الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية

الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية | مرابط

الكاتب: د سامي عامري

774 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ما إلحاد القرنين العشرين والواحد والعشرين؟

إنه ذاك الصّراخ الصّاحب والحَفد السريع لإثبات أن الإنسان بهيمةٌ من البهائم لاتَفْضْل النعاج والسباع بشيء، وإن تميّرَت عنها جينيا، كتميّز القطّط عن الضّفَادع، والكلاب عن القنافد، والقرود عن التُعالب. وليس في ذلك التمايز فاضل ومفضول، ولا حَسَنٌ ومقبوحٌ؛ لأنّ هذا الاختلاف كمي لا تَعلّق له بالفضائل القيميّة؛ فهو لا يرفع الخير فوق الشرّ ولا يَسْتَحْسِن الحقٌّ دون الباطل. وقد ألغى الإلحادٌ -بذلك- الفارق بين الوحشيّة والأخلاق المدنيّة، والعقل والجنون..

لقد ترك الملاحدة للداروينتة صياغة صورة حقيقة الإنسان وصناعة مراحل تاريخه؛ وهو أمر يَظهَر بوضوح في جميع أدبياتهم عند مناقشة قضايا نظريّة المعرفة والقيم، ومعنى الحياة. والفكاك عن ذلك -إلحاديًا- مُحالٌ؛ لأنّ رفض الداروينية أو أيّ صورة أخرى من صور التطوّر العشوائي للكائنات الحيّة؛ حُجَة للتدخل فوق الطبيعي (=الإلهيّ) في هذا العالم، وذاك ما يرفضه الملاحدة قاطبة؛ فإنّ العلم قد أثبت أن مستوى تعقيد الكائنات الحيّة بالغ جدًّا، لا يمكن تفسيره بالنُشُوء العفويّ اللّحظيّ؛ ولذلك يَفِر الملاحدةٌ إلى الخلْقِ العشوائي التّدَرّجِيَ البطيء جدًا من البسيط إلى المعقّد.

لقد أَسَقَطَ الإلحاد الإنسان المؤمن بالداروينية من عز التكريم الإلهيّ إلى درَكِ الحيوانية بعد أن سَلَبَهُ فضيلتين، أولاهما: أن الكون مسخر له؛ وقد خلق الحيوان والنبات لأجله، وله أن يأخذ منهما لتحقيق بقائه ما شاء ضمن حدود تضبطها الشرائع السّماوية. وثانيهما: أنه مخلوق بزينة العقل؛ فهو بعقله يرتقى فوق جميع الحيوانات ليكون الكائن الأرضيّ الوحيد المخلوق لينحت طريقَهُ في الحياة عن إرادة حُرَّةٍ ووّعي لا عن غريزة جبرية قاهرة..

لقد أضحى الإنسان -في الرؤية الالحاديّة- جزْءًا من الطبيعة، لا يَفضل غيرَهُ بشيء؛ فكلٌ الأحياء على الأرض أثرٌ لأخطاء النَّسخ في الشّريط الصَبغيّ داخل الخلية، فلا تمايز ولا تَفَاضُلَّ ولا قيمة ترفع وتخفض... كل العالم المادي الحيّ طفيلي على الأرض، لم يُسْتَدْعَ وجوده، وإِنّما تسلّل عن طريق الحركة العمياء للتّناسخ الحيويّ.

إن الطبيعة التي تحيط به لم تُخلقْ له -كما هو مُعْتَقَدُ المؤمنين بالقرآن-، وإنّما تطوّرَ الإنسانٌ ليوافق بناء الطبيعة. وإن كان لأحدهما فضْلٌ؛ فَليكُنْ هو فضل الطبيعة التي
أنشأته وأَخْضَعَته لها ضمن سنّة الانتتخاب الطبيعي.

 


 

المصدر:

د. سامي عامري، الإلحاد في مواجهة نفسه، ص35

 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإلحاد
اقرأ أيضا
موقف الصحابة من الصحابي معاوية بن أبي سفيان ج2 | مرابط
فكر مقالات

موقف الصحابة من الصحابي معاوية بن أبي سفيان ج2


في هذا المقال تأصيل هام لموقف الصحابة رضوان الله عليهم من الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه نظرا لكثرة الشبهات والأباطيل التي أثيرت حول هذا الموضوع وكثرة الأخبار الباطلة والمزعومة التي يوردها البعض عن الصحابة وأهل العلم ولا تخلو من لبس وإشكال ولذلك يقف بنا الكاتب الدكتور سلطان العميري على حقيقة الأمر

بقلم: د سلطان العميري
4978
الرد على المفوضة الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الرد على المفوضة الجزء الأول


وردت الكثير من الشبه حول مسألة التفويض في آيات الصفات ونسبتها إلى أهل السنة وعقيدة السلف في هذه ذلك هو الإيمان بالمعنى وتفويض الكيف أما المعطلة فيظهر فساد مذهبهم في ذلك وتأثرهم بعلم المنطق وبين يديكم تفريغ لمحاضرة للشيخ الألباني يرد فيه على المفوضة وعلى من نسب عقيدتهم إلى السلف

بقلم: الشيخ الألباني
1068
بين المتقدمين والمتأخرين | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين المتقدمين والمتأخرين


وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله! ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين

بقلم: ابن رجب
695
ثقلاء على شفير البرزخ | مرابط
فكر مقالات

ثقلاء على شفير البرزخ


من المظاهر الأليمة التي بدت ملحوظة بعض الشيء هذه الأيام أن ترى الشخص يتبع الجنازة من أقاربه أو معارفه ويقف في زحام الناس في المقبرة أو متجافيا على مرمى خطوات يطل عليهم ثم يتجاذب مع صاحب له تعليقات الدعابة والهزل بل ربما استدعى من ذاكرته نوادر يتفكه بها طبع كلما رأيت هذا المشهد السمج انهمر على ذاكرتي حديث علي بن أبي طالب أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم- في جنازة فقعد وقعدوا حوله ونكس النبي صلى الله عليه وسلم- وقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة

بقلم: إبراهيم السكران
1017
سلطة الغموض | مرابط
فكر مقالات

سلطة الغموض


هذا مقتطف من كتاب مآلات الخطاب المدني بعنوان: سلطة الغموض والكتاب من تأليف إبراهيم السكران ويتحدث عن أن كثيرا من الشباب المنبهر بأطروحات غلاة المدنية إذا دخلت معه في حوار حول أعماق قناعاته اكتشفت أنه مأخوذ بلغة الخطاب وغموضه المبهر أكثر من حقائقه وبرهنته وسلطة الغموض على شريحة من القراء هي في الحقيقة ظاهرة معرفية قديمة لا يمكن إنكارها

بقلم: إبراهيم السكران
1362
هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته؟


قالوا: النص القرآني تعرض للتغيير والتحريف الذي طرأ عليه بسبب خطأ الرواة والنساخ واستدلوا لذلك بما روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ أفلم يتبين للذين آمنوا فقيل له: إنها أفلم ييأس الذين آمنوا الرعد: ٣١ فقال: إني أرى الكاتب كتبها وهو ناعس.. وبين يديكم رد على هذه الشبهة بقلم الدكتور منقذ السقار.

بقلم: منقذ السقار
1264