المجتمع المشهدي والاستهلاك

المجتمع المشهدي والاستهلاك | مرابط

الكاتب: محمد علي فرح

721 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن كل تطور حدث في شكل المجتمع المعاصر مرتبط إلى حد بعيد جدا بما قبله، وتستطيع القول: إن كل أطروحة خاصة بنقد المجتمع -غالبا- مكملة لما قبلها من أطروحات؛ لذلك علينا الرجوع إلى ما ناقشه «أدورنو» واماركوزه: أن كل ما يرتبط بعلاقة الإنسان بنفسه وبما حوله قامت المنظومة بتشيئه.

 

وبتحويل العلاقات الإنسانية إلى أشياء، فأصبح من الممكن للمنظومة عرض هذه الأشياء كسلع، وهذا ما أدى بدوره إلى زيادة معدل الاستهلاك لهذه السلع، لا من أجل ما تحويه هذه السلع من منافع، بل من أجل الاستعراض بغية إثبات الوجود، والحصول على الاهتمام المرجو من المجتمع.

 

فما قامت به المنظومة هو عرض السلع بصورة تكون أشد ارتباطا بعلاقات الأفراد ببعضهم، أكثر من ارتباطها بالنفع المتحقق من السلع، لا لشيء إلا لفرض هيمنة السلعة بمفهومها  "الفتشي" على الإنسان، فلا يستطيع أن يتصور علاقته بمن حوله إلا من خلال ما يملكه، فيتحوّل الأمر من امتلاك الإنسان للشيء إلى امتلاك الشيء للإنسان.

 

فبالفعل أصبح مالك السيارة مملوكا لها، وصاحب البدلة الفخمة مملوكا لها، وصاحب الشقة في الحي الراقي، والهاتف المتطور..، إلخ مملوكا لأشيائه لا مالكا لها؛ لأنه -وببساطة شديدة- لن يكون لوجوده معنى بغير وجود أشيائه.

 

وكما رأينا أن السلع تطورت لتسيطر على كل ما في الحياة، فالفكر والثقافة والموسيقى والرياضة، وحتى الواعظين الدينيين، تحولوا إلى أشياء يتم عرضها كالسلع تماما، تستطيع أن تقوم باستإجارها، أو حتى أن تتملكها، وتقوم بتزيينها وبيعها، وهذا لا يخفى، فالصوت الجميل مثلا له سعر تحدده مواصفات المغني، من وسامة، وشكل للجسم، وأداء معين، والخطبة الدينية لها سعر هي الأخرى يحدده درجة تأثير الخطيب وأداؤه، ولاعب الكرة..، إلخ، حتى الصحافة تنشر أخبارها على حسب ما يرضي ذوق القراء، ﻷنه كلما زاد عددهم؛ زاد عدد الشركات المنتجة التي تقوم بدفع أموال للجريدة أو المجلة لنشر إعلاناتها، فتحوّلت الأخبار أو الأفكار المعروضة إلى شيء في شكل سلعة، بل حتى القارئ تحوّل بالنسبة للجريدة إلى شيء كُلّما زاد عدده زاد ربح الجريدة، فلا الإنسان يُشكل للجريدة عقل قارئ متأمل، ولا الخبر يشكل للقارئ عمقًا معرفيًا.

 

حتى الجغرافية تقوم الشركات السياحية بتسليعها، فهذه البلد -مصر- فيها معابد وبحار ونهر النيل ومسارح، فأما سعر مشاهدة المعبد كذا، وسعر رحلة في النيل كذا، فتبيع الشركة السياحيّة شيئًا والزائر يشتري.

 

وبما أن كل شيء في العالم قد تشيًأ؛ فإن ديبور يقول عن رؤيته للمجتمع المشهدي/الاستعراضي: إنها رؤية عن العالم قد تعرض للتشيؤ، يرى ديبور أن المجتمع الذي يقوم على الاستهلاك والاستعراض ليس وليدًا للصدفة، بل إنه مشهدي في الأساس، أو إنه التطور الذي لا بد منه لهذا المجتمع.

 

ويرى أن الارتباط بين المشهد والسلعة ارتباط عميق، فالمشهد يستعبد البشر الأحياء لصالحه، كما يستعبدهم النظام الاقتصادي، فالمشهد ما هو إلا الانعكاس الحقيقي لإنتاج الأشياء.

 


 

المصدر:

محمد علي فرح، صناعة الواقع: الإعلام وضبط المجتمع، ص180

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الاستهلاكية #التشيؤ
اقرأ أيضا
ما هي البصمة التي تركتها فاطمة بنت الرسول؟ | مرابط
مقالات النسوية

ما هي البصمة التي تركتها فاطمة بنت الرسول؟


السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها لا يوجد لها حضور في خطاب النسويات المحجبات لأنها لا تخدم أهدافهن ولا يوجد في حياتها ما يؤيد شعاراتهن إلا قصة رفضها رضي الله عنها زواج زوجها عليها وليس لهن في موقفها حجة كما هو مبين عند أهل العلم. وهذا ما يحمل المسلمة اللبيبة اليوم على عدم الاغترار بهؤلاء المفسدات بشعارات إسلامية!!

بقلم: نور الدين قوطيط
477
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج2 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج2


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
690
بين مسالك الحق والباطل | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين مسالك الحق والباطل


ويوجد من الناس من يؤمن بالحق ظاهرا ﻷنه أول شيء معلوم وارد إليه أو ﻷنه أقوى ظهورا وصوتا من الباطل فإذا أصبح الباطل أقوى صولة وظهورا ينقلب وينتكس إلى الباطل فيظن أنه انتقل من باطل باطن إلى حق باطن والصواب أنه اغتر بالصور المحسنة والمقبحة فانتقل من ظاهر ضعيف إلى ظاهر قوي ولم يهتم بالحقائق ويدقق فيها

بقلم: عبد العزيز الطريفي
284
إبطال شبهات الدارونية | مرابط
فكر مقالات

إبطال شبهات الدارونية


للناس في كيفية نشأة الحياة مذهبان مذهب يرى ويؤمن بالخلق المباشر بمعنى أن الله خلق الكون وسائر الحيوان بقوله: كن فكان ما أراد سبحانه وعلى هذا المذهب علماء الأديان وأكثر علماء الطبيعة وذهب آخرون إلى أن نشوء الحياة في سائر الحيوان كان عن طريق النشوء البطيء وتحول أنواع وظهور أنواع جديدة وكان من أشهر القائلين بهذا الرأي العالم الفرنسي لامارك وظل هذا المذهب ضعيفا لا يقوى على الوقوف أمام مذهب أهل الأديان إلى أن جاء دارون فدفع مذهب التحول دفعة قوية للأمام عندما وضع سنة 1859م كتابه في أصل الأنواع بط...

بقلم: إسلام ويب
1073
علاقة علم النحو بعلوم الشريعة | مرابط
لسانيات

علاقة علم النحو بعلوم الشريعة


ولو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن وفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولو سقط لسقط الإسلام فمن طلب النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك وليفهم بهما كلام الله تعالى وكلام نبيه وليفهمه غيره فهذا له أجر عظيم ومرتبة عالية لا يجب التقصير عنها لأحد.

بقلم: ابن حزم
212
من أخلاق الكبار: ابن تيمية | مرابط
تفريغات

من أخلاق الكبار: ابن تيمية


مات ابن مخلوف في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فعلم بذلك تلميذه ابن القيم تلميذ شيخ الإسلام فجاء يهرول إلى شيخ الإسلام يبشره بموت أكبر أعدائه وألد أعدائه وهو ابن مخلوف يقول له: أبشر قد مات ابن مخلوف فماذا صنع شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله؟ هل سجد سجدة الشكر وقال: الحمد الله الذي خلص المسلمين من شره؟ لم يقل ذلك وما قال كما يقول بعضنا: حصاة ألقيت عن طريق المسلمين مستريح ومستراح منه لم يقل شيئا من ذلك بل يقول ابن القيم: فنهرني وتنكر لي واسترجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ثم ق...

بقلم: خالد السبت
1152