التغريب: الأهداف والأساليب ج7

التغريب: الأهداف والأساليب ج7 | مرابط

الكاتب: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

2184 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

التغريب الاقتصادي

 

وأن أعظم وجوه الاستهلاك لدى الغرب هو في هذا الأمر، والتغريب في بلدان المسلمين له أثر على المسلمين في ذواتهم، وطبيعتهم مع كثرة الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، فاستهلكوا الطبيعة، واستهلكوا الأرض، واستهلكوا المعادن، والإنسان يأخذ ويرمي بسائر ما يستهلك من هذه الأرض، وكلما جعله الله عز وجل في هذه الأرض من خير، والله جل وعلا جعله على نظام، فإذا كان الله سبحانه وتعالى أمر بعدم الإسراف في الإنسان بالماء ولو كان على نهر جار، فكيف يسرف باستهلاك مادة هي أشق من استخراج أمر الماء، ولكن ما لم يلتفت إليه الغرب، وهو أبواب الاستهلاك أن العالم يستهلك وهو ينتج ويخدع أولئك بما يسمى بالموضة، وكذلك المنتجات الجديدة، ويغرى بما يسمى بالدعاية حتى تصل الأموال إلى جيوبهم من غير استعمار..

فأصبح الإنسان يتقلب في أبواب الألبسة والمراكب والمساكن والمفارش وسائر الوسائل، وهي زائدة عن حاجة الإنفاق، ولو أنفق في أمور الحاجة لكثير من فقراء المسلمين لسد حاجتهم، ولكن المراد من ذلك هو نوع من الاستعمار، استعمار المادة، ولهذا جاء ما يسمى بالتنوع والاستهلاك، ولهذا أيقنوا في آخر وقتهم أن هذا الاستهلاك ينبغي أن يتوقف، وأنه ظهر الفساد حتى في طبيعة الأرض وما يسمونه بالاحتباس الحراري، وثقب طبقة الأوزون، ووفرة ما يسمى بثاني أكسيد الكربون، وأول أكسيد الكربون، ونزوله إلى الأرض ونحو ذلك، وكذلك ما يرونه ويوقنون به في أنه في عقود قادمة أن مع الاحتباس الحراري واستمراره أن الجليد سيزيد من مستوى البحر، مما يدل على ضرر الإنسان بأن مستوى سطح البحر للكرة الأرضية هو مستو بجميع جهاته ومواضعه، وأن ذلك هلاك للبشرية.

كذلك فإنهم يجمعون ويطبقون على أن أعظم معدن وصلت إليه البشرية هي المعادن اللي تسمى المعادن الأحفورية والتي هي الغاز والنفظ والفحم، وهذه ثلاثة معادن تسمى معادن أحفورية وهم يقطعون ويجزمون أنها إلى هلاك ونفاذ، ولكنهم لا يدخرونها، وإنما يدخرون غيرها لأنهم يعيشون ساعة ولا يضرهم أن يكون غيرهم مما يستهلك ذلك لصالحهم، فهم يجمعون القناطير المقنطرة، فكان ثمة تغريب في أبواب الاقتصاد، وكان ثمة تغريب في أبواب الدين، وكذلك تغريب في أبواب العقيدة والدين، وإن كان إلى غير دين، وإلى تحكيم عقل على طريقتهم.

 

وسائل مواجهة التغريب:

 

ومن أعظم الوسائل التي يواجه فيها التغريب:

 
أولها: نشر الحق على طريقة محمد صلى الله عليه وسلم التي أمره الله جل وعلا بسلوكها، كما قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، ولهذا فإن الموفق هو من سلك طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته على النهج والسبيل، وكذلك يأخذها على طريق القياس، وأن ينظر في المصالح والمفاسد، وألا يحكم عقله ولا رغبة فلان ونحو ذلك، وأن يجتنب الإنسان عما يسمى بالورع البارد، أن يجتنب كثيرًا من المواضع لحظ نفسه لا لحظ دين الله عز وجل، فكم أحجم دعاة وأحجم علماء وأحجم صالحون عن مواضع يعلمون أن الخير فيها لحظ نفس أو عدم رغبة النفس بها، فهذا من مواضع الورع البارد، إذا أدرك الإنسان أن الحق بذلك وجب عليه أن يبادر، فإن بادر وحسن مقصده كانت العاقبة له بإذن الله عز وجل، فينبغي للإنسان ألا يصيره حظ نفسه، وإنما يصيره حظ دينه، فإن كان كذلك رزقه الله عز وجل وأعطاه عاقبة أفضل مما كان يرجوه.
 
الأمر الثاني: بيان المدارس التغريبية، وخطرها وأساليبها، سواءً ما يسمى بوسائل الإعلام والطرق التي كانوا يسلكونها في تغريب المسلمين وما يسمى بالأفلام أو المسرحيات، أو ما يسمى بالفن أو الرواية والصحافة وغير ذلك، بيان طرائقهم في غزو عقول المسلمين والعقول البسيطة.
 
كذلك نشر العلم الشرعي بين الناس، والعلم الشرعي من أعظم ما يحصن الناس عن الوقوع في الخطأ، والعلم الشرعي إذا نشر على الطريقة السابقة بطريقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان المعروف وبيان المنكر على حد سواء مقترنة حتى تعرف قيمته على السواء، إذا عرفه اضمحل الباطل، كذلك أيضًا زالت الشبهة، ولم يكن ثمة اضطراب، كذلك أيضًا قوي الناس في رد الباطل إذا ورد إليهم، كذلك أيضًا من الوجوه الاستغلال ما يسمى بالوسائل الحديثة ببيان الحق للناس، وسائل الإعلام والتلفزة والصحافة، وكذلك الإنترنت، أو الجوال أو غير ذلك قدر الوسع والطاقة..

وهذه لو استغلت بحكمة ودراية وتعقل، فإن هذا من أعظم وجوه الخير، والحق في الإسلام عظيم، والإسلام ينتشر في بلدان الغرب، ينتشر في بلدان الغرب انتشار النار في الهشيم وهم يدركون ذلك، وقد بدأ يدرس الإسلام على أنه الدين الثاني في جملة من دول العالم الغربي، وهذا من أعظم البشارات، والسبب في ذلك أن الغرب إنما أنشأ المدرسة العقلية وأرى فيما أعلم أن هذه المدرسة إنما أنشأت وهي إلى زوال، ولن تدم طويلًا؛ لأن العقل يحكم نفسه لا يحكم غيره، وأما بالنسبة للدين فإنه يحكم نفسه ويحكم غيره، وإذا بقي هذا الفكر العقلاني لا يدعو غيره فإنه سيضمحل ويشعر بالخطأ إذا تناسخ الخطأ من جيل إلى جيل، فيدرك بحقيقته فإنه ينصرف إلى الدين الحق الذي جعله الله عز وجل هداية ونورًا وطريقًا للناس.
 
كذلك أيضًا من الوسائل في مواجهة التغريب: معرفة طرائق التغريبيين من دواخلهم، وذلك بمعرفة أساليبهم، وكذلك ترجمة مؤلفاتهم وتبيينها للمسلمين، وكذلك إنشاء جملة من المراكز البحثية في هذا الأمر من ترجمة المؤلفات التي تعتني في هذا الأمر بالمؤسسات التغريبية.
 
وكذلك أيضًا بيان حال الرموز الذين يدعون إلى التغريب، وبيان طرائقهم والخلل بهدوء وبيان استدلال، وكذلك بيان مواضع الخلل، والتدليل على ذلك من غير ظلم وبغي، وكذلك من غير إسفاف وسب وشتم، فإن هذا لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قد تعدي عليه بسائر أنواع الشتم والسب ولو لم ينقلها القرآن لن تصل إليها، ولو لم يحفظها القرآن لم تصل إلينا لأنها اندثرت ولم يبقى منها شيء، ولم يبقى إلا الحق الذي دعا به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي ينبغي أن يعلم أن الحق وهوى النفس يتصارعان، والحق أقوى بذاته، وأقوى بمآله.

فأما الهوى فإنه أقوى بجوهره وكذلك أيضًا بظاهره بخلاف جوهر الحق، فإن العاقبة له، فإن الإنسان قد يكون أقوى صوتًا بدعوته للباطل فيغلب الحق ضعيف الصوت، ولكن إذا انخفض صوت الباطل رجع الناس إلى حقائق الجوهر، فإنهم إذا رجعوا إلى حقائق الجوهر تميز لهم الحق من الباطل، فإن صاحب الباطل لا يمكن أن يستمر برفع صوته أن هذا الباطل هو الحق، لا بد أن يأتي يوم وزمن الأزمنة يخفض به صوته حينئذٍ يرجع الناس إلى الحق ويرجع إلى تركيب الفطرة مع النص الشرعي فيميز طريق الحق من طريق الشر.
 
الأمر الأخير في هذا الأمر: أن يعلم أهل الإسلام أن الغرب في دعوتهم أنهم لا يريدون تقدمًا لبلدان المسلمين، ونحن نعلم أن التغريب قد طرأ على بلدان المسلمين من أكثر من قرن، وهي مائة سنة، وهي كفيلة بأن تكون بلدان المسلمين منتجة، ومع ذلك لم تنتج بلدان المسلمين ولو شيئًا يسيرًا من وسائل الإنتاج، ومقومات الحياة التي تقوم بها، وإنما هي تدور في دائرة الاستهلاك تخرج من أرضها، وتقذف في جيب غيرها، وتستمر على ذلك، وتظن أنها تدور في دائرة الحضارة، وإنما هي تدور في دائرة الاستهلاك، وعجلة الاستهلاك ستأتي عليها حتى ينفذ ما في جيبها، وترجع إلى ما كانت عليه وهذا أمر ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار أن الأمة إذا لم تكن منتجة في ذاتها، فإنها لا يمكن أن يجعل منها عدوها منتجة، وهذا إذا أخذه الإنسان بعين الاعتبار وفق إلى طريق الحق والهداية، وتمييز الحق من الباطل، ومعرفة أيضًا صاحب السوء من صاحب الخير.
 
بهذا القدر كفاية، وأسأل الله جل وعلا أن يوفقني وإياكم لمرضاته، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الطريفي #التغريب
اقرأ أيضا
شبهات حول الحجاب: الحجاب في القلب ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب في القلب ج2


يردد المبغضون للحجاب من العالمانيين والمنصرين أن الحجاب الحقيقي هو حجاب القلب وليس هو مجرد قطعة قماش تلقى على الرأس والحقيقة أن الرد على هذا القول من أسهل ما يكون فهو ينطوي على الكثير من المغالطات العقلية والعقدية والمقال الذي بين يديكم يناقشها جميعا ويوضح الرد على هذه الفرية الحادثة

بقلم: سامي عامري
943
العلمانية هي الحل | مرابط
فكر مقالات العالمانية

العلمانية هي الحل


العلمانية هي الحل تظهر هذه العبارة حينا وتخفت في حين آخر بحسب حالة النفور المجتمعية من العلمانية فإذا ارتفعت حدة النفور في مجتمع معين لانتشار الوعي بحقيقة الفكرة العلمانية وما فيها من رفض للدين وعداء له انسحبت هذه العبارة من المشهد وضعف تداولها فإذا خفت حدة النفور المجتمعي طفت هذه المقولة إلى السطح

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
806
فأووا إلى الكهف | مرابط
اقتباسات وقطوف

فأووا إلى الكهف


وقفة تدبرية مع سورة الكهف وتحديدا قصة أصحاب الكهف ويقف بنا الشيخ محمد علي يوسف عند لحظة اللجوء إلى الكهف كيف لهذا المكان الموحش أن يمثل المأوى وهو الذي تلجه الضواري والهوام ووحوش البرية كيف يمثل المأوى وهو بدون أبواب موصدة ولا مرافق

بقلم: محمد علي يوسف
812
التكليف والحرية | مرابط
فكر مقالات

التكليف والحرية


من شروط التكليف طاعة وحرية وهذه بديهية يغفل عنها كثير من المجادلين في قضية القدر وفي قضية الإيمان وفي قضية التكليف والجزاء فيقصرون النظر على شرط الحرية ويهملون شرط الطاعة كأنه مناقض للجزاء وكأنه من اللازم عقلا أن يكون الجزاء مقرونا بالحرية المطلقة وهي في ذاتها استحالة عقلية بكل احتمال يخطر على البال في فهم خلق الإنسان

بقلم: عباس محمود العقاد
1764
استقبال رمضان | مرابط
مقالات

استقبال رمضان


منا من يرى تقصيره وغفلته وقسوة قلبه ويتساءل ماذا سيحصد في رمضان إن كان قد ضيع البذر والسقاية كما يقولون منا من يخاف من أن تحاصره أصوات المآذن وزحامات المساجد وهمهمات المرتلين ومناجاة الساجدين فتدفعه دفعا للعبادة أو تأنيب الهروب منها مع شعوره بالكسل والملل والفتور وعدم الرغبة

بقلم: كريم حلمي
422
العبر من الحروب الصليبية الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

العبر من الحروب الصليبية الجزء الثاني


عندما نختار أن نأخذ مرحلة الحروب الصليبية بالذات فإن ذلك له دلالته الخاصة من جهة أنها تحكي أو تشابه الواقع الذي نعيشه الآن والمرحلة التي تحياها هذه الأمة في ظل هذه الهجمة الخبيثة الماكرة التي يستجمع الغرب فيها قواه مرة أخرى فما أشبه الليلة بالبارحة إن المؤرخين يقولون: التاريخ يعيد نفسه ونحن نقول: سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا هذه هي سنة الله تعالى في الأمم وبالذات في الأمة الإسلامية كل حياتها كر وفر وكل مواقفها إقبال وإدبار

بقلم: سفر الحوالي
664