آثار قضية تحرير المرأة في المجال التعليمي

آثار قضية تحرير المرأة في المجال التعليمي | مرابط

الكاتب: د إيمان بنت محمد العسيري

424 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

اتخذ التعليم في بعض البلدان محضنًا من محاضن التربية وتأسيس الأجيال على قضية تحرير المرأة عبر المناهج التي رسخوا فيها أن التطور لايكون بغير المساواة المطلقة بين الجنسين وليس في العدل المميز.

ورسخ التعليم أن الغرب هو النموذج الأرقى ليس بمجرد التقنية فقط بل في القيم والأفكار التي منها التحرر ولوازمه.

 

وفي بعض البلدان جعلوا الشخصيات التي جهرت بالتحرر ردحا من الزمن وعارضت قيم الهوية الإسلامية، جعلوها نماذج تحتذى وخير مثال على تطور الفرد داخل مجتمعه وبلوغه حد الشهرة العالمية، وأكثروا عنهم الكلام ليغرسوا في عقول الجيل الصاعد نماذج تتوافق مع التي يريدون لأفراد المجتمع أن ينشؤوا عليها.

 

ولقد قام على التعليم في بعض البلدان المتشبعين بمبادئ التحرر متعلقين بالفكر الغربي بعمومه، فقاموا بتغيير المناهج واستحداث أخرى، وعملوا على تقليص المواد الدينية، فجعلوا التعليم مختلط بين الجنسين، وفرضوا ذلك بقوة السلطة في
بلدان كثيرة كما حدث في تركيا وتونس ومصر، وتدرجوا في بلدان أخرى من المراحل الدنيا إلى المراحل العليا.

 

كما عملوا على تقليص مقاعد الدراسة الشرعية التخصصية في الجامعات، وتقليص الفرص الوظيفية للمتخصصين فيها، مقابل تهيئة فرص عمل مميزة للتخصصات الأخرى؛ لينفروا الناس منها حيث لا مستقبل وظيفي مميز ينتظرهم إن هم دخلوها.

 

ولأن مناهج التعليم تعد سريعة النفاذ في عقول متلقيها؛ فإنهم لم يهملوها إنما جعلوها من الوسائل الداعمة لقضية تحرير المرأة منذ المراحل الأولى حتى المرحلة الجامعية. ويحثون القائمين عليها بضرورة أن يشمل التعليم ذلك، حيث "يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية"(1)، كما أن الدعوة لتحرير المرأة ممثلة في هيئة الأمم المتحدة والمواثيق الدولية تحرص على ".. وضع سياسات في مجال التعليم تتناول -في جملة أمور- تغيير الاتجاهات التي تعزز  تقسم العمل على أساس نوع الجنس؛ بغية تعزيز مفهوم تقاسم المسؤوليات الأسرية في العمل وفي المنزل»(2).

 

ولأجل ذلك قاموا بإنشاء أقسام خاصة في الجامعات تتولى نشر ثقافة تحرير المرأة والاعتناء بما يتعلق بها من دراسات وخطط؛ فلكي يتم ".. تخريج داعيات يحملن فلسفة الحركة ويتولين نشرها، قامت الحركة بالعمل على استحداث أقسام متخصصة في الجامعات تحت مسمى "دراسات المرأة" women studies في العديد من الجامعات حول العالم وإن كانت التسمية مختلفة من مكان لآخر، ولكن الأساسيات واحدة وهي "الأيديولوجية النسوية". وفي الولايات المتحدة وحدها 42 جامعة لديها أقسام متخصصة في دراسات المرأة وفي الإمكان القول أن معظم المناهج في هذه الأقسام معتمدة على أعمال مكتوبة عن طريق المرأة وحول المرأة وموجّهة للمرأة، وتكرّسه لمفاهيم الكراهية للرجل Anti male وأن من المتعارف عليه أن معظم من يُدرّس في فصول "الدراسات النسوية" ليس علمًا بقدر ما هو فلسفة فكرية لجماعة نسوية(3)

 

كما عملوا على إتاحة مقاعد وظيفية للمرأة تقوم من خلاله مجموعة من المعنيات بشؤون المرأة المتحررة، يقمن بتدريس مناهجهن وعرض قضاياهن للدارسين، والإشراف الإداري على سير المادة التعليمية كما يردن لها أن تكون. "ومن الأمور المعروفة على نطاق واسع، تغلغل المنتميات للحركة النسوية في الوظائف الإدارية في الجامعات الأمريكية والتحكم في التوظيف والقبول والمنح لصالح أنصار الحركة، صدر مقال في صحيفة واشنطن بوست في العدد 25/جون/2002م، يتحدث عن دراسة أجراها باحثون من جامعتي هارفرد وميتشقن. تناولت الدراسة ظاهرة بدأت في الثمانينات وهي في ازدياد مهم وملحوظ، وتتمل في أن ثلثي الخريجين من الجامعات الأمريكية الآن هم من النساء، وأن 96 رئيس جمعية إصلاحية هم من النساء وذلك من أصل 141 جمعية.

 

ويذكر الباحثون أن النفوذ المتنامي للحركة النسوية انعكس على القبول في الجامعات، فقلت فرص القبول أمام الرجال، في حين أن النساء توفر لهن منح دراسية داخل الجامعات أكثر من الرجال، ويركز الباحثون على أن الفرص المتنامية للمرأة ولّدت مشاكل عظيمة للرجل في تعليمه وأن الرجال يمثلون 51% من النسبة السكانية للولايات المتحدة في سن التعليم الجامعي، مما انعكست آثاره وأبعاده على الحياة الاقتصادية والاجتماعية (4)

 

وكان عمل المرأة المتحررة في هذا الجانب مهيئًا الفرصة لاستحداث مناهج أخرى أو تغيير مفردات مناهج موجودة لتعبر فيها عن رأيها إزاء قضية المرأة "ومن الأمور المعروفة أيضا استخدام العديد من أعضاء الحركة النسوية مواقعهن في الجامعات لتغيير مفردات المناهج، وتوظيفها لصالح الفلسمة النسوية بما يقتضيه التغير، لاسيما العلوم الإنسانية، وكذلك استحداث مقررات جديدة بتعليم الفلسفة النسوية وقضاياها وربطها بالعصرية والتقدم، وهناك أكثر من 20 مقرر في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية من هذا النوع. حتى أن أقساما أخرى كالعلوم السياسية وغيرها أُدخِل في مناهجها مفاهيم ومطالب الحركة النسوية. ومن الملاحظ أن كل قسم من هذه الأقسام لا يمارس دوره المعتاد كقسم أكاديمي يطرح المقررات ويمنح الدرجة، وإنما يعمل كمنظمة كاملة من إقامة المؤتمرات، واللقاءات، وتقديم المنح الدراسية، وابتعاث الأساتذة الزائرون، وتقديم الدعم للجمعيات النسوية وإصدار الدوريات المتخصصة، والتمثيل في الهيئات والحكومات علاوة على إصدار المجلات، وتأسيس موافع الإنترنت ومعظم خريجات هذه الأفسام يتوجهن للتدريس في المدارس الثانوية والمتوسطة ويمارسن دورهن في نشر الأيدلوجية النسوية من خلال التعليم» (5)

 

ولا يعني هذا إغفال المراحل التعليمية الأخرى، فقد تم "التركيز على دراسات توطين النسوية في التعليم العام، وإعداد المعلمات، والهدف منها مساعدة التربويين في تنمية وتطبيق ثقافة النوع في جميع المواقف التدريبية. بالإضافة إلى الاهتمام بقواعد المعلومات ومراكز الأبحاث والمكتبات التي ترعى ثقافة النوع وتؤسس لها. وقد أُسس في فرنسا منظمة تدعى بالأرشيف النسوية ومهمتها حفظ جميع الوثائق الورقية والسمعية والبصرية التي لها علاقة بالحركة النسوية منذ بداية القرن العشرين، وتوثيق كل ما يتعلق بالقيادات التي خدمت الحركة عن طريق توثيق سيرهن الذاتية وإنجازاتهن"(6)

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. الإعلام العالمي لحقوق الإنسان عام1948، الفقرة 2، المادة 26
  2. تقرير المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم، نيروبي، 1985م.
  3. الحركة النسوية الغربية وآثارها في ظل الانفتاح العالمي، ورقة عمل مقدمة في المؤتمر العالمي التاسع للندوة العلمية للشباب الإسلامي
  4. المرجع السابق
  5. الحركة النسوية الغربية وآثارها في ظل الانفتاح العالمي، ورقة عمل مقدمة في المؤتمر التاسع للندوة العلمية للشباب الإسلامي
  6. المرجع السابق

 

المصدر:

د. إيمان بنت محمد العسيري، قضية تحرير المرأة في الغرب، ص377

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #تحرير-المرأة
اقرأ أيضا
إشكالات حول الحدود الشرعية | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

إشكالات حول الحدود الشرعية


باب الحدود الشرعية من أكثر الأبواب التي تتعرض لهجوم العلمانيين وأعداء الملة والدين على مدار التاريخ ولا تجد حدا من حدود الله إلا وقد أثاروا فيها الخلاف وحاولوا النبش في كل التراث الإسلامي أملا في الوصول إلى رأي يدعم موقفهم وفي هذا المقال نقف أمام حد الرجم والردة وهما من أكثر الحدود تعرضا للنقد

بقلم: أحمد يوسف السيد
2099
كيف تصبح قارئا عظيما للكتب | مرابط
فكر مقالات

كيف تصبح قارئا عظيما للكتب


هذه عشر خطوات لتطوير مهاراتك في القراءة حتى تكون من المتمكنين فيها ولتصبح من القراء الكبار اخترتها لك - عزيزي القارئ - من بين عشرات المقالات باللغة الإنجليزية المنشورة في هذا الموضوع وقمت بترجمتها بتصرف وهي للمدرب المتخصص في التنمية وتطوير المهارات السيد جيم إلين

بقلم: الشيخ الدكتور سلطان الدويفن
564
حدود الواقع وتجاوزها | مرابط
فكر مقالات

حدود الواقع وتجاوزها


إن حدود واقعك في الديمقراطية ستكون محصورة في الدائرة الآتية: تشكيل أحزاب ولوج العملية السياسية والغوص فيها تقديم تنازلات وعقد تحالفات تعزز فرصتك كمرشح يرضى عنه مجلس شورى الحكم العالمي الوصول لهيئة مجلس الشورى فالبقاء لسنوات أربع لا بد أن تبدي فيهم الأدب والطاعة كي يتم التجديد لك ثم تخرج لتفسح المجال لغيرك بعد انتهاء مدتك

بقلم: عمرو عبد العزيز
2098
العلاج بالطاقة وقانون الجذب | مرابط
مقالات

العلاج بالطاقة وقانون الجذب


المعالجون بالطاقة الكونية وقانون الجذب والتأمل واليوجا وقوانين الاستحقاق هؤلاء لصوص آخرة يسرقون آخرتك ويدعونك لعبادة العجل الذهبي.. فهم يغرونك ببريق الدنيا ولذة الدنيا وتضخيم هوى نفسك ويسلبون في المقابل آخرتك يجعلون منك إلها صغيرا تغير الأقدار وتصنع الاستحقاق.

بقلم: د. هيثم طلعت
711
هل يمكن للانتحار أن يكون حلا؟ | مرابط
فكر

هل يمكن للانتحار أن يكون حلا؟


والذي ينهي حياته لأجل ابتلاء مثل هذا هو في الحقيقة مستجير من الرمضاء بالنار فالحسابات العقلية تقول: أن الإنسان لو عاش في الدنيا ألف سنة في عذاب دائم لا راحة معه هو أهون من لحظة واحدة يغمسها في نار جهنم.

بقلم: أحمد الغريب
313
تحريف مفهومي الرجولة والأنوثة | مرابط
فكر

تحريف مفهومي الرجولة والأنوثة


كثير من الشباب في هذه الأيام في حاجة إلى إعادة تأهل ليكون رجلا قبل أن يكون زوجا أو صديقا أو موظفا.. الرجولة والشهامة والصلابة في خطر يا رجال. وكذلك كثير من البنات هذه الأيام في حاجة إلى إعادة تأهل لتكون امرأة وأنثى قبل أن تكون زوجة أو صديقة أو مربية.. الأنوثة والأمومة في خطر شديد هذه الأيام.

بقلم: سلطان العميري
233