كيف تبحث قضية نشأة العلوم وتطورها؟

كيف تبحث قضية نشأة العلوم وتطورها؟ | مرابط

الكاتب: سلطان العميري

413 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يعتمد كثير من الباحثين في الحديث عن نشأة العلوم وتطورها على التدوين والكتابة في العلوم، فتراه يحدد نشأة العلوم ومراحلها بناءً على حالة التدوين فيها، فيحكم على أن علما ما نشأ في وقت كذا لأجل أن كتابا معينا ألف في مسائله، ويحكم على أنه تطور إلى مرحلة ما لأجل أن نوعا من الكتب ظهر في معالجة مسائله.

وكثير من الدارسين لعلم العقيدة اعتمدوا هذه المنهجية، فتراهم يبدؤون في بحث نشأة علم العقيدة وتطوره بقضية التدوين، ويسمون مراحل علم العقيدة بناء على ما ارتضوه من مرحلية الكتابة فيها.

ولا شك أن حالة التدوين والكتابة في العلم تعد معلما من أهم المعالم المفسرة لنشأة العلوم وتطورها، ولكنها ليست المعلم الوحيد، ولا المظهر الأكثر بيانا لطبيعة العلم تطوره، فهناك مكونات أخرى لا بد من مراعاتها في دراسة نشأة علم العقيدة وتحديد مراحل تطوره، ومن تلك المكونات:

الموضوعات

المكون الأول: الموضوعات، والمرد به أصول الموضوعات المكون للعلم وعدد أصولها وما يندرج فيها من الفروع، فيقوم الدارس بتحديد أصول الموضوعات التي كان يخوض فيها المؤسسون للعلم- علم العقيدة- ومن قبلهم، ومن جاء بعدهم، ويرصد أهم التغيرات التي حصلت فيها إما على مستوى الموضوعات الأساسية أو على مستوى الفروع المندرجة ضمن تلك الموضوعات، فينظر هل استجد موضوعات جديدة لم تكن من قبل، أو هل استجدت فروع جديدة مندرجة ضمن أصول الموضوعات السابقة.

فيقوم الدارس مثلا بتحديد أصول الموضوعات العقدية التي تناولها الصحابة رضي الله عنهم وقدموا فيها علما، ثم يقوم بتحديد أصول الموضوعات العقدية التي خاض فيها التابعون، ويقارن بينها، وهل استجد شيء من أصول الموضوعات أو فروعها عندهم أم لا، ويستمر بالمنهجية نفسها في دراسة القرون المتعاقبة.

طبيعة البحث

المكون الثاني: طبيعة البحث والمعالجة، والمراد به المنهجية المتبعة في طريقة النظر في مسائل العقيدة ومسالك التعبير عنها وأشكال تناولها، من جهة التوسع في الطرح أو الاختصار وجهة الاقتصار على العرض أو الدخول في الرد على المخالفين، ونحو ذلك.
فيقوم الدارس بتحديد المنهجية التي كان يعتمد عليها المؤسسون للعلم ومن قبلهم ومن بعدهم في تناول موضوعاتها، ويرصد أهم التغيرات التي حصلت في طريقة بحثهم لها ومسالك تناولهم إياها.

وفي خصوص علم العقيدة يبتغي على الدارس أن يقوم بتحليل المادة العقدية المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم ويحدد طبيعة تناولهم لها، ثم يقوم بتحليل المادة العقدية المنقولة عن التابعين، ويقارن بينها وبين ما عند الصحابة، ويتفحص ما استجد من التطورات في طريقة التناول ومسالم البحث والتعبير وما لم يستجد، ويستمر بالدراسة عبر القرون المتعاقبة.

منهجية الإثبات

المكون الثالث: منهجية الإثبات البناء، والمراد به المسالك المعتمدة في الاستدلال على مسائل العلم وطرقه وفي منهجية الرد على المخالفين.

فيقوم الدارس بتتبع الأدلة الحاضرة التي اعتمد عليها المؤسسون ومن قبلهم ومن جاء بعدهم في الاستدلال وتتبع طرقهم ومسالكهم في الاحتجاج والبناء، وكذلك طرقهم في نقد الأقوال المخالفة ونقضها ، ويرصد أهم التغيرات التي وقعت في هذه القضية عبر القرون المتعاقبة.

وفي خصوص علم العقيدة ينبغي على الدرس أن يرصد الأدلة الحاضرة عند الصحابة رضي الله عنهم في الاستدلال على جملة المسائل العقدية، ويدرك الأصول المنهجية التي كانوا ينطلقون منها في إثباتهم لمسائل العقيدة وفي حواراتهم للمنحرفين فيها، ويقوم بالعمل نفسه عند التابعين ومن جاء بعدهم، ويتفحص ما إذا وقعت تطورات مستجدة في هذه القضية أم لا.

التيارات والفرق

المكون الرابع: التيارات والفرق، والمراد به المذاهب والتيارات التي ظهرت في تاريخ العلم ولها منهجية مخصوصة في دراسته وبنائه والاستدلال عليه.

فيقوم الدارس بتتبع حالة علم ما ويرصد التيارات والمذاهب التي تشكلت في دائرته، واختلفت في دراسته سواء في أثناء نشأته أو بعدها، فما من علم إلا وفيه تيارات ومذاهب مختلفة، وهي مختلفة في تاريخ نشأتها وفي تطوراتها، ومكانها واتساعها وضيقها.

وفي خصوص علم العقيدة لا بد للدارس من أن يقوم برصد أهم الفرق والانحرافات التي وقعت في مسائل العقيدة، ويحدد زمن ظهورها وانتشارها ومكانها، وزمن أفولها واختفائها، وما يعد منها أصلا وما يعد منها فرعا خارجا عن غيره، من لدن زمن الصحابة ومن جاء بعدهم.

المصطلحات والمفاهيم

المكون الخامس: المصطلحات والمفاهيم، والمراد به ضبط أصول المصطلحات الحاضرة في التعبير عن الحقائق المتعلقة بعلم ما.

فيقوم الدارس بتتبع تاريخ العلم ورصد المصطلحات الحاضرة في تعبير العلماء عن مراداتهم في ذلك العلم، يحللها من جهة نشأة المصطلح وحجم حضوره وانتشاره، وهل يطلق على معنى واحد أم متعدد؟ وهل هو عام عند كل العلماء أو خاص ببعضهم؟، ونحو ذلك من المسائل.

وفي خصوص علم العقيدة لا بد للدارس أن يقوم برصد أهم المصطلحات الحاضرة في مقولات أئمة السلف من لدن الصحابة ومن جاء بعدهم، ويحدد نشأتها وإطلاقاتها عندهم وتطوراتها ومدى انتشارها وعموها وخصوصها في الأزمان المتعاقبة.

التدوين والتأليف

المكون السادس: التدوين والتأليف، والمراد به أهم المصنفات التي ألفت في جمع مسائل العلم وتوضحها والاستدلال عليها والحجاج حولها.

فلا بد لدارس علم ما أن يقوم بحديد الزمن الذي يمثل نشأة التأليف فيه، ويتتبع أهم التطورات الواقعة في منهجية التصنيف وأظهر المراحل التي مرت بها من لدن المؤسسين إلى من جاء بعدهم عبر القرون المتعاقبة.

وفي خصوص علم العقيدة فلا بد لدارسه من أن يحدد الزمن الذي تشكلت فيه النواة الأولى في المصنفات الخاصة به، ويقوم برصد التطورات التي وقعت في الكتب العقدية من أول زمن ظهور التصنيف فيه إلى زمننا الحاضر.

ومن خلال هذا العرض لمكونات البحث في نشأة العلوم وتطوراتها يظهر بجلاء بأن هذه القضية مركبة من أمور عديدة فلا بد من توفرها جميعا في معالجة تلك القضية المحورية، والتقصير في واحد من تلك المكونات يؤدي إلى تقصير في تصورها وإدراك أثرها.

ولأجل هذا فإن قضية نشأة العلوم وتطورها- علم العقيدة- من أعقد القضايا البحثية وأكثرها عمقا، وتتطلب قدرا عاليا من الاستقراء والتحليل والبناء والتركيب.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#نشأة-العلوم
اقرأ أيضا
محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة الجزء الأول


من أظهر الأمور الدينية: أن المهمة الأولى لدعوة الرسل والهدف المركزي فيها هو تعبيد الناس لله تعالى وغرس التعلق به في كل حياتهم كما قال تعالى:ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة النحل:36 فمقصد بعثة الرسل وأساس دعوتهم ومنتهى أعمالهم وغاية جهادهم وقطب الرحي في حياتهم والفكرة التي حولها يدندنون ومنها يقصدون وإليها يرجعون وفيها يبذلون هي: عبادة الله وحده وغرس فكرة العبودية في عقول الناس وقلوبهم وإنكار عبادة كل الأوثان

بقلم: سلطان العميري
2719
طبيعة التصرفات النبوية | مرابط
تعزيز اليقين

طبيعة التصرفات النبوية


الأصل في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته أنها حجة وأنها تشكل بمجموعها مفهوم السنة النبوية وأنها منبع يصدر عنه في تقرير الأحكام وبيان التشريعات وقد نبه الإمام ابن عبد البر إلى طبيعة الإطلاق في الإطلاقات الشرعية الآمرة بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع أمره فقال: وقد أمر الله جل وعز بطاعته واتباعه أمرا مطلقا مجملا لم يقيد بشيء كما أمرنا باتباع كتاب الله

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري
626
لماذا نحب الرسول الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

لماذا نحب الرسول الجزء الثاني


في هذه المحاضرة يدور الحديث حول محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطريق إليها معناها وأهميتها واجباتها ومستلزماتها وما ينبغي أن يكون موقف المسلم تجاه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا الموضوع على درجة عظيمة من الحساسية لما وقع الناس فيه من أهل الإسلام أهل القبلة بين الإفراط والتفريط هذا الموضوع ينبغي أن يفتح كل مسلم قلبه وسمعه لتفاصيله ويتذكر حتى ولو لم يتعلم شيئا جديدا ويستعيد إلى نفسه وقلبه ذكريات هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويتذكر حقوق رسول الله وواجباته

بقلم: محمد المنجد
697
الاجتهاد وتمدين الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاجتهاد وتمدين الإسلام


أما الآخر الذي أحب أن ألفت النظر إلى خطورته فهو تطوير الإسلام لكي يوافق الواقع في حياتنا المعاصرة. وقد بدأ هذا الاتجاه كما رأينا في أول الأمر بإحساس الحاجة إلى مواجهة الأقضية الجديدة باستنباط أحكام شرعية توافقها ورأينا صدى ذلك فيما كتبه الطهطاوي وخير الدين التونسي

بقلم: محمد محمد حسين
429
هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر


تقول الشبهة بأن الله لا يغفر أن يشرك به كما جاء في القرآن الكريم ولكن في نفس الوقت غفر الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام عبادته للنجوم فهل فعلا عبد سيدنا إبراهيم النجوم والشمس والقمر كما يزعم صاحب الشبهة وهل وقع هنا أي حالة من حالات الشرك هذا ما يناقشه المقال ويوضح مكامن الخلل في هذه الشبهة السخيفة

بقلم: محمد عمارة
2507
مقالة مفيدة لسفيان الثوري | مرابط
مقالات

مقالة مفيدة لسفيان الثوري


عليك بالصدق في المواطن كلها وإياك والكذب والخيانة ومجالسة أصحابها فإنها وزر كله وإياك يا أخي والرياء في القول والعمل فإنه شرك بعينه وإياك والعجب فإن العمل الصالح لا يرفع وفيه عجب ولا تأخذن دينك إلا ممن هو مشفق على دينه فإن مثل الذي هو غير مشفق على دينه كمثل طبيب به داء لا يستطيع أن يعالج داء نفسه وينصح لنفسه كيف يعالج داء الناس وينصح لهم؟

بقلم: أحمد بن عبد الله الأصفهاني أبو نعيم
273