أمور لا مدخل للعقل فيها

أمور لا مدخل للعقل فيها | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

2383 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الأشياء التي لا مدخل للعقل فيها

 

ما هي الأشياء التي لا مدخل للعقل فيها؟ وينبغي خلاص التوقف إذا جاءت هذه، إذا جاءت هذه الأبواب نتوقف، منها:

 

الغيبيات

أولًا: الغيبيات. فمعرفة الغيب من اختصاص الله تعالى، وقد طواه الله عن خلقه وأخفاه عنهم، سواءً من الغيب الماضي أو الحاضر أو المستقبل، فمثلًا الآن صفات الله من جهة الكيفية غيب طواه الله عنها.

نحن لا نعرف كيف وجهه؟ كيف يده؟ كيف قدمه؟ سبحانه ما نعرف نثبت أنها له كما أخبر، لكن ما ندخل في كفيتها ما نعرف كيف هذه الصورة؟

وكذلك في المخلوقات، في أشياء طواها الله عنا مثلًا الجنة والنار: "ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" [رواه البخاري: 3244].
ما يمكن مهما فكرت بعقلك ما يمكن تصل إلى شكل رمان الجنة ما يمكن أن تصل، ولا يمكن أن تتخيل ملائكة العذاب، وإن كنت تعرف يقينًا أنهم غلاظ شداد، لكن ما يمكن أنك تتخيل صورهم.

وهكذا من الجن والملائكة ونحو ذلك، فالعقل البشري لا يهتد إلى ما طواه الله عنه من أمور الغيب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:

"فما أخبرت به الرسل من تفاصيل اليوم الآخر، وما أمرت به من تفاصيل الشرائع، لا يعلمه الناس بعقولهم، كما أن ما أخبرت به الرسل من تفصيل أسماء الله وصفاته لا يعلمه الناس بعقولهم، وإن كانوا يعلمون بعقولهم جمل ذلك". [الرسالة التدميرية: 1/130].

يعني ممكن مثلًا العقل يدرك يعني أن، أو يعني يستنتج في يعني أن الله يكافئ من أطاعه، لكن تفاصيل المكافأة، يعني أنه يوجد في الجنة: "وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا" [الإنسان: 19].
يعني مثلًا: العقل لا يستطيع أن يتوصل، يعني يدرك في الجملة، ممكن يستنتج العقل في الجملة أن الله يكافئ من أطاعه، لكن بحور عين يرى مخ ساقها من وراء جلد ما يمكن، لا يمكن أن يدرك أن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها كذا في كذا، ما يمكن أنه يتوصل إلى هذه المعلومات أن أنهار الجنة تجري في غير أخاديد أنها فوق سطح أرض الجنة، لكنها مع ذلك ما تنساح وليس لها ما هي محفورة في أخاديد ما يمكن أن يستنتج هذا.
 
 

الإدراكات العقلية مجملة

ثانيًا: إدراكات العقل مجملة لا مفصلة. فقد يدرك أن هذا الفعل حسن مثل العدل، وأن هذا الفعل قبيح مثل الظلم، لكن قد لا يدرك عمل معين من الأعمال هو من أي قسم قد لا يدرك.

الشرع مثلًا قال: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ" [البقرة: 179]. "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ" [البقرة: 179]. طيب القصاص موت، فكيف يكون فيها حياة؟
بالردع الذي جعل الله بالموت تنجو نفوس كانت ستقتل لو ما كان في قصاص.

القصاص هذا تفصيله يعني مثلًا الدية كم؟ ما يدركها العقل أنه مائة من الإبل كذا وفي؛ لأنه في دية القتل الخطأ غير قتل القتل دية القتل شبه العمد، ودية في فروق أصلًا يمكن العقل يدرك أنها مائة من الإبل فضلًا على أنها ثلاثين كذا، وثلاثين كذا أنها أقسام كذا، وأقسام كذا.

وكذلك ما يمكن أن يعرف دية الأصابع، دية الشجاج، دية مثلًا الأعضاء تفصيلها.

ثم إن العقول البشرية يتفاوت إدراكها، فقد يستحسن عقل ما لا يستحسنه عقل آخر، ويستقبح عقل ما لا يستقبحه عقل آخر، ويدرك عقل ما لا يدركه عقل آخر، فإلى من يجعل الأمر لو كانت المسألة على العقل؟ عقل من؟ وإذا مات من يخلف؟ أي عقل؟ وهؤلاء العقلاء الموجودون عقل فلان وإلا عقل فلان؟ ومن هو صاحب العقل الأكبر من الجميع هل في أحد؟ ومن هو؟ وهل في؟ وقد يكون بعضهم يعقل في مجال أكثر من غيره الذي يعقل في مجال أكثر من الأول.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة".

يعني لو العقلاء أتفقوا على شيء عقلاء العالم أجمعوا على شيء لا يمكن أن ترى الشرع يعارض هذا، يعني لو عقلاء العالم عقلاء المسلمين وعقلاء الكفار عقلاء الأرض كلهم أجمعوا على لا يمكن أن تجد الشرع يعارض هذا.

يقول شيخ الإسلام: "ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط".

قال:

"وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه، فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة يعني العقليات التي تخالف نصوص صريحة صحيحة بل يمكن أن يعلم بالعقل بطلان هذا -بل يعلم نقيضها- إثبات النقيض". [درء تعارض العقل والنقل: 1/96].

والشرع جاء موافقًا للعقل الصحيح فلا يعلم حديث واحد على وجه الأرض يخالف العقل أو السمع الصحيح إلا وهو عند أهل العلم ضعيف أو موضع.
يعني لو طلع لنا حديث: لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه، هذا حديث لكنه باطل موضوع مكذوب، ويعلم بالعقل أنه باطل.

أنه طيب هذه حجارة ما تنفع ولا تضر مخلوقة يعني كيف يعني أي واحد اعتقد، لو أنا اعتقدت أن هذا ينفع من الروماتيزم سينفع، ولو اعتقد ذاك أن هذا ينفع من الربو سينفع، ولو أعتقد أن هذا ينفع في الإنجاب ينفع، ولو اعتقد الرابع أنه في أي حجر آخر أنه ينفع فسينفع.

هذا ما يمكن العقلاء يأبون، والشرع طبعًا يأبى هذا، والكتاب والسنة من حيث الواقع لا تعارض العقل بحال.

والسلف نظرًا لكمال عقولهم ما قدموا عقولهم على الوحي؛ لأنهم كانوا يدركون بعقولهم أنه لا يمكن المعارضة أصلًا، فكانوا يسلمون للشرع وآرائهم تتفق مع الشرع في الجملة، مع أنهم لم يلغوا العقل.

والأحكام التشريعية الأحكام التشريعية لا يعارضها العقل بمعنى أنه مثلًا العقل الصحيح يأباها أو يرفضها أو يمجها، أو أنه يستقبحها ويستقذرها لا يمكن.

قال ابن القيم رحمه الله:

"إن ما علم بصريح العقل الذي لا يختلف فيه العقلاء لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، ولا يأتي بخلافه، ومن تأمل ذلك في ما تنازع العقلاء فيه من المسائل الكبار وجد ما خالفت النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها". [الصواعق المرسلة: 3/829]

 

أوامر الشرع وأحكامه

-طيب أهل العلم يقسمون أوامر الشرع وأحكام الشرع إلى قسمين: معقولة المعنى، وغير معقولة المعنى. ماذا يقصدون بهذا؟
معقولة المعنى: التي يمكن للعقل بالنظر فيها معرفة العلل، واستخراج الأسباب واستنباط الأحكام.
وهناك تشريعات غير معقولة المعنى: يعني العقل لا يمكن أن يدرك ما هي العلة من وراء ذلك؟ ما هي الحكمة من وراء ذلك؟ ولأجل هذا يطلقون عليها العلماء على هذا القسم: أحكام تعبدية محضة.

ويقال: هذا الحكم تعبدي، ما معنى؟ تعبدي طبعًا حتى الأول المعقول المعنى يتعبد به الله، لكن المقصود خصيصًا هنا أن هذا تعبدي محض لا مدخل للعقل في فهم أو إدراك ما وراء أو السبب أو العلة والحكمة.
مثال عدد الصلوات هل العقل يستطيع أن يستنتج لماذا الفجر ثنتين؟
يقول: لأن الناس مثلًا قائمين من النوم تعبانين كانوا، يعني أحسن ركعتين.

طيب كان عليه الصلاة والسلام يطيل صلاة الفجر أكثر من كل الصلوات، طيب صلاة الظهر عند القيلولة لماذا ما صارت اثنتين؟ طيب المغرب لماذا ثلاثة؟ طيب والعشاء قريبة من النوم أربعة.

ما في طريقة ما في طريقة نعرف العقل ما يستطيع أن يدرك لماذا هذه اثنتين وهذه ثلاثة وهذه أربعة؟ ما يدرك ما يمكن أن يصل إلى نتيجة في هذا.
وكذلك مثلًا مقادير أنصبت يعني مثلًا عشرون مثقالًا، طيب لماذا ثمان عشر؟ لا طيب خمسة عشر لا ليش ما صارت خمسة وعشرين؟ وهكذا في الأنصبة.
 
 
لكن العقل ممكن يدرك مثلًا: لماذا ما سقت السماء فيه أكثر، يعني في زكاة أكثر من الذي سقاه بنفسه؛ لأن هذه فيها مؤنة وكلفة، وهذه ما فيها مؤنة وكلفة تسقى بماء السماء.

فالعقل يدرك أن هذه زكاة أيوه، الآن مفهوم لماذا هذه زكاتها أكثر من هذه.
فالعقل قد يدرك بعض الأشياء، مثلًا لماذا كان هذا؟ مثلًا لماذا من مصاريف الزكاة مثلًا الفقراء؟ يعني واضح فيها وضوح.
لكن لماذا نصاب زكاة الغنم اثنين يبدأ من مائة وواحد وعشرين؟ يعني يقول الأربعين فيها زكاة، طيب لماذا خمسة وثلاثين ما فيها؟

 


 

المصدر:

  1. https://almunajjid.com/courses/lessons/250
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العقل
اقرأ أيضا
تمرير الأفكار الإلحادية في ميديا الوسائل البصرية | مرابط
اقتباسات وقطوف الإلحاد

تمرير الأفكار الإلحادية في ميديا الوسائل البصرية


مقتطف من كتاب الميديا والإلحاد للكاتب أحمد محمد حسن يعرض فيه الوسائل والطرق التي مكنت الأفكار الإلحادية من التسرب إلى الميديا ووسائل الإعلام البصرية مثل تصوير الوجود والحياة بظهر العبثية والعدمية واللاغائية وغير ذلك من الطرق الملتوية

بقلم: أحمد محمد حسن
543
التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة | مرابط
اقتباسات وقطوف

التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة


ثم الدعاء والتضرع يفتح له من أبواب الإيمان بالله عز وجل ومعرفته ومحبته والتنعم بذكره ودعائه ما يكون هو أحب إليه وأعظم قدرا عنده من تلك الحاجة التي همته. وهذا من رحمة الله بعباده يسوقهم بالحاجات الدنيوية إلى المقاصد العلية الدينية

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
401
الطرق الصوفية: جسور للاستعمار | مرابط
اقتباسات وقطوف

الطرق الصوفية: جسور للاستعمار


يبدو أن الاستعمار الفرنسي استفاد كثيرا من الطرق الصوفية التي كانت منتشرة في الجزائر بل وأرسى عليها قواعده واستعان بها في بسط سلطانه على بلدان المسلمين وبين يديكم مقتطف من آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والذي عاش التجربة بنفسه ورأى ذلك ووصفه باستفاضة في مواضع مختلفة

بقلم: محمد البشير الإبراهيمي
471
الدائرتان: بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات الإلحاد

الدائرتان: بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي


إننا نقبل العلم الطبيعي كوسيلة بحث ولا نقبله كفلسفة شاملة ننظر من خلالها للحياة worldview ﻷن تبني هذه النظرة يجعلك متبعا للمذهب الطبيعي متبعا لفلسفة تنظر بها للعالم وتفسره من خلالها وأنت في اتباعك هذه الفلسفة لا تبني اتباعك على طريقة العلم الطبيعي والتجريب بل تبني اتباعك على طريقة فلسفية

بقلم: د. حسام الدين حامد
338
المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج3 | مرابط
مناقشات

المدخل إلى فهم إشكالات ما بعد السلفية ج3


حين أخبرني الشيخ أحمد سالم عن كتاب ما بعد السلفية وكان يتوقع رفضا واسعا للكتاب أبديت مخالفتي لهذا التوقع وأن مثل هذا النقد سيكون متقبلا عند التيار الأوسع من السلفيين كنت أرى أن مثل هذا النقد من كاتبين فاضلين سيكون له أثر إيجابي لحظة ما وصلني الكتاب بدأت متلهفا بقراءته قرأته بشكل دقيق فاحص شعرت بعد الانتهاء منه أنني كنت ساذجا جدا حين ظننت أن مثل هذا النقد سيحدث أثرا إيجابيا أو من الممكن أن تتقبله أكثر النفوس أو أن يكون الفضاء الذي سيحدثه فضاء صحيا السبب هو في الروح التي كتب بها هذا النقد وحك...

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1145
تحرير المرأة في عصر الضلالة | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

تحرير المرأة في عصر الضلالة


لقد عنى أحد الباحثين المصريين مؤخرا بإصدار موسوعة ضخمة سماها تحرير المرأة في عصر الرسالة تقوم بكاملها وفق ذلك المنهج الدفاعي منهج الخذلان الذي اختطه الشيخ محمد عبده والتقط الخيط الكاتب الصحفي فهمي هويدي الذي عرض للكتاب عرضا مثيرا في مقال له بجريدة الأهرام المصرية وتوقف فيه طويلا عند الكشف الكبير الذي أبرزه الكاتب وهو حق المرأة في المبيت وحدها خارج بيتها

بقلم: جمال سلطان
337