من العقبات المعروفة في البحوث العلمية شح المعلومات في موضوع البحث التي تجعل الباحث يقلب الكتب وهو كاسف البال ويراسل المختصين فلا يعود بطائل ويصبح البحث كالجبل فوق رأسه، ولكن هذا ليس كل شيء، ليس شح المعلومات هو المشكلة فقط، فإن الكثرة المفرطة في المعلومات موضوع البحث هي أيضًا عقبة أخرى أكثر شيوعًا اليوم، فترى الباحث كلما ظن أنه استوعب منطقة البحث وحرثها جيدًا، انفتحت عليه أبواب ومساحات أخرى فيتشعب ويتفرع ويتعنقد حتى تخور قواه، فلا يسعفه الوقت لدراسة هذه المعلومات المتدفقة المتناسلة، وبذات الوقت يعز عليه أن يختم البحث ويستخلص النتائج وما زالت بعض معطياته مجهولة له، وخصوصًا إذا كان الباحث من المصابين بشهوة الاستقصاء.
فما الذي يحدث في هذه الحالة؟ الحقيقة أن أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن تخور قواه فيدع الباحث البحث على ما هو عليه، ويجعله مجرد مستندات محفوظة في جهازه المحمول، ويبدأ رحلة مشروع بحث جديد، هروبًا من الضغط النفسي السابق، ويصبح يتحدث عنه في مجالس أصحابه أن عندي بحث في كذا ولكن تمر السنون وهو يردد هذه الجملة.
وهذه الإشكالية في شهوة أو عقدة الاستقصاء سبق أن تحدث عنها كثير من مشاهير المشتغلين بالبحث العلمي، وباعثها الخفي هو عائق تطلب الكمال.
والحقيقة أن طوفان المعلومات والقدرات البحثية المهولة التي وفرتها شبكة الإنترنت زادت من احتمالات هذه العقبة، ولذلك أطلق بعض الباحثين على أصل هذه الظاهرة لقب مدمني البيانات وهو لقب أعم يشمل كل ما أصيب بالشراهة في مطاردة وجمع المعلومات على الشبكة.
ويرى باحثون آخرون أن الإمكانات المعلوماتية الاستثنائية لشبكة الإنترنت ساهمت في زيادة ما كانوا يسمونه سابقًا الإغراق المعلوماتي أو الإفراط في تحميل المعلومات وهو مصطلح له تاريخ سابق ليس هذا موضع عرضه، ولذلك يقول بعض الباحثين: إدمان الإنترنت مصطلح فضفاض يغطي تشكيلة واسعة من السلوكيات ومشكلات التحكم في الدافعية، والأنواع الفرعية الخمسة لإدمان الإنترنت، وهي كالتالي..، ثم ذكر النوع الرابع فقال: الإفراط في تحميل المعلومات: شبكة الإنترنت خلقت نوعا جديدًا من السلوك القهري يشتمل على الإفراط في تصفح الشبكة والبحث في قواعد المعلومات وهؤلاء الأفراد يبددون كمية غير مناسبة من الوقت في البحث وجمع وتنظيم المعلومات.
المصدر:
إبراهيم السكران، الماجريات، ص62