آثار قضية تحرير المرأة في المجال التعليمي

آثار قضية تحرير المرأة في المجال التعليمي | مرابط

الكاتب: د إيمان بنت محمد العسيري

496 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

اتخذ التعليم في بعض البلدان محضنًا من محاضن التربية وتأسيس الأجيال على قضية تحرير المرأة عبر المناهج التي رسخوا فيها أن التطور لايكون بغير المساواة المطلقة بين الجنسين وليس في العدل المميز.

ورسخ التعليم أن الغرب هو النموذج الأرقى ليس بمجرد التقنية فقط بل في القيم والأفكار التي منها التحرر ولوازمه.

 

وفي بعض البلدان جعلوا الشخصيات التي جهرت بالتحرر ردحا من الزمن وعارضت قيم الهوية الإسلامية، جعلوها نماذج تحتذى وخير مثال على تطور الفرد داخل مجتمعه وبلوغه حد الشهرة العالمية، وأكثروا عنهم الكلام ليغرسوا في عقول الجيل الصاعد نماذج تتوافق مع التي يريدون لأفراد المجتمع أن ينشؤوا عليها.

 

ولقد قام على التعليم في بعض البلدان المتشبعين بمبادئ التحرر متعلقين بالفكر الغربي بعمومه، فقاموا بتغيير المناهج واستحداث أخرى، وعملوا على تقليص المواد الدينية، فجعلوا التعليم مختلط بين الجنسين، وفرضوا ذلك بقوة السلطة في
بلدان كثيرة كما حدث في تركيا وتونس ومصر، وتدرجوا في بلدان أخرى من المراحل الدنيا إلى المراحل العليا.

 

كما عملوا على تقليص مقاعد الدراسة الشرعية التخصصية في الجامعات، وتقليص الفرص الوظيفية للمتخصصين فيها، مقابل تهيئة فرص عمل مميزة للتخصصات الأخرى؛ لينفروا الناس منها حيث لا مستقبل وظيفي مميز ينتظرهم إن هم دخلوها.

 

ولأن مناهج التعليم تعد سريعة النفاذ في عقول متلقيها؛ فإنهم لم يهملوها إنما جعلوها من الوسائل الداعمة لقضية تحرير المرأة منذ المراحل الأولى حتى المرحلة الجامعية. ويحثون القائمين عليها بضرورة أن يشمل التعليم ذلك، حيث "يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية"(1)، كما أن الدعوة لتحرير المرأة ممثلة في هيئة الأمم المتحدة والمواثيق الدولية تحرص على ".. وضع سياسات في مجال التعليم تتناول -في جملة أمور- تغيير الاتجاهات التي تعزز  تقسم العمل على أساس نوع الجنس؛ بغية تعزيز مفهوم تقاسم المسؤوليات الأسرية في العمل وفي المنزل»(2).

 

ولأجل ذلك قاموا بإنشاء أقسام خاصة في الجامعات تتولى نشر ثقافة تحرير المرأة والاعتناء بما يتعلق بها من دراسات وخطط؛ فلكي يتم ".. تخريج داعيات يحملن فلسفة الحركة ويتولين نشرها، قامت الحركة بالعمل على استحداث أقسام متخصصة في الجامعات تحت مسمى "دراسات المرأة" women studies في العديد من الجامعات حول العالم وإن كانت التسمية مختلفة من مكان لآخر، ولكن الأساسيات واحدة وهي "الأيديولوجية النسوية". وفي الولايات المتحدة وحدها 42 جامعة لديها أقسام متخصصة في دراسات المرأة وفي الإمكان القول أن معظم المناهج في هذه الأقسام معتمدة على أعمال مكتوبة عن طريق المرأة وحول المرأة وموجّهة للمرأة، وتكرّسه لمفاهيم الكراهية للرجل Anti male وأن من المتعارف عليه أن معظم من يُدرّس في فصول "الدراسات النسوية" ليس علمًا بقدر ما هو فلسفة فكرية لجماعة نسوية(3)

 

كما عملوا على إتاحة مقاعد وظيفية للمرأة تقوم من خلاله مجموعة من المعنيات بشؤون المرأة المتحررة، يقمن بتدريس مناهجهن وعرض قضاياهن للدارسين، والإشراف الإداري على سير المادة التعليمية كما يردن لها أن تكون. "ومن الأمور المعروفة على نطاق واسع، تغلغل المنتميات للحركة النسوية في الوظائف الإدارية في الجامعات الأمريكية والتحكم في التوظيف والقبول والمنح لصالح أنصار الحركة، صدر مقال في صحيفة واشنطن بوست في العدد 25/جون/2002م، يتحدث عن دراسة أجراها باحثون من جامعتي هارفرد وميتشقن. تناولت الدراسة ظاهرة بدأت في الثمانينات وهي في ازدياد مهم وملحوظ، وتتمل في أن ثلثي الخريجين من الجامعات الأمريكية الآن هم من النساء، وأن 96 رئيس جمعية إصلاحية هم من النساء وذلك من أصل 141 جمعية.

 

ويذكر الباحثون أن النفوذ المتنامي للحركة النسوية انعكس على القبول في الجامعات، فقلت فرص القبول أمام الرجال، في حين أن النساء توفر لهن منح دراسية داخل الجامعات أكثر من الرجال، ويركز الباحثون على أن الفرص المتنامية للمرأة ولّدت مشاكل عظيمة للرجل في تعليمه وأن الرجال يمثلون 51% من النسبة السكانية للولايات المتحدة في سن التعليم الجامعي، مما انعكست آثاره وأبعاده على الحياة الاقتصادية والاجتماعية (4)

 

وكان عمل المرأة المتحررة في هذا الجانب مهيئًا الفرصة لاستحداث مناهج أخرى أو تغيير مفردات مناهج موجودة لتعبر فيها عن رأيها إزاء قضية المرأة "ومن الأمور المعروفة أيضا استخدام العديد من أعضاء الحركة النسوية مواقعهن في الجامعات لتغيير مفردات المناهج، وتوظيفها لصالح الفلسمة النسوية بما يقتضيه التغير، لاسيما العلوم الإنسانية، وكذلك استحداث مقررات جديدة بتعليم الفلسفة النسوية وقضاياها وربطها بالعصرية والتقدم، وهناك أكثر من 20 مقرر في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية من هذا النوع. حتى أن أقساما أخرى كالعلوم السياسية وغيرها أُدخِل في مناهجها مفاهيم ومطالب الحركة النسوية. ومن الملاحظ أن كل قسم من هذه الأقسام لا يمارس دوره المعتاد كقسم أكاديمي يطرح المقررات ويمنح الدرجة، وإنما يعمل كمنظمة كاملة من إقامة المؤتمرات، واللقاءات، وتقديم المنح الدراسية، وابتعاث الأساتذة الزائرون، وتقديم الدعم للجمعيات النسوية وإصدار الدوريات المتخصصة، والتمثيل في الهيئات والحكومات علاوة على إصدار المجلات، وتأسيس موافع الإنترنت ومعظم خريجات هذه الأفسام يتوجهن للتدريس في المدارس الثانوية والمتوسطة ويمارسن دورهن في نشر الأيدلوجية النسوية من خلال التعليم» (5)

 

ولا يعني هذا إغفال المراحل التعليمية الأخرى، فقد تم "التركيز على دراسات توطين النسوية في التعليم العام، وإعداد المعلمات، والهدف منها مساعدة التربويين في تنمية وتطبيق ثقافة النوع في جميع المواقف التدريبية. بالإضافة إلى الاهتمام بقواعد المعلومات ومراكز الأبحاث والمكتبات التي ترعى ثقافة النوع وتؤسس لها. وقد أُسس في فرنسا منظمة تدعى بالأرشيف النسوية ومهمتها حفظ جميع الوثائق الورقية والسمعية والبصرية التي لها علاقة بالحركة النسوية منذ بداية القرن العشرين، وتوثيق كل ما يتعلق بالقيادات التي خدمت الحركة عن طريق توثيق سيرهن الذاتية وإنجازاتهن"(6)

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. الإعلام العالمي لحقوق الإنسان عام1948، الفقرة 2، المادة 26
  2. تقرير المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم، نيروبي، 1985م.
  3. الحركة النسوية الغربية وآثارها في ظل الانفتاح العالمي، ورقة عمل مقدمة في المؤتمر العالمي التاسع للندوة العلمية للشباب الإسلامي
  4. المرجع السابق
  5. الحركة النسوية الغربية وآثارها في ظل الانفتاح العالمي، ورقة عمل مقدمة في المؤتمر التاسع للندوة العلمية للشباب الإسلامي
  6. المرجع السابق

 

المصدر:

د. إيمان بنت محمد العسيري، قضية تحرير المرأة في الغرب، ص377

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #تحرير-المرأة
اقرأ أيضا
ضرورة الحكمة | مرابط
اقتباسات وقطوف

ضرورة الحكمة


كلام بديع لابن قيم الجوزية يتحدث فيه عن قيمة الحكمة وضرورة وجودها في كل شيء تقريبا وكيف يتحول الأمر من قمة الخير إلى قاع الشر إذا حرم الشيء وجود الحكمة فيه حتى لو كان ظاهره خيرا مثل العلم والقدرة والقوة فكل هذا يفصله عن الشر وجود الحكمة

بقلم: ابن القيم
2076
الضباب العقلي | مرابط
ثقافة

الضباب العقلي


إن قضاء الكثير من الوقت أمام شاشة التلفزيون يصيب العقل بنوع من الخمول فالشخص الذي يكثر من مشاهدة التلفزيون تجده ثقيلا بطيء الحركة ويميل بشدة إلى أحلام اليقظة ويتعب من إعماله لعقله وسرعان ما يفقد التركيز

بقلم: محمد علي فرح
606
تحريف المراد من أمية النبي | مرابط
أباطيل وشبهات

تحريف المراد من أمية النبي


من الشبهات التي يروجها البعض حول أمية الرسول أن أصل هذه التسمية ترجع إلى نسبته إلى مكة وهي أم القرى أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يقرأ ويكتب بثلاث وسبعين لسانا وإليكم الرد على هذه الشبهة في مقال موجز.

بقلم: قاسم اكحيلات
352
أهل البدع يتوارثون الحقد على ابن تيمية | مرابط
تفريغات

أهل البدع يتوارثون الحقد على ابن تيمية


هذا الرجل النبيل الكريم البحر العلم الذي ما يزال يرمى بالكفر حتى هذه الساعة وكثير من المسلمين لا يعرفون شيئا عنابن تيمية حياة شيخ الإسلامابن تيميةحياة لا تعلم إلا بمطالعة كل ما كتب عنه سواء بقلمه أو بقلم أتباعه فإذا كنت ممن يحبه بالغيب تزداد له حبا وإن كنت ممن يتوقف في محبته فتحبه بلا تردد وإن كنت ممن عاديته فتراجع نفسك على أقل تقدير

بقلم: أبو إسحق الحويني
698
مختصر قصة الأندلس الجزء الأول | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة الأندلس الجزء الأول


سلسلة مقالات مختصرة تطوف بنا حول الأندلس لنعرف قصتها من البداية حتى النهاية من الفتح إلى السقوط سنعرف كل ما دار من أحداث بين لحظة الفتح والصعود ولحظة الانهيار والأفول والهدف من ذلك أن ندرك ونعي تاريخنا بشكل جيد وأن نتعلم منه حتى نبني للمستقبل

بقلم: موقع قصة الإسلام
1484
الانشغال عما هو أهم | مرابط
فكر مقالات

الانشغال عما هو أهم


من المقولات الدارجة التي توجه لمن يأمر ببعض الأحكام الشرعية أو ينهى عنها أن ما تفعله هو انشغال عما هو أهم وهو إغراق في الجزئيات على حساب الكليات ودوران في الهوامش على حساب المركز ونحو ذلك هذه المقولة تنكر العناية أو الاهتمام بموضوعات معينة كالأمر بالحجاب والنهي عن الاختلاط المحرم والحث على الصلوات في المساجد والمحافظة على السنن والإنكار على بعض المحرمات بأن هذا كله انشغال بالجزئيات مع ضرورة العناية بالكليات والأصول الكبرى وفي هذا المقال رد على الأمر

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2407