القدرة إن لم يكن معها حكمة بل كان القادر يفعل ما يريده بلا نظر في العاقبة، ولا حكمة محمودة يطلبها بإرادته، وبقصدها بفعله، كان فعله فسادا، كصاحب شهوات الغي والظلم، الذي يفعل ما يريده من شهوات الغي في بطنه وفرجه ومن ظلم الناس، فإن هذا وإن كان له قوة وعزة، لكن لما لم يقترن بها حكمة كان ذلك معونة على شره وفساده
وكذلك العلم كماله أن يقترن به الحكمة، وإلا فالعالم الذي لا يريد ما تقتضيه الحكمة وتوجبه، بل يريد ما يهواه سيفه غاو، وعلمه عون له على الشر والفساد، هذا إذا كان عالما قادرا مريدا له إرادة من غير حكمة، وإن قدر أنه لا إرادة له فهذا أولا ممتنع من الحي، فإن وجود الشعور بدون حب ولا بغض ولا إرادة ممتنع، كوجود إرادة بدون شعور.
والمقصود أن العلم والقدرة المجردين عن الحكمة لا يحصل بهما الكمال والصلاح، وإنما يحصل ذلك بالحكمة معهما، واسمه سبحانه "الحكيم" يتضمن حكمته في خلقه وأمره في إرادته الدينية الكونية، وهو حكيم في كل ما خلقه وأمر به
المصدر:
- ابن القيم، طريق الهجرتين (233/1)