قد يغيبُ عن كثيرٍ من الناس ثمراتُ العقيدة في قلبه وأثرُ أركان الإيمان في حياته..
والحقيقة أنَّ من خالط الإيمانُ بشاشةَ قلبه فإنه سوف يجني أولى ثمرات إيمانه في الدنيا بتذوق طعم الحياة بنكهةٍ مختلفة، لأنَّ نظرته للأشياء من حوله ستكون أكثر شمولا للزمان والمكان والأحوال، فينشأ عن ذلك طمأنينةُ النفس، وسكينةُ القلب، وهدأةُ البال، فلا يجزع عند البلاء مع الجازعين، ولا يتسخَّط عند المصيبة مع المتسخِّطين، لأنَّه موقِنٌ أنَّ ما أصابه لم يكن ليُخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبَه، فما كتب له من خيرٍ ونعمةٍ أو كُتب عليه من شرٍّ ونقمة، لم يكن ليتجاوزَه إلى غيره، وما لم يُكتب له في مقاديره لن يصيبه ولو اجتمعت له قوى الأرض أجمع.
وهذه الطمأنينة التي يتحلَّى بها المؤمنُ حقًّا ويمتاز بها عن غير المؤمن لا تتعارض مع الخوف الطبيعي الذي جعله الله غريزةً في النفس البشرية لكي يدفع به عنها كلَّ ضرر محتمَل، قال ربُّنا الجليلُ عن نبيه الخليل عليه السلام: (فأوجس منهم خيفة)، وقال عن نبيه موسى عليه السلام:(فأصبح في المدينة خائفًا يترقَّب)!
فلولا الخوفُ لاقتحمَ الناس المخاطر، ولم يحذروا من الشرور!! فالشرع الربانيُّ المتوازنُ راعى مصلحة حفظ النفوس وأمر بأخذ الحيطة والحذر، فقال جلَّ في علاه:(يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم)، ونهى عن إلقائها في المهالك، فقال: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
فلا يجوز أن يتستهتر المؤمن بالمخاطر بدعوى التسليم للأقدار، فإنها حيلةُ العاجز، لأنَّ العبد يفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، ويُنازع القدر بالقدر.. ورحم الله الجيلانيَّ إذ قال: نازعتُ أقدارَ الحقِّ بالحقِّ للحقِّ