قصص وعبر للنساء ج3

قصص وعبر للنساء ج3 | مرابط

الكاتب: د نبيل العوضي

355 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

مراقبة الله

امرأة سافر زوجها للجهاد، وغاب عنها شهورًا طويلة، انتظرته فلم تتحمل -المرأة فيها شهوة وفيها رغبة للرجال- وانتظرت أيامًا وشهورًا وطال عليها المقام، يتجول عمر في الليل ويتفقد الرعية، فإذا به يقترب من بيتها وكانت بيوتهم صغيرة، فسمع هذه المرأة تحدث نفسها لوحدها، فتقول شعرًا -واسمعن إلى هذا الشعر-:

تطاول هذا الليل واسوَّد جانبه      وأرقني ألا حبيب ألاعبه

فوالله لولا الله ربًا أراقبه      لحرك من هذا السرير جوانبه

 

"سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ" [الرعد:10].

الجهر بالقول والإسرار به في علم الله سواء، يا أمة الله! لا تظنين إذا خرج زوجك أنه لا يراقبك أحد، الإمام أحمد كان يحدث الناس يومًا فإذا به يغلق الكتاب ويدخل الغرفة، انتظروه ما خرج، أطال المقام، فاقترب أحد التلاميذ عند الباب فسمع الإمام أحمد يبكي، ويقول في نفسه شعرًا:

إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل      خلوت ولكن عليّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة      ولا أنما تُخفي عليه يغيب

 

أمة الله: لا تظنين أن الزوج إذا غاب، فإن الله يغيب عنك: "مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا" [المجادلة:7].

أمة الله: لا تظنين أنك إذا ذهبت إلى المطاعم، والحدائق، ودخلت عند الخياط يفصل الجسد، وينظر إليك وأنتِ تختلين به، أن الله لا يراكِ: "أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى" [العلق:14].

 

إن من أعظم الإيمان أن المرأة تراقب الله عزَّ وجلَّ في السر والعلن، يقول عليه الصلاة والسلام: (يأتي أقوام من أمتي يوم القيامة، لهم أعمال كـجبال تهامة بيضًا، يجعلها الله هباء منثورًا، قال ثوبان: صفهم لنا يا رسول الله! جلِّهم لنا، قال: هم قوم يصلون كما تصلون، ويقومون كما تقومون، لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).

إذا غاب الزوج، إذا غاب الأب، إذا غاب الأخ، ترفع الهاتف وتتكلم، مع من يا أمة الله؟! تظنين أن الله لا يسمع؟! تظنين أن الله عزَّ وجلَّ لا يرى؟! تظنين أنك لوحدك مع هذا الرجل تكلمينه؟! أو تنظرين إلى الأفلام والمسلسلات.

يا أمة الله! المراقبة المراقبة!


وقصة من بني إسرائيل

اسمعي إلى هذه القصة، قصة امرأة كانت من بغايا بني إسرائيل؛ هذه البغي كانت لا تمكن رجلًا إلا بمائة دينار، مرت يومًا من الأيام على عابد زاهد في صومعته فافتتن بها، فجاءها يطلبها، فأبت عليه، ومنعته إلا بمائة دينار، فترك الصومعة والعبادة، وأخذ يجمع المائة دينار، فلما جمع المائة طرق الباب عليها، فتح الباب فدخل، فتزينت له، وجلست على السرير، فلما اقترب منها قالت: هلم إليّ، هلم إليّ، فسقط جالسًا وأخذ يبكي، قالت: مالك؟ ما بالك؟ هلم إليّ..

 

فقال ذلك الرجل: ذكرت وقوفي بين يدي الله، فلم تحملني أعضائي لأقف، فأخذ يبكي، وأراد الخروج من البيت، وقالت له: قف، أطلب منك أن تتزوجني، قال: لا. ولكن خذي المال، فخرج نادمًا فجلست هذه المرأة وبكت، وأصلحت ما بينها وبين الله عزَّ وجلَّ، ثم رجعت إلى الله وتابت، ثم أخذت تبحث عن هذا الرجل، بحثت عنه فدلت عليه، فلما جاءت إلى بيته طرقت الباب، فلما فتح الباب، تذكر تلك الليلة الكئيبة، وذلك الموقف المشئوم، فشهق شهقة فمات منها وسقط على الأرض، فأخذت تبكي، فبحثت عن قريب له تتذكره به، فوجدت أخاه وكان رجلًا فقيرًا عابدًا زاهدًا فتزوجته، وأنجبت منه سبعة من الأولاد الصالحين: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا" [التحريم:8].

 

إلى متى يا أمة الله تسمعين تلك الأغاني؟! إلى متى يا أمة الله تشاهدين تلك الأفلام والمسلسلات؟! إلى متى وهذه الصور الخليعات؟! إلى متى هذه الأماكن التي فيها الأغاني والاختلاط والسفور والتبرج والمنكرات؟! إلى متى هذه الأعراس التي فيها المنكرات؟! إلى متى يا أمة الله؟! إلى متى لا تستيقظين لصلاة الفجر إلا بعد طلوع الشمس؟! قال تعالى: "إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" [الفرقان:70].


الربا والحياة الزوجية

اسمعن لهذا الموقف، وأطلب منكن أن تتخَيَّلْنَهُ، زوجة معها زوجها وابنتها الصغيرة التي تبلغ من العمر خمس سنوات تقول: كنا معًا في أطيب حال، وأهنأ بال، كنا زوجين سعيدين متعاونين على طاعة الله، تقول: عندنا القناعة والرضا، طفلتنا مصباح الدار، ضحكاتها تفتق الأزهار، إنها ريحانة تهتز، فإذا جن علينا الليل ونامت الصغيرة، قمت معه نسبح الله، يؤمني ويرتل القرآن ترتيلًا، وتصلي معنا الدموع في سكينة وخشوع، كأني أسمعها وهي تفيض قائلة: أنا إيمان فلان وفلانة، وذات يوم أردنا أن تكثر الفلوس التي معنا، اقترحت على زوجي أن نشتري أسهمًا ربوية، لتكثر منها الأموال وندخرها للعيال، ووضعنا فيها كل ما نملك، حتى حلي الشبكة، ثم انخفضت أسهم السوق وأحسسنا بالهلكة، فشربنا من الهموم كأسًا، وكثرت علينا الديون والتبعات، فعلمنا أن الله يمحق الربا ويربي الصدقات، وفي ليلة حزينة خلت فيها الخزينة، تشاجرت مع زوجي، فطلبت منه الطلاق، فصاح: أنتِ طالق، أنتِ طالق، تقول: فبكيت، وبكت الصغيرة، وعبر الدموع الجارية، تذكرت جيدًا يوم أن جمعتنا الطاعة وفرقتنا المعصية: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" [إبراهيم:7].

ما أحلاها -يا أمة الله- أن تقومي الليل مع زوجك! ما أجملها -يا أمة الله- أن يضج البيت فجرًا بالأصوات! هذا يقوم، وهذا يسبح، وهذا يبكي، وهذا يسجد، وهذا يركع!

ما أجملها -يا أمة الله- أن تجتمعي مع الزوج على قراءة القرآن! وعلى ذكر الله جلَّ وعلا، ما أجملها يا أمة الله!

 

انظرن إلى النساء في هذه الأزمنة، تقول لزوجها: انظر إلى فلان كيف أثث بيته، انظر إلى فلان ماذا اشترى لزوجته، انظر إلى فلان أين يسافر مع زوجته، يذهب بها إلى بلدة كذا، ودولة كذا، يسافرون كل سنة مرتين، لم لا تذهب بي إلى هذا المكان؟ إلى المسارح، إلى السينمات، إلى الملاهي، ماذا تريدين يا أمة الله؟! "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا" [النساء:77].

 

تريدين الدنيا يا أمة الله! أم تريدين أن تجلسي مع زوجك على البساط، وعلى فراش واحد، تتقاسمين معه اللقمة، ثم تحفظينه في غيبته، ثم يأتيك وقد جاء بلقمة العيش، تجلسين معه لا ينظر إلى غيرك، ولا يعرف سواك، وأنت لا تعرفين إلا ذكر الله وطاعته، تجلسين معه على ذكر الله، وتنامين معه على طاعة الله، وتستيقظين معه على ذكر الله، يا أمة الله! اختاري لنفسك ما تشائين.


وقصص أخرى

لمحات سريعة في هذا العصر، كم في هذا العصر من نساء صالحات، قانتات تائبات، عابدات، مصليات صائمات، سمعنا بنساء قد حفظن القرآن كله، وبنساء قد قرأن الصحاح من الكتب، وبنساء طالبات للعلم، وأخريات داعيات لله عزَّ وجل، وسمعنا بنساء قد أصلح الله بهن بيوتًا كاملة.

 

هذه امرأة، قد تزوجت رجلًا فكان عقيمًا، صبرت معه، لم تطلب منه الطلاق حتى كبر في السن، وعجزت وشاب زوجها، فعمي بصره -تعرفن ماذا تفعل في هذا العصر؟- هذه المرأة كانت تقوم كل ليلة مع زوجها، فإذا اقترب الفجر، تأخذ بيد زوجها وتسوقه إلى المسجد.

 

أمة الله: في هذا العصر امرأة أخرى يجرى لها عملية في عينها ثم تبكي، فيقال لها: لمَ تبكين وقد نجحت العملية؟ قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! إنا لله وإنا إليه راجعون! بعد هذه السنين الطويلة يكشف وجهي رجل غريب، إنا لله وإنا إليه راجعون!

من النساء في هذه الأزمنة، لأجل جرح في إصبعها تكشف وجهها، ولأجل مرض لا يحتاج إلى كشف تكشف ما تشاء، وتتساهل في هذا.

 

أفغانية تجلس في كوخ مع زوجها وأولادها، يذهب إلى الجهاد شهرًا طويلة، ثم يرجع أيامًا يعطيهم قوت أشهرهم، ثم يرجع إلى الجهاد، وفي يوم من الأيام عندما رجع قالت له: أطلت المقام، لمَ لا تذهب إلى الجهاد؟ قال: لقد طال الجهاد، لقد سئمت الجهاد، لقد طال الأمر عليّ، سوف أجلس، فقالت له زوجته الصالحة: إذًا أعطني السلاح، وأعطني ملابسك، وخذ ملابسي، وسوف أذهب مكانك إلى الجهاد، واجلس أنت مكاني في البيت، لا مكان للرجال في هذه البيوت، اذهب إلى الجهاد في سبيل الله ولا تجلس مثل النساء في هذه البيوت.

 

إن حلقات القرآن للنساء قد امتلأت، وإن الدروس قد اكتظت بالنساء، وإن المصليات لتشتكي من ازدحام النساء، فالله أكبر أيتها النساء! إنه دينكن، إنه دوركن، إنه يومكن يا أيتها النساء، لما تكتب هذه الداعرة العاهرة العلمانية تستهزئ بالحجاب، أين قلمك؟ لِمَ تتكلم هذه في المجالس، أين لسانك؟ لم تدعو هذه إلى السفور وإلى التبرج، وإلى الفسق والفجور، أين دورك يا أمة الله؟ لمَ لا تدعين النساء إلى حلقات الذكر وقراءة القرآن؟ لم لا تعطيهن الشريط والكتيب الإسلامي، وتدعينهن إلى الله عزَّ وجل.

نعم يا أمة الله! إن هذه قصص لعل فيها بعض العبر، والله عزَّ وجلَّ جعل القصص للعبرة، والسعيد من اتعظ بغيره.

أقول قولي هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المرأة-المسلمة #للنساء
اقرأ أيضا
الوحي بين المحكم والمتشابه | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

الوحي بين المحكم والمتشابه


الوحي كما أخبر الله فيه النص المحكم الذي يجب التزامه والنص المتشابه الذي يلزم رده إلى المحكم فإذا غاب عن الباحث قاعدة المحكم والمتشابه فلن يتميز له المراد الإلهي وسيبقى مترددا متذبذبا يقفز مع كل أطروحة ويركبه كل اعتراض

بقلم: عبد الله العجيري
371
باطل مشرق | مرابط
فكر مقالات

باطل مشرق


وهذه الرقعة المتراحبة من حدود الصين إلى المغرب الأقصى والتي تسكنها أمم ورثت اسم الإسلام فنسبت إليه ووصفت به تعيش اليوم في بريق متلالئ من هذا الباطل المشرق فمنذ أكثر من مائتي سنة ضربها الغازي الصليبي المستعمر ضربة رابية حتى خرت عاجزة ثم ظل يضربها حتى همدت أو كادت وفي خلال ذلك كان الغازي يستحييها بحياة غريبة عنها حتى يأتي يوم تتبدل فيه من حياة كانت إلى حياة سوف تكون وكذلك يقضي قضاء ساحقا على أسباب الحياة الأولى الحياة التي كانت تعرف بالحياة الإسلامية

بقلم: محمود شاكر
1672
تفسير سورة العصر 1 | مرابط
تفريغات

تفسير سورة العصر 1


سورة العصر سورة عظيمة فيها من النصح وفيها من التوجيه وفيها من بيان الأحكام وفيها من دلالة الإنسان وإيقاظ عقله وقلبه وتنبيهه أيضا إلى رشده ما يستيقظ منه الغافل لو تدبر وتأمل هذه السورة التي يقول فيه الإمام الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل على أمة محمد إلا هذه السورة لكفتهم يعني: سورة العصر وهذه السورة فيها من المعاني العظيمة التي يتوقف الإنسان عندها حائرا مما تضمنته مع قصرها فهي من قصار سور القرآن ولكنها عظيمة المعاني

بقلم: عبد العزيز الطريفي
496
من أخلاق الكبار: أخلاق النبي مع الأطفال | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: أخلاق النبي مع الأطفال


تخيل لو أن الإمام في مسجده تأخر في السجود ثم رفعتم رؤوسكم فرأيتم أطفال الإمام فوق ظهره يلعبون ماذا ستقولون للإمام؟ وماذا ستقولون لهؤلاء الأطفال؟ بعدما تسمعوا هذا الإمام ما يكره تذهبون زرافات ووحدانا إلى الأوقاف ليفصلوا هذا الإمام ويؤدبوه يأتي بأطفاله ويلعبوا فوق ظهره وهو يصلي في المحراب في الروضة ما وجدوا شيئا يلعبون به ويلتهون إلا هذا.. ولكن اقرأ هنا فعل النبي لتتعلم!

بقلم: خالد السبت
305
وضع المرأة تحت مظلة الإلحاد | مرابط
أباطيل وشبهات اقتباسات وقطوف الإلحاد

وضع المرأة تحت مظلة الإلحاد


الحقيقة هي أنه يمكن للمادية والإلحاد أن يصلا بالإنسان عامة وبالمرأة خاصة إلى مستويات أحط وأدنى بكثير مما ذكرته حتى الآن لدرجة قد تدفع بعض الحيوانات ربما للاحتجاج من باب أن أفعال أولئك البشر تسيئ إلى سمعة باقي الكائنات الحية

بقلم: سامي أحمد الزين
557
فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير | مرابط
فكر اقتباسات وقطوف

فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير


العبد إذا انتبه إلى تماديه في دركات التقصير أو استمع إلى موعظة أزعجت قلبه عن رقدة الغفلة فإن فعل الشيطان معه هو التحسير والتعيير حتى يكبله عن مسالك التدارك بآصار الكآبة والحزن واليأس ولا يزال به حتى يوقعه في أعظم مما كان عليه وهو التنكر لنعم الله الدينية ولطفه بعبده وكرمه ورحمته فيجحد الموجود حسرة على المفقود فيجمع بين الشرين

بقلم: كريم حلمي
543