احترازات الأذكياء

احترازات الأذكياء | مرابط

الكاتب: ابن الجوزي

923 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

قال الشيخ رضي الله عنه روينا عن العباس بن عبد المطلب أنه سئل أيما أكبر أنت أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر وأنا ولدت قبله وروينا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال لبعض أهل المدينة أنا أسن أم أنت فقال له لا أذكر ليلة زفت أمك المباركة على أبيك الطيب وهذا الاحتراز مليح لأنه لم يقل أمك الطيبة

قال ابن عرابة المؤدب حكي لي محمد بن عمر الصبي أنه حفظ ابن المعتز وهو يؤدبه والنازعات وقال له إذا سألك أمير المؤمنين أبوك في أي شيء أنت فقل له في السورة التي تلي عبس ولا تقل أنا في النازعات قال فسأله أبوه في أي شيء أنت قال في السورة التي تلي عبس فقال من علمك هذا قال مؤدبي قال فأمر له بعشرة آلاف درهم

قال عبد الواحد بن نصر المخزومي قال أخبرني من أثق به أنه خرج في طريق الشام مسافرا يمشي وعليه مرقعة وهو في جماعة نحو الثلاثين رجلا كلهم على هذه الصفة فصحبنا في بعض الطريق رجل شيخ حسن الهيئة معه حمار فأره يركبه ومعه بغلان عليهما رجل وقماش ومتاع فاخر فقلنا له يا هذا إنك لا تفكر في خروج الأعراب علينا فإنه لا شيء معنا يؤخذ وأنت لا تصلح لك صحبتنا مع ما معك فقال يكفينا الله ثم سار ولم يقبل منا وكان إذا نزل يأكل استدعي أكثرنا فأطعمه وسقاه وإذا عيي الواحد منا أركبه على أحد بغليه وكانت جماعة تخدمه وتكرمه وتتدبر برأيه إلى أن بلغنا موضعا..

فخرج علينا نحو ثلاثين فارسا من الأعراب فتفرقنا عليهم ومانعناهم فقال الشيخ لا تفعلوا فتركناهم ونزل فجلس وبين يديه سفرته ففرشها وجلس يأكل وأظلتنا الخيل فلما رأوا الطعام دعاهم إليه فجلسوا يأكلون ثم حل رحله وأخرج منه حلوى كثيرة وتركها بين يدي الأعراب فلما أكلوا وشبعوا جمدت أيديهم وخدرت أرجلهم ولم يتحركوا فقال لنا أن الحلو مبنج أعددته لمثل هذا وقد تمكن منهم وتمت الحيلة ولكن لا يفك البنج إلا أن تصفعوهم فافعلوا فإنهم لا يقدرون لكم على ضرر ونسير ففعلوا فما قدروا على الامتناع فعلمنا صدق قوله وأخذنا أسلحتهم وركبنا دوابهم وسرنا حواليه في موكب ورماحهم على أكتافنا وسلاحهم علينا فما نجتاز بقوم إلا يظنونا من أهل البادية فيطلبون النجا منا حتى بلغنا ما مننا

حدثنا أبو محمد عبد الله ابن علي المقري قال دفن رجل مالا في مكان وترك عليه طابقا وترابا كثيرا ثم ترك فوق ذلك خرقة فيها عشرون دينارا وترك عليها أترابا كثيرا ومضى فلما احتاج إلى الذهب كشف عن العشرين فلم يجدها فكشف عن الباقي فوجده فحمد الله على سلامة ماله وإنما فعل ذلك خوفا أن يكون قد رآه أحد وكذلك كان فأنه لما جاءه الذي رآه وجد العشرين فأخذها ولم يعتقد أن ثم شيئا آخر

حدثني بعض المشايخ أن رجلا يهوديا كان معه مال فاحتاج إلى دخول الحمام وخاف أن ينكسر سبته إن حمله معه فدخل إلى خزانة الحمام فحفر ودفنه ثم دخل إلى الحمام وخرج فبحث عنه فلم يجده فسكت ولم يخبر أحدا لا زوجته ولا ولدا ولا صديقا فجاءه بعد أيام رجل فقال كيف أنت من شغل قلبك فلزمه وقال رد مالي لي فقالوا له من أين علمت قال رآني لما دفنته مخلوق ولا حدثت به مخلوقا قال إن هذا أخذه ما قال كيف أنت من شغل قلبك

وقال بعضهم خرجت في الليل لحاجة فإذا أعمى على عاتقه جرة وفي يده سراج فلم يزل يمشي حتى أتى النهر وملأ جرته وانصرف راجعا فقلت يا هذا أنت أعمى والليل والنهار عندك سواء فقال يا فضولي حملتها معي لأعمى القلب مثلك يستضيء بها فلا يعثر بي في الظلمة فيقع علي فيكسر جرتي روى أبو الحسن الأصفهاني أن إبراهيم الموصلي دخل على الرشيد وبين يديه جارية كأنها خوط بان فقال لها الرشيد غني فغنت:

(توهمه قلبي فأصبح خده ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر)

(ومر بوهمي خاطرا فجرحته ... ولم أر جسما قط يجرحه الفكر)

قال إبراهيم فذهبت والله بعقلي حتى كدت أفتضح فقلت من هذه يا أمير المؤمنين قال هذه التي يقول فيها الشاعر:

(لها قلبي الغداة وقلبها لي ... فنحن كذاك في جسدين روح)

ثم قال غني يا إبراهيم فغنيت:

(تشرب قلبي حبها ومشى بها ... تمشي حميا الكأس في جسم شارب)

(ودب هواها في عظامي فشفها ... كما دب في الملسوع سم العقارب)

قال ففطن بتعريضي وكانت غلطة مني فأمرني بالانصراف ولم يدعني شهرا ثم دس إلي خادما ومعه رقعة فيها مكتوب:

(قد تخوفت أن أموت من الوجد ... ولم يدر من هويت بحالي)

(يا كتابي اقرأ السلام على من ... لا أسمى وقل له يا كتابي)

(إن كفا إليك قد كتبتني ... في شقاء مواصل وعذاب)

فأتاني الخادم بالرقعة فقلت له ما هذا قال رقعة من فلانة الجارية التي غنتك بين يدي أمير المؤمنين فأحسست بالقصة فشمت الخادم وقمت إليه فضربته ضربا شفيت منه نفسي وركبت إلى الرشيد من فوري فأخبرته بالقصة وأعطيته الرقعة فضحك حتى كاد أن يستلقي وقال علي عمد فعلت ذاك لامتحنك وأعرف مذهبك وطريقتك ثم دعا لي الخادم فخرج فلما رآني قال قطع الله يديك ورجليك ويلك قتلتني فقلت القتل بعض حفك لما وردت به علي ولكني أبقيت عليك وأخبرت أمير المؤمنين ليأتي في عقوبتك ما تستحقه فأمر لي الرشيد بصلة سنية والله يعلم أني ما فعلت ما فعلته عفافا بل خوفا وقعت على ابن المهلب حية فلم يدفعها عن نفسه فقال له أبوه يا بني ضيعت العقل من حيث حفظت الشجاعة.

 


 

المصدر:

ابن الجوزي، الأذكياء، ص148

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-الجوزي #الأذكياء
اقرأ أيضا
دين الأهوائية | مرابط
مقالات

دين الأهوائية


فمعظم الغربيين يمكن تعريفهم بأنهم نصارى الهوية لادينيون المنهج! وبينهما دين أو عقيدة أهوائية محضة فتجد الشخص يؤمن بالمتناقضات الصارخة لمجرد أن كلا منها توافق هواه في جانب من الجوانب

بقلم: الزبرقان
341
أنواع الربا | مرابط
تفريغات

أنواع الربا


لكي يكشف عليه الصلاة والسلام أنواع الربا ولكي يضبط الأمر ويحدده قال: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى فإن اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد رواه مسلم وغيره.

بقلم: محمد صالح المنجد
430
الإسراء والمعراج ج1 | مرابط
تفريغات

الإسراء والمعراج ج1


إن الإسراء والمعراج كانا مكافأة ربانية على ما لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم من أفراح وأحزان فلقد كان بعد حصار دام ثلاث سنوات في شعب أبي طالب وما لاقى أثناءه من جوع وحرمان ولقد كان بعد فقد الناصر الحميم وهو عمه أبو طالب وفقد زوجته خديجة أم المؤمنين ولقد كانت بعد خيبة الأمل في ثقيف وما ناله من سفهائها وصبيانها وعبيدها

بقلم: خالد الراشد
435
أين الآباء من أولادهم؟ | مرابط
مقالات

أين الآباء من أولادهم؟


أيها الآباء لا حاجة لأولادكم في الثوب الجديدأو المصروف الكبيرأو الميراث الوفير إذا لم تؤسسه بحضورك على حب الله ومراقبته وتكتشف مواطن الخير فيه فتتعهدها وتنميها وتعرف مكامن الشر في نفسه فتنتزعها وتنقيها..

بقلم: خالد حمدي
370
من العاقل؟ | مرابط
تفريغات ثقافة

من العاقل؟


فالعاقل هو من يأخذ من دنياه لآخرته من يأخذ من صحته لمرضه من يأخذ من فراغه لشغله من يأخذ من غناه لفقره وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم لهذا وهكذا كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم فهذا العمر أمانة وهو نصيبك من الدنيا

بقلم: سفر الحوالي
439
فتح الأندلس يغير خريطة الحضارة والثقافة في العالم | مرابط
تاريخ مقالات

فتح الأندلس يغير خريطة الحضارة والثقافة في العالم


إن فتح الأندلس من الأحداث العظيمة التي حملت للعالم الكثير من المظاهر الاجتماعية والسلوكية والعلمية فقد نشطت حركة العلوم بشكل عام في الأندلس وانتقلت منها إلى أوروبا وتعلم الأوروبيون السلوك الإسلامي القويم من المسلمين في الأندلس وحتى ملامح النظافة الشخصية والرقي المدني والتنظيم الاجتماعي كل هذا انتقل إلى أوروبا بعد فتح الأندلس وفي هذا المقال يستعرض الكاتب راغب السرجاني بعض هذه الظواهر التي أفادت العالم بعد فتح الأندلس

بقلم: راغب السرجاني
2188