد، أنتم اليوم تزرعون وغدًا تحصدون، فإذا زرعت حنظلًا فستجني حنظلًا مرًا، وإذا زرعت شجرًا ذا شوك، أتتوقع أن ينتج عنبًا وتفاحًا وبرتقالًا؟ كلا، بل ما تزرعه تجنيه، فإذا زرع الإنسان ظلمًا.. وفجورًا.. وفسادًا فسيجني في ذلك اليوم ما زرع.

(إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) غدًا تقطف الثمرة، فإذا كانت الأعمال التي عملتها سيئة فلا تتوقع أن تجد خيرًا، ولكن التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله عز وجل هي التي تطهر العباد من ذنوبهم.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا، اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات؛ إنك قريب مجيب سميع الدعوات.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجزاء #الحساب
اقرأ أيضا
لماذا كره السلف علم الكلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

لماذا كره السلف علم الكلام


مقتطف من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية يوضح فيه أن السلف لم يكرهوا علم الكلام بسبب الألفاظ المستحدثة أو المولدة والجديدة فيه وإنما لما تشتمله هذه الألفاظ من المعاني المبطنة والتي تحوي خيرا وشرا وتحوي صوابا موافقا للشريعة وخطأ مضادا للكتاب والسنة

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1902
أن تكون أبا | مرابط
مقالات

أن تكون أبا


أن تكون أبا فليس ذلك بالأمر الهين..أن تكون أبا فيعني ذلك أن الخوف والقلق والفزع البشري الطبيعي لم يعودوا من المشاعر التي يحق لك أن تجدها وإن حدث ووجدتها يوما فليس من حقك أن تستسلم لها أو تنساق خلف تبعاتها إلا لثوان ثم تتدارك بعدها نفسك لتستطيع إكمال المهمةمهمة أن تكون أبا..

بقلم: محمد علي يوسف
318
نسف شبهات عدنان إبراهيم حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات

نسف شبهات عدنان إبراهيم حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة ج1


أثار عدنان إبراهيم في إحدى حلقاته الكثير من الشبهات حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة وزعم أنه قتل طفلين ثم جنت أمهما من هول المنظر ثم ادعى بأنه باع نساء المسلمين سبايا في أسواق النخاسة فكانت المسلمة العفيفة تكشف عن ساقها ليرى ليستطيع الناظرون تثمينها وكل ذلك لأنهن كن في معسكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فما حقيقة هذه الشبهات هذا ما يناقشه المقال

بقلم: أبو عمر الباحث
1694
لا تمض في الحياة سبهللا | مرابط
تفريغات ثقافة

لا تمض في الحياة سبهللا


مما ذكر في الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: إني أكره الرجل يمشي سبهللا لا في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة .. إذا سألتك ما هو هدفك أو أهدافك خلال الأسبوع أو الشهر الحالي ولم يحضر في ذهنك شيء محدد بسرعة فأنت على خطر من أنك تمضي في الحياة سبهللا فارغا.. بشكل قد يضيع عليك الدنيا والآخرة.

بقلم: علي محمد علي
735
حجاب الغفلة | مرابط
مقالات

حجاب الغفلة


حجاب الغفلة من أعظم جند الشيطان لإغواء بني آدم وما أحوج العبد إلى تمزيق هذا الحجاب بين الفينة والأخرى حتى لا يفجؤه الموت وهو بعيد عن الله حينها تتجلى له الحقيقة. ويعض أصابع الندم على ما قدم وأخر.إن زيارة واحدة للمقبرة ورؤية ذلك اللحد الضيق تكشف لك حقيقة الدنيا وتبين لك عوارها.. أهده نهاية الدنيا التي يتقاتل الناس من أجلها وفعلوا لأجلها الأفاعيل؟

بقلم: د. طلال بن فواز الحسان
234
الارتباط بالله | مرابط
فكر مقالات اقتباسات وقطوف

الارتباط بالله


قد تظل الأمة سليمة من الظاهر- جيلا أو جيلين أو ثلاثة بينما التحلل الخلقي يسري في كيانها خفيا كالسوس فيتعذر على الشخص العادي أو الشخص المنجرف بطبعه وراء اللذات أن يصدق أن تحلله هو وهو فرد واحد- أو أن الجريمة العابرة التي يرتكبها خلسة في الظلام يمكن أن تؤثر في خط سير المجتمع وتؤدي إلى انهياره

بقلم: محمد قطب
2656