أهواء الناس في وقت الفتن

أهواء الناس في وقت الفتن | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

395 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

كذلك أيضًا فإن شهوات الناس وتشوفهم للفتن يتنوع، فمن الناس من يلتفت إلى فتنة السمع, ومنهم من يتشوف إلى فتنة البصر، ومنهم من يتشوف إلى فتنة الفرج، ومنهم من يتشوف إلى فتنة الكلام، ومنهم من يتشوف إلى فتنة الفكر وغير ذلك، فتتنوع الفتن، فبحسب أهواء الناس تنوعت الطرق، ولهذا قال الله جل وعلا: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" [البقرة:257]ً، فسماها: ظلمات، وسمى الحق: نورًا، فجعله نورًا واحدًا وجعل الظلمات متعددة، وذلك بحسب المشارب، ولهذا كان على كل طريق منها شيطان يدعو إليها.

والتبصر بمعرفة الطرق هذه يرجع إلى حكمة الإنسان ويرجع أيضًا إلى معرفة العالم المتبصر بخطورة هذه الفتن تراكمًا، فإن العالم اليقظ وكذلك الداعية وكذلك العابد الصالح الذي يعرف مواضع الخطورة يعرف الفتنة المقبلة ويعرف الفتنة المدبرة، ويعرف الفتنة العظيمة ويعرف الفتنة الحقيرة، ومرد ذلك كله إلى معرفة العظيم والحقير, والكبير والصغير, والقوي والضعيف بما قدره الشارع من كلام الله جل وعلا, وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن نقيم الشريعة بما قيمها الشارع، ونقيم الدنيا مما تركه الشارع لنا بما ننظر إليه، وما أعطانا الله جل وعلا من حس ومعرفة وإدراك، فالخلط في هذين البابين يجعل الإنسان يضطرب في هذا.

لهذا يقول العلماء: إن أهل العلم العارفين بمواضع الخير والشر هم أهل الإدراك والعناية، وهم أولى أن يستمع لقولهم؛ وذلك أن كثيرًا من الناس ينظرون إلى دائرة واحدة وهي دائرة الشر، أو ينظرون إلى دائرة واحدة وهي دائرة الخير، فلا يميزون أولى مراتب الخير، وكذلك لا يميزون بين أدنى دركات الشر، وهذا الخلط يقع فيه كثير من العامة ويمتحن فيه كثير من العلماء حتى ينساق كثير من العلماء بأخذ الأدنى تلبيةً لرغبة العامة، وهذا من الجهل.

لهذا ينبغي للإنسان ألا يجامل في دين الله جل وعلا، وأن يقدم أمور الدين وأحكامه بحسب تقديم الله جل وعلا، وأن يأخذ الأشد فالأشد بحسب تأكيد الشارع عليه، ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الله جل وعلا عليه شريعته على سبيل التدرج، وهذا التدرج جاء بالأهم مع صعوبته وشدته؛ وذلك أن أعظم الأمور ثباتًا ورسوخًا في قلب الإنسان ما يفعله الإنسان على سبيل التعبد والتدين، فإن كفار قريش قد فتنوا بأمر الأصنام والأوثان، وأصلها هي من الأولياء والصالحين فصوروها ثم جعلوا لها أصنامًا وتماثيل ثم عبدوها من دون الله جل وعلا، وهذه تتعلق بأفعالهم وأقوالهم في نومهم ويقظتهم، لا يغادر الإنسان إلا وقد تطير بشيء من أصنامهم واستقسم بالأزلام.

وكذلك أيضًا في حال ولادة أحد له من ذكر أو أنثى، وكذلك في زواجهم، وكذلك أيضًا في ذبائحهم يهلون بها لغير الله، كذلك أيضًا في أقوالهم ومجالسهم وأيمانهم فتشربت قلوبهم بذلك، فمع كون هذا الأمر قد تشرب بقلوبهم ولكنه يتعلق بأمر التوحيد أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ما كان من أمر الدين ولو كان متأكدًا دون أمر التوحيد، فرسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر التوحيد قدر وسعه وإمكانه، فدعا إليه بمكة مع جملة من فضائل الإسلام والإيمان، وكذلك مكارم الأخلاق التي تتوافق مع الفطرة وتحث على ما كان عليه كفار قريش مما يعضد هذا هذا، فإن في تصحيح أجزاء الفطرة تأسيسًا وتقعيدًا وتأكيدًا أيضًا لذلك البساط الذي نشأ عليه، أو تلك القاعدة التي نشأ عليها بناء الإسلام.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الطريفي
اقرأ أيضا
الاستعمار الإمبراطوري الليبرالي | مرابط
اقتباسات وقطوف

الاستعمار الإمبراطوري الليبرالي


إن الاستعمار الإمبراطوري الليبرالي لن يهزم قضية الحرية فقط في الأماكن التي يفرض فيها بل هو سيميل أيضا إلى هدم الحرية في قاعدتها الوطنية وإن الاستعمار الإمبراطوري الليبرالي يحتاج إلى العضلات العسكرية الضخمة لتنتشر في الأرض المعادية

بقلم: ريتشارد كوك وكريس سميث
487
محاورة دينية اجتماعية الجزء الثاني | مرابط
مناظرات مقالات الإلحاد

محاورة دينية اجتماعية الجزء الثاني


محاورة بين رجلين كانا متصاحبين مسلمين يدينان الدين الحق ويشتغلان في طلب العلم فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله وتبدلت أخلاقه فسأله صاحبه عن ذلك فإذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون فحاوره صاحبه لعله يرجع فأعيته الحيلة في ذلك وعرف أن ذلك علة عظيمة ومرض يفتقر إلى استئصال الداء ومعالجته بأنفع الدواء وعرف أن ذلك متوقف على معرفة الأسباب التي حولته والطرق التي أوصلته إلى هذه الحالة المخيفة وإلى فحصها وتمحيصها و

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
1726
هل شك يونس عليه السلام في قدرة الله | مرابط
أباطيل وشبهات

هل شك يونس عليه السلام في قدرة الله


من ضمن الشبهات السطحية التي يروجها أهل الإلحاد وأعداء الإسلام أن القرآن الكريم يتهم النبي يونس عليه السلام بأنه شك في قدرة الله فحين أرسله الله إلى أهل نينوى لم يذهب إليهم وذهب إلى البحر وبين يديكم رد موجز على هذه الشبهة

بقلم: منقذ السقار
635
العجمة وظهور البدع | مرابط
تفريغات

العجمة وظهور البدع


ينبغي للإنسان إذا أراد أن يفهم مسائل الدين أصولا وفروعا أن يرجع إلى أقوال أهل العربية من أهل العلم والفضل وصدر ذلك هم الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في المدينة ومكة وكذلك أيضا الأجلة من فقهاء التابعين في المدينة ومكة فينبغي له أن يعرف أقوالهم وأن يتبصر بها ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم إنما فضل أصحابه لهذا الباب وكذلك أيضا إنما جاء تفضيل المدينة وأهلها وفضل سكناها باعتبار أن البدع فيها أقل من غيرها.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
450
الإحسان في كل شيء | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإحسان في كل شيء


جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم الإمام زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الشهير بابن رجب الحديث الثاني وهو سؤال جبريل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان

بقلم: ابن رجب الحنبلي
385
البخاري غير معصوم لكن كل ما في كتابه صحيح | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

البخاري غير معصوم لكن كل ما في كتابه صحيح


إن عدم العصمة لا يقتضي حتمية وجود الخطأ في كل ما يروي غير المعصوم وإنما يقتضي احتمال وجود الخطأ وإذا كان الأمر كذلك فإن على من يدعي وجود الخطأ ألا تكون حجته مرتكزة على مجرد عدم عصمة الكاتب أو الراوي لأن صيغة حجته ستكون عندئذ كما يلي: الكاتب غير معصوم إذن احتمال الخطأ فيه وارد إذن هو مخطيء وهي كما ترى حجة فاسدة وذلك أن احتمال الخطأ هو بالضرورة العقلية احتمال للصواب وإذن فعلى من يدعي وجود الخطأ أن يأتي بحجة مستقلة تثبت وجوده ولا يعتمد على مجرد احتمال وجوده

بقلم: جعفر شيخ إدريس
479