ومن أشراط الساعة ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من التباهي بالمساجد. والمراد بالتباهي بالمساجد بتشييدها وعمرانها على مبانٍ مختلفة حتى يتباهى الأغنياء كما يتباهون في بيوتهم: ذاك مسجد فلان، وذاك مسجد فلان، وشيد فلان مسجدًا على هيئة كذا، وشيد فلان مسجدًا على هيئة كذا، أو ما يقال أن مسجد فلان أكبر من مسجد فلان، أو مسجد فلان أجمل وأفضل، أو أكثر تحسينًا من مسجد فلان.
وقد جاء ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود من حديث حماد عن أيوب عن قتادة و أبي قلابة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد).
ومعنى (يتباهى) أي: أنه وجد وكثر واستفحل، وتباهوا فيما بينهم. وقوله هنا: (الناس) إشارة إلى الذين يعمرون المساجد، وإشارة أيضًا إلى الذين لا يعمرونها ممن لا يعنيهم هذا الأمر ممن يقول: مسجد حينا أفضل من مسجد حيكم، أو مسجد بلدنا أفضل من مسجد بلدكم، وهذا من أشراط وأماراتها، وهذا ظاهر جلي.
ويظهر أيضًا في تباهي كثير من الناس بإمامة مسجد معين على غيره ونحو ذلك. وبه يعلم أن حقيقة فضل المساجد الذي دل عليه الدليل ما يلي:
أولها: المساجد الثلاثة التي دل الدليل على تضعيف العبادة فيها، وهذه هي التي يشرع أن يخصها الإنسان بخصيصة من العبادة والذهاب ما لا يكون لغيرها؛ للدليل الوارد فيها.
ثانيًا: ما تكثر فيه الجماعة، فإن الأجر فيه أفضل مما قل فيه؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل)، وهكذا.
ثالثًا: المسجد القديم أفضل من المسجد الحديث، وقد جاء هذا عند أبي نعيم في كتابه الصلاة من حديث ابن سيرين قال: (كنت أذهب مع أنس بن مالك فنمر على مسجد فيقول: أقديم أم حديث؟ فإذا كان حديثًا تجاوزه إلى غيره، وإذا كان قديمًا صلى فيه). وأما ما عدا ذلك فلا يشرع قصده لذاته إلا لعلة خارجة شرعية عنه كقصد طلب العلم، أو عمارة ذلك المسجد وخصوصيته عن غيره بتعلم القرآن، ونحو ذلك، فإن هذا مما هو جائز ومندوب إليه.
المصدر:
محاضرة أشراط الساعة، الجزء الثالث، للشيخ عبد العزيز الطريفي