أمريكا التي رأيت

أمريكا التي رأيت | مرابط

الكاتب: عائض القرني

419 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

 

اختلال الأمن والاطمئنان

أما أحوالهم فكما رأينا وشاهدنا، مسألة الأمن، هل يعيشون أمنًا واستقرارًا؟! لأن فروخ العلمانية حدَّثوا عن أمريكا فوصفوها بأنها جنة، وبأنها ديموقراطية، وبأنها أمُّ الحرية، وبأنها أساس العدالة، فهل يعرفون أمنًا ورخاءً؟ يقول سبحانه وتعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ"  [الأنعام:82].

 

إذًا: لا أمن إلا للمؤمن، أما الكافر فحرام عليه الأمن، وحرامٌ عليه أن يهجع، والله قلوبنا كأننا عقدناها على ورقة، وهو شعور متبادل، فنسأل الناس في بعض الولايات إذا انتقلنا من مكان إلى مكان، فيسألون في كل دقيقة: مَن معك؟ مجتمع خبيث، فيه المجرمون، فيه السكارى، فيه أهل الدعارة، فيه الزنوج الذين تغلي قلوبهم، فيه فرق مبتدعة، فيه أهل الغارات، فيه أهل الأحقاد، فأنت تتوقع كل يوم متى يعتدي عليك، وقد نصحني بعض الشباب -لأنني ذهبت وحدي مرة- أن أترك هذه الغترة؛ لأنها سوف تعرفني عند بعض الناس، فكنت أخلعها أحيانًا وأبقى هكذا، ومع ذلك ما اطمأن قلبي: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"  [النحل:112].

 

ركبت من دنفر في كلورادو إلى واشنطن وحدي، فذهب معي بعض الشباب إلى المطار، ولأني لا أجيد اللغة كتبوا في ورقة عنوان السفارة وتليفوناتها في واشنطن، وسوف يستقبلني رجل هناك، والعجيب أن أمريكا هذه التي يعرفها الإخوة قارة، السفر من الولاية إلى الولاية أربع ساعات أو خمس أو ثلاث، مثلما تطير من الرياض إلى الجزائر، فطرت من دنفر إلى واشنطن وحدي، ولما أصبحتُ في الطائرة تأخرَتْ الرحلة ساعة ونصف، وذهب الزملاء، وأتى موزع الخمر، فالخمر يشرب كالبيبسي.

 

وأنا خائف من بعض الصينيين بجانبي والأمريكان أن يسكروا ثم نصير في حَيْص بَيْص، حتى أنني لا أدري ما هي الكلمات التي أتعامل معهم بها، ما هي الكلمات التي يمكن أن أتعامل بها شَفَقَةً وعطفًا حتى يفرج الله هذا الهم، وكنت دائمًا أدعو بالأوراد، وصليت وأنا واقف في الطائرة، فكنتُ أنحني، فكان يتضاحك صينيان بجانبي من هذا المنظر العجيب، أنا لم أدرِ أين القبلة، أهي في اليمين أم في اليسار أم هي فوق أم تحت؟ لكن توكلت على الله، وعملت بالحديث؛ فصليت الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، فكانت الأنظار تلتفت وهم يضحكون بجانبي، لا يدرون ماذا أصاب هذا الإنسان.

 

ولما مشيتُ كانت التعليمات أنك إذا لم تجد أحدًا يستقبلك فانتظر عشر دقائق ولا تتحرك، أو تسأل البوليس، أو تسأل صاحب شركة، فلما نزلنا ما عسى من يستقبلني! فوقفتُ وخلعتُ هذه الغترة والطاقية والتجأت إلى جندي أمريكي، وما قلت له شيئًا، بل أعطيته الورقة، وقلت له: (بْلِيْزْ) خُذْ.

(بْلِيْزْ) إبليس في رءوسهم/
و(وِيْلْكَم) ويلٌ لهم ومن بؤسهم

 

يقول الشيخ علي الطنطاوي: ما حفظت إلا ثلاث كلمات بالإنجليزية:

(بْلِيْزْ) التي معناها: من فضلك تعني: (إبْلِيْس).

(وِيْلْكَمْ) التي معناها مرحبًا تعني: (وَيْلَكُم).

وكلمة ثالثة نسيتُها.

 

دخلنا في لوس أنجلوس، وهذه أكبر مدن أمريكا وأكثرها سكانًا، سكانها ثلاثة عشر مليونًا، وهي من أكبر مدن العالم، وتطوف كأنك في أمواج من البشر من كل فج، ومع ذلك جلستُ فيها أربعة أيام مع أحزاب وأصحاب يخبروننا كل يوم بشيء، حتى يقول المسلاتي الداعية الليبي الذي يسكن في لوس أنجلوس يقول: أمر عجيب في لوس أنجلوس، قلنا له: ماذا حدث؟ قال: في لوس أنجلوس بـسان فرانسيسكو، الآن عندهم بند في القانون يجيز أن يتزوج الرجل من الرجل والمرأة من المرأة، وقد تزوج في سان فرانسيسكو أكثر من أربعين ألف رجل بأربعين ألف رجل، وأكثر من خمسين ألف امرأة بخمسين ألف امرأة، والزلزال وقع في سان فرانسيسكو.

 

ما وقع للإنسان شيءٌ عجيب! عندهم أفلامٌ، الكلب فيها يجامع المرأة، وهو يُعرض على الناس، وتنتجه شركة إيطالية. يقول المسلاتي: وبلغ من خوفهم أن الطفل إذا ذهبت أمه لتُداوِم وتؤدي عملها، يأخذ سكينًا ويبقى عند الباب، لا ينام؛ لأنه يتوقع متى يطرق عليه عصابة، وبعض الأمهات ماذا تفعل؟ تأتي الأم فترفع سماعتها دائمًا وتتصل بابنها حتى ينتهي الدوام؛ لأنها إن تركت العمل ماتت، وإن واصلت في العمل فابنها ربما يكون ضحية، وبعض الأبناء يقولون: لا نُجيبُ مِن وراء الباب، لنوهم أنه ليس أحدٌ موجودًا، وإذا سأل الطارقُ الطفلَ: هل أبوك موجود؟ قال: نعم. موجود ولكن في دورة المياه، ليوهم السارق واللص أنه وراءه.

 

فقدان التكافل الاجتماعي

ودخلنا في قلب لوس أنجلوس هذه المدينة الكبيرة، فوجدنا فرقة اسمها (الهوملِْك) وهم قوم ليس لديهم بيوت، وهم فقراء. وفي نيويورك منهم عشرون ألفًا لا مأوى لهم، فلا ضمان اجتماعي، ولا رعاية، ولا صدقة، ولا تكافل، أتظن أن الأمريكي يخرج حقيبته ويتصدق عليك؟! والله إنك لتموتن في الشارع ولن يحملك أحد، ولن يتصدق عليك أحد، ولن يطعمك أحد، هذه الفرقة طالت شعورهم وأظفارهم، وفيهم من البشاعة ما الله به عليم، كالحيوانات، عندهم كراتين ينامون عليها وسط هذه المدينة، وناطحات السحاب بجانبهم، والبنوك، والمال، والشركات السياحية، والدنيا، ومع ذلك يأخذ أحدهم القمامة ونحن نلحظه، فيفرقها ويلقيها ويبعثرها، ثم يخرج الكيك المنتن فيأكله.

 

مررنا بشيخ كبير عمره أكثر من مائة، سقط حاجباه على عينيه الزرقاوين، وهو أكبر أمريكي، وقد طالت أظفاره ولحيتُه، وهو يأكل ونحن بجانبه ننظر إليه من السيارة، وكأنه لا يرانا، أصبح كالحيوان الكبير أو الكلب الفحل، لم يعد يحس بشيء، أقسمت عليه، وعنده ثوب فيه من الوسخ ما الله به عليم، فقال: عندي أحد عشر ولدًا، ومع ذلك لا يلتفتون إليه، فمن أين يلتفت الولد للوالد إن لم يكن لديهم شريعة من السماء؟ والمرأة تذهب إلى المطعم هي وزوجها -وقد رأيناهم- فتحاسب عن نفسها ويحاسب الزوج عن نفسه، وترتفع المعاملات القضائية، الزوجة تشكو زوجها، ويشكوها زوجها في أشياء بسيطة، فكان السبب في قيمة الفنايل أو المناشف أو الصابون الذي في البيت وتأتي المحاماة بأمور، من أين يأتي التكافل الأسري وما عندهم إسلام ولا إيمان؟! فهم يعيشون في هذا المستوى.

 

أما الاضطراب: فإنني سمعتُ قصصًا ورأيتُ أعاجيب، منها: أن أحد أبناء البلاد العربية رحمه الله رحمة واسعة، ذهب بسيارته، وقد كان طيب القلب، يظن أنه في بلاد الإسلام، وعندهم هناك في العرف العام في كثير من الولايات ألا تُرْكِب أحدًا، ما لك وللناس، ففي أوكلاهوما قبل سنتين حين سافرنا إليها، وقف رجل تعطلت سيارته يؤشر للسيارات من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر في الثلج، ثم توفي بعد صلاة الفجر، لا تقف له سيارة، إذا تعطلت سيارتك البوليس يقف لك، أما أن تتحرى من أمريكي أو أحد الناس أن يقف لك فلا؛ لأنه يتصور أنك إرهابي معك المسدس تريد قتله، فأتى طالبٌ مسلم يدرس هناك، فمر بأمريكي فأشار إليه الأمريكي، فركب معه، فلما أركبه ذهب به إلى خارج المدينة -مدينة ريفر تايمز أو ما يشابهها- فأخرج هذا الراكب خنجرًا وذبح هذا الطالب وأخذ سيارته.

 

وطالب آخر طُعِن، ثم سلِم ونجا، ولكن أُخذت عليه سيارتُه، وهذا الراكب قد تراه ضعيفًا أو كفيفًا أو كبيرًا في السن، ومع ذلك لا تأمنه، فمعه عصابه تنتظره خارج المدينة، يشير لك وسيركب معك، فإذا وصلتَ إلى خارج المدينة تلقفتك العصابة، وذبحوك كما يذبحون الشاة، ومَن يطالب بدمك؟ ومَن تشجب؟ وإلى مَن تتجه؟ قال سبحانه: "وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ"  [الأنعام:110].

 

أما الرحمة فلا رحمة، يتعاملون بالدولار، إذا لم يكن عندك مال فمُت في الشارع، قال سيد قطب رحمه الله: دخلتُ واشنطن في مستشفى هناك أتعالج، ودخل رجل في المصعد، فضرب برأسه، فخرج الدم من أنفه وأغمي عليه وأخرج لسانه، فسحبه الأطباء الأمريكان يريدون علاجه، لكن قبل أن يعالجوه بحثوا في جيوبه هل فيها دولارات، فما وجدوا شيئًا، فسحبوه كالبهيمة، وأخرجوه من المستشفى.

 

الذي ليس عنده دولار لا يعيش هناك أبدًا؛ لن تلقى علاجًا ولا طبيبًا، ولا متصدقًا ولا محسنًا ولا مطعمًا، مجتمع يعيش بالدولار وبلا رحمة.

 

الأسرة في أمريكا

وفي سوسان ولاية آرزونا نزلنا هناك، فقال لنا أحد الشباب: البارحة ذهبنا إلى عجوز كبيرة في السن معها كلب تربيه، قلنا: أما معك إلا الكلب؟! قالت: عندي أحد عشر ولدًا من أحد عشر رجلًا من الزنا، زنى بها أحد عشر رجلًا فأتت بأحد عشر ولدًا، قالت: وكلهم قطعوني، حتى الاتصال بالهاتف لا يتصل بي أحد، فرأيت أن الكلب أحسن منهم، فربيت هذا الكلب، هذا مستواهم، أمة متفككة، ولذلك ما رأيت سيارة أمريكية فيها أكثر من اثنين، ما رأيت ثلاثة، فسألت الشباب فضحكوا، وقالوا: ألَمَحت هذا؟! أنتبهتَ لهذا؟! قلت: نعم.

 

قالوا: هؤلاء مجتمع متفكك، لا تركب الأسرة في سيارة واحدة، الابن إذا كبُر وهو لا يصرف على نفسه يطرده أبوه من البيت، والبنت إذا كبُرت وأعجبها شاب ذهبت معه إلى كل مكان، تذهب معه إلى الصين إلى اليابان إلى كندا، ولا تتصل بأهلها، وقد تقاطع بيتها الحياة الدنيا، ولا يدرون أين ذهبت، مجتمع متفكك، وسمعنا أن رجلًا اعتدى على ابنه وهو نائم فخنقه، فلمَّا حوكم قال: أرهقني بكثرة التكاليف، ولذلك النسل عندهم محدد، إذا أنجبتَ طفلين أو ثلاثة فلا تزِِد على ذلك؛ لأنهم ما وثقوا برزق الواحد الأحد والله يقول: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ"  [هود:6] وتجد الواحد منا عنده ثلاثين ابنًا، وإذا سألته عن الرزق قال: رزقهم على الله، عقيدة يتصل بها الإنسان بالله سبحانه وتعالى.

 

الديون الباهظة

إنهم مجتمع بلا رحمة، ولذلك ينقطع الإنسان هناك، ففي دنفر شاب ليبـي أنجب طفلًا وما عنده شيء من المال، فلما أدخل أمه المستشفى بقي العلاج عليه ما يقارب ثلاث سنوات دينًا للمستشفى، كلما زاد سنة ضاعفوا عليه العلاج؛ لأنه بنظام الربا.

 

صحيحٌ أن أمريكا عندها مصادر: عندها بترول، عندها معادن، عندها زراعة، ولا إله إلا الله كم أنعم الله عليهم بها! مساحات هائلة، لكن هذا للدولة وليس للأفراد شيء، العجيب أن أكثرهم إن لم أقل كلهم مدينون، سيارة أحدهم جديدة، ولكنه مديون للبنك، وبيته مديون به، وثوبه دين عليه، حتى يأخذون هناك أثوابًا، فيعطوا الفنايل بالأجرة، لك أن تلبس لباسًا يوم عيد الكرسمس (عيد الميلاد) فتلبسه جميلًا وترده بعد أن تستأجرها ليلة، وكل هذا بالدين، ولذلك يقولون: بعضهم أفلس، فأخذوا بيته وسيارته، وأودعوه في السجن مثل الكلب، فهم يتعاملون بالربا، تشتري شيئًا بمبلغ من المال دينًا، فتذهب سنة فيضاعفونه، وسنة فيضاعفونه، ثم إذا لم تستطع أخذوا من التأمين في الحبس فيبقى الإنسان في الحبس.

 

إذًا هم يعيشون في اضطراب ولوعة وقلق لا يعلمه إلا الله.

 

مستوى الذكاء عندهم

وأمر عجيب سوف أخبركم به، وربما يكون لأول مرة، وقالوا: أول من أشار إليه سيد قطب رحمه الله، وهو أن هذا الشعب تافه بسيط، حتى أنه من سذاجته وبدائيته يأتي بأمور ساذجة، يقدمون لنا طعام الإفطار في الصباح حبحب وشيءٌ معه، وبطاطا اللون لون بطاطا والرائحة منتنة، ما أدري ما هذا الأكل! ولذلك خلال تنقلاتنا كنا ندخل منازل أناس من المسلمين، وإلا فصاحبك الجوع إن لم يكن عندك بسكويت في الحقيبة، إما أن نرى لحم خنزير ونقول: لا نريده، وإما وجبات معفِّنة لست أدري من أين أتت، السمك رائحته منتنة، حتى يبقى ريحه في الأصابع فترة، ومع ذلك يأكلون، فيقول سيد قطب: دخلتُ مطعمًا فوجدتُ الأمريكان يأكلون في الصباح حبحبًا -الحبحب المعروف هو البطيخ- قال: فرأيتهم يضعون على الحبحب سكرًا -من الذي يضع على الحبحب سكرًا؟- قال: وقلت: في بلادنا -أي: في مصر، وهو يمزح ويضحك عليهم- يضعون على الحبحب ملحًا.

 

قال: فأخذوا الملح فوضعوه عليه، فقالوا: كُوَيِّسٌ هذا -أي: جيد- قال: فجئت في اليوم الثاني فقلت: وعندنا قوم يضعون على الحبحب فلفلًا، قال: فأخذوا الفلفل ووضعوه على الحبحب، فلديهم فساد أمزجة، يدخلون المطارات والصالات -ويعرف ذلك الإخوة- فتأتي موسيقى بيتهوفن التي تضج الإنسان، ما فيها من الطرب ولا قطرة، أشبه شيء بالقَطْر إذا نزل المطر من السقف ووضعتَ له صحونًا وبقي يرش في كل مكان، فهذه مثل موسيقى بيتهوفن، ومع ذلك تجد الأمريكي يطرب قلبه ويتراقص كالحمار، حتى أن الشيخ علي الطنطاوي يقول: موسيقى بيتهوفن هذه ما شبهتها إلا بمثل رجل أخذ عشرة قطط، ثم وضع شيئًا على أذنابها فأخذت تصوِّت، فيقول أهل العلم وأهل الفكر الذين يذهبون: ما هذا المزاج؟

 

يأتي الأمريكي في الصباح أحيانًا بلباسه الداخلي الذي يستحي الإنسان أو الحيوان أو الحمار أن يلبسه، فلو كان الحمار يلبس شيئًا ما لبسه، يأتي بلباس غرفة النوم، سروال قصير، قصير جد قصير مع فانيلة علاقية فيخرج أمام الناس، ويسعى ويجري. ولذلك لما دخلنا رأيناهم يجرون على الأرصفة شبه عُراة، الرجال والنساء شبه عُراة، ما على فروجهم إلا خيوط، فذلك منظر عجيب ينبئ على أن هذه المجتمع بلغ حد البهائم، ويلبس الواحد منهم لباسًا عليه من الصور والتعابير والطيور ما الله به عليم، هذا يدل على فساد الأمزجة.

 

أنا أعرف أن غالبية الناس يقولون: الأمريكان من أذكى الناس، ولا يمكن أن يكون الأمريكي إلا ذكيًا، الذي يُعرف ويُنقل مثلما نقله مختار المسلاتي: أن العقول المنتجة ليست من أمريكا أصلًا، إنما استوردت، والعجيب أنهم يقولون: إن عقل الأمريكي كالبيضة، لا يعرف ما وراءه، ولذلك الدكتور في الجامعة لا يهتم حتى بالصحف اليومية، ولا يدري ما العالَم فيه، بل يهتم بمادته، ويعود إلى بيته، ومن بيته إلى هناك، حتى أنه لا يعرف الولاية التي بجانبه، وهذا أمر معلوم.

 

حدثنا محمد بن حيدان، وهو شاب يدرس في لوس أنجلوس، ثقة، بسند جيد، أن أستاذًا سوريًا يدرس في الثانوية في لوس أنجلوس، قال: فدخلتُ على الأستاذ أريده فوجدته يشرح على السبورة لطلبة الثالث الثانوي وهم أمريكان، يشرح لهم ويقول: ¾ + ¼ = كم؟ كيف تكون؟ ثلاثة أرباع + ربع كم يساوي؟ قال: و½ + ½ = كم؟ قال: فيجلسون هكذا ينظرون في السبورة، قال: فضحكتُ أنا وقلت: أجادٌ أنت يا أستاذ؟ أن تطرح مثل هذا السؤال؟! قال: ولماذا؟ قلت: لأنهم طلبة من طلبة الثالث الثانوي، عندنا يدرسون هذا في الابتدائي، فضحك السوري وقال: والله هؤلاء بُهْم، أتعرف البُهْم؟ قال: والله مثل البُهْم، في مستوى البُهْم، فهم في هذا المستوى، ولذلك طلبة الإخوة السعوديين الذين رأيتُهم أنا هناك، كل واحد منهم يأخذ المركز الأول وهو نائم، فباستطاعته وهو نائم أن يأخذ المركز الأول، ما وجدتُ طالبًا، وما سألتُ طالبًا يدرس في المدارس الأمريكية إلا إذا قلتُ له: كم ترتيبك؟ قال: الأول، ولو كان أحدهم عندنا لربما كان راسبًا، هذا أمر معروف، وما نزلنا ولاية إلا أخبرني الإخوة بهذا.

 

قالوا: أما دراستهم فعجيبة، مستواهم عجيب، لماذا؟ يقول مختار المسلاتي: الأمريكي يجلس أمام التلفاز سبع ساعات، الأمريكي الذي يومه وليله يجلس أمام التلفاز سبع ساعات، فتجد ولده دائمًا هكذا، فقد ينام ويقف صباحًا عندهم، رأيت التليفزيون في واشنطن يحتوي على ثماني عشرة قناة، هذا من القديم، وإلا فبعض التليفزيونات -كما ذُكر لي- فيها أربع وخمسون قناة، منها: قناة خاصة بالجنس، ليس فيها إلا فاحشة الزنا، وقناة خاصة بالأخبار، وقناة خاصة بدرجات الحرارة، وقناة خاصة بالأموال والتجارة، وقناة للإعلانات، فيبقى هذا الطالب المشدوه أمامه ثم يأتي الصباح، فإذا سألوه: ¾ + ¼ = كم؟ لا يدري، من أين له أن يدري، ولذلك قال بعض المفكرين منهم: أمريكا تتحطم بعد خمسٍِ وثلاثين سنة، فنسأل الله الذي حطَّم روسيا وفضحها أمام العالم أن يحطم أمريكا ويفضحها أمام العالم، قولوا: آمين.

 

أما وضع الأسرة هناك فقد مرَّ شيء من هذا؛ وهو على كل حال وضع لا يُرضي، نسبة الطلاق في زواج الأمريكان (80%) فمن يتزوج يطلق، والعجيب عندهم وهذا أمر معروف عند كثير منكم، أن الرجل يأتي بصديقته فيدخل بها البيت، وتأتي امرأته بصديقها وتدخل به، الأمر مكشوف، فأصبح شيئًا مألوفًا عندهم، والفاحشة كأي أمر معتاد، يستحي من ذكرها الإنسان، وإلا فالنسب موجودة من ذكر الزنا والفواحش التي طمَّت وعمَّت عندهم.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#أمريكا
اقرأ أيضا
تضخيم الألم | مرابط
اقتباسات وقطوف

تضخيم الألم


هذه العملية عبارة عن حالة شعورية تعتريك عند وقوعك في مشكلة تجعلك تؤمن أن ما حدث لك أكبر من قدرتك على التحمل فتشعر بالعجز والانهيار عند حدوث المشكلة وتصف المشكلة بألفاظ مبالغ فيها لا تساوي حجمها الحقيقي

بقلم: د إسماعيل عرفة
628
سقوط الجانب الأخلاقي في الغرب | مرابط
اقتباسات وقطوف

سقوط الجانب الأخلاقي في الغرب


مقتطف من كتاب العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة لعبد الوهاب المسيري يذكر فيه أصل الإشكالية الأخلاقية في الغرب وكيف قادت النسبية المتزايدة إلى انهيار كل شيء تقريبا فالإنسان في النهاية يحتاج إلى وجود متجاوز يحتاج إلى إله فوق كل شيء وليس مثله شيء ولما تلاشت هذه الفكرة أصبح الإله الجديد هو الجسد

بقلم: عبد الوهاب المسيري
1973
العقل والشرع والعلاقة بينهما | مرابط
تفريغات

العقل والشرع والعلاقة بينهما


فمن أعظم نعم الله على العبد نعمة العقل وقد أناط الله تبارك وتعالى التكليف جملة وتفصيلا على وجود هذا العقل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ والصغير حتى يحتلم والمجنون حتى يفيقوالذي يقرأ آيات القرآن الكريم يجد فيها تمجيد العقل وتعظيمه وبين يدينا تفريغ لجزء من محاضرة للشيخ أبو إسحق الحويني يتحدث فيها عن العقل والنقل وعلاقة العقل بالشرع

بقلم: أبو إسحق الحويني
1191
وأنذرهم يوم الحسرة | مرابط
فكر

وأنذرهم يوم الحسرة


وكم من صاحب جاه وسلطان يهاب الناس سطوته ود لو كان عبدا وضيعا مغمورا بين الناس لما يرى من مثالب تكبره واستعلائه على الخلق ويرى الحساب العسير للكبراء كل على قدر مكانته ومسؤوليته!! ولن يسلم من نوع حسرة أحد حتى المحسن يود لو أنه استفرغ وسعه وزاد في إحسانه ولسان حاله يا ليتني قدمت لحياتي!!

بقلم: د. جمال الباشا
353
عصر انتكاس الفطر | مرابط
النسوية الجندرية

عصر انتكاس الفطر


تخيل لو حقق قوم لوط تقدما تكنولوجيا كبيرا وحازوا العلوم الدنيوية كلها هل كان ذلك يشفع لهم عند الله؟ هل يمكن أن يوصفوا بأن حضارتهم أفضل وأكثر تقدما؟ قطعا لا! لن يمكنك أن تصفهم بهذا الوصف بعد أن غرقوا في ظلمات اللوطية وبعد أن انتكست فطرتهم وانقلبت رأسا على عقب فارتضوا اللواط..

بقلم: محمود خطاب
614
وما نرسل بالآيات إلا تخويفا | مرابط
مقالات

وما نرسل بالآيات إلا تخويفا


من أسوأ ما ابتلي به إنسان العصر الحديث تبلد حسه تجاه ما يحدث من ظواهر كونية: مثل الرياح العاصفة والأمطار الشديدة والكسوف والخسوف والزلازل وما أشبه ذلك حيث تحولت إلى أخبار معتادة تمر دون كثير اعتبار أو تفكر ولعل التنبؤ المسبق بها مع كثرة المشوشات وقلة النظر في السماوات والأرض والتأمل فيهما وقسوة القلوب بسبب التعرض المستمر للشهوات والشبهات وطبيعة الحياة المعاصرة اللاهثة كل ذلك أسهم في هذا التبلد!

بقلم: أحمد قوشتي
341