الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي

الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي | مرابط

الكاتب: نزار محمد عثمان

2987 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

شاع استعمال مصطلح الجندر أو الجندرة في أدبيات العديد من الأقلام -خاصة النسائية– وتم تداوله على نطاق كبير بمعنى مخالف لمعناه الحقيقي، والغريب في الأمر أن غالب هذه الأقلام لا يعوزها سعة الإطلاع ولا حسن الفهم، الشيء الذي يجعل تغليب حسن الظن أمرًا متكلفًا!! فما الدافع ترى لهذا التزييف؟ أهو تمرير أجندة مشبوهة تحت ستار تقدُّمي مقبول؟ أم هو استجابة لشهوة حب الظهور في المقاعد الأمامية لقطار النظام العالمي الجديد، والانشغال بالتلويح باليدين -للجمهور المتفرج- عن النظر لما بداخل القطار؟ مهما يكن من سبب فإن دعاة الجندرة يعملون على تقويض أساس المجتمع "الأسرة" أدركوا ذلك أم جهلوه، فالله الله في لبنة بناء المجتمع.

 

المصطلح والمعنى:

 

أصل المصطلح هو الكلمة الانجليزية "Gender"، وتعرف الموسوعة البريطانية الهوية الجندرية "Gender Identity" بأنها: شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى وفي الأعم الأغلب فإن الهوية الجندرية تطابق الخصائص العضوية، لكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافق بين الصفات العضوية وهويته الجندرية (أي شعوره الشخصي بالذكورة أو الأنوثة)… وتواصل التعريف بقولها: "إن الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة -ذكر أو أنثى- بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كُلّما نما الطفل.

هذا يعني أن الفرد من الذكور إذا تأثر في نشأته بأحد الشواذ جنسيًا فإنه قد يميل إلى جنس الذكور لتكوين أسرة بعيدًا عن الإناث ليس على أساس عضوي فسيولوجي، وإنما على أساس التطور الاجتماعي لدوره الجنسي والاجتماعي. وكذلك الأمر بالنسبة للفرد من الإناث.
وتواصل الموسوعة البريطانية تعريفها للجندر "كما أنه من الممكن أن تتكون هوية جندرية لاحقة أو ثانوية لتتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأساسية -الذكورة أو الأنوثة- حيث يتم إكتساب أنماط من السلوك الجنسي في وقت لاحق من الحياة، إذ أن أنماط السلوك الجنسي والغير نمطية منها أيضًا تتطور لاحقًا حتى بين الجنسين..."!! [1].

أما منظمة "الصحة العالمية" فتعرفه بأنه: "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية" بمعنى أن كونك ذكرًا أو أنثى عضويًا ليس له علاقة باختيارك لأي نشاط جنسي قد تمارسه فالمرأة ليست إمرأة إلا لأن المجتمع أعطاها ذلك الدور، ويمكن حسب هذا التعريف أن يكون الرجل امرأة.. وأن تكون المرأة زوجًا تتزوج امرأة من نفس جنسها وبهذا تكون قد غيرت صفاتها الاجتماعية وهذا الأمر ينطبق على الرجل أيضًا. [2]

 

تحريف التعريف:

 

أين هذا التعريف مما يقدمه لنا دعاة الجندرة.. إنهم يقدمون المصطلح بمعنى تحرير المرأة وترقية دورها في التنمية وبمعنى السعي لأجل إدخال إصلاحات لزيادة مساهمة المرأة في العمل وزيادة دخلها ونحو ذلك، وإن زادوا في الإنصاف عرفوا المصطلح تعريفًا غامضًا مبتسرًا وذلك بقولهم: مصطلح الجندر يعني: الفروقات بين الجنسين على أسس ثقافية واجتماعية وليس على أساس بيولوجي فسيولوجي [3]، وترجمة المصطلح للعربية تختلف من مكان لآخر، فبعضهم يترجمه بـ "النوع الاجتماعي" والبعض الآخر يجعله مرادفًا لكلمة Sex، والأغلب الأعم يكتفي من ترجمة الكلمة بتحويل الأحرف الإنجليزية إلى مقابلاتها في العربية!!

هذا الغموض المتعمد لترجمة مصطلح الجندر للغة العربية كان واضحًا في كل وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، بل إن النسخة الأنجليزية لمؤتمر بكين الدولي ذكرت المصطلح 254 مرّة دون أن تعرفه!! وتحت ضغظ الدول المحافظة تم تشكيل فريق عمل لتعريفه و خرجت لجنة التعريف بعدم تعريف المصطلح!!!
أما في مؤتمر روما لإنشاء المحكمة الدولية عام 1998 فقد وردت عبارة "كل تفرقة أو عقاب على أساس "الجندر" تشكل جريمة ضد الإنسانية"، وبعد اعتراض الدول العربية تم تغير كلمةGender لكلمة Sex في النسخة العربية وبقي الأصل الإنجليزي كما هو. [4] والدعوة بعد مطروحةٌ لدعاةِ الجندرة أن يُعرِّفوها لنا إن كان لهم تعريف يخالف ما ذكرته الموسوعات اللغوية والمنظمات الصحية.

 

الجندرة الخطر الماثل:

 

إن دعاة الجندرة في عالمنا الإسلامي -أدركوا أم لم يدركوا- يروجون لأفكار خطيرة أهما:


أولًا: رفض أن اختلاف الذكر والأنثى مِن صنع الله (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمني) [سورة النجم: 45-46].
ثانيًا: فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها.
ثالثًا: الإعتراف بالشذوذ الجنسي وفتح الباب لإدراج حقوق الشواذ من زواج المثليين وتكوين أسر غير نمطية "Non Stereotyped families"!! والحصول على أبناء بالتبني ضمن حقوق الإنسان.
رابعًا: العمل على إضعاف الأسرة الشرعية التي هي لبنة بناء المجتمع السليم المترابط ومحضن التربية الصالحة ومركز القوة الروحية ومفخرة الشعوب المسلمة في عصر الانحطاط المادي.
خامسًا: إذكاء روح العداء بين الجنسين وكأنهما متناقضان متنافران، ويكفي لتأييد هذا الاتجاه مراجعة أوراق المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين الذي نظمه مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء - اليمن، فقد كان مما جاء فيه الاعتراض على كثرة وجود اسم الإشارة للمذكر في اللغة العربية أكثر من المؤنث وكذلك ضمائر المخاطبة للمذكر أكثر منها للمؤنث، ومما يدعو إلى الضحك اعتراض إحدى الباحثات في هذا المؤتمر الدولي على تصويب أبي الأسود الدؤلي لابنته عندما قالت : ما أجملُ السماء، وأرادت التعجب ، فنبهها أن النصب هو الصواب، علّقت الباحثة قائلة معترضة على التصويب: ألم يكن أحدٌ قبلها قد أخطأ!! [5]
سادسًا : التقليد الأعمى للاتجاهات الجنسية الغربية المتطرفة: والتي امتدت حتى شملت الموقف من الذات الإلهية في بعض الأحيان، فكما سمعنا أن جمعية الكتاب المقدس أصدرت ترجمة جديدة للكتاب المقدس تتسم بالحيادية في مخاطبة الجندر [6] سمعنا في مؤتمر صنعاء المشار اليه آنفًا من تقول [7]: "إن أقدم كتاب كرّس محو الأنثى وكرّس سلطة الذكورية كان في التوراة ابتداء بفكرة الله المذكرة" تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
سابعًا: رفع المسؤولية عن الشواذ جنسيًا وإظهارهم بثوب الضحية التي جنى عليها المجتمع، و هذه محاولة قديمة تتشح بثوب العلمية أحيانًا وتأتزر بلباس بعض الأبحاث المغرضة - التي ترى أنّ هناك سببًا فسيولوجيًا في تركيب الدماغ يسبب الشذوذ - أحيانًا أخرى، وكِلا القولين مردود، ذلك أنه لا أحد ينكر أن هناك عوامل مختلفة (المجتمع، تجارب الطفولة، الشيطان، ... الخ) تؤثر وربما تدعو إلى الشذوذ لكن كما يقول د. ستيفن أر.كوفي: "بين المؤثر والاستجابة توجد مساحة رحبة مِن حرية الاختيار" [8]، وهذه هي المسؤولية التي يحاسب العبد بموجبها، وينتفي الحساب بانتفائها كما في حالة المجنون والصبي ونحوه.

 

ختامًا:

 

الجندرة شرّ بادئٌ في بلدنا، له دُعاته العالمون ببواطنه، كما له أبواقه من الذين يهرفون بما لا يعرفون، فكم نَضَحَت وسائل الاعلام بأصواتٍ تناقش مواضيع قَوَامَة الرجل، والعلاقة بين الجنسين ونحو ذلك من فاكهة مجالس الثقافة في أيامنا هذه بنظرة غربية بعيدة عن الإسلام، هذه النظرة المتنامية بفعل عوامل عديدة - ليس المجال مجال تفصيلها -، خطر ماحق يتهدد مرجعيتنا، ويعمل على مسخ شخصيتنا، ويخدم أعداء أمتنا، لذا لزم التذكير (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة) [سورة الأنفال: 42].
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج
طريقان شتى مستقيم وأعوج

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. حتى لا يظن أحد أننا تجنينا على دعاة الجندرة في الترجمة نرجو الرجوع لموقع الموسوعة البريطانية : Encyclopedia Britanica على شبكة الانترنت
  2. انظر مشروع الجندر من وثائق الأمم المتحدة للباحثة صباح عبده ص5.
  3. انظر وثائق المؤتمر العالمي للسكان والتنمية تحت العنوان الجانبي ترجمة مصطلح الجندر.
  4. مشروع الجندر من وثائق الأمم المتحدة ، مرجع سابق ص7.
  5. وإن تعجب فعجب هذا التعصب الذي يبعث على السخرية.
  6. مفكرة الإسلام نقلاً عن الواشنطن بوست.
  7. هي الباحثة الأردنية زليخا أبو ريشة، أنظر النسوية النوعية في سطور للباحثة صباح عبده.
  8. انظر مقالنا بعنوان التغيير بين المسؤولية والانفعالية.

 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/nizar/22.htm
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجندرية
اقرأ أيضا
أوقات الإجابة | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

أوقات الإجابة


نعلم أن أوقات الإجابة هي الثلث الأخير من الليل وعند الأذان وبين الأذان والإقامة وأدبار الصلوات المكتوبات وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم وآخر ساعة بعد العصر ولا يزال البعض يسأل لماذا ندعو في هذه الأوقات ولا يستجاب لنا؟ بين يديكم مقال مختصر للإمام ابن القيم يقف فيه على أوقات الإجابة وحال المؤمن وقت الدعاء وبعض التأسيسات الهامة فيما يخص الدعاء والاستجابة من الله رب العالمين

بقلم: ابن القيم
838
البشر والبشاشة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم | مرابط
مقالات

البشر والبشاشة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم


لقد كان حبيبنا صلوات الله وسلامه عليه يسمي أشياءه كل أشيائه.. تقريبا ما كان يترك شيئا له إلا ويجعل له اسما أو لقبا سواء في ذلك ما كان مخلوقا ينبض بالحياة أو جمادا باردا لكل دابة كان يمتلكها أو يركبها اسم أو لقب تخيل هذه النفسية التي رغم انشغالها والهموم التي تحملها والبلاءات التي تتوالى على صاحبها ومع ذلك تصر على تسمية مرآة أو كوب ماء أو درع!! بعضنا لو فعل مثل ذلك لربما تلقاه الناس بالاستهجان واللوم والاتهام بالتشاغل عن الهموم الجسيمة والمهمات الجليلة ولرمي باللامبالاة أو كما يقال بالعامية...

بقلم: محمد علي يوسف
279
خرافة قانون الجذب | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف

خرافة قانون الجذب


إن الشريعة جاءت ببيان أن مجرد ما يتردد في النفس من الخواطر والأفكار فليس محلا للمؤاخذة أو المحاسبة ما لم ينتج عنه عمل وهؤلاء يريدون أن يجلعوا الخواطر السيئة بمجردها سببا لنزول المصائب والبلايا مطلقا مناقضين بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوسوت به صدورها ما لم تعمل أو تكلم فأصحاب قانون الجذب الفاسد يقلبون الموازين بحصر سبب المصيبة في تفكير من وقعت عليه مغفلين بذلك الأسباب الحقيقية التي أثبتتها نصوص الشرع وقواعد العقل الصحيح

بقلم: عبد الله العجيري
376
بكم الجاكيت؟ | مرابط
فكر

بكم الجاكيت؟


من يتأمل في كثير من أحوالنا يجد أننا نمارس حيلة الجاكيت الغالي ولكن بمستويات مختلفة نعلم أن الحق في المسألة كذا ولكنه يحتاج ثمنا لا نريد دفعه فنتظاهر بالحيرة بين أقوال الفقهاء ثم ننسحب إلى أهوائنا.

بقلم: بدر آل مرعي
248
حقيقة التعبد في الإسلام | مرابط
تعزيز اليقين

حقيقة التعبد في الإسلام


إن إدراك محاسن الإسلام لا يتم إلا بفهم حقيقة التعبد لله سبحانه وتعالى ولا تفهم هذه الحقيقة إلا بالإدراك العميق لنصوص الكتاب والسنة الواردة في ذلك أو بالنظر في كلام علماء المسلمين الذين اعتنوا بإبراز تلك الحقيقة بعد تتبعهم لنصوص الوحيين ثم بالعمل على ضوء هذه الحقيقة دون الاكتفاء بالفهم النظري

بقلم: أحمد يوسف السيد
1733
الحلوى القاتلة: الإعلام الترفيهي والانحرافات الفكرية | مرابط
فكر الإلحاد ثقافة

الحلوى القاتلة: الإعلام الترفيهي والانحرافات الفكرية


الإعلام الترفيهي سلاح فكري ذو أثر شديد في نفوس المتلقين وفاعلية هذا الأثر تنجم من كونه يأتي من غير مظنته فليس هذا النوع من الإعلام مقصودا لمتطلب الأفكار الموافقة أو المخالفة ولم يكن حتى عهد قريب سوى آلة قتل للوقت وإلهاء عن الواقع وملء للفراغ ومن ثم تعود المتلقي أن يفتح حصونه أمامه مطمئنا لكونه يروح عن نفسه بما لا يستحق منه كثير تأمل ونظر وبما لا يتحد أفكاره ومسلماته فيفتح طواعية نوافذ لاوعيه لسيل دفاق من المؤثرات السمعية والبصرية

بقلم: ماهر أمير
609