من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج1

من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج1 | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

1246 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

مدخل:

 

بعد أزمة الاختلاط الكاوستي ظهر على السطح الإعلامي شريحتان كتبتا بغزارة مذهلة، في وقت قياسي، وبشكل يومي مكثف.

فأما الشريحة الأولى: فهي فريق من المنتسبين إلى (البحث الشرعي) كانت تردد وتعيد وتكرر بأن مفردة الاختلاط إنما هي (بدعة مصطلحية لا تعرف في كتب أهل العلم)، وقال بعضهم بأن (الاختلاط لفظ دخيل لا يعرف في التراث الإسلامي)، وقال آخرون بأن (الاختلاط لفظ معاصر لا تعرفه سائر المذاهب الفقهية الأربعة لأهل السنة) ، وذكر آخرون بأنه لا تعرف لفظة الاختلاط إلا في (خلط المالين في الزكاة) وقال آخرون بأنهم تتبعوا كتب التراث الإسلامي ولم يجدوا لفظة الاختلاط إلا في (اختلاط الراوي) في علم الجرح والتعديل، وتوسع بعضهم وقال إن لفظ الاختلاط لفظ "لاهوتي-كنسي" استورده الإسلاميون المعاصرون ولا ذكر له أصلًا عند علماء التراث الإسلامي.

وبنى هؤلاء على ذلك كله أنه لا داعي للحماس لاستنكار وشجب تدشين الاختلاط في جامعة (كاوست) باعتبار أن لفظ الاختلاط أصلًا ليس من ألفاظ المنكرات عند علماء الشريعة في سائر المذاهب السنية الأربعة.

وأما الشريحة الثانية: فهي فريق من المنتسبين إلى (البحث الفكري) أخذت تكرر وتعيد بأن الفصل بين الجنسين في التعليم نظام شاذ غريب غير مقبول كليًا في عالم اليوم، ولا تعترف الحضارة الغربية المعاصرة بهذا النظام العنصري، بل هو جزء من الماضي السحيق والتاريخ الغابر، وبنى هؤلاء على ذلك كله بأننا لو استمرينا على هذا النظام في التعليم فإننا سنقع في إحراجات سياسية دولية، وسنصبح مضحكة للمجتمع الغربي الذي لم يسمع بشيء اسمه الفصل بين الجنسين إلا في غرائبيات الميثولوجيا الدينية، وإلى متى نصادم العالم ونتقوقع داخل تقاليد يسخر منها عالم اليوم.

هاتان أطروحتان تم ضخهما وبكثافة طوال الأيام الماضية في الصحافة المحلية، وتم استكتاب الكثيرين للإدلاء بآراء فقهية أو فكرية تدور حول هذين المعنيين.. وفي هذه الورقة الموجزة سنحاول سويًا أن نفحص هذين السؤالين اللذين طرحهما هذان الفريقان:

السؤال الأول: هل فعلًا أن المذاهب الفقهية الأربعة لا تعرف لفظ "الاختلاط" بين الرجال والنساء؟
السؤال الثاني: هل فعلًا أن المجتمع الغربي المعاصر لا يعرف فكرة "التعليم غير المختلط"؟

 

الاختلاط في المذاهب الأربعة:

 

ثمة مرتبتان للاختلاط يدركهما ببساطة كل من تأمل هذا الموضوع، أولهما مرتبة (الاختلاط العارض) كالذي يكون في الطريق ونحوه، والثاني هو (اختلاط المجالسة) كالذي يكون في مجال التعليم والعمل، وهو الذي يترتب عليه رفع الكلفة، وانكسار الحواجز، والمضاحكة، وإلف كل من الطرفين للآخر، ونشوء العلاقات غير المشروعة.

فمن ذكر أن المذاهب الفقهية الأربعة تبيح جميع مراتب الاختلاط، أو أن فقهاء المذاهب السنية الأربعة لا يعرفون أصلًا لفظ الاختلاط، فهذا قد وضع نفسه في حرج علمي بالغ، لأن لفظ الاختلاط لم يرد بشكل نادر في كتب الفقه الإسلامي، بل ولم يرد في باب واحد فقط، وإنما هو كالأصل الفقهي المنبث في أبواب كثيرة بحيث يؤثر على كثير من الأحكام الشرعية، واستخراج معالجات الفقهاء لمنكر اختلاط الجنسين لا يحتاج لعبقرية فقهية أصلًا، وأشهر المواضع التي يعالج الفقهاء فيها موضوع "اختلاط الجنسين" هي:

باب صلاة الجماعة (مسألة مكث الرجال بقدر ما ينصرف النساء) وفي كتاب الجمعة (مسألة علة عدم وجوب الجمعة على النساء) وفي كتاب الجنائز (مسألة الدفن في القبور الفساقي) وفي كتاب الاعتكاف (مسألة صيانة المسجد عن الاختلاط) وفي كتاب الحج (مسألة علة منع التعريف) وفي كتاب الجهاد (مسألة علة منع خروج النساء للمباضعة، ومسألة شرط الذكورة في الإمامة الكبرى) وفي كتاب النكاح (مسألة محرمات الزفاف، ومسألة الفرق بين الحرة والأمة في مخالطة الرجال، ومسألة حبس المرأة زوجها بحقها) وفي كتاب القضاء (مسألة علة منع استقضاء المرأة، ومسألة اختلاط الجنسين في مجلس القضاء)، وفي باب الوصية (مسألة مبطلات الوصية) وفي كتاب الأدب (الذي يسمى كتاب الكراهية عند الحنفية) عالجوه في مسألة (حكم مخالطة من تعطلت غريزته للنساء)، وغيرها من المواضع.

وسنستعرض هاهنا بعض نماذج تلك المعالجات الفقهية التراثية:

 

موقف الفقه الحنفي:

 

يميز فقهاء المذاهب دومًا في مصادرهم الفقهية بين الكتب المحدِّدة للمعتمد في المذهب في مجالي (القضاء والفتيا)، والكتب المحدّدة للمعتمد في المذهب في مجال (التعليم الفقهي).

فأما في مجال (القضاء والفتيا) فإن المعتمد عند الحنفية ثلاثة كتب، رأسها وأهمها عندهم هو الكتاب المبكر "المبسوط للسرخسي"، ويكاد عندهم أن يكون قاعدة المذهب لأنه جمع خلاصة فقه متقدمي الحنفية، وفي هذا المصدر الحنفي الرئيسي يقول السرخسي رحمه الله: (في اختلاط النساء مع الرجال عند الزحمة؛ من الفتنة والقبح ما لا يخفى) (المبسوط،16/80)

ويقول أيضًا رحمه الله: (في اختلاطها – أي المرأة - بالرجال فتنة) (المبسوط، 4/111)

وأما في مجال (التعليم الفقهي) فإن أهم كتب الحنفية عندهم هي "الهداية للمرغيناني" وأشهر شروحها هو "فتح القدير" لابن الهمام، ويقول ابن الهمام في هذا الشرح: (المرأة إنما تخالط المرأة، لا الرجل الأجنبي) (فتح القدير، 5/222)

ولم يختلف فقهاء المذهب الحنفي في أصل تحريم "اختلاط الجنسين" وإنما اختلفوا في صورة معينة: وهي الرجل الذي تعطلت غريزته كليًا فهل له أن يخالط النساء أم لا ؟

ومع أنه في هذه الحالة قد يغلب انتفاء الفتنة إلا أن جمهور الحنفية منعوا ذلك أيضًا، ويلخص الامام السرخسي هذا الخلاف فيقول: (إن كان مجبوبًا قد جف ماؤه؛ فقد رخص بعض مشايخنا في حقه بالاختلاط بالنساء، لوقوع الأمن من الفتنة، والأصح أنه لا يحل له ذلك) (المبسوط، 10/158)

وأما في مجال (علم القواعد الفقهية) فإن أوسع كتب الحنفية في هذا الحقل هو كتاب "غمز عيون البصائر" للإمام الحموي الحنفي الذي شرح فيه كتاب "الأشباه والنظائر" للإمام ابن نجيم الحنفي، رحمهما الله، وفي هذا الكتاب القواعدي الحنفي يقول الإمام الحموي رحمه الله: ( قلت: وهو – أي الزفاف - حرام في زماننا، فضلا عن الكراهة، لأمور لا تخفى عليك، منها اختلاط النساء بالرجال) (غمز عيون البصائر، 2/114)

واستمر هذا الحكم الفقهي في تحريم "اختلاط الجنسين" حاضرًا في سائر كتب الفقه الحنفي الأخرى، حتى مجئ آخر أئمة الحنفية الموسوعيين وهو الإمام ابن عابدين رحمه الله، فزاد هذا الحكم الشرعي لتحريم اختلاط الجنسين تأكيدًا، حيث يقول في موسوعته رد المحتار: (ومما ترد به الشهادة الخروج لفرجة قدوم أمير، أي لما تشتمل عليه من المنكرات، ومن اختلاط النساء بالرجال) (رد المحتار، 6/355).

وما سبق هو مجرد نماذج فقط من معالجات الحنفية لموضوع الاختلاط، ويمكن للقارئ الفاضل أن يراجع المزيد من النصوص بنفس مفردة الاختلاط (لفظًا ومضمونًا) في مصادر الحنفية الأخرى مثل:
كتاب تبيين الحقائق للزيلعي (6/20) والبحر الرائق لابن نجيم (8/222) ومجمع الأنهر لشيخي زاده (2/540)، وغيرها من مصادر المذهب الحنفي الأخرى.

 

موقف المذهب المالكي:

 

محور المذهب المالكي - كما هو معروف - هو مختصر خليل، فهو الحلقة الرابعة في سلسلة الاختصار، فهو خلاصة مكثفة للمذهب، وقد بين الشيخ خليل في عبارته المركزة - كما هو معتاد في لغة المتون بشكل عام، ومختصر خليل بشكل خاص - منع الاختلاط في ثلاثة أمور (مجلس القضاء، ومجلس الفتيا، ومجلس العلم) حيث يقول رحمه الله: (ينبغي – أي للقاضي - أن يفرد وقتًا أو يومًا للنساء، كالمفتي والمدرس)

وحين جاء الشيخ عليش المالكي لتوضيح هذه الفقرة في مختصر خليل ذكر علة هذا الحكم، ثم نقل نقولًا عن أئمة المذهب المالكي حول الاختلاط، حيث يقول رحمه الله: (سترا لهن وحفظا من اختلاطهن بالرجال في مجلسه، [قال] سحنون: يعزل النساء على حدة والرجال على حدة . [وقال] أشهب: لا يقدم الرجال والنساء مختلطين. [وقال] ابن عبد الحكم: أحب إلي أن يفرد للنساء يوما. ويفرق بين الرجال والنساء في المجالس..، [وقال]المازري: إن كان الحكم بين رجل وامرأة أبعد عنها من لا خصام بينها وبينه من الرجال) (منح الجليل شرح مختصر خليل، 8/306 )

ويلي مختصر خليل في الذيوع والانتشار بين المالكية رسالة الإمام ابن أبي زيد القيرواني، وحين تعرض الإمام النفراوي المالكي في شرحه لهذه الرسالة لمسألة "مسقطات وجوب إجابة وليمة العرس" قال: (ثم شرع في بيان ما يسقط الإجابة بقوله..: "ولا منكر بيِّن" أي مشهور ظاهر، كاختلاط الرجال بالنساء) (الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، 2/322)

وأما علم "تفسير آيات الأحكام" فأشهر كتب المالكية فيها كتاب ابن العربي المالكي، ويقول فيه:(المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير) (أحكام القرآن، 3/483)

وحين تعرض الامام الدسوقي المالكي لباب مبطلات الوصية ذكر من مبطلاتها أن يوصي الموصي بعمل يتضمن "اختلاط الجنسين،" كما يقول رحمه الله: (أن يوصي بإقامة مولد على الوجه الذي يقع في هذه الأزمنة، من اختلاط النساء بالرجال، والنظر للمحرم، ونحو ذلك من المنكر) (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 4/427) )

أما الإمام ابن الحاج المالكي فقد اعتنى بشكل مكثف بكثرة إعلان التحذير من "اختلاط الجنسين" حتى أن جهوده في هذا الموضوع لفتت انتباه فقهاء المذاهب الأخرى، حتى قال الخطيب الشربيني الشافعي مشيرًا لذلك (خصوصا في هذا الزمان الذي كثر فيه اختلاط الأجانب من الرجال والنساء..، ولابن الحاج المالكي اعتناء زائد بالكلام على مثل هذا وأشباهه، باعتبار زمانه، فكيف له بزمان خرق فيه السياج) (الاقناع مع البجيرمي، 3/495)

وما سبق هو مجرد نماذج فقط من معالجات المالكية لموضوع الاختلاط، ويمكن للقارئ الفاضل أن يراجع المزيد من النصوص بنفس مفردة الاختلاط (لفظًا ومضمونًا) في مصادر المالكية الأخرى مثل:
مواهب الجليل، للحطاب (1/91) ، الكفاية مع حاشية العدوي (2،225) ، بلغة السالك، للصاوي (4/585)، وغيرها.

 

موقف المذهب الشافعي:

 

تكاد تكون أضخم موسوعة فقهية أنتجتها المدرسة الشافعية هي "الحاوي الكبير للماوردي"، وفي هذه الموسوعة يقول الماوردي رحمه الله: (والمرأة منهية عن الاختلاط بالرجال) (الحاوي الكبير، 2/51)

ولما تعرض الإمام النووي – ريحانة الشافعية - لظاهرة اختلاط النساء والرجال ليلة عرفة للدعاء والذكر أغلظ في تحريمها والتشنيع عليها، وذكر أن من علل تحريمها "اختلاط الجنسين" كما يقول رحمه الله في موسوعته "المجموع شرح المهذب": (ومن البدع القبيحة ما اعتاده بعض العوام في هذه الأزمان من إيقاد الشمع بجبل عرفة ليلة التاسع أو غيرها..، وهذه ضلالة فاحشة جمعوا فيها أنواعا من القبائح، منها: اختلاط النساء بالرجال، والشموع بينهم، ووجوههم بارزة، ويجب على ولي الأمر وكل مكلف تمكن من إزالة هذه البدع إنكارها) (المجموع، 8/140).

ومن المعروف أن المذهب الشافعي استقر على ما في كتاب المنهاج للنووي، وأجل شروحه عندهم هو شرح الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله، وإمامة ابن حجر الهيتمي للمذهب الشافعي لا جدال فيها، حتى أن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- لما ناظر بعض الشافعية في بعض مسائل الألوهية لفت انتباهه شدة تعظيم متأخري الشافعية لابن حجر الهيتمي (انظر مجموع الرسائل الشخصية للشيخ محمد) والمراد أن ابن حجر الهيتمي نص في هذا المصدر المركزي على تحريم اختلاط الجنسين فقال: (الاختلاط بالنساء مظنة الفساد) (تحفة المحتاج، 2/107)

بل إن الإمام ابن حجر الهيتمي لم يتحدث عن تحريم "اختلاط الجنسين" فقط، بل اعتنى بالتأكيد على أن تحريم اختلاط الجنسين هو مذهب متقدمي الشافعية أيضًا مستندًا على نصوص الإمام الشيرازي الشافعي صاحب المهذب، كما يقول ابن حجر الهيتمي في فتاواه: (وفي المهذب في باب صلاة الجمعة: "ولأنها ،أي المرأة، لا تختلط بالرجال، وذلك لا يجوز" فتأمله تجده صريحا في حرمة الاختلاط، وهو كذلك لأنه مظنة الفتنة، وبه يتأيد ما مر عن بعض المتأخرين) (فتاوى ابن حجر الهيتمي، 1/203)

وما سبق هو مجرد نماذج فقط من معالجات الشافعية لموضوع الاختلاط، ويمكن للقارئ الفاضل أن يراجع المزيد من النصوص بنفس مفردة الاختلاط (لفظًا ومضمونًا) في مصادر الشافعية الأخرى مثل: نهاية المحتاج للرملي (1/553) ، حاشيتا قليوبي وعميرة (2/144) ، حاشية الشبراملسي على النهاية (3/34) ، فتوحات الوهاب للجمل (2/206)، تحفة الحبيب للبجيرمي (2/226) ، وغيرها.

 

موقف المذهب الحنبلي:

 

أهم موسوعة فقهية مقارنة أنتجتها المدرسة الحنبلية هو بلا شك كتاب "المغني لابن قدامة" ويعرف كل من تابع تاريخ الفقه الإسلامي أنها تجاوزت الداخل المذهبي الحنبلي واكتسبت أهمية مرجعية عامة، حتى قال شيخ المقاصد العز بن عبد السلام الشافعي عبارته الشهيرة "ما طابت نفسي بالفتيا حتى صار عندي نسخة من المغني"، بل عدّهُ المتأخرون أحد الموسوعات الخمس التي تجمع علوم أهل الإسلام، وفي هذه الموسوعة الرصينة يقول الإمام ابن قدامة في تعليل وجوب انصراف النساء قبل الرجال: (فصلٌ: إذا كان مع الإمام رجال ونساء، فالمستحب أن يثبت هو والرجال بقدر ما يرى أنهن قد انصرفن..، ولأن الإخلال بذلك من أحدهما يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء) (المغني، 1/328)

وقال الإمام ابن قدامة أيضًا: (المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال) (المغني، 2/88)

وأضاف الإمام ابن تيمية الإشارة إلى آثار السلف في المباعدة بين الجنسين، حيث يقول رحمه الله: (وقد كان عمر بن الخطاب يأمر العزاب أن لا تسكن بين المتأهلين، وأن لا يسكن المتأهل بين العزاب، وهكذا فعل المهاجرون لما قدموا المدينة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ونفوا شابا خافوا الفتنة به من المدينة إلى البصرة) (الفتاوى، 34/181)

وأما الإمام ابن القيم - رحمه الله - فلم يكتف ببيان "تحريم الاختلاط" شرعًا كما ذكره غيره من الفقهاء، بل عقد له فصلًا خاصًا في كتابه المعروف "الطرق الحكمية" صدّره بقوله: (فصلٌ: ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال) (الطرق الحكمية، 237).

ثم شرح الإمام ابن القيم مخاطر الاختلاط معززًا ذلك بآثار عن السلف كعمر بن الخطاب والامام مالك والامام أحمد وغيرهم.

واستمر تأكيد ابن القيم على تحريم الاختلاط في كتابه الآخر "إعلام الموقعين" وهو الكتاب الذي برزت فيه روحه الأصولية ورهافة ذوقه الفقهي، وبالمناسبة فهذا الكتاب من أميز الكتب التراثية في التدريب العملي على مهارات "تحليل علل الأحكام"، حيث يقول رحمه الله فيه: (النساء لسن من أهل البروز ومخالطة الرجال) (إعلام الموقعين، 2/114)

وأما المصادر التي تعين المعتمد في المذهب الحنبلي في مجال (القضاء والفتيا) فهما كتابي "شرح منتهى الإرادات" و "كشاف القناع"، وهما الكتابان المعتمدان تاريخيًا في القضاء الشرعي السعودي، وقد كان صدر باعتمادهما في القضاء الشرعي عدة قرارات رسمية، وفي هذا الكتاب - أعني "كشاف القناع"- يقول البهوتي رحمه الله: (ويمنع فيه اختلاط الرجال والنساء، لما يلزم عليه من المفاسد) (كشاف القناع، 2/367)

وأما في علم (الآداب الشرعية) فإن من أوسع كتب الحنابلة فيها كتاب الإمام السفاريني الحنبلي "غذاء الألباب"، والذي شرح فيه منظومة الآداب الشهيرة لابن عبدالقوي، وفي هذا الكتاب يقول الإمام السفاريني رحمه الله: (والمحمود من الغيرة صون المرأة عن اختلاطها بالرجال) (غذاء الألباب، 2/400).

 

موقف الفقهاء المستقلين:

 

ثمة فقهاء آخرون لم يتمذهبوا ابتداءً بأحد المذاهب السنية الأربعة، ثم كان لهم وزن علمي داخل البحث الفقهي السني، ونأخذ نموذجًا لذلك العلامة المتفنن الشوكاني رحمه الله - الذي كتب أوسع شرح لأحاديث الأحكام المعروف بـ"نيل الأوطار"، وفي هذا الكتاب يقول الشوكاني رحمه الله: (في الحديث – أيضًا - تمييز مجلس النساء إذا حضرن مجامع الرجال، لأن الاختلاط ربما كان سببا للفتنة الناشئة عن النظر أو غيره) (نيل الأوطار، 3/ 362).

ولايمكن الإطالة بأكثر من هذه النماذج من المعالجات الفقهية، والمراد منها الإجابة على السؤال الأول الذي طرحه الفريق المنسوب إلى (البحث الشرعي) والمتعلق بإشكالية: هل تعرف المذاهب السنية الأربعة لفظ الاختلاط؟

وننتقل الآن إلى السؤال الثاني الذي طرحه بعض المنسوبين إلى (البحث الفكري) المتعلق بإشكالية أن الاختلاط نظام مرفوض جذريًا في الحضارة الغربية المعاصرة، ولايمكن أن يستوعب العقل الغربي المعاصر فكرة الفصل بين الجنسين في التعليم، مما سيسبب لنا حرجًا سياسيًا ودبلوماسيًا.

 


 

المصدر:

http://saaid.net/female/0160.htm

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الاختلاط
اقرأ أيضا
المجتمع المشهدي والاستهلاك | مرابط
فكر

المجتمع المشهدي والاستهلاك


وبتحويل العلاقات الإنسانية إلى أشياء فأصبح من الممكن للمنظومة عرض هذه الأشياء كسلع وهذا ما أدى بدوره إلى زيادة معدل الاستهلاك لهذه السلع لا من أجل ما تحويه هذه السلع من منافع بل من أجل الاستعراض بغية إثبات الوجود والحصول على الاهتمام المرجو من المجتمع.

بقلم: محمد علي فرح
738
عجز العقل عن إدراك الحقائق كاملة | مرابط
تفريغات

عجز العقل عن إدراك الحقائق كاملة


الفكر الإنساني لا يستطيع أن يقيم من خلال هذا الركام الهائل من التصورات والأفكار والعقائد التي يموج بها تأريخ الإنسان وواقعه أصولا توقفه على اليقين المنافي للشك والقضايا التي يريد أن يصل فيها إلى اليقين لا يدخل كثير منها في المجال الذي يحسن العقل الإنساني النظر فيه.

بقلم: عمر الأشقر
539
بكم الجاكيت؟ | مرابط
فكر

بكم الجاكيت؟


من يتأمل في كثير من أحوالنا يجد أننا نمارس حيلة الجاكيت الغالي ولكن بمستويات مختلفة نعلم أن الحق في المسألة كذا ولكنه يحتاج ثمنا لا نريد دفعه فنتظاهر بالحيرة بين أقوال الفقهاء ثم ننسحب إلى أهوائنا.

بقلم: بدر آل مرعي
253
إشكالية المثلية الجنسية لدى الذكور | مرابط
الجندرية

إشكالية المثلية الجنسية لدى الذكور


السحاقيات أقل إخلاصا لشريكاتهن من السيدات المغايرات جنسيا.. الاختلاطات الجنسية كما ذكرنا في العديد من الدراسات تظهر وجود الاختلاطية الجنسية والاتصال الجنسي مع مجهولين هذا جزء من الثقافة العلاقات قصيرة الأمد عدم التوافق الطبيعي.

بقلم: د. جوزيف نيكولوسي
721
عبقرية اللغة العربية | مرابط
لسانيات

عبقرية اللغة العربية


يحضرني عبقرية الفقهاء قديما في اختيار مصطلحاتهم في الفقه وفي العلوم..كيف ربطوا من خلالها بين العلم والدين ببراعة شديدة؟! وكيف وسعت العربية الفذة هذا الأمر؟! تأمل مثلا استعمالهم لفظ المكلف للتعبير عن المخاطب في الكلام.. فأي فعل لا ينفك عنه معنى الافتقار والعبودية.. يمكن أن تفهم ذلك أكثر من ملاحظة استعمال القانون مثلا للفظ العاقل للتعبير عن المخاطب.

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
265
فقه الواقع: بين النسوية والدعاة | مرابط
النسوية

فقه الواقع: بين النسوية والدعاة


المرأة اليوم متأثرة كما الرجل بمحدثات الثقافة الغالبة وغالبا لن تجد امرأة إلا وهي متأثرة بفكرة المساواة مع الرجل إلى حد ما أو فكرة الاستحقاقية بحيث ترى أن أعظم شيء تمتلكه هو كونها امرأة وفكرة المظلومية فتجدها محملة بالعديد من الأفكار المسبقة وتعتبرها مسلمات ونظرا لأنها تحب الدين فهي تحاول أن تجد نقطة اتصال بين تلك الأفكار والشرع وهنا يأتي دور الداعية الذي لا ينتبه لمداخل العصر ولا لأمراض الناس النفسية فلا يستطيع أن يعالج مشاكل الناس بشكل جذري بسببها هذا إن كان يفهمها أصلا.

بقلم: أسامة لعايض
391