
يقول عدد من أنصار العلموية في العالم العربي، ودعاة المذهب الإيمانوي في الغرب إن الاستدلال للإيمان الديني ببرهان الإعجاز العلمي، أو أي برهان آخر من أي جنس، باطل ضرورة؛ فإن الإيمان الديني قائم على التسليم لا البرهنة، كما أن الاستدلال بالوحي للعلم داع لترك البحث العلمي، والركون إلى أخبار الأسفار المقدسة التي لم تنزل لصناعة وعي علمي
الاعتراض السابق مبني على مقدمة فاسدة؛ وهي أن الإيمان الديني قائم -ضرورة- على التسليم لا الاستدلال والبرهنة. وهي مقدمة تعارض صريح القرآن في دعوته المخالفين إلى معترك البرهان؛ دلالة على أن البرهان هو الذي يفصل بين العقائد المشتجرة في أصول المسائل وفروعها: "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" "وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ"
والقرآن هو الذي طلب من المخالفين أن يتفكروا طلبا للحق "قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا" والإسلام هو الذي جعل البرهان الأوسع للتوحيد، برهان النظم؛ بالنظر في المخلوقات ودقة صنعها، وغائية تركيبها "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ" "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"
ولما نزل قوله تعالى "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"، بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليله كلّه، وقال "لأقد نزلت عليّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها"
والقرآن هو الذي جعل إعجازه برهان ربّانيّته "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"
والقول إن الإيمان الديني مفارق كله للاستدلال والبرهان، أصله مذهب الإيمانويين الغربيين -بعد العصر الكانطي- والملاحدة، وهي تهمة تُرمى بها النصرانية دائمًا.
المصدر:
العلم وحقائقه، سامي عامري