أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأمومة والإنجاب

أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأمومة والإنجاب | مرابط

الكاتب: مثنى أمين الكردستاني

3551 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إن الإصلاحات التي طرحتها الأنثوية لقوانين الأحوال الشخصية لم تقف عند حد معالجة جوانب الإجحاف والقصور الموجود فيها، بل أتت على أصولها وثوابتها، وتريد الآن تحويلها إلى نقيضها عندما تريد أن تعطي حقوق الأسرة المنصوص عليها في هذه القوانين إلى الشاذين جنسيًا، أو المجموعات التي تعيش في شكل إباحي، باعتبار ذلك داخلًا في تعريف الأسرة كما أسلفنا.

لقد بلغت الأنانية وعبادة الذات وحب الاستمتاع بالشهوات والتمرد على الطبيعة ورفض المسؤولية والتهرب منها والانحراف عن الفطرة والتفسير السقيم... بالحركة الأنثوية الراديكالية إلى درجة رفض الأمومة والإنجاب كخطوة لاحقة لرفض الأسرة والزواج. زعيمة الأنثوية الوجودية الفرنسية (سيمون دي بوفوار) تسمي هذا الواجب بعبودية التناسل، وكأن الأولاد للأب فقط ولا علاقة لهم بالأم!

التنكر للأمومة والتربية

كانت بداية التنكر للأمومة وتربية الأولاد عندما ناقشت الحركة "موضوع الأنوثة ذاتها، فبعد أن كان أنصار المرأة يؤكدون في البداية أن المرأة باستطاعتها أن تجمع بين العمل المنزلي والعمل الخارجي ونواحي النشاط الأخرى دون أن يؤثر ذلك على أنوثتها، أصبح أنصارها الحاليون يعبرون عن سخطهم على تعرض المرأة لتحمل كل هذه الأعباء، ويتساءلون عما إذا كان من واجب المرأة حقًا أن تثقل كاهلها برعاية الأطفال وبالرعاية المنزلية وكل تلك المظاهر التي اصطلح المجتمع على اعتبارها أدوارًا طبيعية للمرأة باعتبارها ربة بيت، وامتدت التساؤلات إلى معنى الأنوثة ذاتها، وعن حقيقة وجود تلك الفوارق العضوية المميزة للرجال والنساء، وعما إذا كان من الممكن إرجاعها إلى عوامل بيئية وثقافية، وبالتالي تفقد أساسها البيولوجي، وتصبح مظاهر اجتماعية لا تستحق كل هذا الاهتمام الذي يثار حولها، وهذا معناه أن الحركة الجديدة لا تستهدف شيئًا أقل من ظهور امرأة جديدة أو نوع من النساء يختلف كل الاختلاف عما عهدته الإنسانية حتى الآن" (1)

وهكذا أرادت الأنثوية أن تجعل من المرأة مخلوقًا جديدًا وقللت من دور الإنجاب ورعاية الأطفال، يقول ألكسيس كاريل مستنكرًا -في معرض حديثه عن التناقضات الموجودة في العالم الغربي وتأثير البيئة الاجتماعية على النشاط العقلي- "والمرأة التي أنجبت عدة أطفال وأوقفت نفسها على تعليمهم بدلا من الاهتمام بمستقبلها الخاص تعتبر ضعيفة العقل"(2)، ﻷن ناضجة العقل عندهم هي المادية الأنانية الجنسانية التي تؤثر نفسها وتضحي بالناس وبأولادها من أجل مستقبلها الخاص، هذه هي العقلانية في فترة الحداثة والتنوير والتقدم الغربي.

إبعاد المرأة عن الأمومة

ولقد اتبعت الأنثوية طرقًا مختلفة لإبعاد المرأة عن الأمومة ودورها الفطري، ومن هذه الطرق ابتداع مصطلحات جديدة وتقسيمات جديدة كالأم البيولوجي والأم الاجتماعي والتفريق بينهما، وبالتالي إيجاد مصطلح الأسرة البيولوجية والتي هي الأسرة التي تقوم بإنجاب الأطفال وتربيتهم لفترة طويلة، ويكون الاعتماد الأساسي فيها على الأب من حيث الرعاية والنفقة والمعاش... إلخ.

هذه الأسرة تعتبر في نظرهم من آثار ومخلفات السلطة الأبوية، ومنتوج ثقافي غير طبيعي ولا بد من إزالتها من الوجود، تقول الكاتبة Eisonstien, H "إن ثورة فمنزم قد جاءت فقط عن طريق رفض الأسرة البيولوجية.. يجب القضاء عليها من خلال بناء خيار (الإنجاب الصناعي) وتنشئة الأطفال (بمشاركة أفراد المجتمع في ذلك)، وتكرر قولها "فقط بإلغاء كل من المسؤولية الفيزيائية والسيكولوجية للمرأة في إنجاب الأطفال يكون ممكنا إنجاز تحرير المرأة"(3).

وفي هذا المعنى نفسه تقول Rosemarie "من الضروري التمييز بين الأمومة الاجتماعية والأمومة البيولوجية، فإذا عرفنا الأمومة بأنها العلاقة التي تعني بتنشئة الشخص ورعايته، حينئذ ليس من الضروري حتما أن تكون المرأة أما بيولوجيا حتى تصبح أما اجتماعية(4)، وفي المجتمعات التي تطغى عليها السلطة الأبوية ينشأ المرء على أساس أن المرأة التي أنجبت الطفل أولى برعايته وتربيته، وهي أي روسماير تعتبر هذا خطأ بل حكما غير منطقي ويتسبب في تفتيت جسم المرأة وقدراتها (5)

معاداة الأمومة البيولوجية

وحدث جدل محتدم بين الأنثويين الراديكاليين أنفسهم وفي النهاية أيدت الغالبية معاداة الأمومة البيولوجية، تقول Ann Dakley وهي من هذه الطائفة "إن الأمومة أسطورة ذات ثلاث قواعد هي: الأولى إن كل النساء بحاجة إلى أن يكن أمهات، والثانية: أن كل الأمهات بحاجة إلى أن يكون لهن أطفال، والثالثة: أن كل الأطفال بحاجة إلى رعاية وتربية الأمهات. وترجع القاعدة الأولى إلى التنشئة ودور البيت والمدرسة والكنائس، والثانية إلى قناعة الناس بأن المرأة تصاب بالإحباط إذا لم تشبع غريزة الأمومة.

وهذا رأي باطل بزعمها لأن الأمومة تعلم وكسب لاحق ولا تولد مع المرأة، وترجع الثالثة إلى فرضيات خاطئة من مثل حاجة الأطفال إلى رعاية الأم البيولوجي دون غيرها، وتزعم أن الأم الاجتماعي (المربية أو الحاضنة) تستطيع القيام بأعبار الأم الحقيقي، وتقول أخيرًا "إن الأمومة البيولوجية صناعة ثقافية، وأسطورة، مع أهداف ظالمة ضد المرأة"(6)
 
وتقول Shulamith Firestome مؤيدة للفكرة السابقة "إن الطفل يعني للرجل: بقاء اسمه، ملكيته، طبقته، بينما للأم يعني تبرير ضرورة علقها وارتباطها بالبيت"(7) وتزعم أن حاجة الأب إلى من يخلفه وحاجة الأم إلى تبرير ربطها بالبيت حالة مرضية، لذلك ترى أن النساء أو الشابات لا يرين أن من واجبهن أن يلدن أو أن يكون لهن أطفال، ترى هذه الكاتبة أن تربية الأطفال أفضل أن تكون في مؤسسات جماعية بدل الأسرة، كما ترى أنه ليس من الضروري أن تنجب المرأة أطفالا بل من الممكن أن تتبنى أطفالا أو أن يعيش بضع من المراهقين الشباب مع بعض من الأطفال لفترة زمنية محددة اختياريا دون أن تجبر المرأة على الإنجاب (8).

الفرق بين الذكر والأنثى

ويأتي هذا الرفض الأنثوي للإنجاب والأمومة في سياق رفض كلي وقاطع لوجود أي فرق بين الذكر والأنثى يمكن أن يستند إليه في إسناد دور معين للمرأة أو الرجل، وهذه واحدة من قناعات الحركة وتبني عليها أمورًا أساسية. وتستند في هذه إلى بحوث أنثروبيولوجية ونفسية واجتماعية، تقول: بأنه يمكن تعديل أنماطنا الجنسية بل واستئصال شأفتها! وبينت أن الرجال والنساء يولدون ولديهم إمكانيات الشدة واللين، والعدوانية والسلبية، بل الذكورة والأنوثة! فالدور الجنسي عندهم لا تحدده العوامل البيولوجية وإنما تحدده العوامل الاجتماعية.

فالميل للتسلط مثلا ليس سمة طبيعية مميزة للمرأة أو الرجل، وأن هذه سمات نتجت من خلال الدور الإنتاجي للفرد، وليس من خلال وبسبب تكوينه التشريحي والفسيولوجي، وهذا الزعم يخالف الحقيقة ويخالف آراء أغلبية علماء الفلسفة والنفس والاجتماع والتشريح، فعلى سبيل المثال كتاب "كيف نفهم الجنس الآخر" لكريسي إيفات يحصى ستين فرقًا بين الذكر والأنثى (9).
 
وفي هذا السياق تتحدث الأنثوية عن مفهوم النوع Gender لتحديد العلاقة بين الجنسين وتوصيفها تحاشيا وتهميشًا لمفهومي الذكر والأنثى، وتأكيدا على المفهوم السابق الذكر في رفض أي نوع من التمييز بينهما، أو رفض أي نوع من توزيع الأدوار حتى داخل الأسرة على أساس الجنس (sex) البيولوجي، وتسعى الأنثوية الآن لتعميم علاقات ومفهوم النوع أي تقوم بـ (الجندرة أو Genderazation) في جميع مناحي الحياة ومؤسسات المجتمع.(10)


الإشارات المرجعية:

  1. مجلة عالم الفكر، المجلد التاسع، العدد الرابع، ص258
  2. أليكسيس كاريل (الإنسان ذلك المجهول) مكتبة دار المعارف، ص176
  3. Eisonstien, Contemporary Feminist thought, p.18
  4. المقصود بالأم البيولوجي: الأم التي تنجب الطفل، وبالاجتماعي التي تتبناه وترعاه، وجاءت هذه التسميات بعد انتشار ظاهرة استئجار الأرحام حيث تبيع الأم طفلها بعد الولادة لامرأة لا ترغب في الإنجاب مقابل أجر مادي يتم الاتفاق عليه ولا يحق لهذه الأم أن تسأل عن هذا الطفل بعد ذلك! انظر مدى الاستخفاف بالإنسان وأين هذا من حقوق الطفل.
  5. Rosemarie Putnam Tong, Feminist though, P.80
  6. المرجع نفسه، ص80
  7. المرجع نفسه، ص58
  8. المرجع نفسه ص85
  9. إعداد قسم قسم التأليف والترجمة في دار الرشيد، طبعة مؤسسة الإيمان، دار الجديد، 1996، وراجع لهذا الأمر أيضًا الكتاب الرائع لألكسيس كاريل "الإنسان ذلك المجهول"، ص108
  10. Eisonstien, Contemporary Feminist thought, p.7

المصدر:
مثنى أمين الكردستاني، حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر، ص158

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #الأمومة #الإنجاب
اقرأ أيضا
موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الثاني | مرابط
أباطيل وشبهات

موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية الجزء الثاني


كانت المحطة الثانية في تكريس مبدأ الإعلاء من شأن العقل وتحكيمه على نصوص السنة هي ظهور الاستشراق كاتجاه فكري يعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة وحضارة العرب والإسلام بصفة خاصة والمستشرقون هم علماء من الغرب اعتنوا بدراسة الإسلام واللغة العربية وكذلك لغات الشرق وأديانه وآدابه ويرى بعض المؤرخين أن بداية الاستشراق كانت مع بداية الاستعمار في العصر الحديث قبيل القرن التاسع عشر بينما يرى بعضهم الآخر أن الاستشراق أقدم من ذلك حيث يرون أن بدايته كانت مع اشتغال الغرب بترجمة الكتب العربية

بقلم: الشبكة الإسلامية
1316
أسباب سقوط الأندلس الجزء الثاني | مرابط
تاريخ فكر

أسباب سقوط الأندلس الجزء الثاني


في هذا المقال نعود إلى تاريخ الأندلس لنقف على أهم الأسباب التي أدت إلى سقوطها في النهاية ولنعتبر بكل ما جرى في تلك المرحلة التاريخية الهامة ونستخلص عوامل الانهيار والانحدار التي أوصلت المسلمين إلى فقد هذه الحضارة الزاهية فالمستقبل لا يبنيه إلا من علم أخطاء الماضي وتحاشاها وتجنبها قدر طاقته واستطاعته وإدراك أسباب سقوط الأندلس يعيننا على فهم السنن الكونية وفهم عوامل الصعود وعوامل السقوط

بقلم: علي محمد الصلابي
2512
تعلمت من أوقات الفراغ | مرابط
فكر مقالات

تعلمت من أوقات الفراغ


أوقات العمل تملكنا ولكننا نحن الذين نملك أوقات الفراغ ونتصرف فيها كما نريد فهي من أجل هذا ميزان قدرتنا على التصرف وميزان معرفتنا بقيمة الوقت كله وليست قيمة الوقت إلا قيمة الحياة فالذي يعرف وقته يعرف قيمة حياته ويستحق أن يحيا وأن يملك هذه الثروة التي لا تساويها ثروة الذهب لأن مالك وقته يملك كل شيء ويصبح في حياته سيد الأحرار

بقلم: عباس محمود العقاد
5257
الحكمة من تأخير تحريم الربا | مرابط
مقالات

الحكمة من تأخير تحريم الربا


أخر الله نزول تحريم الربا لتعلق الناس به وشدة تمسكهم بأرزاقهم فأجل نزول التحريم حتى يقوى إيمانهم ليسهل عليهم الترك فقد روى ابن جرير من حديث سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: آخر ما نزل من القرآن آية الربا وإن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قبض قبل أن يفسرها فدعوا الربا والريبة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
751
شبح الحروب الصليبية الجزء الأول | مرابط
تاريخ مقالات

شبح الحروب الصليبية الجزء الأول


إذا أردنا أن نقف على الأسباب الحقيقية للعداء البغيض الذي تحمله أوروبا ويحمله الغرب تجاه الإسلام علينا أن نرجع عدة خطوات إلى الخلف إلى الماضي الذي شكل معالم المدنية الأوروبية وتشربه الرجل الأبيض وتوارثه مع مرور الوقت سنقف هنا أمام الحروب الصليبية لندرك أثرها على الهوية الأوروبية فيما يخص الإسلام فكما يقول المؤلف: يمكننا أن نقول من غير أن نوغل في المبالغة أن أوروبة ولدت من روح الحروب الصليبية لقد كانت ثمة قبل ذلك الزمن أنكلو سكسون وجرمان وفرنسيون ونورمان وإيطاليون ودنماركيون وسلاف ولكن في أثن...

بقلم: محمد أسد
2170
لماذا يقع الخطأ من المخلصين؟ | مرابط
اقتباسات وقطوف

لماذا يقع الخطأ من المخلصين؟


واعلم أن الله تعالى قد يوقع بعض المخلصين في شيء من الخطأ ابتلاء لغيره أيتبعون الحق ويدعون قوله أم يغترون بفضله وجلالته؟ وهو معذور بل مأجور لاجتهاده وقصده الخير وعدم تقصيره ولكن من تبعه مغترا بعظمته بدون التفات إلى الحجج الحقيقية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يكون معذورا

بقلم: عبد الرحمن المعلمي اليماني
448