التوسط في أسلوب الضرب
منها: أن الضرب الشديد للأطفال في التأديب مزعج لهم، وسبب لتراجعهم وانغلاق نفسيتهم، فما ضرب عليه الولد في العادة من المحفوظات لا يبقى معه كثيرًا، فيحتاج إلى التوسط في هذا الباب، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث بدء الوحي، عندما غط جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل العلم أخذوا من ذلك: أن الصبي لا يضرب على القرآن ولا على العلم أكثر من ثلاث ضربات؛ لأن جبريل غط النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا, ولذلك يقول الشيخ محمد عال رحمه الله: يؤخذ من تثليث غط أحمدا عند نزول وحيه بادي بدا، ألا يزاد الضرب للصبيان على ثلاثة.. فلذلك لا ينبغي أن يتشدد معهم في الضرب والإهانة، ففي ذلك كسر لخواطرهم وتكريههم في المسائل العلمية.
ومن هنا فمبدأ التشجيع والتأديب مبدءان مهمان للصغار، فتشجيعهم إذا أحسنوا بالجوائز والتكريم والتشريف من المهمات, وكذلك تأديبهم أيضًا تأديبًا غير فاحش إذا أساءوا من المهمات، وليكن الإنسان معتدلًا في هذا. ولا يحل الدعاء عليهم، فدعاء الوالد على ولده مستجاب، ولذلك ينبغي للأمهات أن يتعودن على عدم الدعاء على الأولاد، فهو مستجاب وهن لا يرضين باستجابته.
تعويد الأطفال على الجد والتشمير
وكذلك تعويدهم في وقت الدراسة على الجد والتشمير والمنافسة من المهمات، كأن يعودوا على أن وقت اللعب محصور، وأن وقت الدراسة محصور لا بد من إكماله، وإذا انتهى وقت الدراسة فلا بد أن يعطوا إجازة وراحة، تجم بها نفوسهم وقد قال الحكيم:
أفد طبعك المكدود بالجد راحة يجم وعلله بشيء من المزحِ
ولكن إذ أوليته المدح فليكن بمقدار ما يولى الطعام من الملح
التنويع في أساليب تعليم الأطفال
وكذلك لا بد أيضًا من تعويدهم على تسميع ما حفظوا، فإذا كان الإنسان يحفظ بسهولة وسرعة فإنه سينسى أيضًا بسهولة وسرعة, لكن إذا كان يراجع ذلك فهذا الذي يثبته في ذهنه.
وكذلك التنويع في المعلومات، أن يكون مثلًا ما يدرس في الليل غير ما يدرس في النهار، وأن يكون ما يحفظ في أيام الأسبوع متباينًا، فهذا مما يعين نفسياتهم على التحمل, ولهذا فإن تقسيم الأوقات على المواد من مهمات التربية.
وكذلك ألا تثقل أذهانهم أيضًا، فإذا أرت أن يحفظ الولد شيئًا من القرآن فلا تجبره على حفظ صفحة كاملة دفعة واحدة، بل اختر له أسطر قليلة يحفظها بسرعة، فشجعه على حفظها، ثم أعطه جرعة أخرى وهكذا، فما كان يشق عليه جرعة واحدة إذا قسمته لن يشق عليه فاقسمه.
التربية على الأخلاق الفاضلة الحميدة
كذلك فيما يتعلق بتأديبهم على الأخلاق، فلا بد أيضًا أن يربط لهم ذلك بالمروءة والنخوة، وأن يعودوا فيه على الاحترام، فالولد لا ينبغي أن ينادى باسم غير شريف، وما تعود عليه في زماننا هنا من تضمير أسماء الأطفال وخطابهم بالألقاب السيئة فهذا يكسر نفوسهم ويعودهم على عدم المسئولية, لكن إذا كانوا يكنون: قم يا أبا العباس، قم يا أبا حمزة، ويكنون بالكنى الشريفة، وينادونا بأسمائهم التي يحبونها، فهذا مما يزيد شخصياتهم ويزيد عنايتهم بأنفسهم, ومن هنا يقول الحكيم:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوأة اللقبا
كذاك أدبت حتى صار من خلقي أني رأيت ملاك الشيمة الأدبا
كمخاطبة الإنسان بالاسم الشريف تحميل له المسئولية وزيادة لشخصيته, وهذا يشمل حتى الكفار، فـالنبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الوليد بن المغيرة فيناديه بكنيته، وكان يخاطب عتبة بن ربيعة فيناديه بكنيته, وهذا من قول الحسن للناس، وقد قال الله تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" [البقرة:83].
إذًا: هذه بعض القواعد وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد الله رب العالمين.
المصدر:
محاضرة فقه الأسرة ج6