ادعاء نسبية الأخلاق

ادعاء نسبية الأخلاق | مرابط

الكاتب: عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني

538 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يعمل الملاحدة والماديون وأذنابهم في خطط خبيثة ماكرة على هدم صرح الأخلاق، من خلال دعوى أنَّ الأخلاق أمور اعتبارية نسبية لا ثبات لها، تختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، ومن أمة إلى أمة. فالذي يعتبر منافيًا للأخلاق عند شعب من الشعوب، لا يعتبر منافيًا للأخلاق عند شعب آخر، وبعض ما كان مستنكرًا فيما مضى قد يعتبر مستحسنًا في عصر آخر، فالأخلاق عند هؤلاء مفاهيم اعتبارية تتواضع عليها الأمم والشعوب، وليس لها ثبات في حقيقتها.

(وإنَّ أسباب الغلط أو المغالطة عند أصحاب فكرة نسبية الأخلاق، ترجع إلى ثلاثة:

الأول: تعميمهم اسم الأخلاق على أنواع كثيرة من السلوك الإنساني، فلم يميزوا الظواهر الخلقية، عن الظواهر الجمالية والأدبية، وعن العادات والتقاليد الاجتماعية، وعن التعاليم والأحكام المدنية أو الدينية البحتة، فحشروا مفردات كل هذه الأمور تحت عنوان الأخلاق، فأفضى ذلك بهم إلى الخطأ الأكبر، وهو حكمهم على الأخلاق بأنها أمور اعتبارية نسبية.

الثاني: أنهم جعلوا مفاهيم الناس عن الأخلاق مصدرًا يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، مع أنَّ في كثير من هذه المفاهيم أخطاء فادحة، وفسادًا كبيرًا، يرجع إلى تحكم الأهواء والشهوات والعادات والتقاليد فيها، ويرجع أيضًا إلى أمور أخرى غير ذلك، والتحري العلمي يطلب من الباحثين أن يتتبعوا جوهر الحقيقة، حيث توجد الحقيقة، لا أن يحكموا عليها من خلال وجهة نظر الناس إليها، فكل الحقائق عرضة لأن يثبتها مثبتون، وينكرها منكرون، ويتشكك بها متشككون، ويتلاعب فيها متلاعبون، ومع ذلك تبقى على ثباتها، لا تؤثر عليها آراء الناس فيها.

الثالث: اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق.

أما مفاهيم الإسلام فإنها... قد ميزت الأخلاق عما سواها، وميزت السلوك الأخلاقي عن سائر أنواع السلوك الإنساني، فلم تعمم تعميمًا فاسدًا، ولم تدخل في مفردات الأخلاق ما ليس منها، وهي أيضًا لم تعتمد على مفاهيم الناس المختلفة، ولم تتخذها مصدرًا يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، وأما العقل والضمير فإنها لم تهملهما وإنما قرنتهما بعاصم يردهما إلى الصواب كلما أخطأ سبيل الحق والهداية والرشاد، وهذا العاصم هو الوحي الذي نزل بدين الله لعباده، وشرائعه لخلقه، وتعاليمه التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ لأنهَّا تنزيل من عزيز حكيم، وقد بلغها رسله. أما صورتها المثلى المحفوظة من التغيير فهي ما ثبت في نصوص الشريعة الإسلامية، المنزلة على رسول الله محمد صلوات الله وسلاماته عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

فمن تبصَّر بالأصول العامة للأخلاق في المفاهيم الإسلامية، وتبصر بأنَّ الأخلاق الإسلامية مقترنة بالوصايا والأوامر والنواهي الربانية، وتبصر بأنَّ هذه الوصايا والأوامر والنواهي محفوفة بقانون الجزاء الإلهي بالثواب العقاب، فإنَّه لابد أن يظهر له بجلاء أنَّ الأخلاق الإسلامية هي حقائق في ذاتها، وهي ثابتة مادام نظام الكون ونظام الحياة ونظام الخير والشر أمورًا مستمرة ثابتة، وهي ضمن المفاهيم الإسلامية الصحيحة غير قابلة للتغير ولا للتبدل من شعب إلى شعب، ولا من زمان إلى زمان.

أما الأمة الإسلامية فهي أمة واحدة، وهي لا تتواضع فيما بينها على مفاهيم تخالف المفاهيم التي بينها الإسلام، والتي أوضحها في شرائعه ووصاياه.

وإذا رجعنا إلى مفردات الأخلاق الإسلامية وجدنا أنَّ كلَّ واحدة منها -ضمن شروطها وقيودها وضوابطها- ذات حقيقة ثابتة، وهي غير قابلة في المنطق السليم للتحول من حسن إلى قبيح، أو من قبيح إلى حسن. إنَّ حسنها حسن في كلِّ زمان، وقبيحها قبيح في كلِّ زمان، ولا يؤثر على حقيقتها أن تتواضع بعض الأمم على تقبيح الحسن منها، أو تحسين القبيح، تأثرًا بالأهواء، أو بالشهوات، أو بالتقاليد العمياء.

إنَّ الإسلام يقرر أنَّ حبَّ الحقِّ وكراهية الباطل فضيلة خلقية، ويقرر أنَّ كراهية الحقِّ وحبَّ الباطل رذيلة خلقية، فهل يشكُّ أحد سويٌّ عاقل في أنَّ هذه الحقيقة حقيقة ثابتة غير قابلة للتحول ولا للتغير، وإن تواضع على خلافها جماعة ذات أهواء؟! وهكذا سائر الأمثلة الأخلاقية الإسلامية)


المصدر:
موقع الدرر السنية: https://bit.ly/3psDQII

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الأخلاق
اقرأ أيضا
الحضارة المتبرجة | مرابط
فكر مقالات

الحضارة المتبرجة


ولولا هذا التبرج الفاجر في هذه المدنية ولولا هذه الشهوات التي انطلقت تشرف من مسكرات الفن المتبرج ولولا هذه الغرائز الجامحة في طلب السيطرة لإدراك غاية اللذة لما كان النظام الاقتصادي الحاضر في هذه المدنية هكذا مهدما مستعبدا مستأثرا باغيا ولما تعاندت القوة الدولية هذا التعاند الذي أفضى بالعالم إلى الحرب الماضية ثم إلى هذه الحرب المتلهبة من حولنا اليوم وذلك في مدى خمسة وعشرين عاما لم يستجمع العالم خلالها قوته ولم يتألف ما تفرق إلا ليضيع قوته مرة أخرى ويتفرق

بقلم: محمود شاكر
2085
الوقاية بالغض من البصر | مرابط
تفريغات

الوقاية بالغض من البصر


إن الشارع قد منع إتيان أماكن الفساد والمحرمات بالإضافة إلى ذلك وأمر بغض البصر عند دخول الأسواق وغيرها من المجامع التي فيها مظنة النظر إلى ما حرم الله أو شيء من انكشاف العورات. ونحن اليوم ما أحوجنا إلى غض البصر أمام هذا الكم الهائل من الأجساد التي تعرت عما أوجب الله ستره والتي كشفت بقصير أو ضيق أو شفاف أو برقع فاتن أو نقاب واسع أو عيون قد غشاها الكحل ونحو ذلك من وسائل الفتنة!

بقلم: محمد صالح المنجد
363
الجهل بأن الدنيا دار ابتلاء وامتحان | مرابط
أباطيل وشبهات اقتباسات وقطوف

الجهل بأن الدنيا دار ابتلاء وامتحان


الابتلاء في هذه الحياة مثل الكأس وكل الناس شارب منه ولا بد لكنه يتفاوت من شخص إلى آخر حسب قوة إيمانه ويقينه وحقيقة نفسه التي يخرجها الله بهذه الامتحانات وهذا من ضمن أسباب إشكالية وجود الشر التي أثارها الكثير من الفلاسفة بين يديكم مقتطف يعالج فيه الكاتب هذه المسألة

بقلم: م أحمد حسن
668
يؤمنون بالشريعة إلا قليلا | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

يؤمنون بالشريعة إلا قليلا


أين من يقرأ في نصوص الشريعة ويبحث في أحكامها لينظر في مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم لأجل أن يؤمن به ويعمل بمقتضاه ويؤمن بعد ذلك كله أن هذا هو العقل والمصلحة ويعتمد في سبيل ذلك على أقاويل الصحابة وتفاسير التابعين ومذاهب الفقهاء واللغويين حتى يهتدي إلى مراد الله و مراد رسوله صلى الله عليه وسلم أين هذا ممن يضع أحكاما عقلية مسبقة و مصالح دنيوية معينة يرى أنها بحسب هواه وعقله القاصر هي العقل و المصلحة التي لا تأتي الشريعة بما ينافيها فإذا وجد آية محكمة أو حديثا صحيحا يهز بعض جوانب هذه...

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2281
أنواع الربا | مرابط
تفريغات

أنواع الربا


لكي يكشف عليه الصلاة والسلام أنواع الربا ولكي يضبط الأمر ويحدده قال: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى فإن اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد رواه مسلم وغيره.

بقلم: محمد صالح المنجد
430
ماذا نريد من المرأة ج1 | مرابط
تفريغات المرأة

ماذا نريد من المرأة ج1


سفيان رحمه الله كان ثمرة أم صالحة روى الإمام أحمد بسنده عن وكيع قال: قالت أم سفيان لسفيان: يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي أي: تكفيه نفقته وشئون حياته حتى يتفرغ للعلم وقالت له توصيه: يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك

بقلم: محمد الدويش
525