البحث عن السعادة

البحث عن السعادة | مرابط

الكاتب: نبيل العوضي

456 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

عبد الله! ألا تريد السعادة! ألا تريد الراحة في الدنيا! لعلك بحثت عنها فلم تجدها، إنك لن تجدها في الملايين، ولن تحصل عليها في القصور أو في السيارات الفاخرة، ولا عند النساء، ولا بالأرصدة، ولا في بلاد الإباحية والخنا والفجور، لن تجدها إلا بين دفتي المصحف، لن تحصل عليها إلا في آخر الليل في السحر، إذا قمت وصليت بها ركعتين، لن تراها إلا وأنت تطوف حول البيت، وأنت تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك! سل الصالحين وقل لهم: ما أسعد لحظة مرت عليكم في الحياة؟

 

بعضهم سوف يُجيبك فيقول: إنه قيام الليل في ليالي رمضان، وبعضهم يقول لك: وأنا أفطر بتلك الرطب وتلك التمرات في بيت الله الحرام في شهر رمضان، أسمع الأذان يقول: الله أكبر! وأنا آكل تلك الرطب، وبعضهم يقول: إنها لحظات الجهاد في سبيل الله، انتظر الموت ولا أجده، رأيت صاحبي فارق الدنيا، وزملائي استشهدوا، وأنا أبحث عن الموت فلا أجده، إنها أسعد لحظات حياتي.

 

وبعضهم يقول لك: إنها لحظة بكاء، دمعت فيها عيني في بيتٍ من بيوت الله، ليس فيه أحد وأنا أقرأ كلام الله.

 

غلام يبحث عن السعادة

اسمع يا عبد الله إلى هذا الغلام كيف بحث عن السعادة؟ قام شيخٌ كبيرٌ في المسجد يحث الناس على الجهاد في سبيل الله، وكان الوقت وقت حرب دخل النصارى فيه على المسلمين، وغزو بلادهم، فقام الشيخ يَحثُّ الناس على الجهاد، فخرج وجاء وقت الاستعداد للجهاد، فجاء الشيخ وركب الفرس، فنادته امرأة: أيها الشيخ! فالتفت إليها وولى ولم يجبها، فنادته وقالت: أيها الشيخ! أسألك بالله أن تجيبني؟ فقال لها: ماذا تريدين يا أمة الله؟ قالت: أيها الشيخ! سمعت خطبتك في المسجد وأردت أن أُجاهد في سبيل الله ولم أجد إلا هذا الظرف فخذه يا شيخ! واجعله رباطًا لك في سبيل الله.

 

يقول الشيخ: فأخذت الظرف ففتحته! أتعرف ماذا وجد فيه؟ وجد فيه ظفيرتيها -شعر تلك المرأة- قصت شعرها لتجاهد به في سبيل الله، وقالت له: أسألك بالله أن تجعله رباطًا لخيلك في سبيل الله، ليس عندي ما أجاهد به في سبيل الله إلا هو، فأخذ الشيخ تلك الظفيرتين، وربط بها فرسه وهو يتعجب من أمرها، وذهب للجهاد فإذا به يُنادى فالتفت! فإذا بغلامٍ صغير يناديه، فيقول له: يا شيخ!

 

فقال له: ماذا تريد أيها الغلام؟

قال: أسألك بالله أن تحملني معك على فرسك في سبيل الله، قال: يا غلام! إن الله قد وضع عنك الجهاد في سبيل الله، وأنت صغير ولست بمكلف.

فقال: أسألك بالله أن تحملني معك على فرسك، قال: لا.

قال: أسألك بالله.

قال: أحملك معي بشرطٍ واحد؟

قال: وما هو الشرط؟

قال: أحملك معي بشرط أنك إذا قُتِلتَ في سبيل الله واستشهدت وبعثك الله عنده يوم القيامة أن تشفع لي عند الله.

قال: لك ذلك أيها الشيخ.

 

يقول: فحملته وأردفته معي على خيلي وهو غلام صغير، يقول: فإذا بنا ندخل المعركة، وحمي الوطيس فإذا بالغلام يضرب كتفي ويقول لي: يا شيخ! فقلت له: ما تريد؟

قال: أعطني ثلاثة أسهم، قال: اجعلها لغيرك يا غلام، قال: أعطني ثلاثة أسهم، يقول: فأعطيته تلك الثلاثة، يقول: فإذا به يأخذ السهم الأول، وهو يقول: بسم الله! فإذا به يصيب نصرانيًا روميًا ويسقط من ذلك السهم.

 

قلت: الله أكبر! غلام ولكنه مستعدٌ للجهاد في سبيل الله، يقول: فأخذ السهم الثاني! فإذا به يقول: بسم الله ورمى به روميًا آخر، يقول: فقال بالثالث: بسم الله! وأصاب به ثالثًا، يقول: فتعجبت من أمره! يقول: وبعد لحظات نظرت إليه فإذا به قد أصيب، أصابه سهمٌ طائش، يقول: وسقط من على الفرس، يقول: ونزلت أمسح الدم من عليه فكلمته وقلت له وهو يحتضر ويفارق الدنيا: يا غلام! أذكرك العهد الذي بيني وبينك أن تشفع لي عند الله يوم القيامة، فقال لي: يا شيخ! خذ هذه الخرقة وأعطها لأمي، فقال له: يا بني! وكيف أعرف أمك؟

 

فقال الغلام: يا شيخ! أمي صاحبة الظفيرتين "ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [آل عمران:34] يقول: فمات فبكيت، يقول: فانتصرنا في تلك المعركة. قال الشيخ: فأخذت الخرقة ورجعت إلى المدينة، فطرقت الباب! فإذا بأخته تخرج، فقالت: ما شأنك؟

 

قال: أبشرك.

قالت: وما ذاك؟

 

قال: أبشركم بموت ابنكم، فقالت: الله أكبر! وخرجت الأم وهي تكبر، وتقول: مات أبوه فاحتسبناه عند الله، ثم مات أخوه الكبير فاحتسبناه عند الله، والآن يموت هذا الغلام الصغير فنحتسبه عند الله جلَّ وعلا.

 

أرأيت يا عبد الله؟ "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي" [الفجر:27-30] لعلك تتعجب! لِمَ لَمْ ينم الأولون؟ ولمَ سهر الأولون؟ "كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" [الذاريات:17-18] كانوا ينتظرون يومًا كان مقداره خمسين ألف سنة.

 

بحث السلف عن السعادة

يقول كعب الأحبار: عينٌ في النار يغمس فيها الرجل غمسة واحدة فيخرج وقد انفصل الجلد واللحم عن الجسم، لم يبق إلا العظام وهو حي أحشاؤه وعظامه، أما لحمه وجلده قد انفصل عن العظم، يقول: ويتعلق جلده ولحمه بكعبه، ويمشي يجر جلده ولحمه "لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا" [النبأ:24-25] أرأيت لماذا ضحوا بأنفسهم؟

 

أرأيت! لماذا كان الواحد لا ينام الليل؟ أعلمت لماذا كان الواحد منهم لا يُفارق كتاب الله؟ كان إذا قرأ دمعت عينه.

 

ألم تعلم أن عمر كان إذا صلَّى سمع نشيجه من وراء الصفوف، أما أبو بكر فكان لا يستطيع الصلاة إذا صلَّى بالناس، أول ما يبدأ بالفاتحة بكى، علمت لمَ كان عثمان لم يرفع رأسه عن القرآن حتى قُتِلَ وهو يقرأ في المصحف؟ حتى سال الدم على المصحف، فبكت زوجته وهي تقول: قتلتموه وإنه ليحي الليل بالقرآن "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ" [الزمر:9] أمام التلفاز .. يدخن .. يلعب بالورق .. يتحدث في الأحاديث الباطلة اللاغية، أم ماذا يفعل؟

 

"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ" [الزمر:9] يحذر الآخرة، يخاف من يوم القيامة.

يقول ابن عباس: يجمع بين رأسه ورجله في النار.

تخيل!! كيف يجمع بين الرأس والرجل؟

يقول: يُكسر كما يكسر الحطب فيلقى في التنور.

أرأيت كيف تكسر الحطب لتلقي في النار؟

 

هكذا يُكسر يوم القيامة "يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ" [الرحمن:41] النواصي -الرءوس- والأقدام يكسر ثم يُلقى في النار وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] يتمنون الهلاك! يتمنون الموت؛ ولكن "قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ" [الزخرف:77-78].

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السعادة
اقرأ أيضا
أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: فضائلهن وخصائصهن | مرابط
تفريغات

أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: فضائلهن وخصائصهن


كما أن في الرجال رجالا أفاضل سبقوا إلى الإسلام وأفنوا أعمارهم في العلم والدعوة والجهاد فكذلك في نساء الأمة فضليات كن شامات في هذه الأمة المباركة وكن عونا لرجالهن على مهامهم في خدمة دين الله تعالى وفي مقدمتهن أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن إذ عشن في بيت النبوة وخدمن النبي صلى الله عليه وسلم ونقلن عنه أقواله وأفعاله وأحواله في خاصة بيته وأهله

بقلم: د إبراهيم بن محمد الحقيل
2007
موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات

موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الأول


ولما طال الأمد نبتت في المسلمين نابتة من أهل الأهواء ممن لم يستضئ بنور الوحي وتبنت أقوالا شاذة في أصول الدين كالكلام في القدر والكلام في صفات الله تعالى والوعد والوعيد والموقف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المقالات ونصروها وتعصبوا لها فتكونت الفرق واحتدم النزاع والخلاف بينها ولاذت كل فرقة بكتاب الله تعضد به أقوالها ولما عجزوا تأولوا آياته وحرفوها عن ظاهرها ثم كروا على السنة النبوية فلما وجدوها على خلاف ما يعتقدون قالوا ما نقبل منها إلا ما وافق عقولنا وانخدع بتلك الدعوى ب...

بقلم: الشبكة الإسلامية
1462
إلام يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم جميع الناس | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

إلام يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم جميع الناس


شرع محمد صلى الله عليه وسلم يكلم الناس في الإسلام ويعرض عليهم الأخذ بهذا الدين الذي أرسله الله به وسور القران الذي نزل بمكة تبين العقائد والأعمال التي كلف الله بها عباده وأوصى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتعهد قيامها ونماءها وهذا المقال المختصر يناقش فيه الكاتب محمد الغزالي بعض المحاور التي يدعو إليها الرسول صلى الله عليه وسلم

بقلم: محمد الغزالي
1448
هل الخلاف شر كله؟ | مرابط
مقالات

هل الخلاف شر كله؟


إشكالية تربى عليها جيل كامل وهي أن الخلاف شر كله وفي نفس الوقت تعلم أن من الخلاف ما هو معتبر وسائغ! فلذلك تراه منظرا لأدب الخلاف لكن عند التطبيق تراه يشتد على كل من خالفه ويود لو أنه حمل الناس على قوله ودفن كل قول مخالف.

بقلم: أحمد عبد السلام
394
في التحذير من فتن إبليس ومكايده | مرابط
اقتباسات وقطوف

في التحذير من فتن إبليس ومكايده


مقتطف لابن الجوزي من كتاب تلبيس إبليس يحذر فيه أهل الإسلام من مكائد إبليس وفتنته ويشير إلى طبيعة الإنسان منذ خلقه حيث ركب فيه الهوى والشهوة وبيده أن يختار طريق الهدى أو طريق الضلال بيده أن يجلب ما فيه نفعه وصلاحه أو ينساق وراء شهواته وحبائل إبليس

بقلم: ابن الجوزي
1732
التعليل المادي للشريعة | مرابط
مقالات

التعليل المادي للشريعة


كثير من غلاة المدنية في محاولتهم لتكريس أهمية الشأن المدني يحاولون ربط الشعائر والشرائع بالحضارة فتراهم يقولون إن غاية الشعائر هي تهذيب الأخلاق الاجتماعية وغاية التشريع هو سياسة المصالح العامة .. وفي هذا المقال الموجز يناقش إبراهيم السكران هذه الفرضيات.

بقلم: إبراهيم السكران
485