مكانة المرأة في الإسلام

مكانة المرأة في الإسلام | مرابط

الكاتب: د أمين بن عبدالله الشقاوي

1756 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
 
فحديثنا اليوم عن المرأة، وسيكون الكلام فيها حول الأمور التالية:

 

أولًا: حالة المرأة قبل الإسلام.
ثانيًا: صور مضيئة لتكريم المرأة في الإسلام.
ثالثًا: شبهات والجواب عنها.
رابعًا: واجبنا نحو ذلك.

 

أولًا: حالة المرأة قبل الإسلام:

لقد كانت المرأة قبل الإسلام في بعض مجتمعات الجاهلية تعيش فترة عصيبة، فقد كانوا يكرهون ولادتها، فمنهم من يدفنها وهي حية تحت التراب خوفًا على نفسه من العار، ومنهم من يتركها تبقى في حياة الذل والمهانة.

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59].

وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9].

والموؤدة هي البنت تدفن حية حتى تموت تحت التراب، والمرأة في الجاهلية ليس لها حظ في الميراث مهما عانت من الفقر والحاجة؛ لأن الميراث يختص بالرجال، بل إنها كانت تورث عن زوجها الميت كما يورث سائر المتاع، وكان الجمع الكثير من النساء يعشن تحت زوج واحد، حيث كانوا لا يتقيدون بعدد محدد من الزوجات، ولا يبالون بما ينالهن من المضايقات والظلم، روى مسلم في صحيحه من حديث عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرًا، حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم"[1].

 

ثانيًا: صور مضيئة لتكريم المرأة في الإسلام:

فقد رفع عنها المظالم، وأعاد لها مكانتها، وجعلها شريكة الرجل في الثواب والعقاب وسائر الحقوق، إلا ما اختص الله به النساء، قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

وقال تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ [آل عمران: 195].

روى الترمذي في سننه من حديث أم عمارة - رضي الله عنها - أنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35][2].

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما النساء شقائق الرجال"[3].

وحرم الإسلام اعتبار المرأة من موروثات الزوج، كما هو الحال في الجاهلية، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ﴾ [النساء: 19].

فضمن لها استقلال شخصيتها، وجعلها وارثة لا موروثة، وجعل للمرأة حقًا في مال قريبها من الميراث، فقال تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7].

روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "استوصوا بالنساء خيرًا"[4].

وروى ابن ماجه من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"[5].

 

ثالثًا: شبهات والجواب عنها:

يردد أهل الشهوات عبر وسائل الإعلام المختلفة بأن المرأة تعاني من الظلم، وأنها شق معطل، وأن البيت سجن لها، والقوامة سيف مصلت عليها أن تتخلص منه، وقد أوجد ذلك وللأسف أثرًا عند بعض النساء.

أما القول بأن المرأة تعاني من الظلم، فقد سبق الكلام عن مكانة المرأة في الإسلام، وكيف رفع المظالم التي كانت عليها في الجاهلية، وهي ليست شق معطل، بل إن بقاءها في بيتها وتربيتها لأولادها من أعظم الأعمال التي تثاب عليها، وتخرج ثمراتها إلى المجتمع المسلم.

روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت"[6].

والذي ينظر إلى المجتمعات الغربية وكيف خرجت المرأة لتزاحم الرجال، وتركت أطفالها في رعاية الخدم، أو الحضانة، أو غيرها، وما جنى هؤلاء الغربيون من الفساد، وانحلال الأخلاق، وكثرة أولاد الزنا، والتفكك الأسري، وانتشار المخدرات والمسكرات، وغير ذلك، ليدرك عظمة هذا الدين، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33].

أما القوامة فقد جعلت لحماية المرأة وصيانة عرضها من الرجال، قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34].

قال ابن كثير: "أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجت".

قال ابن عباس: " ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]: يعني أمراء عليهن، أي: تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله، حافظة لماله"[7].

 

رابعًا: واجبنا نحو ذلك:

أولًا: تربية أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا تربية صالحة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "أدبوهم وعلموهم الخير" ، وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته"[8]. ولو أن كل رجل اهتم بأسرته، ورباهم على الكتاب والسنة؛ لصلح المجتمع كله.

 

ثانيًا: التزود بالعلم الشرعي، وبالعلم يكتشف المؤمن ضلال المضلين، وانحراف المنحرفين من العلمانيين وأهل الأهواء والشهوات، ويستطيع الرد عليهم وكشف مخططاتهم، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

 

ثالثًا: الدعوة إلى الله - عز وجل -، وتحذير الناس من أهل الشر، وما يخططون له من إفساد المرأة، وإبعادها عن دينها، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].

روى مسلم في صحيحه من حديث سهل بن سعد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم"[9].

 

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. برقم (١٤٧٩).
  2. برقم (٣٢١١) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/92) برقم (2565).
  3. (43/265) برقم (٢٦١٩٥) وقال محققوه: حديث حسن لغيره.
  4. برقم (٥١٨٦)، وصحيح مسلم برقم (١٤٦٨).
  5. برقم (١٩٧٧) وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/334) برقم (١٦٠٨).
  6. برقم (٤١٥١) وصححه الشيخ الألباني في آداب الزفاف (ص ٢٨٦).
  7. تفسير ابن كثير (4/20-21).
  8. صحيح البخاري برقم (٢٥٥٨)، وصحيح مسلم برقم (١٨٢٩).
  9. سبق تخريجه.

 

المصدر:

موقع الألوكة: https://www.alukah.net/social/0/40643/

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
الآثار السلبية للانفلات من الشريعة | مرابط
فكر مقالات المرأة

الآثار السلبية للانفلات من الشريعة


فبأي ذنب يتم إسقاط ملايين الأجنة سنويا بعمليات الإجهاض التي تسببت بها علاقات غير شرعية وإذا كانت الروح قد نفخت في كثير من هذه الأجنة فبأي ذنب قتلت أليس لهذا الجنين حق الحياة أم أن حرية الشهوة مقدمة وإدا كان مصير هذه الأرواح البريئة القتل والإزهاق فلماذا يتم تسهيل العلاقات التي تسببت في تكوينها من الأصل

بقلم: أحمد يوسف السيد
509
الإنسان المترقب وأزمة ترحيل المهام | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإنسان المترقب وأزمة ترحيل المهام


الإنسان المترقب قد يكون يرفل في ربيع العمر ويحرق سنواته الذهبية بلا مبالاة من يشعل سيجارة لصديق وضع يده على جيبه ولم يجد ولاعته وأخذ ينفث الزمن في الهواء الإنسان المترقب حدث تحول مهم في حياته كان يتابع الجدل والردود المتبادلة ونقائض التيارات عبر المنتديات الإلكترونية ثم صار اليوم يتابعها عبر شبكات التواصل هذا كل ما في الأمر

بقلم: إبراهيم السكران
575
ذم الترف والتبذير | مرابط
تفريغات

ذم الترف والتبذير


إن الدنيا متقلبة لا تدوم وهي لا تسير على حال واحدة ووتيرة واحدة فعرس يقام فتنصب له خيمة بأربعين ألف دينار فتستعمل مرة واحدة فقط فكم بطن جائع تطعم بقيمة هذه الخيمة ولقد وصل الترف وللأسف إلى المسلمين الذين يؤمون المساجد ولعل بعض الإخوة الحاضرين من هؤلاء يقيمون الحفلات في الفنادق الضخمة وينفقون على ذلك الألوف من الأموال التي تذهب إلى جيوب السفهاء الذين يضيرون أمة الإسلام

بقلم: عمر الأشقر
597
معرفة الحق أولا أم الرد على الشبهات؟ | مرابط
فكر

معرفة الحق أولا أم الرد على الشبهات؟


معرفة الحق بدلائله وبراهينه حتى يطمئن إليه القلب وتسكن إليه النفس مقدم على معرفة ما قد يعارضه من الشبهات وكيف يكون الرد عليها إذ لا يمكن دفع الباطل إلا بما تدل براهين الحق على بطلانه ومن عكس الأمر فأشغل نفسه بالشبهات قبل أن يكون قد حصل له التمكن من اليقين بالحق فيخشى عليه أن يضطرب حاله حتى لا يعود يدري ما الحق ولا كيف يدفع ما وقع له من الشبهات.

بقلم: عبد الله القرني
490
الأطفال وجناية الشهرة | مرابط
مقالات

الأطفال وجناية الشهرة


من الظواهر المؤلمة التي ظهرت مؤخرا ظاهرة شهرة الأطفال وإبرازهم وجعلهم ممن يشار إليهم بالبنان وممن تلاحقهم الأضواء والفلاشات وهذه ظاهرة سيئة لها تبعاتها الخطيرة على الطفل وعلى مستقبله في هذه الحياة. والأدهى والأمر تصنيف ذلك على أنه نجاح وتوفيق وتحقيق هدف ونموذج ينبغي أن يحتذى فيكون ميزان النجاح بعدد المتابعين وكثرة لظهور أمام الفلاشات وهذا وربي من المفاهيم المغلوطة التي ينبغي أن تصحح.

بقلم: د. طلال الحسان
394
نسبية الحق والإنسان المؤله | مرابط
اقتباسات وقطوف

نسبية الحق والإنسان المؤله


إن هذا المؤمن بنسبية الحق هو شخص مؤله لنفسه وذاته وما ادعاؤه لحب البشر واحترامه لهم ورحمته بهم إلا محاولة أخرى لتشبيه نفسه بالرب الرحيم العطوف كأنه في منافسة خفية مع ذلك الرب الأعلى الذي يؤمن به كثير من البشر تاركينه هو ذلك البشري الإله بلا عبادة ولا حمد برغم عطفه وحبه لهم

بقلم: عمرو عبد العزيز
736