الأولاد أمانة

الأولاد أمانة | مرابط

الكاتب: أبو حامد الغزالي

372 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

اعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي رِيَاضَةِ الصِّبْيَانِ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ وَأَوْكَدِهَا والصبيان أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَةٍ وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا نُقِشَ وَمَائِلٌ إِلَى كُلِّ مَا يُمَالُ بِهِ إِلَيْهِ فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وشاركه في ثوابه أبوه وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ وَكَانَ الْوِزْرُ في رقبة القيم عليه والوالي له وقد قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نارًا}

وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُهُ عَنْ نَارِ الدُّنْيَا فَبِأَنْ يَصُونَهُ عَنْ نَارِ الْآخِرَةِ أَوْلَى وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيُهَذِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ وَيَحْفَظَهُ من القرناء السُّوءِ وَلَا يُعِوِّدُهُ التَّنَعُّمَ وَلَا يُحَبِّبُ إِلَيْهِ الزينة والرفاهية فَيَضِيعُ عُمْرُهُ فِي طَلَبِهَا إِذَا كَبِرَ فَيَهْلِكُ هَلَاكَ الْأَبَدِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ فَلَا يَسْتَعْمِلُ فِي حَضَانَتِهِ وَإِرْضَاعِهِ إلا امرأة متدينة تأكل الحلال فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه فإذا وقع عليه نشو الصبي انعجنت طينته من الخبيث فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبائث وَمَهْمَا رَأَى فِيهِ مَخَايِلَ التَّمْيِيزِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ مُرَاقَبَتَهُ وَأَوَّلُ ذَلِكَ ظُهُورُ أَوَائِلِ الْحَيَاءِ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَحْتَشِمُ وَيَسْتَحِي وَيَتْرُكُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِإِشْرَاقِ نُورِ الْعَقْلِ عليه حتى يرى بعض الأشياء قبيحًا ومخالفًا للبعض فصار يستحي من شيء دون شيء وهذه هدية من الله تعالى إليه

وبشارة تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب وهو مبشر بكمال العقل عند البلوغ فَالصَّبِيُّ الْمُسْتَحِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْمَلَ بَلْ يستعان على تأديبه بحيائه أو تمييزه وَأَوَّلُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ شَرَهُ الطَّعَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبَ فِيهِ مِثْلُ أَنْ لَا يَأْخُذَ الطَّعَامَ إِلَّا بِيَمِينِهِ وَأَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ عِنْدَ أَخْذِهِ وَأَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ وَأَنْ لَا يُبَادِرَ إِلَى الطَّعَامِ قبل غيره وأن لا يحدق النَّظَرِ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى مَنْ يَأْكُلُ وَأَنْ لَا يُسْرِعَ فِي الْأَكْلِ وَأَنْ يُجِيدَ الْمَضْغَ وَأَنْ لَا يُوَالِيَ بَيْنَ اللُّقَمِ وَلَا يُلَطِّخَ يَدَهُ وَلَا ثَوْبَهُ وَأَنْ يُعَوَّدَ الْخُبْزَ الْقَفَارَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى لَا يَصِيرَ بِحَيْثُ يرى الأدم حتمًا ويقبح عِنْدَهُ كَثْرَةُ الْأَكْلِ بِأَنْ يُشَبَّهَ كُلُّ مَنْ يُكْثِرُ الْأَكْلَ بِالْبَهَائِمِ وَبِأَنْ يُذَمَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّبِيُّ الَّذِي يُكْثِرُ الْأَكْلَ وَيُمْدَحُ عِنْدَهُ الصَّبِيُّ الْمُتَأَدِّبُ الْقَلِيلُ الْأَكْلِ وَأَنْ يُحَبَّبَ إِلَيْهِ الْإِيثَارُ بِالطَّعَامِ وَقِلَّةُ الْمُبَالَاةِ بِهِ وَالْقَنَاعَةُ بِالطَّعَامِ الْخَشِنِ أَيَّ طَعَامٍ كَانَ وَأَنْ يُحَبَّبَ إِلَيْهِ مِنَ الثياب البيض دون الملون والإبريسم وَيُقَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَالْمُخَنَّثِينَ وَأَنَّ الرِّجَالَ يَسْتَنْكِفُونَ مِنْهُ

وَيُكَرَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ومهما رأى على صبي ثوبًا من إبريسم أو ملون فينبغي أن يستنكره ويذمه ويحفظ الصبي عَنِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ عُوِّدُوا التَّنَعُّمَ وَالرَّفَاهِيَةَ وَلُبْسَ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ وَعَنْ مُخَالَطَةِ كُلِّ مَنْ يُسْمِعُهُ مَا يُرَغِّبُهُ فِيهِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ مَهْمَا أُهْمِلَ في ابتداء نشوه خَرَجَ فِي الْأَغْلَبِ رَدِيءَ الْأَخْلَاقِ كَذَّابًا حَسُودًا سروقا نمامًا لحوحًا ذا فصول وَضَحِكٍ وَكِيَادٍ وَمَجَانَةٍ وَإِنَّمَا يُحْفَظُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِحُسْنِ التَّأْدِيبِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ فِي الْمَكْتَبِ فَيَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ وَأَحَادِيثَ الأخبار وَحِكَايَاتِ الْأَبْرَارِ وَأَحْوَالَهُمْ لِيَنْغَرِسَ فِي نَفْسِهِ حُبُّ الصالحين ويحفظ مِنَ الْأَشْعَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعِشْقِ وَأَهْلِهِ ويحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع فَإِنَّ ذَلِكَ يَغْرِسُ فِي قُلُوبِ الصِّبْيَانِ بَذْرَ الْفَسَادِ


المصدر:
إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#التربية
اقرأ أيضا
بكاء النبي صلى الله عليه وسلم | مرابط
تفريغات

بكاء النبي صلى الله عليه وسلم


عيون حمراء تختلف عن العيون الحمراء التي تسهر على الذنوب والمحرمات فهناك عيون حمراء تتعاطى المخدرات عيون حمراء تسهر في المعاكسات عيون حمراء بكت لفراق عشيقها أو محبوبها أو فراق صديقها عيون حمراء لكنها لم تبك لله عز وجل فلن نتكلم عن هذا كله في هذه الليلة لكن سوف نتكلم هذه الليلة عن عيون حمراء بكت لكنها بكت لله عز وجل بكت لكن ليس لأجل الدنيا سوف نتكلم عن أغلى بكاء على وجه هذه الأرض وأغلى من دمعت عينه فهي أغلى الدموع وأغلى البكاء إنه بكاء النبي عليه الصلاة والسلام

بقلم: نبيل العوضي
634
الرد على من قال بمساواة المرأة بالرجل | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

الرد على من قال بمساواة المرأة بالرجل


من الدعوات الهدامة التي انتشرت في بلادنا الإسلامية: دعوة المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء وكان ذلك نتاج تصاعد الموجة الليبرالية والنسوية والتي وصلت إلى بلادنا وتغلغلت في نفوس المسلمين وفي هذا المقتطف من كتاب حكم الجاهلية يرد الشيخ أحمد شاكر على هذه الدعوة

بقلم: أحمد شاكر
1212
بيان سنن الله في الكون | مرابط
تاريخ تفريغات

بيان سنن الله في الكون


هذا البيان الذي جاء من عند الله تعالى ببيان سننه وببيان المعادلة الواضحة بين الحق والباطل وبيان الفرق الشاسع بين أهل الجنة وأهل النار بيان أي: إيضاح يحتاج الناس إليه فهو علم من علم الله تعالى وهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك هذا بيان للناس.

بقلم: محمد الحسن الددو الشنقيطي
363
من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج1 | مرابط
فكر مقالات المرأة

من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج1


يعتبر الاختلاط بين الجنسين من أكثر المناطق الشائكة التي يصطدم فيها المنهج الإسلامي مع المنهج العلماني بين القبول والرفض بين الإباحة والمنع ونحن في هذا المقال نقف على عدد من التساؤلات والنقاط هل لفظ الاختلاط دخيل على الإسلام هل صحيح أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تعرف مسألة الاختلاط بين الرجال والنساء وهل فعلا المجتمع الغربي لا يعرف فكرة الفصل بين الجنسين وما هي ملامح أزمة الاختلاط في واقعنا المعاصر وغير ذلك من النقاط الهامة

بقلم: إبراهيم السكران
1319
الاستبدادان | مرابط
فكر مقالات

الاستبدادان


تجري كلمة الاستبداد على ألسنة كثير من الناس دون دراية بمضمونها أو مفهومها على وجهه الحقيقي حتى أن أحد هؤلاء قد يكون واقعا في معنى من معاني الاستبداد ولكنه لا يدري أو ربما يراه من أسمى معاني الحرية وفي هذا المقال يوضح لنا الكاتب معنى الاستبداد ومفهومه ويفرق لنا بين نوعين من أنواع الاستبداد

بقلم: إبراهيم السكران
2337
اتباع رخص المذاهب | مرابط
اقتباسات وقطوف

اتباع رخص المذاهب


مقتطف من كتاب الموافقات للإمام الشاطبي يعلق فيه على ما يفضي إليه تتبع رخص المذاهب وجمعها من فساد الدين والانسلاخ عن اتباع الأمر المنزل الثابت في الوحي بل وترك اتباع الدليل كلية والاكتفاء بالرخص والاستهانة في النهاية بأمر الدين كله

بقلم: الإمام الشاطبي
1929