أريدك أن تتخيل معي دجالًا كذابًا يدعي أنه مرسل من عند الله، ويموت ولده، ويوم موت ولده تنكسف الشمس، وحين تنكسف الشمس يقول الناس: "إن الشمس انكسفت من أجل ولده".. أريد منك أن تقلب هذا الأمر ظهرًا لبطن وبطنًا لظهر، وترى كيف سيتصرف هذا الدجال؟ أعمل عقلك كثيرًا في هذه المسألة، ور كيف سيتصرف دجالٌ وضع في هذه الفرصة الذهبية للترويج لنفسه!
ثم تعال معي..
يموت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وتنكسف الشمس، ويتحدث الناس: "إن الشمس قد انكسفت لموت ابن النبي صلى الله عليه وسلم"، ويشمت المشركون: "لقد بتر محمد" أي: لم يعد له أولاد يحملون اسمه من بعده، ويصرخ أحد الصحابة حزنًا..
أما عن انكساف الشمس: فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم سكت ولم يتكلم لاستقر عند الناس أن الشمس انكسفت لموت ولده إبراهيم، فمجرد السكوت كان يكفي! ولو أنه سكت؛ لقلنا: كانت مصيبة موت ولده شديدة! مجرد السكوت كان كافيًا! لكن..
لكنه صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا).
هكذا بوضوح ودون أي لبس وغموض!
إن رجلًا لا يكذب على الله عز وجل في مسألة كهذه لن يكذب عليه في أنه رسول من عنده، أليس كذلك؟ بلى.
ثم ماذا؟
ثم في خضم هذا الحزن تُشرع صلاة الكسوف ويصلي النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف، ويخطب فيهم خطبة يتكلم فيها عن عذاب القبر ولا يتكلم عن ولده بشيء!
ثم ماذا؟
ثم عندما يسمع من يصرخ من الصحابة حزنًا على موت ولد النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه عن ذلك ويقول: إن ذلك من الشيطان!
ثم ماذا؟
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضى الرب، والله! إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
ثم ماذا؟
ثم لا يرد على المشركين! ولا يتوعدهم من حينه! ولا يرد لهم الصاع صاعين! بل تنزل السورة الكريمة: (إنا أعطيناك الكوثر* فصل لربك وانحر* إن شانئك هو الأبتر).
لو تأملت السورة لوجدتها بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم بالكوثر، ولو كان -وحاشاه- دعيًّا، أكان يسلي نفسه بالكذب؟
إن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان سيكذب -وحاشاه- فلن يكذب على نفسه ويقول: "إنا أعطيناك الكوثر" أو يقول: "والله يعصمك من الناس"، وعندما تنزل عليه الآية يأمر الصحابة الذين كانوا يحرسونه بترك الحراسة لأن الله وعده أن يعصمه من الناس، أتراه إلا صادقًا؟ نعم والله صادقًا مصدوقًا.
ثم تتأمل السورة فتجدها تكليف بالعبادة: "فصل لربك وانحر"، ألو كان الرد من عنده -وحاشاه- وليس من عند الله، أكان يكلف نفسه المزيد من العبادة في هذا الوقت الذي مات فيه ولده، وشمت به الكفرة؟
ثم يأتي الرد عليهم في آخر السورة: (إن شانئك هو الأبتر).
هذا موقف واحد من حياة النبي صلى الله عليه وسلم تجاه حدث موت ابنه صلى الله عليه وسلم، وجدناه فيه يدفع عن نفسه ما زعمه الناس أن الشمس كسفت لموت ولده، ويصلي صلاة الكسوف، ويخطب عن عذاب القبر، ويأتي الرد على الكفار فيه تسلية له بما له في الجنة، وتكليف بالعبادة، وفي آخره الرد عليهم، ويمنع أصحابه من المبالغة في الحزن مع حزن قلبه على ولده، وهو في ذلك لا يقول إلا ما يرضي الرب عز وجل..
ولم يسكت ليفهم الناس أن الشمس انكسفت من أجل ولده، ولم يقعد عن العبادة، وقام لصلاة الكسوف، ولم يكن ليخدع نفسه بتسلية من عند نفسه بالكوثر، ولم يكن ليزيد العبادات عليه، ولم يكن ليمنع أصحابه من المبالغة في الحزن لو كان كاذبًا صلى الله عليه وسلم وحاشاه!
التفسير الإسلامي: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى)
التفسير الإلحادي: لن تجد تفسيرًا مقنعًا!