الإنسان الغربي.. وحالة فقدان المعنى واليقين

الإنسان الغربي.. وحالة فقدان المعنى واليقين | مرابط

الكاتب: عبد الوهاب المسيري

311 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

المجتمعات الغربية مجتمعات فقدت المعنى، ومن قبل فقدت الميتافيزيقا وأي يقين معرفي، فسقف الإنسان هو السقف المادي. والهدف من العالم المادي هو الاستهلاك ومزيد الاستهلاك، ومن الواضح أن الاستهلاك لا يصلح أن يكون هدفا في الحياة الإنسانية، لأن الإنسان كائن مركب نبيل يحتاج إلى شيء آخر غير هذا السقف المادي. ومع غياب المعنى تغيب مقدرة الإنسان على الحب، لأن الإنسان لا يمكن أن يحب الآخر إلا إذا كان هناك معنى لحياته وهدف لها ورؤية للمستقبل ورغبة في التواصل مع الآخر ومشاركته. والعالم المادي عالم متغير، في صيرورة مستمرة، ولذا لا يمكنه أن يزود الإنسان بأي يقين. في غياب المعنى واليقين لا يمكن أن نحب، يمكن أن تشتهى الآخر أو تصارعه أو تفترسه.

وأعتقد أن الممارسات الجنسية المتطرفة هذه هي في جوهرها بحث عن المعنى في عالم لا معنى له، بحث عن الفردوس في عالم لا يوجد فيه فردوس. ما يجري بحث عن يقين في عالم لا يقين فيه. ولذا هو ممارسة جنسية غير عادية. فمثلا قاموا بعمل إحصائية عن أحد أشهر الملاكمين فوجدوا أن معدل ممارسته الجنسية هو بنتان ونصف في اليوم، هذا معدل مرتفع للغاية؛ فمن يضاجع ثلاث إناث في يوم واحد لا يبحث عن إشباع جنسين وإنما عن شيء آخر.

من المعتاد في الولايات المتحدة الأمريكية أن الرجل عند عودته إلى منزله منهك القوى يتناول كأسًا أو كأسين فترتخي أعصابه وينام، أو في الحفلان يشربون كأسًا أو اثنتين وتسمى الخمر في ذلك الإطار "شرابا اجتماعيا" لكن أن يتجرع الإنسان مثلا عشرين كأسًا كل يوم فإن القضية تتحول من كونها مجرد تجرع كأس أو كأسين من الخمر إلى قضية ذات أبعاد فلسفية.

قضية البحث عن المعنى وعن اليقين توجد في خمريات عند أبي نواس وغيره. الخمر هنا ليست مجرد سائل أصفر يشربه الإنسان فيذهب وعيه ويستيقظ في اليوم التالي عنده صداع خفيف ليستأنف حياته، وإنما هي جزء من فلسفة كونية وتعبير عن إحساس عميق بالغربة والوحدة والخوف من العدم من جانب إنسان فقد الييقين والمعنى، وفقد الطمأنينة والمقدرة على التواصل.

إنها قضية إنسان فقد المعنى في العالم فأغرق ذاته في الخمر. أنا أعتقد أن الجنس هو الشيء نفسه في الولايات المتحدة الأمريكية، هو رغبة الإنسان في أن يجد معنى في حياته وأن يتواصل مع الآخر في مجتمع فقد الإحساس بالمعنى ولا يسمح بالتواصل الدائم، فهو مجتمع في حالة حركة، جعل الهدف من الحياة الاستهلاك والربح. وكذا فالتواصل مع الآخر لا بد أن يتم في الإطار نفسه، داخل الإطار المادي، أي التواصل من خلال الجسد؛ فالجسد يدركه المرء بالحواس الخمس، ويزوده بيقين ومعنى مؤقتين تحت السقف المادي.


المصدر:
عبد الوهاب المسيري، الثقافة والمنهج، ص124

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الثقافة-الغربية
اقرأ أيضا
الإنسان في تصوير الإسلام | مرابط
تعزيز اليقين فكر اقتباسات وقطوف

الإنسان في تصوير الإسلام


الإنسان في تصوير الإسلام هو ذلك الكائن المزدوج الطبيعة المكون من قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله ممتزجتين مترابطتين غير منفصلتين ومن ثم لا يكون قبضة طين خالصة فيهبط كالجماد أو الحيوان ولا نفخة روح خالصة فيؤله أو يتأله

بقلم: محمد قطب
2412
في أنماط القراءة ومسالك القراء | مرابط
فكر مقالات ثقافة

في أنماط القراءة ومسالك القراء


في هذا المقال يستعرض إبراهيم السكران أنماط الناس في القراءة والمطالعة ومساراتهم التي تغلب عليهم وتستتبع أساليب تعاملهم مع العلم ومن ذلك هذه الأنماط القرائية الخمسة: القراءة الملحية القراءة الوراقية القراءة المستهلكة القراءة التحصيلية القراءة البحثية

بقلم: إبراهيم السكران
2208
هل تعلم النبي القرآن من بحيرا وورقة بن نوفل | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات تعزيز اليقين

هل تعلم النبي القرآن من بحيرا وورقة بن نوفل


من أبرز الأباطيل والشبهات التي أثارها أعداء الدين قديما وحديثا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلم هذا القرآن من بحيرا الراهب وورقة بن نوفل وأخذ عنهما هذا العلم وبثه بين العرب أي أن القرآن ليس وحيا من عند الله وإنما يندرج تحت علم أهل الكتاب والرد على هذا الزعم بسيط وميسور جدا فما حفظه التاريخ وما وصلنا من أخبار ومن قرائن الأحوال يثبت عكس ذلك وهو ما يوضحه الكاتب منقذ السقار في هذا المقال

بقلم: د منقذ محمود السقار
8257
الضوابط الشرعية: رؤية ليبرالية | مرابط
فكر

الضوابط الشرعية: رؤية ليبرالية


حسب الضوابط الشرعية تلك العبارة التي مرت الكثير من الشبهات والمخالفات الشرعية متدثرة بها تمشي في حماها وكانت تمرر من خلالها الكثير من المخالفات الشرعية يقال أنها توافق الضوابط الشرعية ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما وفي هذا المقال رصد لحقيقة هذه العبارة التي انخدع بها المسلمون

بقلم: محمد بن أحمد الزهراني
1733
محاسن الفراسة | مرابط
اقتباسات وقطوف

محاسن الفراسة


ومن ألطف ما يحكى في ذلك: أن بعض الخلفاء سأل رجلا عن اسمه فقال: سعد يا أمير المؤمنين فقال: أي السعود أنت قال: سعد السعود لك يا أمير المؤمنين وسعد الذابح لأعدائك وسعد بلع على سماطك وسعد الأخبية لسرك فأعجبه ذلك ويشبه هذا: أن معن بن زائدة دخل على المنصور فقارب في خطوه فقال له المنصور: كبرت سنك يا معن قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين قال: إنك لجلد قال: على أعدائك قال: وإن فيك لبقية قال: هي لك

بقلم: ابن القيم
654
منهج السلف في إثبات أسماء الله وصفاته ج2 | مرابط
تفريغات

منهج السلف في إثبات أسماء الله وصفاته ج2


لقد كان الصحابة يثبتون لله الأسماء والصفات كما أثبتها القرآن والسنة ولذلك نحن نقول: كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة وبين يديكم تفريغ لمحاضرة هامة للشيخ أبو إسحق الحويني يقف فيها على مسألة الأسماء والصفات وعقيدة السلف في ذلك

بقلم: أبو إسحق الحويني
782