وقد جعل الله لأهل محبته علامتين: اتباع الرسول، والجهاد في سبيله؛ وذلك لأن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، وفي دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان، وقد قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} إلى قوله: {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}؛ فتوعَّد من كان أهله وماله أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله بهذا الوعيد الشديد. بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)). وفي الصحيح: أن عمر بن الخطاب قال له: يا رسول الله والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال: ((لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك)). فقال: فوالله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال: ((الآن يا عمر)).
فحقيقة المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب؛ وهوموافقته في حب ما يحب وبغض ما يبغض، والله يحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان. ومعلوم أن الحب يحرك إرادة القلب؛ فكلما قويت المحبة في القلب طلب القلب فعل المحبوبات. فإذا كانت المحبة تامة استلزمت إرادة حازمة في حصول المحبوبات؛ فإذا كان العبد قادرا عليها حصلها، وإن كان عاجزا عنها ففعل ما يقدر عليه من ذلك كان له أجر كأجر الفاعل..كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم ((من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)). وقال: ((إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم. قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر)). و"الجهاد" هوبذل الوسع. وهوالقدرة في حصول محبوب الحق ودفع ما يكرهه الحق؛ فإذا ترك العبد ما يقدر عليه من الجهاد كان تركه دليلا على ضعف محبة الله ورسوله في قلبه
المصدر:
- شيخ الإسلام ابن تيمية، كتاب العبودية.