تفريق الرسول بين اختلاط المكث والاختلاط العارض

تفريق الرسول بين اختلاط المكث والاختلاط العارض | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

526 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

قارن مثلًا بين (الصلاة والطواف) ففي الطواف لأنه يأخذ زمنًا يسيرًا عابرًا رخص لهم النبي في الطواف في وقت واحد مع كون النساء حجرة، أو من وراء الرجال، أو متنكرات في الليل فإذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال، وهذه الصور كلها دل عليها حديثي عائشة وأم سلمة في صحيح البخاري في (باب طواف النساء مع الرجال) [البخاري، 1618،1619].

ولكن في (الصلاة) لأنها تأخذ زمنًا دوريًا متكررًا، وليست أمرًا عابرًا، فإن النبي لم يرخص لهم في الاختلاط، بل وضع للرجال مصلى، وللنساء مصلى مستقل عنهم، وكان ينتظر هو وأصحابه حتى ينصرف النساء، كما في صحيح البخاري (عن أم سلمة قالت: كان رسول الله إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم. قال ابن شهاب: نرى -والله أعلم- أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال) [البخاري، 870] ولم يكتف بذلك، بل جعل "شر صفوف النساء أولها" لأنها أقرب إلى الرجال، برغم أن المصليات مستقلة!

فمن تأمل تصرف النبي –صلى الله عليه وسلم- في التفريق والتمييز بين (اختلاط المطاف واختلاط المصلى) وكيف تسامح في أحدهما وتحفظ في الآخر، علم علمًا قطعيًا لاينفك عنه أن النبي قاصد إلى التمييز بين هذه الصور، وعدم وضعها موضعًا واحدًا. وبالتالي فالاختلاط الذي يأخذ زمنًا دوريًا متكررًا لايجوز أن يقاس على الاختلاط العابر الذي يأخذ زمنًا يسيرًا عارضًا.

حسنًا ، لنتأمل -أيضًا- صورًا أخرى من صور الاختلاط التي ميز النبي بينها، ودعنا يا أخي الكريم نقارن بين (الفتيا ومجلس العلم)، ففي الفتيا، لأنها مسألة واحدة في زمن يسير عابر، كانت المرأة تأتي وتسأل النبي حتى لو كان حوله رجال، لأنه اختلاط عارض في زمن يسير عابر، ومن ذلك أن تميمة بنت وهب امرأة رفاعة القرظي جاءت تستفتي النبي في أمر طلاقها وفي المجلس أصحاب النبي كأبي بكر وخالد بن سعيد بن العاص، حتى كان خالد بن سعيد بن العاص متضايقًا من صراحتها في سؤالها، والقصة بتفصيلها في الصحيحين [البخاري 5265، مسلم 3600].

ولكن في مجلس العلم بسبب أنه اختلاط مكث ومجالسة ويأخذ زمنًا يحصل به رفع الكلفة وإلف كل من الطرفين للآخر، فإن النبي لم يأذن للنساء أن يختلطن بالرجال، بل فصل بينهم، ووضع لكل منهم مجلسًا مستقلًا، كما في حديث أبي سعيد الخدري في الصحيح قال (قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك. فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن) [البخاري، 101].

فقول النساء للنبي -صلى الله عليه وسلم- "غلبنا عليك الرجال" دليل ظاهر في كون النبي لم يرخص للنساء أن يأتين ويختلطن بالرجال في مجالس العلم التي يعقدها النبي لأصحابه، وقوله "فوعدهن يومًا" دليل آخر على تخصيص النبي لهن مجلس علم مستقلًا عن الرجال.

فإذا تأمل الباحث الصادق تفريق النبي بين (اختلاط الفتيا، واختلاط مجلس العلم) وكيف تسامح في أحدهما ولم يتسامح في الآخر، علم علمًا قطعيًا أن النبي لم يجعل الاختلاط العارض كاختلاط المكث والمجالسة.

والمراد أن (الطواف والصلاة) شريعتان من جنس واحد، حتى قال ابن عباس كما في السنن (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) ، ومع ذلك فإن النبي فرق في حكم الاختلاط بينهما. و (الفتيا ومجلس العلم) شريعتان من جنس واحد، فما مجلس العلم إلا مجموع فتاوى، ومع ذلك فرق النبي في أحكام الاختلاط بينهما.

وكذلك -أيضًا- إذا أراد الباحث التوسع في هذه المقارنات فليقارن تصرف النبي إزاء الشؤون الاجتماعية في المدينة، وليقارن –مثلًا- بين طرقات المدينة وأسواقها التي يكون مرور المرأة فيها عابرًا، وكيف رخص النبي لهن في سلوكها، وبين الولائم والزفاف وكيف كان النساء في دار والرجال في دار أخرى.

فمن تأمل تمييز النبي في الاختلاط في هذه الصور استبان له مراد الشارع، وعدم وضع هذه الصور موضعًا واحدًا، وبالتالي بطلان قياس الاختلاطيين في قياسهم اختلاط المكث على الاختلاط العارض، وإهدارهم مراعاة الزمن وقوة الإفضاء إلى الفتنة.


المصدر:
مقال أقيسة الاختلاطيين

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الاختلاط
اقرأ أيضا
الطفل والأفكار | مرابط
مقالات ثقافة

الطفل والأفكار


وفي المجتمع الذي يدور فيه عالم الأفكار حول محور الأشياء تأخذ الميول الفردية الوجهة ذاتها. ولقد حدث أن سألت طفلا في إحدى البلاد العربية عما كانوا يعطونه في المدرسة ولم ركن استعمالي فعل أعطى متعمدا لكن جوابه العفوي كان ذا دلالة ظاهرة فقد أجابني: إنهم يعطوننا بسكويت. ومن الواضح أن معنى أعطى عنده يتمفصل بادئ الأمر بعالم الأشياء حتى حينما يستعمل الفعل في الإطار المدرسي في صيغة سؤال. وهكذا فالفرد يدفع ضريبة عن اندماجه الاجتماعي إلى الطبيعة وإلى المجتمع.

بقلم: مالك بن نبي
455
الروح الدينية والعصبية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الروح الدينية والعصبية


وفإنك لتجد المسلمين يختلفون في كل شيء حتى في الدين نفسه ولا تجدهم إلا شعورا واحدا بالروح الدينية العربية التي مساكها الكتاب والسنة في عربيتهما الفصيحة وهي لا سبيل إلى التغيير أو التبديل فيها لا على وجه التمصير ولا على وجه آخر وسواء أكان في ذلك إصلاح بين العامية والفصحى أو لم يكن

بقلم: مصطفى صادق الرافعي
651
الجنة قريبة ممن عمل | مرابط
مقالات

الجنة قريبة ممن عمل


يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قولك: الحمد لله تملأ الميزان. وهو ميزان يوم القيامة الذي ستقف عنده يوم الحساب تزن حسناتك وسيئاتك وتجادل عنده وربما ستفتش عن كلمة واحدة تثقل بها كفة الحسنات لتنجو!

بقلم: خالد بهاء الدين
410
من آثار بر الوالدين | مرابط
تفريغات

من آثار بر الوالدين


بر الوالدين من أعظم الأسباب التي توجب الرحمة من الله في تيسير الأمور والعكس بالعكس فإن العاق ما حضر مكانا إلا كان شؤما على أهله حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم فكيف بالذي عق والديه

بقلم: محمد مختار الشنقيطي
448
شهادة أهل العصبية | مرابط
اقتباسات وقطوف

شهادة أهل العصبية


الناس كلهم عباد الله تعالى لا يخرج أحد منهم من عبوديته وأحقهم بالمحبة أطوعهم له وأحقهم من أهل طاعته بالفضيلة أنفعهم لجماعة المسلمين من إمام عدل أو عالم مجتهد أو معين لعامتهم وخاصتهم وذلك أن طاعة هؤلاء طاعة عامة كثيرة فكثير الطاعة خير من قليلها وقد جمع الله تعالى الناس بالإسلام ونسبهم إليه فهو أشرف أنسابهم.

بقلم: الإمام الشافعي
398
المجتمع المشهدي والاستهلاك | مرابط
فكر

المجتمع المشهدي والاستهلاك


وبتحويل العلاقات الإنسانية إلى أشياء فأصبح من الممكن للمنظومة عرض هذه الأشياء كسلع وهذا ما أدى بدوره إلى زيادة معدل الاستهلاك لهذه السلع لا من أجل ما تحويه هذه السلع من منافع بل من أجل الاستعراض بغية إثبات الوجود والحصول على الاهتمام المرجو من المجتمع.

بقلم: محمد علي فرح
892