آثار الابتعاد عن تحكيم شرع الله على مسلمي الأندلس

آثار الابتعاد عن تحكيم شرع الله على مسلمي الأندلس | مرابط

الكاتب: علي محمد الصلابي

2171 مشاهدة

تم النشر منذ 3 سنوات

1- إن الابتعاد عن تحكيم شرع الله تعالى يجلب للأفراد والأمة تعاسة وضنكا في الدنيا، وهلاكا وعذابا في الآخرة، وإن آثار الابتعاد عن شرع الله لتبدو على الحياة في وجهتها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وإن الفتن تظل تتوالى تترى على الناس حتى تمس جميع شؤون حياتهم، قال تعالى "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".
 
2- لقد كان في ممارسة ملوك الطوائف للحكم البعيد عن شرع الله آثار على الأمة، فتجد الإنسان المنغمس في حياة المادة والجاهلية مصاب بالقلق والحيرة والخوف والجبن، يحسب كل صيحة عليه، يخشى النصارى ولا يستطيع أن يقف أمامهم وقفة عز وشموخ واستعلاء، وإذا تشجع في معركة من المعارك ضعف قلبه أمام الأعداء من أثر المعاصي على قلبه، وأصبح في ضنك العيش "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا"
 
أما الآثار على الأمة الأندلسية فقد أصيبت بالتبلد، وفقد الإحساس بالذات، ومات ضميرها الروحي، فلا أمر بمعروف تأمر به ولا نهي عن منكر تنهى عنه وأصابهم ما أصاب بني إسرائيل عندما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"، فإن أي أمة لا تعظم شرع الله أمرًا ونهيًا فإنها تسقط كما سقط بنو إسرائيل.
 
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم "كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرًا، أو لتقصرنه على الحق قصرًا، أو ليضربن الله على قلوب بعضكم ببعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم"
 
3- أن ملوك الأندلس تحققت فيهم سنة الله الماضية بسبب تغير النفوس من الطاعة والانقياد إلى المخالفة والتمرد على أحكام الله "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ..".
 
كما أن المجتمعات التي ترضخ تحت الحكام الذين تباعدوا عن شرع الله = تُذل وتُهان حتى تقوم أمام من خالف أمر الله، وتطلب العون من إخوانهم في العقيدة لإرجاع حكم الله في مجتمعاتهم.
 
إن ملوك الأندلس انعكس انحرافهم على شعب الأندلس كله، وفرط أهل الأندلس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانعكس ذلك في حركة الفتوحات الإسلامية التي توقفت، ولذلك حرمت شعوب كثيرة من سعادتها في الدنيا والآخرة بسبب تضييع الأمانة والرسالة والدعوة إلى هذا الدين، لقد قست قلوب ملوك الطوائف وكثير من أتباعهم إلا ما رحم الله، وتركوا الحق وانقادوا للضلال، وابتلوا بالنفاق، وفضحهم الله بذلك، وحرموا التوفيق والرجوع للصواب، وخف دينهم وضعف إيمانهم، بسبب بطرهم للحق وغمطهم لحقوق الناس وابتعادهم عن شرع الله.
 
4- لقد كانت ممالك الأندلس مليئة بالاعتداءات على الأنفس والأموال والأعراض، وتعطلت أحكام الله فيما بينهم، ونشبت حروب وفتن وبلايا تولدت على أثرها عداوة وبغضاء لم تزل عنهم حتى بعد زوالهم.
 
5- وبسبب الابتعاد عن كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، سهلت مهمة النصارى في الأندلس، فأصبحت شوكتهم تقوى وتحصّلوا على مكاسب كبيرة، وغاب نصر الله عن ملوك الطوائف وأهل الأندلس، وحرموا من التمكين وأصبحوا في خوف وفزع من أعدائهم، وبعض المدن تبتلى بالجوع بسبب حصار النصارى لهم وكم قتل النصارى من المسلمين وكم سبوا من نسائهم.
 
6- إن الابتعاد عن شرع الله في الأندلس ترتب عليه انتقاض الأرض وضياع الملك، وتسلط الكفار وتوالي المصائب.
 
7- أن من سنن الله تعالى المستخرجة من حقائق الدين والتاريخ أنه إذا عُصي الله تعالى ممن يعرفونه سلط عليهم من لا يعرفونه، ولذلك سلط الله النصارى على المسلمين في الأندلس، وعندما تحرك الفقهاء والعلماء وبعض الملوك واستنصروا إخوانهم في الدين في زمن المرابطين، والتفوا حول دولة الشريعة، نصرهم الله على أعدائهم ثم خلص الله أهل الأندلس من ملوك الطوائف الظالمين وأبدلهم بأمراء عادلين منقادين لشريعة رب العالمين.
 
8- إن الذنوب التي يهلك الله بها القرون ويعذب بها الأمم قسمان:
 
-معاندة الرسل والكفر بما جاؤوا به
-كفر النعم بالبطر والأشر، وغمط الحق، واحتقار الناس، وظلم الضعفاء، ومحاباة الأقوياء، والإسراف في الفسق والفجور، والغرور بالغنى والثروة، فهذا كله من الكفر بنعمة الله واستعمالها في غير ما يرضيه من نفع الناس والعدل التام.
 
والنوع الثاني من الذنوب هو الذي مارسه ملوك الأندلس وأمراؤهم وأتقنوه إتقانا عجيبًا. يقول الشاعر البسطي الأندلسي
 
هذا جزاء مخالق مثلي أبى  ... تقوى الإله ودان بالعصيان
 
وقال المرابط كاتب ابن الأحمر:
سودت وجهك بالمعاصي فالتمس  ... وجها للقيا الله غير مسودّ
من ذا يتوب لربه من ذنب  .... أو يقتدي بنبيه أو يهتدي
 
وكان من إجابة المتوكل بن الأفطس لأوفونس ملك النصارى: أما تعييرك للمسلمين فيما وهن من أحوالهم فبالذنوبة المركوبة، ولو اتفقت كلمتنا مع سائرنا من الأملاك علمت أي مصاب أذقناك.

 


 

المصدر:

  1. علي محمد الصلابي، دولة الموحدين، ص310
 
 

 

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#تحكيم-الشريعة #الأندلس
اقرأ أيضا
شبهة حول حقوق المرأة والميراث | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهة حول حقوق المرأة والميراث


قالوا: القرآن يغبن المرأة حين يجعل لها من الميراث نصف ما للرجل وفي ذلك انتقاص من أهلية المرأة ومعاملتها على أنها نصف إنسان وبين يديكم الرد المفصل يقدمه الدكتور منقذ بن محمود السقار ويوضح الخطأ الذي وقع فيه المشككون وأهل الباطل حينما روجوا لهذه الفرية ويوضح لنا مسألة الميراث وحق المرأة في المال

بقلم: د منقذ السقار
766
اليأس والإحباط في ميزان الإسلام | مرابط
تفريغات

اليأس والإحباط في ميزان الإسلام


ولقد نهج الرسول صلى الله عليه وسلم في كل الأزمات التي مرت بالمسلمين هذا النهج فقد كان يبث الأمل في قلوب المسلمين وكان يغضب كثيرا إذا رأى إحباطا أو يأسا في قلب مسلم مهما كانت المسببات التي تؤدي إلى ذلك ولا يعترف بأي مسبب فلا يجوز للمسلم أن يحبط أبدا لأنه مرتبط برب العالمين سبحانه وتعالى فالإحباط علامة على ضعف في العقيدة وهذا لا يقبل من المسلم أبدا

بقلم: د راغب السرجاني
817
العضلة الأهم | مرابط
اقتباسات وقطوف

العضلة الأهم


كلنا يريد الانطلاق نحو الله في رمضان.. والقوة المحركة لهذا الانطلاق هي القلب.. وكلما كان حمله من المعاصي أقل.. كانت انطلاقته أكبر وأعظم.. ومن أكبر أثقال القلب التي تبطئ حركته:الغل والأحقاد نحو الآخرين في قلبك..

بقلم: د. أيمن خليل البلوي
516
الفرح بالله | مرابط
اقتباسات وقطوف

الفرح بالله


والفرح بالله وبأعمال الإيمان التي تقرب إلى الله جاءت الإشارة إليه في آيات متعددة بلفظ الفرح وبلفظ الاستبشار وغيره ولذلك قال ابن القيم فالفرح بالله وبرسوله وبالإيمان وبالسنة وبالعلم وبالقرآن من أعلى مقامات العارفين

بقلم: إبراهيم السكران
862
تشديد الشارع في الكذب | مرابط
اقتباسات وقطوف

تشديد الشارع في الكذب


وحسبك أن الإنسان المعروف بالكذب قد سلخ نفسه من الإنسانية فإن من يعرفه لم يعد يثق بخبره فلا يستفيد الناس منه شيئا ومن لم يعرفه يقع بظنه صدقه في المفاسد والمضار فأنت ترى أن موت هذا الرجل خير للناس من حياته وهبه يتحرى من الكذب ما لا يضر فإنه لا يستطيع ذلك ولو استطاعه لكان إضراره بنفسه إذ أفقدها ثقة الناس به على أن الكذبة الواحدة كافية لتزلزل ثقة الناس به

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
1390
التجديد المتزن | مرابط
مقالات اقتباسات وقطوف

التجديد المتزن


إن الاتزان والتوسط والاعتدال عند حملة الأفكار التجديدية الهادمة لما قبلها يعد أمرا صعبا فإن مواجهة الأفكار البالية التي يتعصب أصحابها لها مع بطلانها في نظر معارضيها وانتهاء صلاحية اعتناقها تدفع المجددين الناقمين على هذه الأوضاع السائدة إلى نوع من المغالاة في أفكارهم الجديدة وإلى المبالغة في ردة الفعل تجاه الأقوال والأفكار القديمة حتى ولو كان شعار هذه الحركات التجديدية تسامحيا فإنك ترى في أحداث التاريخ ما يؤكد نسيان هذه الشعارات من قبل حملة الأفكار التجديدة في خضم مواجهتهم لما ثاروا عليه من...

بقلم: أحمد يوسف السيد
703