التوفيق بين الإسلام والفكر الحديث: نموذج محمد عبده

التوفيق بين الإسلام والفكر الحديث: نموذج محمد عبده | مرابط

الكاتب: ألبرت حوراني

449 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

كانت إحدى غايات محمد عبده الرئيسية أن يظهر إمكان التوفيق بين الإسلام وبين الفكر الحديث، وأن يبين كيفية تحقيق ذلك، وقد اشترك في مناقشتين حول هذا الموضوع، إحداها مع المورخ الفرنسي  هانوتو، والأخرى مع اللبناني المستمصر فرح أنطون، كان الجدل من مقومات فكره، غير أن الجدل له أخطاره، ففي الدفاع عن النفس قد يصبح المجادل أقرب إلى خصمه مما كان يظن. 

ومما يلفت النظر أن محمد عبده لم يهتم في كلتا المناقشتين بمسألة صحة الإسلام أو خطئه، بل حصر اهتمامه بأمر اتفاقه مع ما يفترض بأنه من متطلبات الفكر الحديث، ولعل نظرته إلى الإسلام قد تأثرت هي ذاتها، وفي أثناء النقاش بنظرته إلى ما يفتقر إليه الفكر الحديث، فقد تابع النهج الذي عهدناه لدى الطهطاوي وخير الدين والأفغاني في التوحيد بين بعض المفاهيم التقليدية للفكر الإسلامي وبين الأفكار السائدة في أوروبا الحديثة. 

وعلى هذا النهج انقلبت  المصلحة تدريجًا إلى المنفعة،والشورى إلى الديموقراطية، والإجماع إلى الرأي العام، وأصبح الإسلام نفسه مرادفًا للتمدن والنشاط اللذين كانا قاعدتي التفكير الاجتماعي في القرن التاسع عشر. 

ولا شك انه كان من السهل باتباع هذا النهج تحوير - إن لم نقل إبطال - المعنى الدقيق للمفاهيم الإسلامية، وتناسي ما يميز الإسلام عن غيره من الأديان، لا بل عن النظرة الإنسانية اللادينية.

وهذا ما تنبه له بقلق نقاده المحافظون، إذ كان لا بد أن يرافق عملية الانتقاء والتقريب هذه شيء من التقدير الكيفي، إذ عندما نتخلى عن التفسير التقليدي للإسلام ونفتح الباب للرأي الشخصي، يصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التمييز بين ما هو موافق للإسلام وما هو مخالف له. فهل فتح محمد عبده بدون قصد منه الباب لإغراق العقيدة والشريعة الإسلاميتين في لجة مبتكرات العالم الحديث؟

لقد نوى إقامة جدار ضد العلمانية، فإذا به في الحقيقة يبني جسرًا تعبر العلمانية عليه لتحتل المواقع واحدًا بعد الآخر. وليس من المصادفة، كما سنرى، أن يستخدم معتقداته فريق من أتباعه في سبيل إقامة العلمانية الكاملة.


المصدر:
الفكر العربي في عصر النهضة. البرت حوراني (١٧٨ - ١٧٩).

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
قاعدة الخمس ثواني ج2 | مرابط
ثقافة

قاعدة الخمس ثواني ج2


كتاب اليوم اسمه قاعدة الخمس ثوان the 5 second rule مؤلفة الكتاب هي ميل روبينز والكتاب تحدث عن تكنيك أو خدعة نفسية بسيطة تسميها المؤلفة قاعدة الخمس ثوان والمؤلفة ابتكرت هذه القاعدة أو التكنيك خلال مرحلة سيئة في حياتها حيث سقطت من قمة النجاح إلى قاع الفشل وباستخدام هذا التكنيك عادت الأمور إلى مسارها من جديد وحققت نجاحا أكبر من السابق

بقلم: علي محمد علي
422
الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2 | مرابط
توثيقات

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2


دولة التركستان الشرقية من الدول الإسلامية المحتلة التي ابتلعتها الصين الشيوعية في سنة 1949م في ظل غفلة المسلمين عن قضاياهم الماسة ونتيجة لفرقة المسلمين وتشتتهم وهي أرض إسلامية خالصة ولقد فصلنا في تاريخها في مقال سابق بعنوان قصة الإسلام في الصين كما ذكرنا الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الدولة الإسلامية الكبرى والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والدينية التي تتمتع بها وهذا في مقال آخر بعنوان كنوز التركستان الشرقية وفي مقالنا هذا نرى ماذا فعلت الصين الشيوعية في العقود الثلاثة الأ...

بقلم: راغب السرجاني
706
فصل ما بيننا وبين المبتدعة | مرابط
اقتباسات وقطوف

فصل ما بيننا وبين المبتدعة


واعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الاتباع والمأثور تبعا للمعقول وأما أهل السنة قالوا: الأصل في الدين الاتباع والمعقول تبع ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي

بقلم: أبو القاسم الأصبهاني
2604
أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الأول ج2 | مرابط
تفريغات

أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الأول ج2


سميت أشراط الساعة أشراطا لأنها علامات على قيام الساعة وهي على الأغلب إن كانت على ذلك وقد يسمى من أشراط الساعة ما لم يكن علامة عليها وإنما هو داخل في أثنائها وذلك أن من علامات الساعة انكدار النجوم وسقوطها أثناء قيام الساعة والساعة حينئذ قد قامت وعليه يعلم أن علامات الساعة منها ما هو سابق لها ومنها ما هو في أثنائها فالعلامة يذكرها على أنها ما يسبق الساعة ويكون تمهيدا لقيامها ومنها ما يكون هو داخلا فيها ومتغلغلا فيها وذلك أن أكثر أشراط الساعة هو سابق لها سواء كان من الكبرى أو من الصغرى

بقلم: عبد العزيز الطريفي
675
الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج2 | مرابط
أبحاث الليبرالية

الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج2


المراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي ووقف على أبرز محطاته وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة أزمة في المصطلح وأزمة في الخلفيات الفلسفية وأزمة في السلوكيات اليومية وأزمة في الالتزام بالقيم وأزمة في الاتساق مع المبادئ وأزمة في الاطراد وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطع...

بقلم: سلطان العميري
1451
الكوارث والذنوب | مرابط
فكر

الكوارث والذنوب


فإن كثيرا من الناس يجهل تنوع أسباب البلاء والمصائب وحكم الخالق في ذلك ويجهل تبعا لذلك تنوع آثار النوازل والمصائب الشرعية والقدرية على من حلت بهم فثمت أمور مهمة يجب إدراكها وإذا تحقق في الإنسان العلم بها عرف أن لا تلازم بين نزول المصائب واختصاص من نزلت به بتعاظم ذنوبه على غيره ممن لم تنزل به مصيبة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
1243