أمور لا مدخل للعقل فيها

أمور لا مدخل للعقل فيها | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

2524 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الأشياء التي لا مدخل للعقل فيها

 

ما هي الأشياء التي لا مدخل للعقل فيها؟ وينبغي خلاص التوقف إذا جاءت هذه، إذا جاءت هذه الأبواب نتوقف، منها:

 

الغيبيات

أولًا: الغيبيات. فمعرفة الغيب من اختصاص الله تعالى، وقد طواه الله عن خلقه وأخفاه عنهم، سواءً من الغيب الماضي أو الحاضر أو المستقبل، فمثلًا الآن صفات الله من جهة الكيفية غيب طواه الله عنها.

نحن لا نعرف كيف وجهه؟ كيف يده؟ كيف قدمه؟ سبحانه ما نعرف نثبت أنها له كما أخبر، لكن ما ندخل في كفيتها ما نعرف كيف هذه الصورة؟

وكذلك في المخلوقات، في أشياء طواها الله عنا مثلًا الجنة والنار: "ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" [رواه البخاري: 3244].
ما يمكن مهما فكرت بعقلك ما يمكن تصل إلى شكل رمان الجنة ما يمكن أن تصل، ولا يمكن أن تتخيل ملائكة العذاب، وإن كنت تعرف يقينًا أنهم غلاظ شداد، لكن ما يمكن أنك تتخيل صورهم.

وهكذا من الجن والملائكة ونحو ذلك، فالعقل البشري لا يهتد إلى ما طواه الله عنه من أمور الغيب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:

"فما أخبرت به الرسل من تفاصيل اليوم الآخر، وما أمرت به من تفاصيل الشرائع، لا يعلمه الناس بعقولهم، كما أن ما أخبرت به الرسل من تفصيل أسماء الله وصفاته لا يعلمه الناس بعقولهم، وإن كانوا يعلمون بعقولهم جمل ذلك". [الرسالة التدميرية: 1/130].

يعني ممكن مثلًا العقل يدرك يعني أن، أو يعني يستنتج في يعني أن الله يكافئ من أطاعه، لكن تفاصيل المكافأة، يعني أنه يوجد في الجنة: "وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا" [الإنسان: 19].
يعني مثلًا: العقل لا يستطيع أن يتوصل، يعني يدرك في الجملة، ممكن يستنتج العقل في الجملة أن الله يكافئ من أطاعه، لكن بحور عين يرى مخ ساقها من وراء جلد ما يمكن، لا يمكن أن يدرك أن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها كذا في كذا، ما يمكن أنه يتوصل إلى هذه المعلومات أن أنهار الجنة تجري في غير أخاديد أنها فوق سطح أرض الجنة، لكنها مع ذلك ما تنساح وليس لها ما هي محفورة في أخاديد ما يمكن أن يستنتج هذا.
 
 

الإدراكات العقلية مجملة

ثانيًا: إدراكات العقل مجملة لا مفصلة. فقد يدرك أن هذا الفعل حسن مثل العدل، وأن هذا الفعل قبيح مثل الظلم، لكن قد لا يدرك عمل معين من الأعمال هو من أي قسم قد لا يدرك.

الشرع مثلًا قال: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ" [البقرة: 179]. "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ" [البقرة: 179]. طيب القصاص موت، فكيف يكون فيها حياة؟
بالردع الذي جعل الله بالموت تنجو نفوس كانت ستقتل لو ما كان في قصاص.

القصاص هذا تفصيله يعني مثلًا الدية كم؟ ما يدركها العقل أنه مائة من الإبل كذا وفي؛ لأنه في دية القتل الخطأ غير قتل القتل دية القتل شبه العمد، ودية في فروق أصلًا يمكن العقل يدرك أنها مائة من الإبل فضلًا على أنها ثلاثين كذا، وثلاثين كذا أنها أقسام كذا، وأقسام كذا.

وكذلك ما يمكن أن يعرف دية الأصابع، دية الشجاج، دية مثلًا الأعضاء تفصيلها.

ثم إن العقول البشرية يتفاوت إدراكها، فقد يستحسن عقل ما لا يستحسنه عقل آخر، ويستقبح عقل ما لا يستقبحه عقل آخر، ويدرك عقل ما لا يدركه عقل آخر، فإلى من يجعل الأمر لو كانت المسألة على العقل؟ عقل من؟ وإذا مات من يخلف؟ أي عقل؟ وهؤلاء العقلاء الموجودون عقل فلان وإلا عقل فلان؟ ومن هو صاحب العقل الأكبر من الجميع هل في أحد؟ ومن هو؟ وهل في؟ وقد يكون بعضهم يعقل في مجال أكثر من غيره الذي يعقل في مجال أكثر من الأول.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة".

يعني لو العقلاء أتفقوا على شيء عقلاء العالم أجمعوا على شيء لا يمكن أن ترى الشرع يعارض هذا، يعني لو عقلاء العالم عقلاء المسلمين وعقلاء الكفار عقلاء الأرض كلهم أجمعوا على لا يمكن أن تجد الشرع يعارض هذا.

يقول شيخ الإسلام: "ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط".

قال:

"وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه، فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة يعني العقليات التي تخالف نصوص صريحة صحيحة بل يمكن أن يعلم بالعقل بطلان هذا -بل يعلم نقيضها- إثبات النقيض". [درء تعارض العقل والنقل: 1/96].

والشرع جاء موافقًا للعقل الصحيح فلا يعلم حديث واحد على وجه الأرض يخالف العقل أو السمع الصحيح إلا وهو عند أهل العلم ضعيف أو موضع.
يعني لو طلع لنا حديث: لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه، هذا حديث لكنه باطل موضوع مكذوب، ويعلم بالعقل أنه باطل.

أنه طيب هذه حجارة ما تنفع ولا تضر مخلوقة يعني كيف يعني أي واحد اعتقد، لو أنا اعتقدت أن هذا ينفع من الروماتيزم سينفع، ولو اعتقد ذاك أن هذا ينفع من الربو سينفع، ولو أعتقد أن هذا ينفع في الإنجاب ينفع، ولو اعتقد الرابع أنه في أي حجر آخر أنه ينفع فسينفع.

هذا ما يمكن العقلاء يأبون، والشرع طبعًا يأبى هذا، والكتاب والسنة من حيث الواقع لا تعارض العقل بحال.

والسلف نظرًا لكمال عقولهم ما قدموا عقولهم على الوحي؛ لأنهم كانوا يدركون بعقولهم أنه لا يمكن المعارضة أصلًا، فكانوا يسلمون للشرع وآرائهم تتفق مع الشرع في الجملة، مع أنهم لم يلغوا العقل.

والأحكام التشريعية الأحكام التشريعية لا يعارضها العقل بمعنى أنه مثلًا العقل الصحيح يأباها أو يرفضها أو يمجها، أو أنه يستقبحها ويستقذرها لا يمكن.

قال ابن القيم رحمه الله:

"إن ما علم بصريح العقل الذي لا يختلف فيه العقلاء لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، ولا يأتي بخلافه، ومن تأمل ذلك في ما تنازع العقلاء فيه من المسائل الكبار وجد ما خالفت النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها". [الصواعق المرسلة: 3/829]

 

أوامر الشرع وأحكامه

-طيب أهل العلم يقسمون أوامر الشرع وأحكام الشرع إلى قسمين: معقولة المعنى، وغير معقولة المعنى. ماذا يقصدون بهذا؟
معقولة المعنى: التي يمكن للعقل بالنظر فيها معرفة العلل، واستخراج الأسباب واستنباط الأحكام.
وهناك تشريعات غير معقولة المعنى: يعني العقل لا يمكن أن يدرك ما هي العلة من وراء ذلك؟ ما هي الحكمة من وراء ذلك؟ ولأجل هذا يطلقون عليها العلماء على هذا القسم: أحكام تعبدية محضة.

ويقال: هذا الحكم تعبدي، ما معنى؟ تعبدي طبعًا حتى الأول المعقول المعنى يتعبد به الله، لكن المقصود خصيصًا هنا أن هذا تعبدي محض لا مدخل للعقل في فهم أو إدراك ما وراء أو السبب أو العلة والحكمة.
مثال عدد الصلوات هل العقل يستطيع أن يستنتج لماذا الفجر ثنتين؟
يقول: لأن الناس مثلًا قائمين من النوم تعبانين كانوا، يعني أحسن ركعتين.

طيب كان عليه الصلاة والسلام يطيل صلاة الفجر أكثر من كل الصلوات، طيب صلاة الظهر عند القيلولة لماذا ما صارت اثنتين؟ طيب المغرب لماذا ثلاثة؟ طيب والعشاء قريبة من النوم أربعة.

ما في طريقة ما في طريقة نعرف العقل ما يستطيع أن يدرك لماذا هذه اثنتين وهذه ثلاثة وهذه أربعة؟ ما يدرك ما يمكن أن يصل إلى نتيجة في هذا.
وكذلك مثلًا مقادير أنصبت يعني مثلًا عشرون مثقالًا، طيب لماذا ثمان عشر؟ لا طيب خمسة عشر لا ليش ما صارت خمسة وعشرين؟ وهكذا في الأنصبة.
 
 
لكن العقل ممكن يدرك مثلًا: لماذا ما سقت السماء فيه أكثر، يعني في زكاة أكثر من الذي سقاه بنفسه؛ لأن هذه فيها مؤنة وكلفة، وهذه ما فيها مؤنة وكلفة تسقى بماء السماء.

فالعقل يدرك أن هذه زكاة أيوه، الآن مفهوم لماذا هذه زكاتها أكثر من هذه.
فالعقل قد يدرك بعض الأشياء، مثلًا لماذا كان هذا؟ مثلًا لماذا من مصاريف الزكاة مثلًا الفقراء؟ يعني واضح فيها وضوح.
لكن لماذا نصاب زكاة الغنم اثنين يبدأ من مائة وواحد وعشرين؟ يعني يقول الأربعين فيها زكاة، طيب لماذا خمسة وثلاثين ما فيها؟

 


 

المصدر:

  1. https://almunajjid.com/courses/lessons/250
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العقل
اقرأ أيضا
أدلة الكتاب والسنة على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

أدلة الكتاب والسنة على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم


وفي القرآن من دعوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن دعوة المشركين وعباد الأوثان وجميع الإنس والجن ما لا يحصى إلا بكلفة وهذا كله معلوم بالاضطرار من دين الإسلام فكيف يقال: إنه لم يذكر أنه بعث إلا إلى العرب خاصة وهذه دعوته ورسله وجهاده لليهود والنصارى والمجوس بعد المشركين وهذه سيرته صلى الله عليه وسلم فيهم

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
613
هل أدخل مسلمة أهل الكتاب أقوالا من الإنجيل على أنها أحاديث | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل أدخل مسلمة أهل الكتاب أقوالا من الإنجيل على أنها أحاديث


ليس من الإنصاف في شيء أن نقول: إن ما وجد في الدين الإسلامي ووجد في اليهودية أو النصرانية أن يكون مأخوذا منها فقد توافق القرآن الكريم الذي لا شك في تواتره وصونه عن أي تحريف والتوراة والإنجيل في بعض التشريعات والأخلاقيات والقصص فهل معنى هذا أنه مأخوذ منها أعتقد أن الجواب بالنفي ومما ينبغي أن يعلم أن الشرائع السماوية مردها إلى الله سبحانه وأن العقائد والفضائل الثابتة والضروريات التي لا تختلف باختلاف الأزمان ولا باختلاف الرسالات أمور مقررة في كل دين

بقلم: محمد أبو شهبة
1557
قبول الأعمال متوقف على صحة العقيدة | مرابط
اقتباسات وقطوف

قبول الأعمال متوقف على صحة العقيدة


قبول الأعمال متوقف على صحة العقيدة فالعقيدة هي الأساس وإذا كان الأساس فاسدا فكل ما بني على فهو فاسد والتوحيد تتوقف عليه النجاة في الآخرة فهويمنع الخلود في النار ولا يخلد في النار موحد وأعظم ما فيه أن من حققه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب ويتحرر المخلوق بالعقيدة الصحيحة من رق المخاليق وعبوديته لهم والخوف منهم والنظر إلى مدحهم وقدحهم وهذه قمة العزة في الحياة

بقلم: محمد صالح المنجد
1078
بين مقاصد الشريعة ومقاصد النفوس | مرابط
فكر مقالات

بين مقاصد الشريعة ومقاصد النفوس


نحن بحاجة إلى إعادة النظر في هذا الحكم حسب المقاصد الشرعية ولا بد من مراعاة المقاصد الشرعية عندما نتحدث عن هذه القضية وعبارات أخرى مختلفة ستراها ولا بد عند أي رؤية منحرفة تتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية فعامة الانحراف المعاصر حين يتعامل مع النصوص والأحكام الشرعية الجزئية فإنه لا بد في سياق تجاوزه لأي حكم وإنكاره له أن يرفع لافتة المقاصد الشرعية كتصريح شرعي للمارسات غير الشرعية

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2106
أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الثاني ج1 | مرابط
تفريغات

أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الثاني ج1


ومسألة ذهاب الصالحين هي من أشراط الساعة التي يدخل فيها ذهاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبض العلم فإنه لا يمكن أن يوجد علم مع عدم وجود الصالحين الذين يقومون به وقبض الصالحين لازم لظهور الجهل وعدم العدل أيضا ومن الأصول ظهور الفتن في الناس ولازم ظهور الفتن ظهور الزنا وشرب الخمر والجهل والهرج وهو القتل وغير ذلك

بقلم: عبد العزيز الطريفي
831
وصف حي لتسليم غرناطة | مرابط
تاريخ

وصف حي لتسليم غرناطة


وفي الثاني من ربيع الأول 897ه كانون الثاني يناير سنة 1492م وفي وقت الصباح تم تسليم المدينة فما أن تقدم النصارى الإسبان القشتاليون من تل الرخى صاعدين نحو الحمراء حتى تقدم أبو عبد الله الصغير وهو يلبس أثواب الهزيمة وعلى وجهه العار والشنار وقال للقائد القشتالي بصوت مسموع: هيا يا سيدي في هذه الساعة الطيبة وتسلم القصور -قصوري- باسم الملكين العظيمين اللذين أراد لهما الله القادر أن يستوليا عليها لفضائلهما وزلات المسلمين

بقلم: علي محمد الصلابي
4409