مناظرات مع رستم قائد الفرس

مناظرات مع رستم قائد الفرس | مرابط

الكاتب: ابن كثير

2081 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قال سيف عن شيوخه: ولما تواجه الجيشان بعث رستم إلى سعد أن يبعث إليه برجل عاقل عالم بما أسأله عنه. فبعث إليه المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه، فلما قدم عليه جعل رستم يقول له: إنكم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونكف الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تجاركم من الدخول إلى بلادنا.

فقال له المغيرة: إنا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، وقد بعث الله إلينا رسولا قال له: إني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني، فأنا منتقم بهم منهم، وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به، وهو دين الحق لا يرغب عنه أحد إلا ذل، ولا يعتصم به إلا عز.

فقال له رستم: فما هو؟

فقال: أما عموده الذي لا يصلح شيء منه إلا به، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله.

فقال: ما أحسن هذا ! وأي شيء أيضا؟

قال: وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله.

قال: وحسن أيضا، وأي شيء أيضا؟

قال: والناس بنو آدم، فهم إخوة لأب وأم.

قال: وحسن أيضا

ثم قال رستم: أرأيت إن دخلنا في دينكم، أترجعون عن بلادنا؟

قال: إي والله، ثم لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة.

قال: وحسن أيضا.

قال: ولما خرج المغيرة من عنده ذاكر رستم رؤساء قومه في الإسلام، فأنفوا من ذلك وأبوا أن يدخلوا فيه، قبحهم الله وأخزاهم، وقد فعل.

 

قالوا: ثم بعث إليه سعد رسولا آخر بطلبه، وهو ربعي بن عامر، فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي الحرير، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة، والزينة العظيمة، وعليه تاجه، وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضة على رأسه.
 
 فقالوا له: ضع سلاحك.
 فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت.
 فقال رستم: ائذنوا له.
 فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها.
 فقالوا له: ما جاء بكم؟
 فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله.
 قالوا: وما موعود الله؟
 قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي.
 فقال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟
 قال: نعم، كم أحب إليكم؟ أيوما أو يومين؟
 قال: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا.
 فقال: ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل.
 فقال: أسيدهم أنت؟ قال: لا، ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم.
 فاجتمع رستم برؤساء قومه، فقال: هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟
 فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب! أما ترى إلى ثيابه؟!
 فقال: ويلكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب.

 

ثم بعثوا يطلبون في اليوم الثاني رجلا، فبعث إليهم حذيفة بن محصن، فتكلم نحو ما قال ربعي.

وفي اليوم الثالث المغيرة بن شعبة، فتكلم بكلام حسن طويل، قال فيه رستم للمغيرة: إنما مثلكم في دخولكم أرضنا كمثل الذباب رأى العسل، فقال: من يوصلني إليه وله درهمان؟ فلما سقط عليه غرق فيه، فجعل يطلب الخلاص فلا يجده، وجعل يقول: من يخلصني وله أربعة دراهم؟

ومثلكم كمثل ثعلب ضعيف دخل جحرا في كرم، فلما رآه صاحب الكرم ضعيفا رحمه فتركه، فلما سمن أفسد شيئا كثيرا فجاء بجيشه، واستعان عليه بغلمانه، فذهب ليخرج فلم يستطع لسمنه، فضربه حتى قتله، فهكذا تخرجون من بلادنا. ثم استشاط غضبا، وأقسم بالشمس لأقتلنكم غدا.

فقال المغيرة: ستعلم.

ثم قال رستم للمغيرة: قد أمرت لكم بكسوة، ولأميركم بألف دينار وكسوة ومركوب وتنصرفون عنا.

فقال المغيرة: أبعد أن أوهنا ملككم وضعفنا عزكم؟ ! ولنا مدة نحو بلادكم، ونأخذ الجزية منكم عن يد وأنتم صاغرون، وستصيرون لنا عبيدا على رغمكم. فلما قال ذلك استشاط غضبا.

 


 

المصدر:

  1. ابن كثير، البداية والنهاية، ج10، ص621
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-كثير
اقرأ أيضا
كيف تقرأ كتابا ج3 | مرابط
تفريغات

كيف تقرأ كتابا ج3


من الأمور التي تشد أو تحبب القراءة للشخص أن يحس بالمردود وإذا كان المردود سريعا كان تحبيب القراءة أو حبه للقراءة أكثر فمثلا: لو أن الإنسان قرأ مسألة فقهية ثم تعرض لها فإنه يستأنس جدا لأنه يعرف الجواب مثلا: لو قرأت عن الحج ثم ذهبت إلى الحج سيكون إحساسك بفائدة القراءة كبيرا لو قرأت كتابا في صفة الوضوء أو صفة الصلاة وأنت تطبق ذلك يوميا ستشعر بحب للقراءة لأن الثمرة مرئية ومشاهدة وسريعة

بقلم: محمد صالح المنجد
419
الرد على المفوضة الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

الرد على المفوضة الجزء الثاني


وردت الكثير من الشبه حول مسألة التفويض في آيات الصفات ونسبتها إلى أهل السنة وعقيدة السلف في هذه ذلك هو الإيمان بالمعنى وتفويض الكيف أما المعطلة فيظهر فساد مذهبهم في ذلك وتأثرهم بعلم المنطق وبين يديكم تفريغ لمحاضرة للشيخ الألباني يرد فيه على المفوضة وعلى من نسب عقيدتهم إلى السلف

بقلم: الشيخ الألباني
645
أثر الخلوات | مرابط
اقتباسات وقطوف

أثر الخلوات


إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة كم من مؤمن بالله عز وجل يحترمه عند الخلوات فيترك ما يشتهي حذرا من عقابه أو رجاء لثوابه أو إجلالا له فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودا هنديا على مجمر فيفوح طيبه فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو.

بقلم: ابن الجوزي
444
أصول الأصول: مراجعة لكتاب غمرات الأصول | مرابط
مناقشات

أصول الأصول: مراجعة لكتاب غمرات الأصول


إذا كانت العروض قواعد تنظم الشعر وعلم أصول الفقه قواعد تنظم النظر في الفقه الشرعي فإن هذا الكتاب الصادر حديثا في معرض الكتاب 1435ه يطمح أن يكون مساهمة في بناء القواعد التي تنظم النظر في علم أصول الفقه ذاته فهو بمثابة بحث في علم أصول أصول الفقه ولذا وبغض النظر عن الترجيحات الداخلية للمؤلف التي قد يخالف بعضها القارئ إلا أن فكرة الكتاب والشواهد العزيزة التي وقع عليها المؤلف واستخرجها من بطون الموسوعات الأصولية ووظفها ببراعة تجعله كتابا نسيج وحده

بقلم: إبراهيم السكران
2175
دعوات غربية متفرقة للعودة إلى الفطرة | مرابط
فكر تفريغات المرأة

دعوات غربية متفرقة للعودة إلى الفطرة


إن دعاة الحضارة والمدنية اليوم متأخرون جدا فأوروبا التي يزعمون أنها أم الحضارة والرقي تصرخ اليوم فالمرأة هناك التي يسمونها متحضرة تبكي صارخة مولولة لأنها فقدت سعادتها وأمومتها وبيتها وهذا الكلام نقل في الصحف والمجلات من مصادر علمية موثقة

بقلم: عمر الأشقر
440
المرأة المسلمة ج2 | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة المسلمة ج2


كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على رغم صغر سنها يوم دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم وهى بنت تسع سنين كما في الصحيح وتوفى عنها وعمرها 18 سنة ومع ذلك فقد كانت أنموذجا للحفظ والضبط والعلم حتى إنها حفظت للأمة خيرا كثيرا وقال أبو موسى -رضي الله عنه وأرضاه-: ما سألنا عائشة رضي الله عنها عن شيء إلا وجدنا عندها منه علما فهي معلمة الرجال

بقلم: سلمان العودة
525