قال الشيخ رضي الله عنه روينا عن العباس بن عبد المطلب أنه سئل أيما أكبر أنت أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر وأنا ولدت قبله وروينا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال لبعض أهل المدينة أنا أسن أم أنت فقال له لا أذكر ليلة زفت أمك المباركة على أبيك الطيب وهذا الاحتراز مليح لأنه لم يقل أمك الطيبة
قال ابن عرابة المؤدب حكي لي محمد بن عمر الصبي أنه حفظ ابن المعتز وهو يؤدبه والنازعات وقال له إذا سألك أمير المؤمنين أبوك في أي شيء أنت فقل له في السورة التي تلي عبس ولا تقل أنا في النازعات قال فسأله أبوه في أي شيء أنت قال في السورة التي تلي عبس فقال من علمك هذا قال مؤدبي قال فأمر له بعشرة آلاف درهم
قال عبد الواحد بن نصر المخزومي قال أخبرني من أثق به أنه خرج في طريق الشام مسافرا يمشي وعليه مرقعة وهو في جماعة نحو الثلاثين رجلا كلهم على هذه الصفة فصحبنا في بعض الطريق رجل شيخ حسن الهيئة معه حمار فأره يركبه ومعه بغلان عليهما رجل وقماش ومتاع فاخر فقلنا له يا هذا إنك لا تفكر في خروج الأعراب علينا فإنه لا شيء معنا يؤخذ وأنت لا تصلح لك صحبتنا مع ما معك فقال يكفينا الله ثم سار ولم يقبل منا وكان إذا نزل يأكل استدعي أكثرنا فأطعمه وسقاه وإذا عيي الواحد منا أركبه على أحد بغليه وكانت جماعة تخدمه وتكرمه وتتدبر برأيه إلى أن بلغنا موضعا..
فخرج علينا نحو ثلاثين فارسا من الأعراب فتفرقنا عليهم ومانعناهم فقال الشيخ لا تفعلوا فتركناهم ونزل فجلس وبين يديه سفرته ففرشها وجلس يأكل وأظلتنا الخيل فلما رأوا الطعام دعاهم إليه فجلسوا يأكلون ثم حل رحله وأخرج منه حلوى كثيرة وتركها بين يدي الأعراب فلما أكلوا وشبعوا جمدت أيديهم وخدرت أرجلهم ولم يتحركوا فقال لنا أن الحلو مبنج أعددته لمثل هذا وقد تمكن منهم وتمت الحيلة ولكن لا يفك البنج إلا أن تصفعوهم فافعلوا فإنهم لا يقدرون لكم على ضرر ونسير ففعلوا فما قدروا على الامتناع فعلمنا صدق قوله وأخذنا أسلحتهم وركبنا دوابهم وسرنا حواليه في موكب ورماحهم على أكتافنا وسلاحهم علينا فما نجتاز بقوم إلا يظنونا من أهل البادية فيطلبون النجا منا حتى بلغنا ما مننا
حدثنا أبو محمد عبد الله ابن علي المقري قال دفن رجل مالا في مكان وترك عليه طابقا وترابا كثيرا ثم ترك فوق ذلك خرقة فيها عشرون دينارا وترك عليها أترابا كثيرا ومضى فلما احتاج إلى الذهب كشف عن العشرين فلم يجدها فكشف عن الباقي فوجده فحمد الله على سلامة ماله وإنما فعل ذلك خوفا أن يكون قد رآه أحد وكذلك كان فأنه لما جاءه الذي رآه وجد العشرين فأخذها ولم يعتقد أن ثم شيئا آخر
حدثني بعض المشايخ أن رجلا يهوديا كان معه مال فاحتاج إلى دخول الحمام وخاف أن ينكسر سبته إن حمله معه فدخل إلى خزانة الحمام فحفر ودفنه ثم دخل إلى الحمام وخرج فبحث عنه فلم يجده فسكت ولم يخبر أحدا لا زوجته ولا ولدا ولا صديقا فجاءه بعد أيام رجل فقال كيف أنت من شغل قلبك فلزمه وقال رد مالي لي فقالوا له من أين علمت قال رآني لما دفنته مخلوق ولا حدثت به مخلوقا قال إن هذا أخذه ما قال كيف أنت من شغل قلبك
وقال بعضهم خرجت في الليل لحاجة فإذا أعمى على عاتقه جرة وفي يده سراج فلم يزل يمشي حتى أتى النهر وملأ جرته وانصرف راجعا فقلت يا هذا أنت أعمى والليل والنهار عندك سواء فقال يا فضولي حملتها معي لأعمى القلب مثلك يستضيء بها فلا يعثر بي في الظلمة فيقع علي فيكسر جرتي روى أبو الحسن الأصفهاني أن إبراهيم الموصلي دخل على الرشيد وبين يديه جارية كأنها خوط بان فقال لها الرشيد غني فغنت:
(توهمه قلبي فأصبح خده ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر)
(ومر بوهمي خاطرا فجرحته ... ولم أر جسما قط يجرحه الفكر)
قال إبراهيم فذهبت والله بعقلي حتى كدت أفتضح فقلت من هذه يا أمير المؤمنين قال هذه التي يقول فيها الشاعر:
(لها قلبي الغداة وقلبها لي ... فنحن كذاك في جسدين روح)
ثم قال غني يا إبراهيم فغنيت:
(تشرب قلبي حبها ومشى بها ... تمشي حميا الكأس في جسم شارب)
(ودب هواها في عظامي فشفها ... كما دب في الملسوع سم العقارب)
قال ففطن بتعريضي وكانت غلطة مني فأمرني بالانصراف ولم يدعني شهرا ثم دس إلي خادما ومعه رقعة فيها مكتوب:
(قد تخوفت أن أموت من الوجد ... ولم يدر من هويت بحالي)
(يا كتابي اقرأ السلام على من ... لا أسمى وقل له يا كتابي)
(إن كفا إليك قد كتبتني ... في شقاء مواصل وعذاب)
فأتاني الخادم بالرقعة فقلت له ما هذا قال رقعة من فلانة الجارية التي غنتك بين يدي أمير المؤمنين فأحسست بالقصة فشمت الخادم وقمت إليه فضربته ضربا شفيت منه نفسي وركبت إلى الرشيد من فوري فأخبرته بالقصة وأعطيته الرقعة فضحك حتى كاد أن يستلقي وقال علي عمد فعلت ذاك لامتحنك وأعرف مذهبك وطريقتك ثم دعا لي الخادم فخرج فلما رآني قال قطع الله يديك ورجليك ويلك قتلتني فقلت القتل بعض حفك لما وردت به علي ولكني أبقيت عليك وأخبرت أمير المؤمنين ليأتي في عقوبتك ما تستحقه فأمر لي الرشيد بصلة سنية والله يعلم أني ما فعلت ما فعلته عفافا بل خوفا وقعت على ابن المهلب حية فلم يدفعها عن نفسه فقال له أبوه يا بني ضيعت العقل من حيث حفظت الشجاعة.
المصدر:
ابن الجوزي، الأذكياء، ص148