البحث عن السعادة

البحث عن السعادة | مرابط

الكاتب: نبيل العوضي

398 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

عبد الله! ألا تريد السعادة! ألا تريد الراحة في الدنيا! لعلك بحثت عنها فلم تجدها، إنك لن تجدها في الملايين، ولن تحصل عليها في القصور أو في السيارات الفاخرة، ولا عند النساء، ولا بالأرصدة، ولا في بلاد الإباحية والخنا والفجور، لن تجدها إلا بين دفتي المصحف، لن تحصل عليها إلا في آخر الليل في السحر، إذا قمت وصليت بها ركعتين، لن تراها إلا وأنت تطوف حول البيت، وأنت تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك! سل الصالحين وقل لهم: ما أسعد لحظة مرت عليكم في الحياة؟

 

بعضهم سوف يُجيبك فيقول: إنه قيام الليل في ليالي رمضان، وبعضهم يقول لك: وأنا أفطر بتلك الرطب وتلك التمرات في بيت الله الحرام في شهر رمضان، أسمع الأذان يقول: الله أكبر! وأنا آكل تلك الرطب، وبعضهم يقول: إنها لحظات الجهاد في سبيل الله، انتظر الموت ولا أجده، رأيت صاحبي فارق الدنيا، وزملائي استشهدوا، وأنا أبحث عن الموت فلا أجده، إنها أسعد لحظات حياتي.

 

وبعضهم يقول لك: إنها لحظة بكاء، دمعت فيها عيني في بيتٍ من بيوت الله، ليس فيه أحد وأنا أقرأ كلام الله.

 

غلام يبحث عن السعادة

اسمع يا عبد الله إلى هذا الغلام كيف بحث عن السعادة؟ قام شيخٌ كبيرٌ في المسجد يحث الناس على الجهاد في سبيل الله، وكان الوقت وقت حرب دخل النصارى فيه على المسلمين، وغزو بلادهم، فقام الشيخ يَحثُّ الناس على الجهاد، فخرج وجاء وقت الاستعداد للجهاد، فجاء الشيخ وركب الفرس، فنادته امرأة: أيها الشيخ! فالتفت إليها وولى ولم يجبها، فنادته وقالت: أيها الشيخ! أسألك بالله أن تجيبني؟ فقال لها: ماذا تريدين يا أمة الله؟ قالت: أيها الشيخ! سمعت خطبتك في المسجد وأردت أن أُجاهد في سبيل الله ولم أجد إلا هذا الظرف فخذه يا شيخ! واجعله رباطًا لك في سبيل الله.

 

يقول الشيخ: فأخذت الظرف ففتحته! أتعرف ماذا وجد فيه؟ وجد فيه ظفيرتيها -شعر تلك المرأة- قصت شعرها لتجاهد به في سبيل الله، وقالت له: أسألك بالله أن تجعله رباطًا لخيلك في سبيل الله، ليس عندي ما أجاهد به في سبيل الله إلا هو، فأخذ الشيخ تلك الظفيرتين، وربط بها فرسه وهو يتعجب من أمرها، وذهب للجهاد فإذا به يُنادى فالتفت! فإذا بغلامٍ صغير يناديه، فيقول له: يا شيخ!

 

فقال له: ماذا تريد أيها الغلام؟

قال: أسألك بالله أن تحملني معك على فرسك في سبيل الله، قال: يا غلام! إن الله قد وضع عنك الجهاد في سبيل الله، وأنت صغير ولست بمكلف.

فقال: أسألك بالله أن تحملني معك على فرسك، قال: لا.

قال: أسألك بالله.

قال: أحملك معي بشرطٍ واحد؟

قال: وما هو الشرط؟

قال: أحملك معي بشرط أنك إذا قُتِلتَ في سبيل الله واستشهدت وبعثك الله عنده يوم القيامة أن تشفع لي عند الله.

قال: لك ذلك أيها الشيخ.

 

يقول: فحملته وأردفته معي على خيلي وهو غلام صغير، يقول: فإذا بنا ندخل المعركة، وحمي الوطيس فإذا بالغلام يضرب كتفي ويقول لي: يا شيخ! فقلت له: ما تريد؟

قال: أعطني ثلاثة أسهم، قال: اجعلها لغيرك يا غلام، قال: أعطني ثلاثة أسهم، يقول: فأعطيته تلك الثلاثة، يقول: فإذا به يأخذ السهم الأول، وهو يقول: بسم الله! فإذا به يصيب نصرانيًا روميًا ويسقط من ذلك السهم.

 

قلت: الله أكبر! غلام ولكنه مستعدٌ للجهاد في سبيل الله، يقول: فأخذ السهم الثاني! فإذا به يقول: بسم الله ورمى به روميًا آخر، يقول: فقال بالثالث: بسم الله! وأصاب به ثالثًا، يقول: فتعجبت من أمره! يقول: وبعد لحظات نظرت إليه فإذا به قد أصيب، أصابه سهمٌ طائش، يقول: وسقط من على الفرس، يقول: ونزلت أمسح الدم من عليه فكلمته وقلت له وهو يحتضر ويفارق الدنيا: يا غلام! أذكرك العهد الذي بيني وبينك أن تشفع لي عند الله يوم القيامة، فقال لي: يا شيخ! خذ هذه الخرقة وأعطها لأمي، فقال له: يا بني! وكيف أعرف أمك؟

 

فقال الغلام: يا شيخ! أمي صاحبة الظفيرتين "ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [آل عمران:34] يقول: فمات فبكيت، يقول: فانتصرنا في تلك المعركة. قال الشيخ: فأخذت الخرقة ورجعت إلى المدينة، فطرقت الباب! فإذا بأخته تخرج، فقالت: ما شأنك؟

 

قال: أبشرك.

قالت: وما ذاك؟

 

قال: أبشركم بموت ابنكم، فقالت: الله أكبر! وخرجت الأم وهي تكبر، وتقول: مات أبوه فاحتسبناه عند الله، ثم مات أخوه الكبير فاحتسبناه عند الله، والآن يموت هذا الغلام الصغير فنحتسبه عند الله جلَّ وعلا.

 

أرأيت يا عبد الله؟ "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي" [الفجر:27-30] لعلك تتعجب! لِمَ لَمْ ينم الأولون؟ ولمَ سهر الأولون؟ "كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" [الذاريات:17-18] كانوا ينتظرون يومًا كان مقداره خمسين ألف سنة.

 

بحث السلف عن السعادة

يقول كعب الأحبار: عينٌ في النار يغمس فيها الرجل غمسة واحدة فيخرج وقد انفصل الجلد واللحم عن الجسم، لم يبق إلا العظام وهو حي أحشاؤه وعظامه، أما لحمه وجلده قد انفصل عن العظم، يقول: ويتعلق جلده ولحمه بكعبه، ويمشي يجر جلده ولحمه "لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا" [النبأ:24-25] أرأيت لماذا ضحوا بأنفسهم؟

 

أرأيت! لماذا كان الواحد لا ينام الليل؟ أعلمت لماذا كان الواحد منهم لا يُفارق كتاب الله؟ كان إذا قرأ دمعت عينه.

 

ألم تعلم أن عمر كان إذا صلَّى سمع نشيجه من وراء الصفوف، أما أبو بكر فكان لا يستطيع الصلاة إذا صلَّى بالناس، أول ما يبدأ بالفاتحة بكى، علمت لمَ كان عثمان لم يرفع رأسه عن القرآن حتى قُتِلَ وهو يقرأ في المصحف؟ حتى سال الدم على المصحف، فبكت زوجته وهي تقول: قتلتموه وإنه ليحي الليل بالقرآن "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ" [الزمر:9] أمام التلفاز .. يدخن .. يلعب بالورق .. يتحدث في الأحاديث الباطلة اللاغية، أم ماذا يفعل؟

 

"أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ" [الزمر:9] يحذر الآخرة، يخاف من يوم القيامة.

يقول ابن عباس: يجمع بين رأسه ورجله في النار.

تخيل!! كيف يجمع بين الرأس والرجل؟

يقول: يُكسر كما يكسر الحطب فيلقى في التنور.

أرأيت كيف تكسر الحطب لتلقي في النار؟

 

هكذا يُكسر يوم القيامة "يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ" [الرحمن:41] النواصي -الرءوس- والأقدام يكسر ثم يُلقى في النار وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] يتمنون الهلاك! يتمنون الموت؛ ولكن "قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ" [الزخرف:77-78].

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#السعادة
اقرأ أيضا
في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير | مرابط
اقتباسات وقطوف

في الفرق بين تأويل التحريف وتأويل التفسير


والمقصود أن التأويل يتجاذبه أصلان التفسير والتحريف فتأويل التفسير هو الحق وتأويل التحريف هو الباطل فتأويل التحريف من جنس الإلحاد فإنه هو الميل بالنصوص عن ما هي عليه إما بالطعن فيها أو بإخراجها عن حقائقها مع الإقرار بلفظها وكذلك الإلحاد في أسماء الله تارة يكون بجحد معانيها حقائقها وتارة يكون بإنكار المسمى بها وتارة يكون بالتشريك بينه وبين غيره فيها فالتأويل الباطل هو إلحاد وتحريف وإن سماه أصحابه تحقيقا وعرفانا وتأويلا

بقلم: ابن القيم
702
التكليف والحرية | مرابط
فكر مقالات

التكليف والحرية


من شروط التكليف طاعة وحرية وهذه بديهية يغفل عنها كثير من المجادلين في قضية القدر وفي قضية الإيمان وفي قضية التكليف والجزاء فيقصرون النظر على شرط الحرية ويهملون شرط الطاعة كأنه مناقض للجزاء وكأنه من اللازم عقلا أن يكون الجزاء مقرونا بالحرية المطلقة وهي في ذاتها استحالة عقلية بكل احتمال يخطر على البال في فهم خلق الإنسان

بقلم: عباس محمود العقاد
1772
الحكمة من خلق الخلق ج2 | مرابط
تفريغات

الحكمة من خلق الخلق ج2


تفريغ لمحاضرة هامة للشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني يقف فيها على سؤال بديهي وربما لا يخطر لكثير من الناس رغم حاجتهم الشديدة إليه ألا وهو: لماذا خلق الله الخلق من الملائكة والإنس والجن فمعرفة هذا الجواب وإدراك الغاية والحكمة من الخلق ربما يبدل الكثير من التصورات الخاطئة عند الناس ويعينهم على العودة إلى طريق الرشاد

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
446
قاعدة الجزاء والحساب ج2 | مرابط
تفريغات

قاعدة الجزاء والحساب ج2


إن الله تبارك وتعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما لما له من نتائج وخيمة وعواقب أليمة وكان ينبغي لأولئك الذين يظلمون العباد ويسعون في الأرض الفساد أن يتعظوا ويعتبروا بمن سبقهم من الظلمة وهنيئا لذلك الرجل الذي امتلأ قلبه بحب الله فهو يعلم أن هدايته بيد الله وأن رزقه سيأتي إليه رضي الطواغيت أم سخطوا لأن الله هو الذي كتبه

بقلم: عمر الأشقر
748
كيف نتعامل مع الإنترنت ومشكلة التشتت والتركيز | مرابط
ثقافة

كيف نتعامل مع الإنترنت ومشكلة التشتت والتركيز


نحن أقررنا بأن الإنترنت لمعظمنا لا يمكن الاستغناء عنه وبالتالي الفكرة التي سنقدمها ستكون أن نقلل من الضرر بقدر الإمكان وذلك باستخدام خمس نصائح: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى تخلص من فوبيا فوات الأشياء اتبع نظام جلسات العمل لا تضح بنصيبك من العزلة كن واعيا بحجم المشكلة

بقلم: علي محمد علي
452
حديث ابن تيمية عن معاوية رضي الله عنه | مرابط
تفريغات

حديث ابن تيمية عن معاوية رضي الله عنه


وقد علم أن معاوية وعمرو بن العاص وغيرهما كان بينهم من الفتن ما كان ولم يتهمهم أحد من أوليائهم ولا محاربيهم بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بل جميع علماء الصحابة والتابعين بعدهم متفقون على أن هؤلاء صادقون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مأمونون عليه في الرواية عنه والمنافق غير مأمون على النبي صلى الله عليه وسلم بل هو كاذب عليه مكذب له

بقلم: عبد المحسن العباد
540