أدعو فلا يستجاب لي

أدعو فلا يستجاب لي | مرابط

الكاتب: موقع هداية الملحدين

1067 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

يقول: أدعو الله كثيرا ولكن لا يستجاب لي.. والمسلمون يدعون على اليهود المحتلين منذ سنين عديدة ولكنهم لا زالوا هناك..

 

كيف نفهم الاستجابة؟

يخطئ من يظن أن الاستجابة هي فقط وقوع ما طلبه المسلم في الدعاء، وإنما الصحيح هو أن الاستجابة ثلاثة أنواع: إما أن يقع ما دعى به المسلم، وإما أن تكون دعوته ثوابا له في الآخرة، وإما أن يصرف الله عنه من السوء مثلها.

ففهم الاستجابة على أنها فقط تحقيق الطلب المذكور في الدعاء هو فهم سطحي، إذ أنه أحيانا يستحيل وقوع المطلوب في الدعاء نظرا لوجود التناقض، فمثلا قد يدعو مسلمان دعائين متناقضين؛ كأن يطلب كل منهما تملك الشيء نفسه، والأمثلة كثيرة على التناقض في الأدعية، وهنا لا يمكن أن يتحقق لكليهما ما طلباه، وإنما بالتأكيد يستجاب لكل منهما بأحد وجوه الاستجابة المذكورة.

 

الحكمة الخفية

من ناحية أخرى فإن المسلم يدعو بما يريده مجتهدا، ولكن علمه وحكمته قاصرة ونسبية وليست كعلم الله المطلق وحكمته الكاملة البالغة، فالله يقدر له الخير وإن كان خلافا لما طلبه في دعائه ويستجيب له بوجه آخر من وجوه الاستجابة.

ولو أن الملحد الذي يطرح هذا السؤال يقرأ ويطلع على النصوص لعلم أن الجواب موجود ويعرفه أكثر المسلمين، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ الله بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا" قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: "الله أَكْثَرُ." رواه أحمد، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (حسن صحيح).

 

الحجة العاطفية

دعنا الآن نسير على الفهم القاصر الذي يقيد الإجابة بتحقق المطلوب.. فلا يصح أن ينكر وجود الله بسبب حجة جمعت إلى كونها عاطفية أنها حجة شخصية غير موضوعية! كيف ذلك؟

أما كونها عاطفية، فلأنها انفعال عقابي وليست تأسيسًا عقلانيا لنفي وجود رب العالمين؛ أنت دعوت الله ولم يستجب لك، لقد رفضك- على هذا الافتراض- فما دخل هذا بوجوده؟ لو أثبتت الأدلة العقلانية وجوده، فاستجابته لدعائك وعدم استجابته ليس شيئًا مؤثرًا في قضية وجوده، أليس كذلك؟

أما كونها شخصية، فلأنها ببساطة يمكن الرد عليها كالتالي: "وأنا دعوتُ الله تعالى وكم استجاب لي!" فهل هذا كفيل بإنهاء المسألة؟ لقد قلتَ إنك دعوتَه ولم يستجب، وأنا دعوتُه فاستجاب، وكما هو معلوم فإن "المثبت مقدّم على النافي" وهنا ينتهي الأمر. لقد دعوتُه وتيقنتُ تمامًا أنه موجود- لو كانت حجتك تلك صحيحة! تأمل هذه القصة الواقعية ثم عد لإكمال القراءة.

فأعيذك بالله الحق، أن تؤسس إيمانك أو عدم إيمانك على حجة عاطفية لا تثبت للمنطق العقلاني، ثم هي تجربة شخصية لا يسلم لك فيها كثير ممن استجاب الله دعائهم!

 

حقيقة الابتلاء

تعرف الطفل الصغير عندما يصيبه الهلع من ذكر شكة الحقنة؟ لماذا يصيبه هذا الهلع؟ لأنه ببساطة لا يفهم ثنائية الصحة والمرض، والراحة والألم، إنه يفكر في "الآن" و "هنا".. بالنسبة له، ملامسة الحقنة لجلده هي أقسى ألم من الممكن تذوقه لطفل صغير!

مرارة الدواء الذي تعطيه له أمه باستمرار تمثل له حالة من الألم غير المبرر ولا المفهوم! لماذا يفعلون بي هذا؟ لماذا يعذبونني كل هذا العذاب؟ أهلي أشرار سيئون! هذا هو ما ينحصر فيه تفكيره وقتها!

لكن الأمر لا يقتصر على الأطفال عندما يتعلق الأمر بالله، نحن تمامًا لا نفهم ثنائية الألم والراحة أيضًا إذا ما تعلق الأمر بالبلاء! نكفر بالله فور أن يصيبنا قدر مؤلم من أقداره! كالطفل الصغير ينكر فضل والديه يوم أن يمسكاه للطبيب ليعطيه الحقنة! أو يضعان له الدواء شديد المرارة في فمه الصغير!

لكن الفارق هو أن الطفل ينمو ليفهم أن للمرض ألما أشد من ألم الدواء، ويفهم أن الصحة ليست شيئًا مسلمًا به، بل الإنسان يمرض عادة وهو أضعف من أن يظل صحيحًا طول الوقت، ولذا يتجرع مرارة الدواء وقلبه بارد بها، بل يطلبه، ويبذل فيه أمواله! لقد بدأ يفهم!

لكننا لا نفهم أحيانًا، ونصر أن الله ابتلانا ليعذبنا، وفي الحكمة: "يا مسكين! ما ابتلاك ليعذبك، ولكن ليهذبك!" نفهم ثنائية المرض والصحة تمامًا، ولكن لا نفهم ثنائية البلاء والثواب! ننظر تحت أعيننا، حرفيًا "هنا" و"الآن"، نريد كل شيء هنا، في الحياة الدنيا، والله يقول: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب! هناك حيث لا ميزان إلا الأعمال، تجد كفة سيئاتك تطيش! فتسأل، فيقال لك: ابتليت بكذا فصبرت! تعبت في حياتك فجوزيت! فرحة كاملة في دار الخلود! ولكنكم تستعجلون!

وفي الحديث "ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ.".

لو فهمنا حقًا ثنائية البلاء والثواب، لكنّا أكثر صبرًا كما نصبر على الدواء، ولكنا أكثر قربًا من الله الذي يهبنا كل هذه الحسنات بشيء لم نطلبه، بل فقط ابتلينا به رغمًا عنّا! ولكن: "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى". ما أحمق الإنسان!

 


 

المصدر:

موقع هداية الملحدين

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
الافتتان بالآخرين وصد الحق | مرابط
اقتباسات وقطوف

الافتتان بالآخرين وصد الحق


قد يكون اتباع أحدهم للباطل ليس إلا افتتانا بمن رآهم يتبعون هذا الباطل إذ يقول في نفسه: كيف لهؤلاء العظام والعقول الراجحة أن تتبع باطلا لا بد أنه الحق وأنهم رأوا من آياته ما حملهم على اتباعه إذن أتبعه مثلهم حتى لو بدى لي خلاف ذلك

بقلم: الشاطبي
2075
بين مقام الشك ومقام اليقين | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين مقام الشك ومقام اليقين


ما أكثر ما نجد في الكتب الفكرية من يفخم شأن الشك وعدم الحسم ويقزم اليقين واليقينيات بل ويطالبون أن يتخلص الخطاب الديني من اليقين ولذلك تجدهم يكثرون من ترداد مقولة إلى المزيد من طرح الأسئلة فيفرحون بالأسئلة ولا يكترثون كثيرا بحسم الإجابات

بقلم: إبراهيم السكران
451
تصاعد قضية التحرش في البلاد المتحضرة | مرابط
فكر تفريغات المرأة

تصاعد قضية التحرش في البلاد المتحضرة


ماذا عن الفتاة في الجامعة أذكر حين دخلت جامعة هيوستن الأميريكية لإتمام الدكتوراه كيف وزع علينا كتيب فيه إحصائيات منها أن واحدة من كل ثلاث طالبات تتعرض للتحرش وما على الطالبة أن تعمله لتتجنب هذا وإن حصل فعلى أي رقم تتصل والأمر يزداد سوءا والنسب تتضاعف عالميا

بقلم: د إياد قنيبي
421
كثرة الجدال والمراء والخصام | مرابط
اقتباسات وقطوف

كثرة الجدال والمراء والخصام


ومما أنكره أئمة السلف: الجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام أيضا ولم يكن ذلك طريقة أئمة الإسلام وإنما أحدث ذلك بعدهم. قال بعض السلف: إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل وإذا أراد الله بعبده شرا أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل.

بقلم: ابن رجب الحنبلي
267
هل يسجن الجمال المرأة | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف المرأة

هل يسجن الجمال المرأة


إن المرأة مخنوقة بالثقافة الصورة التي يضع الإعلام معاييرها ويصدر مشاهيرها من ممثلات هوليود وغيرهن كثير من مشاهير المطربات ورموز السيدات من الطبقة الثرية فتطارد النساء هذه المعايير المزيفة في لهث دون أن ينتبه إدراكها إلى أن ما يعرضه الإعلام معدل عليه مسلط خلاله شتى أنواع الإضاءات والألوان وأدوات التجميل والزيف السينمائي

بقلم: أمل الصالح
566
توهم معارضة الأحاديث الصحيحة لما هو أرجح منها | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

توهم معارضة الأحاديث الصحيحة لما هو أرجح منها


من بين آلاف الأحاديث الصحيحة التي لم يتعرض لها المشككون في السنة بالإنكار أو الاعتراض نجد أن نسبة النصوص التي أثاروا شبهات حولها لا تكاد تتجاوز 2 من مجموعها ولكنهم يجعلون هذه النسبة الضئيلة سببا في إسقاط ما بقي من الأحاديث الصحيحة وسبب استشكالهم لهذه الأحاديث يعود إلى اعتقادهم أنها تعارض ما هو أرجح منها ثبوتا أو دلالة فيتوهمون تعارضها مع القرآن أو مع سنة أصح منها أو مع العقل أو مع الحس والتجربة أو مع الذوق والأخلاق ثم يردونها بسبب هذا التوهم من المعارضة ويتجاوزون القدر المشكل إلى ما وراءه و...

بقلم: أحمد يوسف السيد
1250