أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الأول ج2

أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الأول ج2 | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

605 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

تسمية أشراط الساعة

سميت أشراط الساعة أشراطًا لأنها علامات على قيام الساعة، وهي على الأغلب إن كانت على ذلك، وقد يسمى من أشراط الساعة ما لم يكن علامة عليها، وإنما هو داخل في أثنائها، وذلك أن من علامات الساعة انكدار النجوم وسقوطها أثناء قيام الساعة، والساعة حينئذٍ قد قامت، وعليه يعلم أن علامات الساعة منها ما هو سابق لها، ومنها ما هو في أثنائها، فالعلامة يذكرها على أنها ما يسبق الساعة، ويكون تمهيدًا لقيامها، ومنها ما يكون هو داخلًا فيها ومتغلغلًا فيها، وذلك أن أكثر أشراط الساعة هو سابق لها، سواء كان من الكبرى أو من الصغرى.

والأشراط المراد بها العلامة؛ ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم:  فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18]، والمراد بذلك علاماتها، كما جاء تفسير ذلك عن عبد الله بن عباس وقد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره، فقال: حدثني محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن أبيه عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى، قال في قول الله جل وعلا:  فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18] يعني: علاماتها.

والساعة من جهة الأصل قريبة، وبأشراطها يُعرف دنوها، وقد وصفها الله جل وعلا من جهة الأصل بالقرب؛ فقال جل وعلا:  اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، وقال:  أَزِفَتِ الآزِفَةُ [النجم:57]، وقال:  أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [النحل:1]، وهذا دليل على أن قيام الساعة من جهة الأصل مقترب؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بعثت أنا والساعة كهاتين ) كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس بن مالك ، وحديث سهل بن سعد ، وجاء أيضًا من حديث جابر بن عبد الله ، وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول علامات الساعة من جهة مبعثه ووفاته عُلم أن الساعة من جهة الأصل هي قريبة، ولكن القرب هذا يقترب بحسب العلامة، وهذا المراد به إيصال هذا الأمر لكل زمن تظهر فيه علامة؛ ولهذا كانت علامات الساعة متفرقة بحسب الأزمنة، وبحسب الأمكنة، حتى يتوزع غرس الإيمان في قلوب الناس.

 

مواضع أشراط الساعة

قد يكون في بلد من البلدان أشراط الساعة تظهر فيها أكثر من غيرها، وأظهر علامات الساعة وأكثرها ظهورًا في بلاد الشام، والشام شامل لبلاد الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين، وشيء من تركيا ، وبعض من شمال العراق أيضًا هو داخل في بلاد الشام، وشيء أيضًا من شمال جزيرة العرب، وهذا هو أكثر مواضع أشراط الساعة، ويليها بعد ذلك بلاد الحجاز، وهي مكة والمدينة.

وإنما كانت الشام أكثر البلدان اكتنافًا لأشراط الساعة؛ لأن الله جل وعلا قد خص الحجاز بمزية دفع كثير من الشرور عنها؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الإيمان ليأرز إلى المدينة - وقد جاء في رواية: إلى الحجاز - كما تأرز الحية إلى جحرها )، وإن كانت الحجاز أيضًا مخصوصة ببعض علامات الساعة، كهدم الكعبة والفتنة التي تقع في المدينة وغير ذلك مما يأتي بيانه مما لا يكون في غيرها من البلدان.

ومن علامات الساعة مما يعم الأرض كلها، كانتشار الفتنة، وانتشار الإسلام في الناس، وانتشار الضلال، ويأتي تمييز ذلك مما جاء في النصوص في كلام الله عز وجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من انتشار الإسلام في الأرض، وفي بعض النصوص: انتشار الجهل، وبعض الناس يخلط بين هذين الأمرين، والصحيح أن هذا لحقبة، وهذا لحقبة، فانتشار العلم والإيمان والإسلام في الأرض هو سابق لانتشار الكفر والجهل، وانتشار الكفر والجهل يكون في آخر الزمان وقبيل قيام الساعة، وتقوم الساعة على شرار الخلق، وهذا يكون حينئذٍ مصاحبًا لرفع القرآن، وحجب الإيمان من هذه الأرض، وقبض العلماء، ويلي ذلك قبض أهل الإيمان بالريح التي يبعثها الله عز وجل، فتأخذ أهل الإيمان قاطبة، فلا يبقى إلا شرار الخلق فتقوم الساعة عليهم.

 

من أين نعرف أشراط الساعة

من المسائل المهمات قبل الولوج في أشراط الساعة أن يُعلم أن مرد أشراط الساعة إلى الوحي، والوحي هو الكتاب والسنة، وما في حكم الكتاب والسنة، وهذا محل خلاف عند العلماء، كمسألة ما يأتي من بعض الأخبار الأمم السابقة، فهو من جهة الأصل لا يصدق ولا يكذب، وكذلك ما جاء من أخبار الأمم السابقة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يُنفَ، هل هو شرع لنا أم ليس بشرع لنا؟ هذا محل خلاف، وهذا يأتي الإشارة إليه بإذن الله.

وكذلك بالنسبة للموقوفات ومما لا يقال من قبل الرأي من الإخبار بالمغيبات، فإن هذا على تفصيل، وذلك أنه يُنظر حال ذلك المخبر، فإذا كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتفت القرائن بعدم تحديثه عن غير النبي عليه الصلاة والسلام، كمن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسرار، وخصه النبي عليه الصلاة والسلام بخصيصة ليست لغيره من الصحابة كـحذيفة بن اليمان ، فلديه من الأخبار مما ليس لغيره حتى ممن هو فوقه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كالخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم، وقد خصه النبي عليه الصلاة والسلام بمعرفة المنافقين بأعيانهم، ومعرفة حوادث الزمان، وكذلك أبو هريرة عليه رضوان الله تعالى، فهؤلاء وأمثالهم إذا حدثوا بشيء من أشراط الساعة فإن الغلبة أنه من النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يكون من قبيل الإسرائيليات.

وإذا احتفت قرينة من القرائن أن هذا المحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بالإسرائيليات، ويأخذ عنهم فإن الأمر في ذلك متردد، فإذا لم يحتف بقرينة ولم يعرف الخبر عن غيره فإنه يرجع حكمه في ذلك إما إلى الموقوف، أو إلى أنه أُخذ من بني إسرائيل، فلا يصدق ولا يكذب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما: ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) من حديث عبد الله بن عمرو ، وأمثال هؤلاء جملة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كـعبد الله بن عمرو بن العاص وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوارد في ذلك جملة من الأخبار، وكثير منها يأتي عن حذيفة بن اليمان عليه رضوان الله تعالى.

 

إحصاء أشراط الساعة

ومن المسائل المهمة في هذا الباب: مسألة حصر وإحصاء أشراط الساعة، فحصر أشراط الساعة الواردة في كلام الله عز وجل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى سبر ودراية.

وكثير ممن يصنف في هذه المصنفات من المتأخرين هم عالة بالنظر إلى المتقدمين، بل إنه لا يكاد يوجد من المتأخرين من صنف كتابًا على الاستقلال بالبحث والنظر إلا نزر يسير، وإنما كثير منهم يحاكي الآخر، فيجمع المتفرقات، ويؤلف بين الأوزاع من الأحاديث والمسائل التي جمعها العلماء قبل ذلك، ثم يجعلون منها نصوصًا، وثمة نصوص كثيرة عن بعض السلف وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أعلم من أشار إليها في أشراط الساعة حتى من المعاصرين، مما يدل على أن هذه النصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن جملة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أن عامل التقليد في التأليف ظاهر، وإلا فهي ظاهرة من جهة النص، وبينة من جهة المعنى لمن وقف على هذه النصوص، وكلها من أشراط الساعة الداخلة في أبواب الصغرى، أو أشراط الساعة الصغائر.

 

العلماء وأشراط الساعة

وقد صنف العلماء عليهم رحمة الله تعالى واعتنوا بهذا الباب عناية بالغة، وقد جعلوا ذلك فيما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور المغيبات وأحكام الديانة، بل لا يكاد يوجد مصنف من المصنفات في أمور السنن والمسانيد إلا ويتضمن جملة من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.

وقد صنف البخاري عليه رحمة الله تعالى كتابه الصحيح، وأورد فيه كتاب الفتن، وأورد فيه جملة من أحاديث أشراط الساعة، وأورد الترمذي بابًا أسماه: باب ما جاء في أشراط الساعة، وصنف أبو داود عليه رحمة الله تعالى كتابه السنن، وأورد فيه كتاب الملاحم والفتن، وكتاب المهدي، وأورد جملة من أخبار أشراط الساعة، وكذلك غيرهم ممن صنف في هذا الباب.

ومنهم من صنف على الانفراد، وقد صنف عشرات الأئمة في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، وممن صنف في ذلك من المتقدمين عبد الرحمن بن مهدي ، و أبو بكر بن أبي شيبة ، و عثمان بن أبي شيبة ، و أبو عمرو الداني ، وله كتابه المشهور في هذا "السنن الواردة في الفتن وغوائلها، والساعة وأشراطها"، وهو مطبوع، وثمة مصنفات في هذا لجملة من الأئمة كـحنبل بن إسحاق ، و عبد الغني المقدسي ، وصنف في هذا من أئمة السير والسنة والتاريخ جملة من الأئمة كالحافظ ابن كثير عليه رحمة الله، وتبعه على ذلك وأخذ عنه جل وأكثر المتأخرين.

 

مصنفات أشراط الساعة

وينبغي لطالب العلم والمعتني في هذا الباب أن يحذر عند النظر في هذه المصنفات من أمور متعددة:

 

الحذر من الأحاديث الضعيفة والمنكرة

الأمر الأول: الحذر من الأحاديث الواهية والضعيفة والمنكرة التي لا ترقى إلى درجة بالمرويات في هذا الباب، وهي قد شحنت فيها كثير من المصنفات المصنفة في هذا الباب، خاصة في مصنفات كثير من المتأخرين، وأبواب النقد لأشراط الساعة وفضائل الأعمال.

ومما يدخل في هذا الباب أن العلماء عليهم رحمة الله يخففون في النقد لأمثال هذه الأبواب إذا لم تكن في الأحكام، وقد جاء التخفيف في ذلك والتيسير عن جماعة من العلماء، فقد جاء عن عبد الرحمن بن مهدي و يحيى بن سعيد الأنصاري كما أسنده عنه البيهقي عليه رحمة الله في شعب الإيمان ودلائل النبوة، وكذلك الخطيب في كتابه الجامع.

وجاء عن الإمام أحمد عليه رحمة الله أنه قال: (ثلاثة ليس لها إسناد: الملاحم، والتاريخ، والتفسير). ومراده بذلك أن الأئمة من أهل النقد والحفظ لم يعتنوا بالمرويات في أبواب التفسير والسير والمغازي والملاحم وأشراط الساعة وفضائل الأعمال، وغيرها مما يلحق فيها حكمًا، يعني: لم يعتنوا بها كعنايتهم بالأحكام؛ لأنها لا تدخل في صلب الدين، باعتبار أنه لا يلزم من ذلك إحداث عبادة من صلاة وصيام وصدقة، ونحو ذلك، وإنما هي تزيد من الإيمان وتنقصه، ويحتاج إليها الناس في زيادة الإيمان ونقصانه، فتدخل ضمنًا في أبواب فضائل الأعمال؛ لأنها من جهة المحصلة داخلة في هذا الباب.

ولا يجوز أن يحتج على الإطلاق بأي حديث موضوع أو متروك أو منكر، أو فيه كذاب، أو ضعيف جدًا، أو تركه الأئمة، ولو كان كذابًا ولو مرة واحدة فإنه لا يحتج به في أي باب من أبواب العلم، ولو كان العلماء ممن يتساهلون في هذا الباب؛ ولهذا قد قال يحيى بن سعيد : (كنا إذا روينا في التفسير والسير والمغازي تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال)، وذلك أن هذا يرجع فيه إلى الاحتياط، وهو داخل في صلب الدين، ويلزم منه إحداث العبادة.

وما يكون فيه من أشراط الساعة ويلزم منه إحداث عبادة أو اقتداء واتباع، أو يلزم منه قتل وسفك دماء ونحو ذلك من إباحة دم الأصل فيه العصمة، فإنه حينئذٍ لا يؤخذ فيه إلا بالأحاديث الصحيحة؛ ولهذا لا يقال بالإطلاق أن أحاديث التاريخ والسير والمغازي أنه يتساهل فيها، فإذا كانت من أحاديث السير ويلزم منها عبادة أو تحليل وتحريم فإنه يحتاط لذلك، مثلًا مسألة المسيح الدجال وما يتبعه من فتنة وقد ساق الناس خلفه، وغير ذلك، فيحتاط في أنه يشدد فيه ولا نشدد في غيره، كمسألة نزول المسيح، والبلد التي ينزل فيها، ونحو ذلك؛ لأن هذا يلزم منه كثير من الأحكام التي ينبغي أن يحتاط فيها ما لا يحتاط في غيرها.

 

محاكاة المصنفين لبعضهم في النقل والنظر

ومن الأمور التي ينبغي أن يحتاط فيها عند النظر في كتب أشراط الساعة وأضرابها: أن يعلم أن ما يرد في هذه الكتب يكثر فيه المحاكاة والنقد، وكثير من النقلة في هذه الأبواب يستأنسون ويعتضدون بأن هذا القول قد قال به فلان وفلان وفلان، وعند السبر والنظر نجد أن هؤلاء قد أخذوا من بعض، وبعضهم أخذ من الآخر، وإذا أراد المرجح أن يرجح فيقول أنه قد قال بصواب ذلك وصححه جماعة، وكل قد تأثر بالآخر، فيكون لدى الإنسان باب الترجيح ظاهر من جهة العدد، ولو تأمل من جهة سبر هذه المصنفات والتأمل فيها لوجد أن كثيرًا منهم يحاكي الآخر.

 

كثرة التأويلات البعيدة لنصوص الوحي

ومن الأمور التي ينبغي للناظر في هذه الكتب أن يحتاط فيها: كثرة التأويلات البعيدة لنصوص الوحي في تأويل أشراط الساعة وإنزالها، وذلك أن إنزال أشراط الساعة على زمن من الأزمنة، أو على حال من الأحوال يحتاج الاحتياط، وخاصة ما يلزم من ذلك العمل، فإذا كان يلزم من ذلك العمل فينبغي في ذلك أن يحتاط الإنسان قدر إمكانه.

ولا غضاضة على الإنسان أن يجتهد في إنزال نص عام على حالة من الأحوال إذا كان لا يلزم من ذلك عمل، كأن يكون إنزال هذا الأمر هو تحصيل حاصل، أو زيادة يقين، مع ورود اليقين في القلب، كما فعل جملة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إلحاق الكذاب بـالمختار ، والمبير -وهو الذي يكثر القتل والسفك بالناس- بـالحجاج ، وهم يعلمون أن الحجاج كان ظالمًا، وأن المختار كان كذابًا، ولكن لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام مسلم من حديث عبد الله بن الزبير عن أسماء عليها رضوان الله تعالى قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يكون في ثقيف كذاب ومبير. قالت عليها رضوان الله تعالى للحجاج : أما الكذاب فقد رأيناه - تريد المختار -، وأما المبير فهو أنت)، فانصرف عنها الحجاج وتركها، وحدث ما حدث من الفتنة المعلومة، ومما هو معلوم في كتب السير والمغازي، ولكنها أنزلت ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ووافقها على هذا المعنى عامة أهل العلم والتاريخ ممن كان في ذلك القرن، بل من جاء بعده على أن الكذاب هو المختار ، وأن المبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي .

فإنزال النصوص في أشراط الساعة إذا كان لا يلزم منه عمل فالأمر فيه يسير، وإذا كان يلزم منه عمل فيحتاط في ذلك ويشدد فيه؛ وقد اجتهد بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إنزال بعض أشراط الساعة كمسألة الدجال حينما ألحقه عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى مع وجود النبي عليه الصلاة والسلام بين ظهرانيهم، ولم يكن هو من أنزل به عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى الأمر كما في الصحيحين وغيرهما.

وكذلك ما جاء في إنزال أهل العلم مسألة النار التي تخرج من المدينة فتضيء لها أعناق الإبل ببصرى، فقد ذكر غير واحد من العلماء أنها قد حدثت ونزلت، كـالنووي عليه رحمة الله، و ابن كثير وغيرهم من المصنفين الذين جزموا بأن هذه هي النار، بل أن منهم من قطع على ذلك.

وكذلك مسألة قتال المغول، وهم الأتراك؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( تقاتلون الترك )، فقد أنزل جماعة من العلماء الحديث على قتال التتار، وجزم شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله أن المراد بذلك هم المغول والتتار الذين قاتلوهم في ذلك الزمن، وأيده على ذلك من كان في عصره، بل من جاء بعده، وذلك أن هؤلاء ضلال، واقتحموا بلاد المسلمين، فاحتاجوا إلى المقاتلة سواء وجد النصر أو لم يوجد، وإذا وجد النصر عضد الأمر، فكان كزيادة اليقين، أما إذا كان فيه إنشاء حكم جديد فإنه يحتاط في ذلك ما لا يحتاط في غيره، وهذا يتعلق بكثير من المسائل كمسألة الدجال، ومسألة نزول المسيح عيسى ابن مريم، ومسألة المهدي، ونحو ذلك.

وقد تقدم أن أشراط الساعة إنما جاءت النصوص فيها في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الأكثر والأبين، وجاءت في كلام الله عز وجل على وجه الإجمال، جاءت لغرس الإيمان، وليس لاستعجال الأحداث؛ ولهذا كان أهل السنة في أشراط الساعة تزيدهم إيمانًا، وتقويهم من جهة العمل، بخلاف أهل البدع فإنهم لا يجاهدون، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، ولا يقومون بأمر الإصلاح، بل ينتظرون خروج المهدي.

والله عز وجل قد بين أن أمر الله عز وجل آتٍ فلا تستعجلوه يعني بالانتظار والترقب، بل استعجلوه بالعمل، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( بادروا بالأعمال ستًا )، وفي رواية: ( سبعًا )، وأمر الله عز وجل بالمسارعة بالخيرات في قوله جل وعلا:  سَابِقُوا [الحديد:21]، وقال:  وَسَارِعُوا [آل عمران:133]، فالمسارعة بالعمل قولًا وفعلًا واعتقادًا واجب على الإطلاق في كل زمن وفي كل عصر، فأشراط الساعة تزيد من إيمان الإنسان، وتقوي من عمله، وتزيد من ثباته عند الفتن والمدلهمات.

 

الإجمال والتداخل في أشراط الساعة

ومن الأمور التي ينبغي أن ينتبه فيها الناظر في كتب أشراط الساعة: أن كثيرًا من أشراط الساعة تأتي على سبيل الإجمال، وهي من جهة الأصل متداخلة، فتأتي على سبيل الإجمال في نص معين، كمسألة كثرة الفتن في آخر الزمان، وتأتي في بعض النصوص متفرقة في بيان الفتن التي تحدث، ويصنف فيها من يصنف في هذا الباب، ويفرق بين ظهور الفتن والأفراد المتعددة، ويريد بذلك زيادة في أشراط الساعة.

ومعلوم أن كثيرًا مما يخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من أشراط الساعة التي تدخل في أبواب كثرة الفتن في آخر الزمان، كمسألة كثرة الجهل، فالجهل لازم لقبض العلم، وانتشار العلم لازم لانحسار الجهل، فهذا لازم لهذا، وهذا لازم لهذا، فيؤخذ من هذا شرط من أشراط الساعة، ويؤخذ من الآخر شرط آخر، ويعلم بنفيه هذا حصول ذاك، وبحصول ذاك نفي ذاك، ولا يغتر بتزييد كثير ممن يصنف في هذا الباب في أشراط الساعة، فإنه يأتي ببيان المجمل، وكذلك ما يدخل في هذا الباب.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#أشراط-الساعة
اقرأ أيضا
الهم والحزن يكفران الذنوب | مرابط
اقتباسات وقطوف

الهم والحزن يكفران الذنوب


الهم والحزن الذي يصاب بهما المؤمن يكفران عنه الكثير من الذنوب والخطايا كما أن الشوكة التي يشاكها تكفر عن خطاياه أيضا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه

بقلم: ابن أبي الدنيا
629
ثقافة عالمية | مرابط
اقتباسات وقطوف

ثقافة عالمية


فكرة الثقافة العالمية التي يتوحد تحت مظلتها الناس جميعا هي فكرة موهومة لا يمكن تطبيقها في الواقع ولا ترمي إلا لهدف واحد فقط وهو إخضاع الأمم جميعا لثقافة واحدة وهي ثقافة الغرب الذي هيمن على كل شيء تقريبا

بقلم: محمود شاكر
1993
الإيمان في القلب | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

الإيمان في القلب


نسمع كثيرا على ألسنة عامة الناس عبارة الإيمان في القلب والحقيقة قد يتخيل السامع أن المراد بها هو تعظيم الإيمان القلبي وتعظيم الاهتمام بباطن الإنسان وسريرته ولكن الحقيقة أن هناك سياقات أخرى تأتي فيها هذه العبارة ولا تكون إلا باطلا محضا وينتج عنها الكثير من المفاسد وهذا ما يوضحه لنا المقال

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2297
الأدب مع الله | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

الأدب مع الله


وتأمل أحوال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع الله وخطابهم وسؤالهم كيف تجدها كلها مشحونة بالأدب قائمة به وهنا يذكر لنا ابن قيم الجوزية رحمه الله نماذج من خطاب الأنبياء والرسل مع الله تعالى وكيف تتجلى فيها معالم وملامح الأدب الكبير حتى في أدق التفاصيل

بقلم: ابن قيم الجوزية
2147
ليس مثل الصحابة أحد | مرابط
اقتباسات وقطوف

ليس مثل الصحابة أحد


مقتطف بديع للإمام ابن قيم الجوزية من كتابه إعلام الموقعين يتحدث فيه عن مكانة الصحابة وكيف أن الواحد منهم كان يرى الرأي فينزل القرآن مؤيدا له في أكثر من حادثة ويضرب الكثير من الأمثلة على ذلك ثم يسأل بعد ذلك كيف لأحد منا أن يساويهم أو يدانيهم إنهم سادتنا وحقيق بمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم لنا خيرا من رأينالأنفسنا

بقلم: ابن القيم
1107
موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات

موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الثاني


كانت المحطة الثانية في تكريس مبدأ الإعلاء من شأن العقل وتحكيمه على نصوص السنة هي ظهور الاستشراق كاتجاه فكري يعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة وحضارة العرب والإسلام بصفة خاصة والمستشرقون هم علماء من الغرب اعتنوا بدراسة الإسلام واللغة العربية وكذلك لغات الشرق وأديانه وآدابه ويرى بعض المؤرخين أن بداية الاستشراق كانت مع بداية الاستعمار في العصر الحديث قبيل القرن التاسع عشر بينما يرى بعضهم الآخر أن الاستشراق أقدم من ذلك حيث يرون أن بدايته كانت مع اشتغال الغرب بترجمة الكتب العربية

بقلم: الشبكة الإسلامية
1235