احترازات الأذكياء

احترازات الأذكياء | مرابط

الكاتب: ابن الجوزي

774 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قال الشيخ رضي الله عنه روينا عن العباس بن عبد المطلب أنه سئل أيما أكبر أنت أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر وأنا ولدت قبله وروينا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال لبعض أهل المدينة أنا أسن أم أنت فقال له لا أذكر ليلة زفت أمك المباركة على أبيك الطيب وهذا الاحتراز مليح لأنه لم يقل أمك الطيبة

قال ابن عرابة المؤدب حكي لي محمد بن عمر الصبي أنه حفظ ابن المعتز وهو يؤدبه والنازعات وقال له إذا سألك أمير المؤمنين أبوك في أي شيء أنت فقل له في السورة التي تلي عبس ولا تقل أنا في النازعات قال فسأله أبوه في أي شيء أنت قال في السورة التي تلي عبس فقال من علمك هذا قال مؤدبي قال فأمر له بعشرة آلاف درهم

قال عبد الواحد بن نصر المخزومي قال أخبرني من أثق به أنه خرج في طريق الشام مسافرا يمشي وعليه مرقعة وهو في جماعة نحو الثلاثين رجلا كلهم على هذه الصفة فصحبنا في بعض الطريق رجل شيخ حسن الهيئة معه حمار فأره يركبه ومعه بغلان عليهما رجل وقماش ومتاع فاخر فقلنا له يا هذا إنك لا تفكر في خروج الأعراب علينا فإنه لا شيء معنا يؤخذ وأنت لا تصلح لك صحبتنا مع ما معك فقال يكفينا الله ثم سار ولم يقبل منا وكان إذا نزل يأكل استدعي أكثرنا فأطعمه وسقاه وإذا عيي الواحد منا أركبه على أحد بغليه وكانت جماعة تخدمه وتكرمه وتتدبر برأيه إلى أن بلغنا موضعا..

فخرج علينا نحو ثلاثين فارسا من الأعراب فتفرقنا عليهم ومانعناهم فقال الشيخ لا تفعلوا فتركناهم ونزل فجلس وبين يديه سفرته ففرشها وجلس يأكل وأظلتنا الخيل فلما رأوا الطعام دعاهم إليه فجلسوا يأكلون ثم حل رحله وأخرج منه حلوى كثيرة وتركها بين يدي الأعراب فلما أكلوا وشبعوا جمدت أيديهم وخدرت أرجلهم ولم يتحركوا فقال لنا أن الحلو مبنج أعددته لمثل هذا وقد تمكن منهم وتمت الحيلة ولكن لا يفك البنج إلا أن تصفعوهم فافعلوا فإنهم لا يقدرون لكم على ضرر ونسير ففعلوا فما قدروا على الامتناع فعلمنا صدق قوله وأخذنا أسلحتهم وركبنا دوابهم وسرنا حواليه في موكب ورماحهم على أكتافنا وسلاحهم علينا فما نجتاز بقوم إلا يظنونا من أهل البادية فيطلبون النجا منا حتى بلغنا ما مننا

حدثنا أبو محمد عبد الله ابن علي المقري قال دفن رجل مالا في مكان وترك عليه طابقا وترابا كثيرا ثم ترك فوق ذلك خرقة فيها عشرون دينارا وترك عليها أترابا كثيرا ومضى فلما احتاج إلى الذهب كشف عن العشرين فلم يجدها فكشف عن الباقي فوجده فحمد الله على سلامة ماله وإنما فعل ذلك خوفا أن يكون قد رآه أحد وكذلك كان فأنه لما جاءه الذي رآه وجد العشرين فأخذها ولم يعتقد أن ثم شيئا آخر

حدثني بعض المشايخ أن رجلا يهوديا كان معه مال فاحتاج إلى دخول الحمام وخاف أن ينكسر سبته إن حمله معه فدخل إلى خزانة الحمام فحفر ودفنه ثم دخل إلى الحمام وخرج فبحث عنه فلم يجده فسكت ولم يخبر أحدا لا زوجته ولا ولدا ولا صديقا فجاءه بعد أيام رجل فقال كيف أنت من شغل قلبك فلزمه وقال رد مالي لي فقالوا له من أين علمت قال رآني لما دفنته مخلوق ولا حدثت به مخلوقا قال إن هذا أخذه ما قال كيف أنت من شغل قلبك

وقال بعضهم خرجت في الليل لحاجة فإذا أعمى على عاتقه جرة وفي يده سراج فلم يزل يمشي حتى أتى النهر وملأ جرته وانصرف راجعا فقلت يا هذا أنت أعمى والليل والنهار عندك سواء فقال يا فضولي حملتها معي لأعمى القلب مثلك يستضيء بها فلا يعثر بي في الظلمة فيقع علي فيكسر جرتي روى أبو الحسن الأصفهاني أن إبراهيم الموصلي دخل على الرشيد وبين يديه جارية كأنها خوط بان فقال لها الرشيد غني فغنت:

(توهمه قلبي فأصبح خده ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر)

(ومر بوهمي خاطرا فجرحته ... ولم أر جسما قط يجرحه الفكر)

قال إبراهيم فذهبت والله بعقلي حتى كدت أفتضح فقلت من هذه يا أمير المؤمنين قال هذه التي يقول فيها الشاعر:

(لها قلبي الغداة وقلبها لي ... فنحن كذاك في جسدين روح)

ثم قال غني يا إبراهيم فغنيت:

(تشرب قلبي حبها ومشى بها ... تمشي حميا الكأس في جسم شارب)

(ودب هواها في عظامي فشفها ... كما دب في الملسوع سم العقارب)

قال ففطن بتعريضي وكانت غلطة مني فأمرني بالانصراف ولم يدعني شهرا ثم دس إلي خادما ومعه رقعة فيها مكتوب:

(قد تخوفت أن أموت من الوجد ... ولم يدر من هويت بحالي)

(يا كتابي اقرأ السلام على من ... لا أسمى وقل له يا كتابي)

(إن كفا إليك قد كتبتني ... في شقاء مواصل وعذاب)

فأتاني الخادم بالرقعة فقلت له ما هذا قال رقعة من فلانة الجارية التي غنتك بين يدي أمير المؤمنين فأحسست بالقصة فشمت الخادم وقمت إليه فضربته ضربا شفيت منه نفسي وركبت إلى الرشيد من فوري فأخبرته بالقصة وأعطيته الرقعة فضحك حتى كاد أن يستلقي وقال علي عمد فعلت ذاك لامتحنك وأعرف مذهبك وطريقتك ثم دعا لي الخادم فخرج فلما رآني قال قطع الله يديك ورجليك ويلك قتلتني فقلت القتل بعض حفك لما وردت به علي ولكني أبقيت عليك وأخبرت أمير المؤمنين ليأتي في عقوبتك ما تستحقه فأمر لي الرشيد بصلة سنية والله يعلم أني ما فعلت ما فعلته عفافا بل خوفا وقعت على ابن المهلب حية فلم يدفعها عن نفسه فقال له أبوه يا بني ضيعت العقل من حيث حفظت الشجاعة.

 


 

المصدر:

ابن الجوزي، الأذكياء، ص148

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-الجوزي #الأذكياء
اقرأ أيضا
كيف تقضي على حياة أولادك المستقبلية؟ | مرابط
المرأة

كيف تقضي على حياة أولادك المستقبلية؟


هذه الفتاة التي قضت قرابة عشرين عاما بعيدا عن أعمال البيت وتدبيره ومسئوليته بمجرد أن ترتبط وتتزوج هل ستتحول مرة واحدة إلى حب الاستقرار والقرار في البيت وخدمة الزوج والأولاد وتأسيس بيت صالح ورعاية زوجها وأولادها والاهتمام بنظافتها الشخصية في طورها وكل هذه الأمور؟

بقلم: محمد حشمت
252
هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل عبد سيدنا إبراهيم عليه السلام النجوم والشمس والقمر


تقول الشبهة بأن الله لا يغفر أن يشرك به كما جاء في القرآن الكريم ولكن في نفس الوقت غفر الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام عبادته للنجوم فهل فعلا عبد سيدنا إبراهيم النجوم والشمس والقمر كما يزعم صاحب الشبهة وهل وقع هنا أي حالة من حالات الشرك هذا ما يناقشه المقال ويوضح مكامن الخلل في هذه الشبهة السخيفة

بقلم: محمد عمارة
1975
ما أنت في عالم الإلحاد | مرابط
الإلحاد

ما أنت في عالم الإلحاد


أن تكون ملحدا هو أن تصنع خرافة ثم تتعايش معها وتجلد بسيف العلم من لم يتابعك في إيمانك بالخرافة وكل ذلك صارف عن فهم الحكمة في خلف الكون والحكمة من رسالات الوحي نفي الإادة الحرة من لوازم الإلحاد المادي ومبطل لكل فضيلة أخلاقية أو معرفية يدعيها الملحد

بقلم: سامي عامري
527
أهمية الإعراض عن الشبهات والبعد عنها خشية الافتتان بها | مرابط
مقالات

أهمية الإعراض عن الشبهات والبعد عنها خشية الافتتان بها


إن من أعظم المجالس التي قد يبتلى بها المؤمن: مجالسة أصحاب الشبهات الذين لا يجدون شيئا للحديث فيه إلا المتشابه من القرآن وتقليب الشبهات وإن كان ظاهرا بغرض الرد عليها وفقد توالت الأخبار عن السلف الصالح بأنهم يتجنبون الشبهات بكل شكل ممكن خوفا على قلوبهم أن تفتن وفي هذا المقال توثيق لكلام كثير من السلف وأهل العلم

بقلم: عمار محمد أعظم
2043
القانون والإنسان | مرابط
اقتباسات وقطوف

القانون والإنسان


والشرع غاية ولكنه ليس الغاية الأخيرة إنه ليس سوى حد وسط بين الإنسان كما هو ناشئا يتطلع إلى الحياة الأخلاقيةومصارعا من أجل كمالهوبين الإنسان كما ينبغي أن يكون في قبضة الفضيلة الكاملة والشرع أشبه بقنطرة بين شاطئين نحن نقطة بدايته ونقطة نهايته أوهوأشبه بسلم درجاته مستقرة على الأرض ولكن يعد من يريدون تسلقه أن يرفعهم إلى السماء

بقلم: محمد عبد الله دراز
555
لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات الليبرالية

لماذا لا يثق الليبراليون بالليبراليات: الجزء الثاني


يستطيع الليبرالي أن يعيش ازدواجية عنيفة بين شخصيته التي يظهر بها أمام أضواء الإعلام وفي سطور مؤلفاته أو مقالاته وشخصيته الحقيقية التي تظهر عندما تنطفئ هذه الأضواء وعندما يعم الظلام ويجف مداد القلم هنا تظهر هذه الازدواجية لترى الانحلال الأخلاقي والنظرة الشهوانية الجنسية للمرأة التي تقبع داخله بينما ينادي ليل نهار بحرية المرأة والتعامل معها على أنها إنسان له حقوق وكرامة قبل كل شيء وفي هذا المقال سترى الكثير من الشهادات بألسنة الليبراليين أنفسهم لتدرك وهم الليبرالية

بقلم: إبراهيم السكران
2178