ومن أعظم المحرمات وأشنع المفاسد، إشاعة عثراتهم، والقدح فيهم وفي غلطاتهم، وأقبح من هذا إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك. وربما يكون -وهو الواقع كثيرًا- أن الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ، ولهم اجتهاد هم فيه معذورون، والقادح فيهم غير معذور.
وبهذا وأشباهه يظهر لك الفرق بين أهل العلم الناصحين والمنتسبين للعلم من أهل البغي والحسد والمعتدين، فإن أهل العلم الحقيقي قصدهم التعاون على البر والتّقوى ؛ والسّعي في إعانة بعضهم بعضا في كل ما عاد إلى هذا الأمر، وستر عورات المسلمين، وعدم إشاعة غلطاتهم، والحرص على تنبيههم بكل ما يمكن من الوسائل النّافعة، والذب عن أعراض أهل العلم والدين، ولا ريب أن هذا من أفضل القربات.
ثم لو فرض أن ما أخطأوا فيه أو عثروا ليس لهم فيه تأويل ولا عذر لم يكن من الحق والإنصاف أن تهدر المحاسن وتمحى حقوقهم الواجبة بهذا الشيء اليسير، كما هو دأب أهل البغي والعدوان، فإن هذا ضرره كبير، وفساده مستطير.. أي عالم لم يخطئ، وأي حكيم لم يعثر؟
المصدر:
عبد الرحمن السعدي، الرياض الناضرة ص90