إن جولةً واحدة في مجتمعات الانحلال تكفي لإدراك ذلة النساء للرجال، فالمرأة هناك تشتغل حمالة حقائب في المطار، وعاملة نظافة في الطريق، ومنظفة حمام في الشركة. وإن كانت جميلة اشتغلت في مرقص أو بار، فهذا سكير يعربد بها، وذاك فاجر يعبث بجسدها، والثالث يتخذها سلعةً يتكسب منها.. فإذا قضوا حاجتهم منها صفعوا وجهها، أو ركلوها بأقدامهم، وإذا كبرت ألقيت في دار العجزة التي هي أشبه بالسجون أو المقابر!
عجبًا.. أهذه هي الحرية التي يعنونها؟! والله لئن كنا نتألم لمصاب مسلمة في الفلبين ، وأخرى في كشمير ، فإن المرأة هناك لا تجد من يتألم لها.
يقول أحد الأطباء: كنت أدرس في بريطانيا ، وكانت جارتنا عجوزًا يزيد عمرها على السبعين عامًا، كانت تستثير شفقة كل من رآها، قد احدودب ظهرها، ورق عظمها، ويبس جلدها، ومع ذلك فهي وحيدة بين جدران أربعة، تطبخ طعامها، وتغسل ثيابها، منزلها كأنه مقبرة، ولا يقرع أحد بابها، دعتها زوجتي لزيارتنا ذات يوم فأخبرتها زوجتي بأن الإسلام يجعل الرجل مسئولًا عن زوجته، يعمل من أجلها، يبتاع طعامها ولباسها، يعالجها من مرضها، ويساعدها إذا اشتكت، وهي تجلس في بيتها، تجب عليه نفقتها ورعايتها، بل وحماية عرضها ونفسها، فإذا رزقت بأولاد وجب عليهم هم أيضًا برها والذلة لها، فإن لم تكن المرأة ذات زوج, وجب على أبيها أو أخيها أو وليها أن يرعاها ويصونها.
كانت تلك العجوز تستمع إلى زوجتي بكل دهشة وإعجاب، بل كانت تدافع عبراتها وهي تتذكر أولادها وأحفادها الذين لم ترهم منذ سنوات ولا يزورها أحد منهم، بل لا تعرف أين هم، وقد تموت أو تدفن أو تحرق وهم لا يعلمون؛ لأنها لا قيمة لها عندهم. أنهت زوجتي حديثها فبقيت العجوز واجمةً قليلًا ثم قالت: في الحقيقة إن المرأة في بلادكم ملكة..!
نعم والله أنتِ عندنا ملكة، نعم ملكة، تسفك من أجلك الدماء (فمن قتل دون عرضه فهو شهيد)، وترخص لأجلك الأرواح وتنفق الأموال. والنساء شقائق الرجال، فكما أن في الرجال عالمًا جليلًا وداعية نبيلًا ففي النساء كذلك، وكما أن في الرجال صوامين في النهار بكائين في الأسحار ففي النساء كذلك، وكم من امرأة سابقت الرجال في صالح الأقوال والأعمال فسبقتهم في عبادتها لربها، ونصرتها لدينها، وإنفاقها وعلمها.
المصدر:
محاضرة قصة فتاة