التسلح سباق نحو الهاوية

التسلح سباق نحو الهاوية | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

1477 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

سباق التسلح

إنَّ ما نراه في تاريخنا الحديث من سباقٍ محمومٍ نحو التسلُّح -كمًّا وكيفًا- فمِنْ حيث الكمِّ نرى المليارات التي تُنفق سنويًّا لشراء الأسلحة وتكديسها، بما يُشير لما نحن مُقْبِلُون عليه من مستقبلٍ دامٍ، ولعلَّ الجدول رقم (2)[1] يُوَضِّح الكمَّ الكبير من الأموال التي تُرصد لإحراز مكانةٍ متقدِّمةٍ في هذا السباق المحموم، الذي يعكس حالة التوتر وترقُّب الحرب لدى الكثير من دول العالم في واقعنا المعاصر!

هذا من ناحية الكمِّ، أمَّا من ناحية الكيف فنرى التطوُّر المذهل في تقنية الأسلحة، بما يجعلها أشدَّ فتكًا وتدميرًا بصورةٍ مرعبةٍ وتَفُوق التصوُّر، على غرار انتشار ما عُرِف بأسلحة الدمار الشامل، وعلى الرغم من أنَّها مُحَرَّمةٌ دُوَلِيًّا ويُعْتبر مستخدمُها ضدَّ مدنيِّين مجرم حرب، فإنَّها أصبحت واسعة الانتشار بأنواعها الثلاثة: (الأسلحة النوويَّة، والأسلحة الجرثوميَّة، والأسلحة الكيميائيَّة).

الأسلحة النوويَّة

فأمَّا السلاح النووي -ويُعَدُّ أشدَّ الأسلحة فتكًا- فيعتمد في قوَّته التدميريَّة على عمليَّة الانشطار النووي أو الاندماج النووي؛ ونتيجة لهذه العمليَّة تكون قوَّة انفجار قنبلةٍ نوويَّةٍ صغيرةٍ أكبر بكثيرٍ من قوَّة انفجار أضخم القنابل التقليديَّة؛ حيث إنَّ بإمكان قنبلةٍ نوويَّةٍ واحدةٍ تدمير أو إلحاق أضرارٍ فادحةٍ بمدينة بكاملها؛ لذا تُعتبر الأسلحة النوويَّة أسلحة دمار شامل، ويخضع تصنيعها واستعمالها إلى ضوابط دُوليَّة حرجة، ومع ذلك يُمَثِّل السعي نحو امتلاكها هدفًا تسعى إليه غالب الدول في زماننا الحالي[2].
 
وقد استُعمِلَت القنبلة الذرية مرَّتين في تاريخ الحروب؛ وكانتا كلتاهما أثناء الحرب العالمية الثانية عندما قامت الولايات المتحدة بإسقاط قنبلتين ذَرِّيَّتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان، وذلك صباح يوم 6 أغسطس 1945م حينما ألقت الولايات المتحدة الأميركيَّة قنبلتها الذريَّة الأولى على مدينة هيروشيما اليابانيَّة، فمات على الفور 70 ألف مواطنٍ ياباني، والعجيب أنَّه بعد ثلاثة أيَّام فقط ألقت أميركا القنبلة الثانية على مدينة ناجازاكي، فمات على الفور 60 ألف مواطنٍ آخر!
 
وقد صرَّحَ مجلس مدينة هيروشيما أنَّ عدد قتلاها ارتفع في سنوات قليلة إلى 230 ألف شخص؛ بسبب ما خلفته القنبلة من إشعاعات، كما وصل عدد الجرحى إلى 157 ألف شخص[3]!

الأسلحة الكيميائية

ثُمَّ تأتي الأسلحة الكيميائيَّة التي يُراد باستخدامها تدمير أو تحجيم أو الحدِّ من نشاط مجموعةٍ بشريَّةٍ مُعَيَّنةٍ لتحقيق أهدافٍ مختلفة؛ حيث إنَّ ما تتميَّز به الأسلحة الكيميائيَّة هو التأثير غالبًا على الكائنات الحيَّة فقط، بينما الأسلحة النوويَّة يكون تدميرها شاملًا بل ومتعدِّيًا حدود المكان الجغرافيَّة، وتُصَنَّف الأسلحة الكيميائيَّة عدَّة تصنيفات؛ إمَّا حسب شدَّة تأثيرها، أو حسب إمكانيَّة السيطرة عليها والحدِّ من سرعة انتشارها، وقد استُخْدِمت الأسلحة الكيميائيَّة بكثرة في القرن الماضي، وفي العديد من الحروب..

نذكر منها حرب فيتنام (1964-1975م)؛ التي شنَّتها الولايات المتحدة الأميركية ضدَّ فيتنام الشماليَّة، ففي هذه الحرب وعندما استَخْدمت المقاومة الفيتنامية الغابات للتخفِّي من القوَّات الأميركيَّة، قامت الولايات المتحدة الأميركيَّة بشنِّ حربٍ كيميائيَّةٍ على منطقة الغابات الفيتناميَّة التي تبلغ مساحتها 40 مليون فدان، وتقترب من نصف مساحة فيتنام الشماليَّة، فاستخدمت القوَّات الأميركيَّة المبيدات القاتلة، التي أتت على الأخضر واليابس، ودمَّرَت هذه الغابات تمامًا، وظلَّت آثار هذه المبيدات لسنوات طوال امتدَّت لِمَا بعد نهاية الحرب، ويكفي أن نعرف أنَّ بعثة الأكاديميَّة القوميَّة الأميركيَّة للعلوم قد قامت بزيارةٍ للمنطقة عقب انتهاء الحرب، وذكرتْ في تقريرها أنَّ منطقة الغابات يلزمها أكثر من مائة عام لكي تعود لسابق عهدها[4]! وقد بلغ عدد الضحايا عند نهاية حرب فيتنام 3 ملايين قتيل فيتناميٍّ معظمهم من المدنيِّين[5]!

الأسلحة الجرثومية

ثُمَّ تأتي الأسلحة الجرثوميَّة (البيولوجيَّة) ثالث أسلحة الدمار الشامل التي كَثُر استخدامها في العصر الحديث، وخاصَّةً خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، وتتكوَّن الأسلحة البيولوجيَّة من مكوِّناتٍ بكتيريَّةٍ سامَّة أو سموم بكتيريَّة، وتكمن خطورتها في سرعة انتشارها، وتُعتبر أخطرها هي الجدري والجمرة الخبيثة، وتأتي روسيا في مقدِّمة الدول التي تمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة البيولوجيَّة في العالم، وقد نجحت روسيا في وضع رءوسٍ حربيَّةٍ مملوءةٍ بمزيجٍ من الجدري والطاعون والجمرة الخبيثة على صواريخ عابرة للقارَّات، وزوَّدت تلك الرءوس الحربيَّة بأجهزة تبريد تُبْقِي الفيروسات حيَّة خلال عودتها إلى غلاف الأرض الجوي، إلى أن تقترب من الهدف فتنطلق مظلات تُخَفِّف من سرعة الصاروخ، الذي يتفكَّك بعدئذٍ مطلقًا قنابل صغيرة تنفتح بدورها مطلقة العنان للفيروسات، كما تمكَّن الروس من إنتاج نموذجٍ مُحسَّنٍ من فيروس الجمرة الخبيثة، تبلغ فعَاليَته أربعة أضعاف فاعليَّة الفيروس العادي[6].
 
كلُّ هذه الأسلحة وغيرها الكثير على اختلاف قوَّتها التدميريَّة قابعةٌ ومكدَّسةٌ في انتظار صدور قرارٍ بنشوب حربٍ جديدة!

 


الإشارات المرجعية:

[1] تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام: أكبر 15 دولة في الإنفاق العسكري، عامي (2005، 2009م)، على الرابط: www.sipri.org.
[2] للمزيد عن الدول النوويَّة الكبرى، انظر: ناريمان درويش: المشكلات السياسية المعاصرة، ص52.
[3] هشام عبد الرءوف حسن: تاريخ اليابان الحديث والمعاصر، ص238-240.
[4] أمل خليفة: هزيمة أميركا في فيتنام، ص72.
[5] أحمد كنعان: ذاكرة القرن العشرين، ص100.
[6] للاستزادة انظر: عبد الهادي مصباح: الأسلحة الكيميائية والجرثومية، الدار المصرية اللبنانية، ط1، 2000م.

المصدر:

كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #التسلح
اقرأ أيضا
عقيدة شاملة الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات

عقيدة شاملة الجزء الأول


تمتاز العقيدة الإسلامية بالشمول لكافة مناحي الحياة وكافة جوانب الإنسان وقد يقال أن إثبات هذه الشمولية يحتاج إلى بحث وتدقيق وتمحيص ولكننا نقول أن مجرد النظر إلى جنبات هذه العقيدة والشريعة يكفي للعيان وفي هذا المقال بجزئيه يكشف لنا الكاتب عباس محمود العقاد عن شمولية هذه العقيدة الساطعة

بقلم: عباس محمود العقاد
1972
يا بلال قم فناد بالصلاة | مرابط
اقتباسات وقطوف

يا بلال قم فناد بالصلاة


فائدة منتقاة من فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بخصوص حديث النبي صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فناد بالصلاة فيدور الحديث هنا على حجية القيام وعلى المقصود بالمناداة والمراد منها ويعرض لنا آراء السلف في ذلك

بقلم: ابن حجر العسقلاني
594
من آداب المناظرة | مرابط
مناظرات

من آداب المناظرة


ولا يكن غرضك أن توهم نفسك أنك غالب أو توهم من حضرك ممن يغتر بك ويثق بحكمك أنك غالب وأنت بالحقيقة مغلوب فتكون خسيسا وضيعا جدا وسخيفا البتة وساقط الهمة

بقلم: ابن حزم
288
الزهد المشروع | مرابط
مقالات

الزهد المشروع


سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه عن رجل تفقه وعلم ما أمر الله به وما نهى عنه ثم تزهد وترك الدنيا والمال والأهل والأولاد خائفا من كسب الحرام والشبهات وبعث الآخرة وطلب رضا الله ورسوله وساح في أرض الله والبلدان فهل يجوز له أن يقطع الرحم ويسيح كما ذكر أم لا؟

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
274
حقيقة التخاطر | مرابط
أباطيل وشبهات

حقيقة التخاطر


عقيدة التخاطر تقوم على فكرة وحدة الوجود وغيرها من العقائد الفاسدة للديانات القديمة وادعاء لإمكانية معرفة الغيب الذي هو ركن من أركان الدين وحاول بعضهم أسلمة هذه العقيدة بنصوص لا تدل على ذلك

بقلم: قاسم اكحيلات
237
مأساة أحد والعبقرية النبوية في التعامل معها | مرابط
اقتباسات وقطوف

مأساة أحد والعبقرية النبوية في التعامل معها


كان لمأساة أحد أثر سيء على سمعة المؤمنين فقد ذهبت ريحهم وزالت هيبتهم عن النفوس وزادت المتاعب الداخلية والخارجية على المؤمنين وأحاطت الأخطار بالمدينة من كل جانب وكاشف اليهود والمنافقون والأعراب بالعداء السافر وهمت كل طائفة منهم أن تنال من المؤمنين بل طمعت في أن تقضي عليهم وتستأصل شأفتهم

بقلم: صفي الرحمن المباركفوري
453