التغريب: الأهداف والأساليب ج7

التغريب: الأهداف والأساليب ج7 | مرابط

الكاتب: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

2268 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

التغريب الاقتصادي

 

وأن أعظم وجوه الاستهلاك لدى الغرب هو في هذا الأمر، والتغريب في بلدان المسلمين له أثر على المسلمين في ذواتهم، وطبيعتهم مع كثرة الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، فاستهلكوا الطبيعة، واستهلكوا الأرض، واستهلكوا المعادن، والإنسان يأخذ ويرمي بسائر ما يستهلك من هذه الأرض، وكلما جعله الله عز وجل في هذه الأرض من خير، والله جل وعلا جعله على نظام، فإذا كان الله سبحانه وتعالى أمر بعدم الإسراف في الإنسان بالماء ولو كان على نهر جار، فكيف يسرف باستهلاك مادة هي أشق من استخراج أمر الماء، ولكن ما لم يلتفت إليه الغرب، وهو أبواب الاستهلاك أن العالم يستهلك وهو ينتج ويخدع أولئك بما يسمى بالموضة، وكذلك المنتجات الجديدة، ويغرى بما يسمى بالدعاية حتى تصل الأموال إلى جيوبهم من غير استعمار..

فأصبح الإنسان يتقلب في أبواب الألبسة والمراكب والمساكن والمفارش وسائر الوسائل، وهي زائدة عن حاجة الإنفاق، ولو أنفق في أمور الحاجة لكثير من فقراء المسلمين لسد حاجتهم، ولكن المراد من ذلك هو نوع من الاستعمار، استعمار المادة، ولهذا جاء ما يسمى بالتنوع والاستهلاك، ولهذا أيقنوا في آخر وقتهم أن هذا الاستهلاك ينبغي أن يتوقف، وأنه ظهر الفساد حتى في طبيعة الأرض وما يسمونه بالاحتباس الحراري، وثقب طبقة الأوزون، ووفرة ما يسمى بثاني أكسيد الكربون، وأول أكسيد الكربون، ونزوله إلى الأرض ونحو ذلك، وكذلك ما يرونه ويوقنون به في أنه في عقود قادمة أن مع الاحتباس الحراري واستمراره أن الجليد سيزيد من مستوى البحر، مما يدل على ضرر الإنسان بأن مستوى سطح البحر للكرة الأرضية هو مستو بجميع جهاته ومواضعه، وأن ذلك هلاك للبشرية.

كذلك فإنهم يجمعون ويطبقون على أن أعظم معدن وصلت إليه البشرية هي المعادن اللي تسمى المعادن الأحفورية والتي هي الغاز والنفظ والفحم، وهذه ثلاثة معادن تسمى معادن أحفورية وهم يقطعون ويجزمون أنها إلى هلاك ونفاذ، ولكنهم لا يدخرونها، وإنما يدخرون غيرها لأنهم يعيشون ساعة ولا يضرهم أن يكون غيرهم مما يستهلك ذلك لصالحهم، فهم يجمعون القناطير المقنطرة، فكان ثمة تغريب في أبواب الاقتصاد، وكان ثمة تغريب في أبواب الدين، وكذلك تغريب في أبواب العقيدة والدين، وإن كان إلى غير دين، وإلى تحكيم عقل على طريقتهم.

 

وسائل مواجهة التغريب:

 

ومن أعظم الوسائل التي يواجه فيها التغريب:

 
أولها: نشر الحق على طريقة محمد صلى الله عليه وسلم التي أمره الله جل وعلا بسلوكها، كما قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، ولهذا فإن الموفق هو من سلك طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته على النهج والسبيل، وكذلك يأخذها على طريق القياس، وأن ينظر في المصالح والمفاسد، وألا يحكم عقله ولا رغبة فلان ونحو ذلك، وأن يجتنب الإنسان عما يسمى بالورع البارد، أن يجتنب كثيرًا من المواضع لحظ نفسه لا لحظ دين الله عز وجل، فكم أحجم دعاة وأحجم علماء وأحجم صالحون عن مواضع يعلمون أن الخير فيها لحظ نفس أو عدم رغبة النفس بها، فهذا من مواضع الورع البارد، إذا أدرك الإنسان أن الحق بذلك وجب عليه أن يبادر، فإن بادر وحسن مقصده كانت العاقبة له بإذن الله عز وجل، فينبغي للإنسان ألا يصيره حظ نفسه، وإنما يصيره حظ دينه، فإن كان كذلك رزقه الله عز وجل وأعطاه عاقبة أفضل مما كان يرجوه.
 
الأمر الثاني: بيان المدارس التغريبية، وخطرها وأساليبها، سواءً ما يسمى بوسائل الإعلام والطرق التي كانوا يسلكونها في تغريب المسلمين وما يسمى بالأفلام أو المسرحيات، أو ما يسمى بالفن أو الرواية والصحافة وغير ذلك، بيان طرائقهم في غزو عقول المسلمين والعقول البسيطة.
 
كذلك نشر العلم الشرعي بين الناس، والعلم الشرعي من أعظم ما يحصن الناس عن الوقوع في الخطأ، والعلم الشرعي إذا نشر على الطريقة السابقة بطريقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان المعروف وبيان المنكر على حد سواء مقترنة حتى تعرف قيمته على السواء، إذا عرفه اضمحل الباطل، كذلك أيضًا زالت الشبهة، ولم يكن ثمة اضطراب، كذلك أيضًا قوي الناس في رد الباطل إذا ورد إليهم، كذلك أيضًا من الوجوه الاستغلال ما يسمى بالوسائل الحديثة ببيان الحق للناس، وسائل الإعلام والتلفزة والصحافة، وكذلك الإنترنت، أو الجوال أو غير ذلك قدر الوسع والطاقة..

وهذه لو استغلت بحكمة ودراية وتعقل، فإن هذا من أعظم وجوه الخير، والحق في الإسلام عظيم، والإسلام ينتشر في بلدان الغرب، ينتشر في بلدان الغرب انتشار النار في الهشيم وهم يدركون ذلك، وقد بدأ يدرس الإسلام على أنه الدين الثاني في جملة من دول العالم الغربي، وهذا من أعظم البشارات، والسبب في ذلك أن الغرب إنما أنشأ المدرسة العقلية وأرى فيما أعلم أن هذه المدرسة إنما أنشأت وهي إلى زوال، ولن تدم طويلًا؛ لأن العقل يحكم نفسه لا يحكم غيره، وأما بالنسبة للدين فإنه يحكم نفسه ويحكم غيره، وإذا بقي هذا الفكر العقلاني لا يدعو غيره فإنه سيضمحل ويشعر بالخطأ إذا تناسخ الخطأ من جيل إلى جيل، فيدرك بحقيقته فإنه ينصرف إلى الدين الحق الذي جعله الله عز وجل هداية ونورًا وطريقًا للناس.
 
كذلك أيضًا من الوسائل في مواجهة التغريب: معرفة طرائق التغريبيين من دواخلهم، وذلك بمعرفة أساليبهم، وكذلك ترجمة مؤلفاتهم وتبيينها للمسلمين، وكذلك إنشاء جملة من المراكز البحثية في هذا الأمر من ترجمة المؤلفات التي تعتني في هذا الأمر بالمؤسسات التغريبية.
 
وكذلك أيضًا بيان حال الرموز الذين يدعون إلى التغريب، وبيان طرائقهم والخلل بهدوء وبيان استدلال، وكذلك بيان مواضع الخلل، والتدليل على ذلك من غير ظلم وبغي، وكذلك من غير إسفاف وسب وشتم، فإن هذا لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قد تعدي عليه بسائر أنواع الشتم والسب ولو لم ينقلها القرآن لن تصل إليها، ولو لم يحفظها القرآن لم تصل إلينا لأنها اندثرت ولم يبقى منها شيء، ولم يبقى إلا الحق الذي دعا به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي ينبغي أن يعلم أن الحق وهوى النفس يتصارعان، والحق أقوى بذاته، وأقوى بمآله.

فأما الهوى فإنه أقوى بجوهره وكذلك أيضًا بظاهره بخلاف جوهر الحق، فإن العاقبة له، فإن الإنسان قد يكون أقوى صوتًا بدعوته للباطل فيغلب الحق ضعيف الصوت، ولكن إذا انخفض صوت الباطل رجع الناس إلى حقائق الجوهر، فإنهم إذا رجعوا إلى حقائق الجوهر تميز لهم الحق من الباطل، فإن صاحب الباطل لا يمكن أن يستمر برفع صوته أن هذا الباطل هو الحق، لا بد أن يأتي يوم وزمن الأزمنة يخفض به صوته حينئذٍ يرجع الناس إلى الحق ويرجع إلى تركيب الفطرة مع النص الشرعي فيميز طريق الحق من طريق الشر.
 
الأمر الأخير في هذا الأمر: أن يعلم أهل الإسلام أن الغرب في دعوتهم أنهم لا يريدون تقدمًا لبلدان المسلمين، ونحن نعلم أن التغريب قد طرأ على بلدان المسلمين من أكثر من قرن، وهي مائة سنة، وهي كفيلة بأن تكون بلدان المسلمين منتجة، ومع ذلك لم تنتج بلدان المسلمين ولو شيئًا يسيرًا من وسائل الإنتاج، ومقومات الحياة التي تقوم بها، وإنما هي تدور في دائرة الاستهلاك تخرج من أرضها، وتقذف في جيب غيرها، وتستمر على ذلك، وتظن أنها تدور في دائرة الحضارة، وإنما هي تدور في دائرة الاستهلاك، وعجلة الاستهلاك ستأتي عليها حتى ينفذ ما في جيبها، وترجع إلى ما كانت عليه وهذا أمر ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار أن الأمة إذا لم تكن منتجة في ذاتها، فإنها لا يمكن أن يجعل منها عدوها منتجة، وهذا إذا أخذه الإنسان بعين الاعتبار وفق إلى طريق الحق والهداية، وتمييز الحق من الباطل، ومعرفة أيضًا صاحب السوء من صاحب الخير.
 
بهذا القدر كفاية، وأسأل الله جل وعلا أن يوفقني وإياكم لمرضاته، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الطريفي #التغريب
اقرأ أيضا
ضوابط الخلاف الفقهي | مرابط
تفريغات

ضوابط الخلاف الفقهي


تفريغ لجزء من محاضرة للشيخ الألباني يرد فيها على سؤال وصله من أحد الطلاب وهو: ما رأيكم في هذه العبارة التي قررها كاتب إسلامي كبير قال هذا الكاتب: والبدعة الإضافية والتركية والالتزام بها في العبادات المطلقة خلاف فقهي لكل فيه رأيه ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل

بقلم: الشيخ الألباني
1073
الدنيا تغيرت الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

الدنيا تغيرت الجزء الثاني


الدنيا تغيرت توظف هذه المقولة للاعتراض على بعض المقررات الشرعية بذريعة أن النصوص الشرعية ثابتة والواقع متغير ولذا لا يمكن أن نجمد على الثابت وقد يسعى بعضهم إلى مقاربة تظهره بمظهر المعظم للشريعة فهو يتحدث عن حجم استجابة الشريعة لمتغيرات الواقع وتقلباته فهي ليست مجرد نصوص جامدة صلبة لا تقبل الزحزحة أو التطوير بل هي تتطور مع تتطور الواقع للتفاعل معه والذي يؤول في الحقيقة إلى جعل الواقع حكما على الوحي وفي المقال فحص لهذه الشبهة ورد عليها

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
1261
شبهة: هل يقدر الله أن يخلق صخرة لا يمكنه حملها | مرابط
أباطيل وشبهات الإلحاد

شبهة: هل يقدر الله أن يخلق صخرة لا يمكنه حملها


من الشبهات السخيفة التي يروجها بعض الملاحدة يقولون: هل يستطيع الله أن يخلق صخرة ضخمة لا يستطيع حملها والهدف من السؤال هو الإيقاع بالمسلم بين شقي الرحى فإن قال نعم يستطيع كان ذلك من نواقض كمال الله تعالى وإن قال لا يستطيع كان ذلك من النواقض أيضا ولكن الإجابة السليمة على هذا السؤال سنعرفها في المقال لنقف على الإشكاليات والأخطاء الموجودة في السؤال نفسه وما الرد عليها

بقلم: مجموعة كتاب
4812
إرادة العبد | مرابط
تعزيز اليقين

إرادة العبد


حسنا هل لإرادة العبد وقدرته تأثير؟ فالجواب أن التأثير لفظ مجمل إن أريد التأثير المستقل عن الله فباطل وإن أريد التأثير السببي فهذا حق والتأثير السببي يكون بقدرة تامة وإرادة جازمة للعبد مع مشيئة الله بتوفيق العبد التي مدارها على الإعانة وحبس المانع المعارض عنه.

بقلم: إبراهيم السكران
507
الاعتراض على ذبح الأنعام | مرابط
أباطيل وشبهات

الاعتراض على ذبح الأنعام


بعض الناس قد تأخذه شفقة مبالغ فيها في ذبح الحيوانات والعلمانيون والملاحدة يجمعون بطبيعتهم الأفكار الشاذة فيروجون لهذه القضية والمقال الذي بين يدينا يقف على هذا الاعتراض ليوضح المغالطات التي ينطوي عليها وما هي الإجابة العلمية على هذه الدعوى

بقلم: د هيثم طلعت
1054
خير أمة | مرابط
اقتباسات وقطوف

خير أمة


خص الله الأمة الإسلامية بكثير من الخصائص والمميزات فهم خير أمة أخرجت للناس أتباع النبي الخاتم الذي لن يأتي بعده نبي آخر ولهذا عصمهم الله من الاجتماع على الضلال وجعلهم شهداء على الناس وخصهم بالرواية والإسناد وحفظ الذكر الذي نزله وغير ذلك وهذا مقتطف لشيخ الإسلام ابن تيمية يتحدث عن الأمر

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
1962