قصور العقل عن درك جميع المطلوب

قصور العقل عن درك جميع المطلوب | مرابط

الكاتب: ابن الجوزي

402 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

تأملت حالًا عجيبة، وهي أن الله سبحانة وتعالى قد بنى هذه الأجسام متقنة على قانون الحكمة، فدل بذلك المصنوع على كمال قدرته، ولطيف حكمته.

ثم عاد فنقضها، فتحيرت العقول بعد إذعانها له بالحكمة في سر ذلك بالفعل؟! فأعلمت أنها ستعاد للمعاد، وأن هذه البنية لم تخلق إلا لتجوز في مجاز المعرفة، وتتجر في موسم المعاملة. فسكنت العقول لذلك.

ثم رأيت أشياء من هذا الجنس أظرف منه: مثل اخترام شاب ما بلغ بعض المقصود بنيانه! وأعجب من ذلك أخذ طفل من أكف أبويه، يتململان١، ولا يظهر سر سلبه، والله الغني عن أخذه، وهما أشد الخلق فقرًا إلى بقائه! وأظرف منه إبقاء هرم، لا يدري معنة البقاء، وليس له فيه إلا مجرد أذى! ومن هذا الجنس تقتير الرزق على المؤمن الحكيم، وتوسعته على الكافر الأحمق. وفي نظائر لهذه المذكورات يتحير العقل في تعليلها فيبقى مبهوتًا.

فلمْ أزلْ أتلمحُ جملة التكاليف، فإذا عجزت قوى العقل عن الاطاع على حكمة ذلك، وقد ثبت لها حكمة الفاعل، علمت قصورها عن درك جميع الملطوب، فأذعنت مقرة بالعجز، وبذلك تؤدي مفروض تكليفها.

ولَوْ قِيلَ لِلْعقْلِ: قد ثبت عندك حكمة الخالق بما بنى، أفيجوز أن ينقدح (1) في حكمته أنه نقض؟ لقال: لا؛ لأني عرفت بالبرهان أنه حكيم، وأنا أعجز عن إدراك علل حكمته، فأسلم على رغمي، مقرًّا بعجزي (2).


المصدر:
ابن الجوزي، صيد الخاطر ص60

الإشارات المرجعية:
1- الخطاب للعقل فينبغي أن تكون الكلمة: تقدح.
2- انظر: رسالة الاحتجاج بالقدر لابن تيمية رحمه الله.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-الجوزي #صيد-الخاطر
اقرأ أيضا
قواعد في التربية | مرابط
تفريغات ثقافة

قواعد في التربية


وأما المهتدون حقا فيؤمنون بالله على بصيرة ويستعلون على أديان الباطل -وعلى رأسها الأنسنة الجاهلية- بوعي.. ويقول كل منهم: إني آمنت بربكم فاسمعون .. لا يجملون بشاعة الشرك بفضيلة ولا يطمسون نور التوحيد عن حرج!

بقلم: محمد الحسن الددو الشنقيطي
425
دراسة السيرة النبوية | مرابط
مقالات

دراسة السيرة النبوية


إن خير ما يتدارسه المسلمون ولا سيما الناشئون والمتعلمون ويعنى به الباحثون والكاتبون دراسة السيرة المحمدية إذ هي خير معلم ومثقف ومهذب ومؤدب واصل مدرسة تخرج فيها الرعيل الأول من المسلمين والمسلمات الذين قلما تجود الدنيا بأمثالهم. ففيها ما ينشده المسلم وطالب الكمال من دين ودنيا وإيمان واعتقاد وعلم وعمل واداب وأخلاق وسياسة وكياسة وإمامة وقيادة وعدل ورحمة وبطولة وكفاح وجهاد واستشهاد في سبيل العقيدة والشريعة والمثل الإنسانية الرفيعة والقيم الخلقية الفاضلة.

بقلم: محمد أبو شهبة
353
من مفسدات القلوب: التعلق بغير الله | مرابط
تفريغات

من مفسدات القلوب: التعلق بغير الله


التعلق بغير الله له عدة نواح والكلام فيه من عدة فروع فمن التعلق بغير الله: التعلق بالدنيا وقد مثله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود تمثيل في قوله عليه الصلاة والسلام: تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش هذا الرجل المتعلق بغير الله فمن الناس من يتعلق بالأموال فيعمل لها كل همه فيخرج من الصباح ويسعى ويعمل ويكدح إلى الليل

بقلم: محمد صالح المنجد
803
رواية الأحاديث بالمعنى لم تدخل ضررا على الدين ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

رواية الأحاديث بالمعنى لم تدخل ضررا على الدين ج2


مقال مختصر يرد فيه الكاتب محمد أبو شهبة على بعض الشبهات والأباطيل التي أثارها محمود أبو رية حول السنة النبوية ومن ذلك زعمه أن الأحاديث رويت بالمعنى وأن هذا ربما أدخل ضررا على الدين بل وقال أن الرواية بالمعنى هى الأصل والقاعدة والرواية باللفظ هي العارض أو النادر وبالطبع يؤسس بهذا لفكرة أخرى وهي أن الأحاديث لم تسلم من التغيير والتبديل والتحريف وأنها لم تصلنا بلفظها كما نطقها النبي ويرمي في النهاية إلى توهين الانقياد والاستسلام للسنة النبوية بشكل عام

بقلم: محمد أبو شهبة
2431
العجيبة الثامنة ج1 | مرابط
فكر مقالات

العجيبة الثامنة ج1


المكتبة الإسلامية هي عجيبة العجائب ذهب جلها ولم يبق منها إلا قلها وهذا الذي بقى هو الأقل الأقل وهو على ذلك شيء عظيم ففي مكتبات إسطنبول كما نقلوا أكثر من مئتي ألف مخطوطة جلبها العثمانيون من العواصم العربية والإسلامية وفي شمالي إفريقيا مئتا ألف مخطوط في مكتبات القيروان وفاس وحواضر الشمال الإفريقي المسلم وفي مصر ثمانون ألف مخطوط وفي موريتانيا واليمن وغيرهما

بقلم: علي الطنطاوي
802
ضعف العقل وإدراك الحكمة الإلهية | مرابط
تفريغات

ضعف العقل وإدراك الحكمة الإلهية


إن عقل الإنسان هو كحال الإناء منه ما يمكن أن يضعه في الإناء ويستوعبه ومنه ما لا يستوعبه الإنسان وما لا يستوعبه الإنسان ككثير من الحكم الإلهية في خلق الله سبحانه وتعالى للكون وكذلك العلل التي لا يدركها الإنسان فعقل الإنسان إذا أراد الإنسان أن يعرف قدره فلينظر إلى حجمه من الكون حتى يدرك مقدار العقل الذي يمكن للإنسان أن يستوعب الحكم الإلهية من خلق المخلوقات وإجراء المجرات وسير هذه الكواكب والأفلاك وما جعل الله عز وجل فيها من سنن إلهية قدرية تحير الألباب.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
335