أدعو فلا يستجاب لي

أدعو فلا يستجاب لي | مرابط

الكاتب: موقع هداية الملحدين

1169 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

يقول: أدعو الله كثيرا ولكن لا يستجاب لي.. والمسلمون يدعون على اليهود المحتلين منذ سنين عديدة ولكنهم لا زالوا هناك..

 

كيف نفهم الاستجابة؟

يخطئ من يظن أن الاستجابة هي فقط وقوع ما طلبه المسلم في الدعاء، وإنما الصحيح هو أن الاستجابة ثلاثة أنواع: إما أن يقع ما دعى به المسلم، وإما أن تكون دعوته ثوابا له في الآخرة، وإما أن يصرف الله عنه من السوء مثلها.

ففهم الاستجابة على أنها فقط تحقيق الطلب المذكور في الدعاء هو فهم سطحي، إذ أنه أحيانا يستحيل وقوع المطلوب في الدعاء نظرا لوجود التناقض، فمثلا قد يدعو مسلمان دعائين متناقضين؛ كأن يطلب كل منهما تملك الشيء نفسه، والأمثلة كثيرة على التناقض في الأدعية، وهنا لا يمكن أن يتحقق لكليهما ما طلباه، وإنما بالتأكيد يستجاب لكل منهما بأحد وجوه الاستجابة المذكورة.

 

الحكمة الخفية

من ناحية أخرى فإن المسلم يدعو بما يريده مجتهدا، ولكن علمه وحكمته قاصرة ونسبية وليست كعلم الله المطلق وحكمته الكاملة البالغة، فالله يقدر له الخير وإن كان خلافا لما طلبه في دعائه ويستجيب له بوجه آخر من وجوه الاستجابة.

ولو أن الملحد الذي يطرح هذا السؤال يقرأ ويطلع على النصوص لعلم أن الجواب موجود ويعرفه أكثر المسلمين، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلا أَعْطَاهُ الله بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا" قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: "الله أَكْثَرُ." رواه أحمد، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (حسن صحيح).

 

الحجة العاطفية

دعنا الآن نسير على الفهم القاصر الذي يقيد الإجابة بتحقق المطلوب.. فلا يصح أن ينكر وجود الله بسبب حجة جمعت إلى كونها عاطفية أنها حجة شخصية غير موضوعية! كيف ذلك؟

أما كونها عاطفية، فلأنها انفعال عقابي وليست تأسيسًا عقلانيا لنفي وجود رب العالمين؛ أنت دعوت الله ولم يستجب لك، لقد رفضك- على هذا الافتراض- فما دخل هذا بوجوده؟ لو أثبتت الأدلة العقلانية وجوده، فاستجابته لدعائك وعدم استجابته ليس شيئًا مؤثرًا في قضية وجوده، أليس كذلك؟

أما كونها شخصية، فلأنها ببساطة يمكن الرد عليها كالتالي: "وأنا دعوتُ الله تعالى وكم استجاب لي!" فهل هذا كفيل بإنهاء المسألة؟ لقد قلتَ إنك دعوتَه ولم يستجب، وأنا دعوتُه فاستجاب، وكما هو معلوم فإن "المثبت مقدّم على النافي" وهنا ينتهي الأمر. لقد دعوتُه وتيقنتُ تمامًا أنه موجود- لو كانت حجتك تلك صحيحة! تأمل هذه القصة الواقعية ثم عد لإكمال القراءة.

فأعيذك بالله الحق، أن تؤسس إيمانك أو عدم إيمانك على حجة عاطفية لا تثبت للمنطق العقلاني، ثم هي تجربة شخصية لا يسلم لك فيها كثير ممن استجاب الله دعائهم!

 

حقيقة الابتلاء

تعرف الطفل الصغير عندما يصيبه الهلع من ذكر شكة الحقنة؟ لماذا يصيبه هذا الهلع؟ لأنه ببساطة لا يفهم ثنائية الصحة والمرض، والراحة والألم، إنه يفكر في "الآن" و "هنا".. بالنسبة له، ملامسة الحقنة لجلده هي أقسى ألم من الممكن تذوقه لطفل صغير!

مرارة الدواء الذي تعطيه له أمه باستمرار تمثل له حالة من الألم غير المبرر ولا المفهوم! لماذا يفعلون بي هذا؟ لماذا يعذبونني كل هذا العذاب؟ أهلي أشرار سيئون! هذا هو ما ينحصر فيه تفكيره وقتها!

لكن الأمر لا يقتصر على الأطفال عندما يتعلق الأمر بالله، نحن تمامًا لا نفهم ثنائية الألم والراحة أيضًا إذا ما تعلق الأمر بالبلاء! نكفر بالله فور أن يصيبنا قدر مؤلم من أقداره! كالطفل الصغير ينكر فضل والديه يوم أن يمسكاه للطبيب ليعطيه الحقنة! أو يضعان له الدواء شديد المرارة في فمه الصغير!

لكن الفارق هو أن الطفل ينمو ليفهم أن للمرض ألما أشد من ألم الدواء، ويفهم أن الصحة ليست شيئًا مسلمًا به، بل الإنسان يمرض عادة وهو أضعف من أن يظل صحيحًا طول الوقت، ولذا يتجرع مرارة الدواء وقلبه بارد بها، بل يطلبه، ويبذل فيه أمواله! لقد بدأ يفهم!

لكننا لا نفهم أحيانًا، ونصر أن الله ابتلانا ليعذبنا، وفي الحكمة: "يا مسكين! ما ابتلاك ليعذبك، ولكن ليهذبك!" نفهم ثنائية المرض والصحة تمامًا، ولكن لا نفهم ثنائية البلاء والثواب! ننظر تحت أعيننا، حرفيًا "هنا" و"الآن"، نريد كل شيء هنا، في الحياة الدنيا، والله يقول: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب! هناك حيث لا ميزان إلا الأعمال، تجد كفة سيئاتك تطيش! فتسأل، فيقال لك: ابتليت بكذا فصبرت! تعبت في حياتك فجوزيت! فرحة كاملة في دار الخلود! ولكنكم تستعجلون!

وفي الحديث "ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ.".

لو فهمنا حقًا ثنائية البلاء والثواب، لكنّا أكثر صبرًا كما نصبر على الدواء، ولكنا أكثر قربًا من الله الذي يهبنا كل هذه الحسنات بشيء لم نطلبه، بل فقط ابتلينا به رغمًا عنّا! ولكن: "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى". ما أحمق الإنسان!

 


 

المصدر:

موقع هداية الملحدين

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
إشكال الاختلاط في الطواف | مرابط
أباطيل وشبهات

إشكال الاختلاط في الطواف


نسمع بين الفينة والأخرى سؤالا يتكرر حول إشكالية الاختلاط أثناء الطواف فيقول صاحب الشبهة: نعلم أن الاختلاط محرم في الإسلام ولكن كيف يباح ذلك أثناء الطواف؟ كيف يختلط الرجال بالنساء دون فاصل؟ وبين يديكم رد مفصل على هذه الشبهة للشيخ قاسم اكحيلات.

بقلم: قاسم اكحيلات
619
قوة العرب المعطلة | مرابط
فكر مقالات

قوة العرب المعطلة


بالإسلام يلم الشرق شعثه ويستعيد قوته وتنمو فيه أخلاق الرجولة ويتأهل لمشاركة الأمم في حمل عبء الحضارة واحتلال المحل الشريف من صف القيادة وإذا دبت في الإسلام روح الحياة فعاد إلى ما كان عليه من صفاء وبهاء وصراحة في عصر السعادة وفي أيام التابعين- فستجد فيه الإنسانية دواءها من أوصابها وسيتقي به البشر طغيان القوميات الذي يتمخض بمذبحة جهنمية تحترق بها الأرض

بقلم: محب الدين الخطيب
1712
مهارة الحفظ | مرابط
ثقافة

مهارة الحفظ


قدرة الحفظ لها لياقة تنمو بالمراس والمران والدربة والمزاولة ومعيار اللياقة أمران: أن تزيد كفاءة وفعالية المهارة وأن تثمر المهارة نتائجها دون مشقة وتعب مفرط. وهذان يحصلان كما سبق بكثرة التمرين واستمراره.

بقلم: إبراهيم السكران
396
هالة البعيد | مرابط
مقالات

هالة البعيد


الوعي أحيانا بحقيقة وتفاهة اللذائذ المادية ذاتها .. وإدراك شيء من زيف ظاهرها الخلاب .. يمنحك قوة مضاعفة في مواجهة الفتنة وهذا هو سر الشيء المدهش في عبارة ابن مفلح .. فبدلا من أن يقدم موعظة خالصة .. عمد إلى تفتيت وهج الفتنة ذاتها.. حيث يقول ابن مفلح في عبارته المركزة: وليحذر العاقل إطلاق البصر فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه.!!

بقلم: إبراهيم السكران
569
أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج1 | مرابط
فكر مقالات

أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج1


يبدو أن موضوع مقاصد الشريعة يحظى باهتمام بالغ في الساحات العربية خصوصا بعد أحداث سبتمبر فالسياسيون اهتموا به لتمرير أجندتهم السياسية والإعلاميون تمسكوا بها لتبرير مخالفة الإعلام للشريعة وكثير من الدعاة تمسك بها من أجل المزيد من المكتسبات سواء لدى عامة الناس أو لدى شرائح الملأ وتولت مقاصد الشريعة مع ظاهرة الخروج عن مألوف الشريعة المعهود لدى المسلمين بحجة نبذ التقليد والعمل بالدليل مهمة تمرير لبرلة الإسلام وعصرنته وكان أخطر ما في الأمر تبني شرائح إسلامية عديدة لهذا الفكر الأصولي الفقهي فكانوا...

بقلم: الدكتور هيثم بن جواد الحداد
1953
من صور الاعتداء على حقوق الآخرين | مرابط
فكر

من صور الاعتداء على حقوق الآخرين


من صور الاعتداء على حقوق الآخرين: التدخين في مكان عام يشارك فيه المدخن أناس يتأذون من رائحته الكريهة وفيهم المريض وصغير السن فكم هو مقدار الأنانية في مكنون هذه الشخصية العجيبة يا أخي إن كنت مصرا ولا تقبل النصيحة فتقلع عن التدخين فاقتل نفسك بعيدا عنا ولا نحب لك ذلك.

بقلم: د. جمال الباشا
404