من أهم التحولات التي أتى بها الإسلام في بنية الأسرة أنه جعلها قائمة على أساس تراحمي.. لأن الشريعة نظرت للأسرة بوصفها أهم نظام اجتماعي يضمن فاعلية الأُمة وعزتها، ولازم هذا الأمر؛ جعلت المعاني المعنوية (تقوى ومودة وعشرة ورحمة..) أساس تماسك الزواج بدلًا من / أولى من النسب والمال ونحوهما.
ما حصل بعد ذلك هو أن التأثر بالعلمنة لم يكن في نطاق التعليم والسياسة والقانون وغيره فقط.. بل أيضًا في بنية الأسرة، فأصبحت علاقة الزواج قائمة على أساس تعاقدي وتنافسي؛ ماذا سيحضر الزوج / الزوجة؟ من عليه الستائر أو الأجهزة؟ الأثاث غرفتين ولا ثلاثة؟!
والخطبة بدلًا من أن تكون للتعارف أصبحت للتفاوض، على المهر أو الشبكة أو المؤخر؛ الخاطب يعرض عشرين، لكن العُرف خمسين، وأهل الزوجة طلبهم أربعين، نوازن فيدفع ثلاثين.. وهكذا!
مشاكل قائمة الزوجية والشبكة والمؤخر.. إنما هي نتاج هذا التحول في النظرة للزواج!
ولأن من يصنعون "القانون" من نفس المجتمع المغروس في وحل المادية والعلمنة؛ ففكروا بنفس الطريقة، ونظروا للموضوع نفس النظرة؛ فأخرجوه من دائرة التراحم: العشرة والمودة (ميدان الأسرة) إلى دائرة التعاقد: من يملك؟ ومن بدد؟ (ميدان التعويضات والجرائم والعقوبات)!
حتى عالم الفتوى صار أعقد من القانون..
والنتيجة.. كانت الماديات هي الصخرة التي تكسرت عليها أحلام الخاطبين والراغبين في الزواج، ومئات الألوف من القضايا في المحاكم بسبب الماديات، كل خصم (زوج أو زوجة) بلا مبالغة؛ له أو عليه وحده فوق العشر قضايا.. ونفسيات مدمرة، وعائلات ممزقة، وشباب غارقة في الديون عند الزواج وعند الطلاق، وعزوف بالجملة عن الزواج بسبب الحسابات والتحسبات!
المشكلة حقيقةً ليست في قائمة الزوجية، إنما في التكلف بما لا حاجة فيه، وتكليف من لا يستطيع بما هو فوق استطاعته..
لذلك كانت أحد المعاني المركزية التي أكدت عليها الشريعة؛ الاستطاعة .. "لا تُكلَّفُ نفسٌ إلا وُسعها"، "لا یُكلِّفُ الله نفسًا إلا وُسعها"، "لا يُكلِّفُ الله نفسًا إلا ما آتاها"، "ولا نُكلِّفُ نفسًا إلا وُسعها"..
فإذا كانت الاستطاعة شرط في العبادة، فكيف بما هو دونها؟!