سألتُ مرةً عددًا من الطلاب الرائعين الذين أسعد بتدريسهم في الجامعة سؤالًا، وأردتُ أن يحددوا الجواب الصحيح: (لأننا لا نرى بأعيننا نعيم القبر ولا عذابه، فعندنا شخصٌ يقول: أنا لا أؤمن بهذا لأنه يخالف العقل، ونجد في مقابله شخصًا آخر يقول: أنا أؤمن به ولو خالف العقل، فأنت مع أي الرأيين في هذا؟)
طبعًا، أنا مارست في هذا الاختيار مغالطة "الإحراج الزائف" بحصر الخيارات الممكنة في الجواب عن هذا السؤال بجوابين، مع أن الجواب الصحيح ليس محصورًا فيها.
الذي حصل، أن تلاحقت إجاباتهم: نؤمن به، ولو خالف العقل!
وكنت أكرر على من يجيب مشنّعًا: ولو خالف العقل؟
فيقول مضطرًا: نعم!
لا شك أن هذا الجواب كان خطأ ظاهرًا، فالذي خلق فينا الإدراك هو الذي أنزل لنا الوحي، فلا يمكن للوحي أن يخالف العقل.
وإنما الذي دفعهم إليه هو عمق الإيمان بالوحي، وشدة تعظيمهم لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا في أنفسهم حرجًا من الجزم والقطع بما أخبر الوحي به، لكنهم لم يحسنوا التعامل مع هذا الاعتراض المتعلق بدعوى مخالفة العقل.
هذا في الواقع ليس خاصًا بهم، بل هو معبر عن حال أكثر هذه الأمة المسلمة، فهم على اختلاف تمسكهم بأحكام دينهم مسلّمون للأصول القطعية، ولا ينازعون في خبر الله وحكمه، وإن خفي عليهم التعامل مع الأصول المعارضة، والشبهات المشككة.
وهذا مكتسب شرعي عظيم، يفرض العناية بأمرين:
الأول: تعزيز الاعتماد على نصوص الوحي في نفوس الناس، والدعوة إلى التسليم لما فيه من خير وهداية ومصلحة.
الثاني: تقديم الإجابات الكلية عن مثل هذه المعارضات الشائعة، حتى لا يقتنع المسلم بمسلك خاطئ من باب تعظيم الشرع، فيكون هذا سببًا للتأثير على المحكمات الشرعية.
وأكبر ما يؤثر في إضعاف قوة هذا المكتسب في عصرنا أمران:
١-ظاهرة التحريف المستترة بتعظيم الشرع وتقدير أحكامه، لأنها تغير للناس أحكام دينهم، وتحوّل اعتقاداتهم الصحيحة الفطرية عن موضعها الصحيح.
٢-ظاهرة الاختلاف والتنازع في النصوص والأحكام، بما يورث الشك والارتياب والتردد في النفوس، فتكون سببًا لإضعاف قوة اليقين بالوحي وأحكامه في قلوب بعض المسلمين.