وهذه المسألة هي الأخرى أصل مشترك وثابت في كل إشكالات مشكلة الشر، وذلك من أعتى الفلاسفة وأكبر العلماء إلى أبسط البشر، ومن المؤمن الملتزم إلى المؤمن العادي، فأنا كمؤمن قد (أقرأ) كثيرًا عن الابتلاء في القرآن والسنة، بل وقد أقوم بتدريس ذلك للناس بنفسي، أو (وعظهم) به لسنوات، لكن كل هذا لن يغني وقت (تعرضي) لابتلاء حقيقي كموت حبيب في حادث، أو سجن، أو تعذيب.. لن يُغني ساعتئذ شيء إلا إيماني بأن هذه الدنيا دار مرور وليست دار سكن، دار ابتلاء وامتحان وليست جنة، فإذا كنت متشربًا بكل ذلك متفهمًا له، مستوعًا، مؤمنا به أشد الإيمان سيهون كل ابتلاء في عيني، وسيتعاظم أجر احتسابه لوجه الله في قلبي، وهذا هو درب الرسل والأنبياء والصالحين وما تعرضوا له..
فالابتلاء في هذه الحياة مثل الكأس وكل الناس شارب منه ولا بد، لكنه يتفاوت من شخص إلى آخر حسب قوة إيمانه ويقينه، وحقيقة نفسه التي يخرجها الله بهذه الامتحانات؛ يقول الله عز وجل "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"
ويقول "وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً"
ويقول كذلك "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ"
وأخيرًا وليس آخرًا: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ"
وأما العوامل التي تساعد على أن يضل مؤمن ملتزم بالابتلاءات فمنها:
المثالثة الزائدة في تصور الحياة الدنيا
قراءة القرآن بغير تدبر حتى لو كان حافظًا له
الغفلة عن قصص ابتلاء الرسل والأنبياء والصالحين والصحابة والسلف.
العبادة الجافة التي تخلو من الارتباط بالله تعالى الذي يهون كل شيء من أجله
المصدر:
م. أحمد حسن، أسس غائبة، ص143