التجديد المتزن

التجديد المتزن | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

609 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن الاتزان والتوسط والاعتدال عند حَمَلة الأفكار التجديدية الهادمة لما قبلها يُعَدّ أمرًا صعبا، فإن مواجهة الأفكار البالية التي يتعصب أصحابها لها مع بطلانها في نظر معارضيها وانتهاء صلاحية اعتناقها تدفع المجددين الناقمين على هذه الأوضاع السائدة إلى نوع من المغالاة في أفكارهم الجديدة، وإلى المبالغة في ردة الفعل تُجاه الأقوال والأفكار القديمة، حتى ولو كان شعار هذه الحركات التجديدية تسامحيا فإنك ترى في أحداث التاريخ ما يؤكد نسيان هذه الشعارات من قِبَل حَمَلة الأفكار التجديدة في خضم مواجهتهم لما ثاروا عليه من القديم.

ولكنك إذا نظرت إلى الإسلام -الذي جاء هادمًا لأصول الجاهلية، مستبدلًا إياها بنظام تشريعي واعتقادي شمولي تام- فإنك تجد فيه الاهتمام البالغ باعتدال أتباعه، وبتوجيههم للاتزان، وبإبعادهم عن المبالغة أو الزيادة في الأخذ به، بل في والتوعد والتشديد على من يخالف روح الاعتدال والاتزان كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (إياكم والغلو)(1) وقوله: (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)(2)، وقوله: (هلك المتنطعون) (3) وغير ذلك من النصوص الكثيرة.

ومما يزيد هذا الأمر وضوحًا أنه قد وقع -بالفعل- من بعض الفرحين برسالة الإسلام أول ما ظهرت، أن دفعهم هذا الفرح بالدين الجديد إلى مظاهر من السخط على الدنيا والبعد عنها وحرمان النفس من طيباتها مع الانقطاع للتعبد، وكان هذا بعد ظلمات الوثنية والشرك التي كانت سائدة في الجزيرة العربية .

فكان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم –الذي هو النموذج العملي المطبق لمراد الله في أرضه- تجاه هذا الحماس للفكرة الجديدة أنْ كَبَح جماحهم، وبث روح الاعتدال فيهم، ومن أظهر الأمثلة وأصحها على ذلك: حادثة الثلاثة الذين أراد أحدهم أن يعتزل النساء فلا يتزوّج، و قرر الآخر ألّا يأكل اللحم، وهَجر الثالثُ النوم على الفراش، كل ذلك بنية حسنة، وقصد تعبدي، وإرادة الزهد في الدنيا، وبدافعٍ حماسي لهذه العقيدة الإسلامية التي أنقذتهم من الجاهلية المظلمة، فنجد أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقف أمام حماسهم بقوة مذكرًا إياهم بالاعتدال والاتزان وذلك بالسير على سنته واتباعه، فقال: (أما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغِب عن سنّتي فليس مني)(4).

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. أخرجه النسائي (٣٠٢٣)، وابن ماجه (٣٠٢٩).
  2. أخرجه البخاري (٣٩).
  3. أخرجه مسلم (٢٦٧٠).
  4. أخرجه البخاري (٤٧٧٦)، ومسلم (1401).

 

المصدر:

أحمد يوسف السيد، محاسن الإسلام: نظرات منهجية، ص51

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محاسن-الإسلام #التجديد
اقرأ أيضا
كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط
تعزيز اليقين

كيف تعرف صدق النبوة ج2


كثيرا ما يردد العلماء أن مدعي النبوة إما أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين أي أن كل ما يخطر في بالك من الصادقين فإن النبي الصادق أصدقهم وكل ما يخطر في بالك من الكذابين فإن المتنبئ الكذاب أكذبهم وهذا يقتضي عظم التنافر والفرق بينهما حيث الأول في أعلى ما قد يتصوره الإنسان من الصدق والآخر في أسفل دركات الكذب ومن التبس عليه حالهما حري به أن يلتبس عليه صدق أو كذب من دونهما

بقلم: صفحة براهين النبوة
988
الاعتبار | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاعتبار


ومن اعتمد في هدايته وسداده على نفسه ومواهبه ومهاراته واستغنى عن ربه فلن تزيده إلا حيرة وضلالا وطغيانا ومن استعان الله واهتدى به هداه الله بأقل ما يبلغه من العلم ووفقه للعمل به ومن حاز الدنيا بكل ما فيها من زينة ومتاع ولم يطلب الباقيات الصالحات فهو أعظم الناس خسارة وهو الظالم والمظلوم ولا يظلم ربك أحدا

بقلم: حسين عبد الرازق
382
حب العربية | مرابط
لسانيات اقتباسات وقطوف

حب العربية


من أحب الله -تعالى- أحب رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ومن أحب الرسول العربي أحب العرب ومن أحب العرب أحب العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها وصرف همته إليها

بقلم: الثعالبي
335
فضيلة شهر شعبان | مرابط
تفريغات

فضيلة شهر شعبان


فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهتم بشهر شعبان ما لا يهتم بغيره ولهذا روى النسائي والإمام أحمد من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله رأيتك تكثر من صيام شعبان أكثر من صيامك شهر رجب فقال: صلى الله عليه وسلم: ذاك شهر بين رجب ورمضان وهو شهر تغفل الناس عنه وهو شهر أحب أن أصوم فيه وهو شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم

بقلم: عبد الله بن ناصر السلمي
325
مأساة أحد والعبقرية النبوية في التعامل معها | مرابط
اقتباسات وقطوف

مأساة أحد والعبقرية النبوية في التعامل معها


كان لمأساة أحد أثر سيء على سمعة المؤمنين فقد ذهبت ريحهم وزالت هيبتهم عن النفوس وزادت المتاعب الداخلية والخارجية على المؤمنين وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل جانب وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر وهمت كل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين بل طمعت في أن تقضي عليهم وتستأصل شأفتهم

بقلم: صفي الرحمن المباركفوري
433
أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج1 | مرابط
فكر مقالات

أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج1


يبدو أن موضوع مقاصد الشريعة يحظى باهتمام بالغ في الساحات العربية خصوصا بعد أحداث سبتمبر فالسياسيون اهتموا به لتمرير أجندتهم السياسية والإعلاميون تمسكوا بها لتبرير مخالفة الإعلام للشريعة وكثير من الدعاة تمسك بها من أجل المزيد من المكتسبات سواء لدى عامة الناس أو لدى شرائح الملأ وتولت مقاصد الشريعة مع ظاهرة الخروج عن مألوف الشريعة المعهود لدى المسلمين بحجة نبذ التقليد والعمل بالدليل مهمة تمرير لبرلة الإسلام وعصرنته وكان أخطر ما في الأمر تبني شرائح إسلامية عديدة لهذا الفكر الأصولي الفقهي فكانوا...

بقلم: الدكتور هيثم بن جواد الحداد
1846