أهمية العلم ولزوم الدليل

أهمية العلم ولزوم الدليل | مرابط

الكاتب: ابن القيم

396 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

ومن أحالك على غير أخبرنا وحدثنا فقد أحالك: إما على خيال صوفي، أو قياس فلسفي، أو رأي نفسي؛ فليس بعد القرآن وأخبرنا وحدثنا إلا شبهات المتكلمين، وآراء المنحرفين، وخيالات المتصوفين، وقياس المتفلسفين.. ومن فارق الدليل، ضل عن سواء السبيل، ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة، وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم، والشيطان الرجيم.

والعلم ما قام عليه الدليل. والنافع منه: ما جاء به الرسول. والعلم خير من الحال: العلم حاكم، والحال محكوم عليه. والعلم هاد، والحال تابع. والعلم آمر ناه، والحال منفذ قابل، والحال سيف، إن لم يصحبه العلم فهو مخراق في يد لاعب. الحال مركب لا يجارى. فإن لم يصحبه علم ألقى صاحبه في المهالك والمتالف. والحال كالمال يؤتاه البر والفاجر. فإن لم يصحبه نور العلم كان وبالا على صاحبه.

الحال بلا علم كالسلطان الذي لا يزعه عن سطوته وازع.. الحال بلا علم كالنار التي لا سائس لها.

نفع الحال لا يتعدى صاحبه، ونفع العلم كالغيث يقع على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر.

دائرة العلم تسع الدنيا والآخرة. ودائرة الحال تضيق عن غير صاحبه، وربما ضاقت عنه.

العلم هاد والحال الصحيح مهتد به، وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وأهله عصبتهم ووراثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر. وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين، وهو الميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال.. وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين، والغي والرشاد، والهدى والضلال.

به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحد، ويحمد ويمجد، وبه اهتدى إليه السالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون.. به تعرف الشرائع والأحكام، ويتميز الحلال من الحرام، وبه توصل الأرحام وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب.

وهو إمام، والعمل مأموم، وهو قائد، والعمل تابع، وهو الصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشبهة، والغنى الذي لا فقر على من ظفر بكنزه، والكنف الذي لا ضيعة على من آوى إلى حرزه.

مذكراته تسبيح.. والبحث عنه جهاد، وطلبه قربة، وبذله صدقة، ومدارسته تعدل بالصيام والقيام. والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام.

قال الإمام أحمد رضي الله عنه: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب. لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه.

وروينا عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.. ونص على ذلك أبو حنيفة رضي الله عنه.

وقال ابن وهب: كنت بين يدي مالك رضي الله عنه. فوضعت ألواحي وقمت أصلي. فقال: ما الذي قمت إليه بأفضل مما قمت عنه. ذكره ابن عبد البر وغيره.

واستشهد الله عز وجل بأهل العلم على أجل مشهود به، وهو التوحيد وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته. وفي ضمن ذلك تعديلهم. فإنه سبحانه وتعالى لا يستشهد بمجروح.

ومن هاهنا - والله أعلم - يؤخذ الحديث المعروف يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله. ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل المبطلين. وهو حجة الله في أرضه. ونوره بين عباده. وقائدهم ودليلهم إلى جنته. ومدنيهم من كرامته.

ويكفي في شرفه: أن فضل أهله على العباد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وأن الملائكة لتضع لهم أجنحتها، وتظلهم بها، وأن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر، وحتى النمل في جحرها، وأن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير.

ولقد رحل كليم الرحمن موسى بن عمران - عليه الصلاة والسلام - في طلب العلم  هو وفتاه، حتى مسهما النصب في سفرهما في طلب العلم. حتى ظفر بثلاث مسائل. وهو من أكرم الخلق على الله وأعلمهم به.

وأمر الله رسوله أن يسأله المزيد منه فقال: وقل رب زدني علما. وحرم الله صيد الجوارح الجاهلة، وإنما أباح للأمة صيد الجوارح العالمة. فهكذا جوارح الإنسان الجاهل لا يجدي عليه صيدها من الأعمال شيئا. والله سبحانه وتعالى أعلم.


المصدر:
ابن القيم، مدارج السالكين

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العلم #الدليل
اقرأ أيضا
الإخلاص والنية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإخلاص والنية


كتاب الإخلاص والنية من أهم ما نقل إلينا عن أبي بكر بن أبي الدنيا ففيه روايات وأخبار كثيرة كلها تدور حول نية العبد وكما نعلم فالنية هي أشق شيء على المؤمن لكي يضبطه ويحدد بوصلته في كل أعماله والأعمال بالنيات وبين يديكم اقتباسات موجزة من هذا الكتاب الماتع

بقلم: ابن أبي الدنيا
794
ليلة في بيت النبي الجزء الخامس | مرابط
تفريغات

ليلة في بيت النبي الجزء الخامس


والذي يركب الخيل ويدمن ركوبها تنتقل صفات الخيل إليه ومن تلك الصفات: الكبر وقد ورد هذا في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام حين قال: الكبر والبطر في أهل الخيل والسكينة والوقار في أهل الغنم فالغنم تنزل رأسها وتمشي في طريقها فكل واحد يأخذ من صفات ما يعايشه من الحيوان فهذا المنظر التعيس البريء الحزين -منظر الغنم- إذا ظل طوال عمره فيه فلابد أنه سيأخذ بعض هذه الصفات في الانكسار والثاني الراكب على خيل والخيل يقفز ويتراقص به وما إلى ذلك فينتقل إليه هذا الشعور

بقلم: أبو إسحق الحويني
724
الوسطيتان | مرابط
فكر مقالات

الوسطيتان


من الملاحظ أن مصطلح الوسطية قد كثر استخدامه في الساحات الفكرية والشرعية في بلادنا فيقول لك الإسلام الوسطي والشيخ الوسطي ويبدو أن الأمر يحتاج إلى فحص وتمحيص حتى نعلم مرادهم من هذه الوسطية ومن هنا يأتي المقال الذي بين يدينا للكاتب إبراهيم السكران ويوضح لنا نوعين من الوسطية: أحدهما مطلوب ومحمود والآخر مرفوض ومذموم

بقلم: إبراهيم السكران
2081
مناظرة الباقلاني مع ملك الروم ج1 | مرابط
مناظرات

مناظرة الباقلاني مع ملك الروم ج1


اشتهر أبو بكر الباقلاني بمفصاحته وقدرته على المناظرة والبيان والذب عن الإسلام وقد ناظر في عهده الكثير من النصارى أشهر هذه المناظرات كانت لما أرسله عضد الدولة إلى ملك الروم الأعظم ليظهر له رفعة الإسلام ويناظره في معتقده وبالفعل جرت المناظرة بينهما واستعان ملك الروم بكثير من علماء النصارى حتى يقدروا عليه وكان المناظرة سبب في إسلام الكثير من النصارى وأظهر الباقلاني فصاحة عالية ورؤية ثاقبة وقدرة مبهرة على الرد والبيان

بقلم: القاضي عياض
2447
الرد على المنكرين للإسراء والمعراج | مرابط
أباطيل وشبهات

الرد على المنكرين للإسراء والمعراج


في رحلة الإسراء والمعراج أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على هذه الآيات الكبرى توطئة للهجرة ولأعظم مواجهة على مدى التاريخ للكفر والضلال والفسوق والآيات التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة منها: الذهاب إلى بيت المقدس والعروج إلى السماء ورؤية الأنبياء والمرسلين والملائكة والسماوات والجنة والنار ونماذج من النعيم والعذاب إلخ

بقلم: علي محمد الصلابي
417
التوبة من ترك الحسنات | مرابط
اقتباسات وقطوف

التوبة من ترك الحسنات


التوبة من ترك الحسنات أهم من التوبة من فعل السيئات والتوبة رجوع عما تاب منه إلى ما تاب إليه فالتوبة المشروعة هي الرجوع إلى الله وإلى فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وليست التوبة من فعل السيئات فقط كما يظن كثير من الجهال لا يتصورون التوبة إلا عما يفعله العبد من القبائح كالفواحش والمظالم بل التوبة من ترك الحسنات المأمور بها أهم من التوبة من فعل السيئات المنهي عنها

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
440