الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج2

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج2 | مرابط

الكاتب: سفر الحوالي

743 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

ردود على النصرانية من كتاب الجواب الصحيح

وذكر كثيرًا من الردود والحجج فمن ذلك مثلًا أنه رحمه الله تعرض للرد على النصارى، وإبطال دينهم وإثبات أنهم على باطل بحجج عظيمة أذكر شيئًا منها إجمالًا:
إبطاله لدين النصارى

عندما بين أن دين النصارى باطل سواءٌ صدقوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم كذبوه، إن آمنوا به أو لم يؤمنوا فدينهم باطل، وإن قالوا: إنه مبعوث إلى العرب خاصة -كما هو قول بعضهم- أو أنه ليس بنبي مطلقًا، فعلى أي التقديرين فدينهم باطل، ثم بين ذلك؛ لأنه إن كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دينه حقًا -وهو كذلك- فهو قد أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبلغ عن ربه أن دينهم باطل، فيلزمهم اعتقاد أن دينهم باطل، هذا موجز وإلا فالكلام نفيس جدًا، وإن كانوا يقولون: إن دينه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باطل كما هو قولهم الآن فإنه يلزم من ذلك لأي عاقل منهم أن يكون دينهم باطلًا؛ لماذا؟

لأنه ما من طريقة وما من وسيلة تثبتون بها صحة دينكم إلا وقد ثبتت في حق دين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم وأكبر وأقوى، فإذا بطلت هذه فقد بطل الأضعف والأقل والأدنى، فعليه يكون دينكم باطلًا، وهي حجج عظيمة في هذه الصفحات، ويضرب أمثلة تدل على علم وعلى اطلاع، فيقول: ''من قال: إن هارون ويوشع وداود وسليمان كانوا أنبياء، وموسى لم يكن نبيًا، فهذا من هذا القبيل؛ لأن نبوة موسى عليه السلام أعظم، أو من قال: إن داود وسليمان ويوشع ويحيى كانوا أنبياء، والمسيح لم يكن نبيًا، فهو أيضًا باطل؛ لأن دلائل نبوة المسيح أظهر فكذلك من قال: إن هؤلاء جميعًا أنبياء ولكن محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن نبيًا، فحجته داحضة؛ لأن دلائل ظهور ذلك أعظم وأظهر''.

ثم أخذ يضرب أمثلة لطيفة جدًا، فيقول: ''لو قال قائل: إن زفر وابن القاسم والمزني والأثرم كانوا فقهاء وكل واحد منهم ينتمي إلى مذهب من المذاهب الأربعة وإن أبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد لم يكونوا فقهاء، أو قال: إن الأخفش وابن الأنباري والمبرد كانوا نحاة، والخليل، وسيبويه والفراء لم يكونوا نحاة فهذا مستحيل، ولا يوافقه أحد من أهل هذا الفن، وأيضًا لو قال أحد: إن صاحب الملكي والمسيحي ونحوهما من كتب الطب كانوا أطباء، ولكن بقراط وجالينوس ونحوهما لم يكونوا أطباء، فقوله مردود عند الأطباء وأصحاب كل فن يعرفون المتقدم في هذا الفن، ولا يمكن أن يقروا بصحة علم الأدنى، ويتركوا الأفضل أو الأعلى'' ثم قال: ''ولو قال: إن كوشيار والخرقي ونحوهما كانوا يعرفون علم الهيئة -الجغرافيا- وبطليموس ونحوه لم يكن لهم علم بالهيئة -الجغرافيا الفلكية- لكان قوله في غاية البطلان'' ثم تكلم بكلام نفيس لولا الإطالة لأكملته، ولكن حسبكم أن تراجعوا الكتاب.

 

الاستدلال على ثبوت الإسلام بالتواتر

ويستدل -أيضًا- على بطلان دينهم بدليل عقلي لا يستطيع أي عاقل مهما كان دينه أن يرده، وهو الاستدلال بعدم التواتر فيما من حقه أن يثبت متواترًا في عرف الناس والعقلاء أجمعين، فمثلًا يقول: لو ادعى مدع أنه يوم الجمعة أو يوم العيد قُتِلَ الخطيب ولم يصلِّ الناس الجمعة أو العيد، فإنه لا يصدق قوله؛ لأن الأصل فيه أن ينقل متواترًا وأن يشتهر عند الناس ويستفيض، أو ادعى أن بعض الملوك قتل علانية، وهو في موكبه مثلًا فهذا لا يمكن أن ينقله واحد فقط؛ لأنه يستفيض ويشتهر، أو ادعى أحد أنه بعث نبي بين المسيح ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو جاء بعد محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب مثل القرآن، أو ادعى أحد أن قريشًا أو غيرهم عارضوا القرآن وجاءوا بكتاب يماثل القرآن، أو ادعى أن محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بحج بيت غير البيت العتيق، أو أوجب صوم شهر غير شهر رمضان، أو أوجب صلاة سادسة وقت الضحى وهكذا فكل هذه لا يمكن أن تسلم للمدعي، لأنها لو حدثت فعلًا لاستفاض نقلها واشتهر أمرها.

وفي معرض الرد على النصارى، يرد على طوائف الضلال جميعًا وهذا شأنه رحمه الله، فإنك تذهب لتريد فائدة معينة، وإذا بك تخرج بفوائد عظيمة مركبة.

ثم يبين أن أهل العلم بأحوال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقطعون بكذب الأحاديث التي فيها الوصية لأحد بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علانية بين الناس من دون اشتهار ذلك وتواتره بناء على هذه القواعد العقلية المقررة، والتي هم أهلها وأخبر الناس بها، فمثلًا يقطع من يعلم مغازي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يقاتل في غزوة تبوك وأنه لم يغز العراق ولا اليمن بنفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه لم يحج بعد الهجرة إلا حجة الوداع، وهكذا؛ فلو أن أحدًا أخطأ وروى حديثًا بهذا الشأن فإن العلماء يعلمون قطعًا أن هذا الحديث باطل، ويستدلون به على أحد أمرين: إما أنه أخطأ، وإما أنه تعمد الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهكذا.

ثم ذكر أمثلة منها: الحديث المشهور في الوضع (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل) لما زاد عليه بعضهم (أو جناح) عُلمَ أن هذه اللفظة موضوعة وهكذا، ثم يستطرد في ذكر علوم كثيرة فلا تريد وأنت تقرأ أن تفارق هذا الكتاب أبدًا.

ثم يستطرد فيصل إلى القضية المهمة -قضية النبوة- فيقول: ''لو قيل: إن مسيلمة الكذاب لم يُقَاتل، لأن النصارى يدعون ذلك ليستشهدوا على أن النبوة قد ظهر من يدعيها، أو الرافضة تقول: إنما قوتل مسيلمة ؛ لأنه لم يؤد الزكاة، وهذا رد عليه رحمه الله في منهاج السنة، فهو هنا يرد ردًا مجملًا فإنهم لما قالوا: إن الخليفة أبا بكر رضي الله تعالى عنه لم تجمع الأمة على خلافته، بدليل أن بني حنيفة لم يبايعوه، فيقول شَيْخ الإِسْلامِ: هؤلاء اتبعوا مسيلمة الكذاب الذي ليس من الإسلام في شيء لا هو ولا من آمن معه ولا من اتبعه، فلا يكون قولهم هذا حجة'' ثم يستطرد في الكلام عنه وعن الأسود العنسي إلى آخر كلامه في هذا الباب.

 

دلائل الاستدلال بالخبر

ثم يأتي إلى موضع آخر، وهو يعطينا أيضًا قوة حجته وقواعد عظيمة في فنون كثيرة لا تجدها بهذا الجمع والاتقان والإجمال -كما في هذا الكتاب-، إلا في غيره من كتبه رحمه الله، وهي: معرفة صدق الخبر ولو كان خبرًا واحد، وكيف نعرف صدق الخبر وكيف لا نعرفه؛ ليبين أن النصارى يقعون في ضلال كبير بسبب هذا، فيصدقون الكاذب أو يكذبون الصدوق، فيبين أن من يخبر بالخبر قد يكون كاذبًا وقد يكون صادقًا، ولا يجزم بأن أحدًا صادق مطلقًا ولا أن أحدًا كاذب مطلقًا إلا بالقرائن التي تحف به وبخبره وبإفادته له، فيقول:

''الناس يعلمون أن خبر الواحد قد يقوم دليل على صدقه فيعلم أنه صدق وإن كان خبرا واحدا، وقد يقوم الدليل على كذبه، فيعلم أنه كذب وإن كان قد أخبر به ألوف -فالقضية ليست قضية عدد فقط، إنما هي قرائن وموازين عقلية سليمة لا بد منها، ثم يقول: وتلك القرائن والدلائل قد تكون صفاتًا في المخبر من جهة علمه ودينه وتحريه الصدق، بحيث يعلم قطعًا أنه لا يتعمد الكذب -ثم يستطرد ويمثل بعلماء الحديث رضي الله عنهم وأرضاهم، فيقول:- كما يعلم علماء أهل الحديث علمًا يقينيًا قطعيًا أن ابن عمر وعائشة وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وأمثالهم، لم يكونوا يتعمدون الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضلًا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إلى آخره، بل يعلمون علمًا يقينيًا بأن الثوري ومالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل والبخاري وأبا زرعة وأبا داود وأمثالهم لا يتعمدون الكذب في الحديث'' هذا جانب.

والجانب الآخر أنه قد تكون الدلائل هي صفات في المخبَر به أي: في الحقائق التي يخبر بها المخْبِر، التي يُعلم بها أن ذلك المخبر لا يكذب في مثل ذلك الخبر، ويضرب لذلك أمثلة عقلية فيقول: '' كحاجب الأمير إذا قال بحضرته لعسكره: إن الأمير قد أذن لكم بالانصراف، أو أمركم أن تركبوا غدًا أو قال: قد أمرَّ عليكم فلانًا ونحو ذلك، فإنهم يعلمون أنه لم يتعمد الكذب في مثل هذا وإن لم يكن بحضرته، فكيف إذا كان بحضرته؟! وإن كانوا قد يكذبونه في غير هذا، مع أن هذا الحاجب قد يكون كذابًا لكن إذا قال هذا بحضرة الأمير أو الملك أو الخليفة عُلم صدقه..كل هذه الدلائل العقلية يركب عليها رحمه الله فيما بعد صدق رسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ''.

 

رده عليهم في احتجاجهم بالمتشابه

ثم يأتي في ضمن إبطاله لحججهم مثلًا: عندما ينقلون نقولًا متشابهة -وهذا ما يسمى الاستدلال بالمتشابه وترك المحكم- واليهود والنصارى والكفار والملحدون وأهل البدع قديمًا وحديثًا مشكلتهم الرئيسة هي هذا، لأن كلامهم لو تجرد من الدليل ما قبله أحد، لكنهم يستدلون بمتشابه وبشبهات ويتركون المحكم، فمثلًا ما يقوله النصارى في مواضع: إن الله في المسيح، أو إن الله في قلب فلان مثلًا، يقول شَيْخ الإِسْلامِ: ''هذه لا تقتضي الحلول كما تزعمون -ثم يأتي بتقسيم عقلي عجيب، يقول:- إن وجود الأشياء على أنواع، فالشيء له وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في اللسان، ووجود في البنان'' أو وجود عيني، ووجود علمي، ووجود رسمي، ووجود لفظي وهذا كلام عجيب ولا بد من شرحه.

فالموجود في الأعيان: هو الشيء الخارج، أي الأجسام الخارجة. والموجود في الأذهان: هو تصور هذا الشيء في الذهن.

والموجود في اللسان: هو نطقك به، كما تقول لم يرد البخاري... فهذا هو الوجود اللفظي، فإذا قلت: البخاري هنا، فأنت تعني أن البخاري مكتوب هنا، فهذا الوجود الرسمي، فيقول: من أي نوع من أنواع الوجود عندما نقول: إن الله في قلب فلان؟ ثم يوضح فيقول: ''ليس وجودًا ذاتيًا يقتضي الحلول بل وقع في هذا الحلول النصارى ووقع فيه الصوفية، ويستطرد ويذكر الذين قالوا من الصوفية بكلمات تعني عقيدة الحلول كمثل: سبحاني، أو ما في الجبة إلا الله، أو ما أشبه ذلك من الكفريات الشطحية '' ويقول: ''إنه إذا قيل: إن الله في قلب فلان أو ما في قلب فلان إلا الله قالها بحسن النية، فالمقصود بذلك محبته والإخلاص له والتقرب إليه، وهذا لا يقتضي الوجود الذاتي'' وهكذا.

 

تناقض كتب النصارى وحيل رهبانهم

ومن التحقيقات البديعة التي تجدونها في هذا الكتاب وشهد لها المؤلفون المعاصرون، أنه رحمه الله يقول لبيان تحريف النصارى: ''إن أصح ما عندكم بإجماع أهل الكتاب جميعًا هي التوراة، التي هي الأسفار الخمسة -ثم ما بني عليها على اختلاف كبير فيما بينهم في هذا، يقول:- هذا هو أصح الكتب عند أهل الكتاب نسخة السامرة غير النسخة الموجودة الأخرى، حتى في الكلمات العشر أو الوصايا العشر'' وفعلًا الآن توجد كتب محققة عن التوراة السامرية يظهر مخالفتها للتوراة اليهودية المعروفة، وهذا من بديع التحقيق والاطلاع لديه رحمه الله تعالى رحمة واسعة، ثم يقول: ''وكذلك رأينا في الزبور نسخًا متعددة يخالف بعضها بعضًا مخالفة كثيرة في كثير من الألفاظ والمعاني يقطع من رآها أن كثيرًا منها كذب على زبور داود عليه السلام، وأما الأناجيل فالاضطراب فيها أعظم من الاضطراب في التوراة'' ثم يأتي بعد ذلك إلى إكمال الموضوع.

أيضًا مما يدل على معرفته للواقع من جهة، واطلاعه على المؤلفات من جهة أخرى، قوله رحمه الله مثلًا: ''وقد صنف بعض الناس مصنفًا في حيل الرهبان، وقد ذكر عجائب منها. أن يجعلوا في الماء زيتًا على المنارة ثم يوقد فيظنون أن الماء انقلب زيتًا''، والحيلة أنهم يجعلون الزيت في الأعلى لأنه يطفو فوق الماء ويصبون الماء، فإذا ظهر في المنارة وقدح فيه أصبح زيتًا، وقالوا: هذا من كرامات العذراء ومن كرامات الراهب، وهذا من الحيل.

وذكر من الحيل أيضًا: النخلة التي يقال إنها تصعد إلى الراهب وقد بين أن هذه النخلة مغروسة في سفينة، وأن هناك سدًا، فإذا أريد -كما يزعمون- أن تُرى هذه المعجزة: فتح الماء فتعلو السفينة فترتفع النخلة إلى محاذاة الراهب، فإذا أجري الماء نزلت، فيقال: إنها ارتفعت إليه وأكل من جناها ثم هبطت!! وغيرها من أنواع الحيل والمخاريق.

ولم يكتف بالحيل عند النصارى، بل يأتي أيضًا بما عند المسلمين، وهذا من عدله رحمه الله، فيذكر أن هذا الشطح وهذا الدجل أيضًا موجود عند الصوفية وأمثالهم، وأن هذه الأحوال الشيطانية والمخاريق البهتانية، يوجد عند أهل الإلحاد المبدلين لدين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلها.

ثم يتعرض في أثناء كلامه إلى تكلم الجني على لسان المصروع، وأنه يتكلم بكلام لا يعرفه ذلك المصروع ولا يدري عنه؛ لأن المتكلم هو الجني أو الشيطان المتلبس به، وقد يخبر بعض الحاضرين بما في قلبه، ويكون ذلك من الشيطان، فإذا فارق الشيطان ذلك الشخص لم يدر ما قال، وهذا هو الواقع كما ذكر رحمه الله.

 

سبقه إلى العلوم ونقده لعلم المنطق

ثم يأتي إلى تقسيم العلوم، وكيف أن اليونانيين قسموها إلى علوم طبيعية، وعلوم رياضية، وعلوم إلهية أو ما بعد الطبيعة، ثم يقسم العلوم وأحوال الناس فيها فيبين أن العلوم هناك علوم تجريبية، وعلوم عقلية، وعلوم حسية إلى آخر الأنواع التي لم يُسبق رحمه الله إلى تفصيل القول فيها، ولا عرفه الأوروبيون ولا الغربيون إلا في العصر الحديث فقط. وشَيْخ الإِسْلامِ يبين ذلك ويريد منه أن يبطل قولهم في التثليث.

أيضًا نقد المنطق، وإن كنت لا أريد الإطالة فيه، لأن كثيرًا من الإخوان ربما لا يهمهم ذلك؛ لأنه لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به البليد، لكن في علم المنطق موضوع مهم جدًا وهو في التعريفات، ونحتاجه في جميع العلوم، وهو أنهم يفرقون في التعريف بين الذاتي الذي هو جزء الماهية، وبين العرضي اللازم للماهية، فيأتي شَيْخ الإِسْلامِ هنا ويبطل هذا الكلام بحجج عجيبة، ويقول: لا فرق بين هذا وهذا، يقول: ''إن ما يسمى تمام الماهية، والداخل في الماهية، والخارج عنها واللازم لها، يعود عند التحقيق إلى ما يدل عليه اللفظ بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام''.

الدلالات الثلاث المعروفة عندنا، فيقول: كل ما يقولونه يرجع إلى هذه الثلاثة، فليست المسألة تمام الماهية أو داخله في الماهية، أو عرض لازم للماهية، ويطيل في هذا وفيه كلام طويل ينقد به المنطق نقدًا بديعًا عجيبًا؛ ليصل به إلى نقد قولهم في الجوهر، وأن الأقانيم مركبة، وأن الجوهر ذاتي، وكلام في طبيعة المسيح إلى غير ذلك.

 

رده على من قال بنسخ الجهاد

ثم يأتي رحمه الله بعد ذلك يناقش قضية مهمة، وهي قول بعض العلماء: إن آيات جدال أهل الكتاب منسوخة بآيات الجهاد، ونحن في هذا الزمن مع هذا الإفك الذي يسمونه الحوار الإسلامي المسيحي الآن يقولون بالعكس، يقولون: لا قتال ولا جهاد، وإنما القضية فقط هي الحوار، أطراف متساوية تتعاون لتحقيق خير البشرية -كما يقولون-، يُقتِّلُون المسلمين في كل مكان، ويريدون أن يخرجوهم من دينهم في كل مكان، ويستغلون جوعهم وفقرهم ومرضهم، وهو أسوأ وأبشع أنواع الاستغلال الإنساني، لإخراجهم من الحق إلى الباطل ومن النور إلى الظلمات، ثم يقولون: حوار بين الأديان من أجل مصلحة الإنسانية.

يرد شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله على هذا كالعادة، ولا يكتفي بالقول بأن المجادلة لا تعترض مع المجاهدة، وله في ذلك عدة ردود، بل يستطرد ليبين ما حقيقة النصر، ويعطينا مواضع مفيدة جدًا وعظيمة ترد على من ينكر النسخ مطلقًا. كما تعلمون أن بعض الأصوليين ينكر النسخ مطلقًا، والبعض يكثر منه جدًا، فهو يأتيك بمواضع محددة هي الأدلة الصحيحة للنسخ وما عداها فهو يحتمل مثلًا.

 

قاعدة في المناظرة

أيضًا في علم المناظرة والمجادلة والبحث وهو من العلوم العظيمة النافعة، ولا سيما والشيخ رحمه الله تعالى يجادلهم، ويقرر قواعد وأصولًا عظيمة نافعة، فمثلًا القاعدة المعروفة عند كثير من الناس، كما ذكر رحمه الله أن النافي لا دليل عليه، يقول الشيخ: لا؛ بل إن النافي للشيء يجب عليه الدليل على ما ينفيه، كما أن المثبت للشيء يجب عليه الدليل على يثبته، وأما ما يحكم بأن النافي ليس عليه دليل، أو التفريق بين العقليات والشرعيات وإيجاب ذلك في العقليات دون الشرعيات، فيقول: هذا خطأ، وهؤلاء اشتبه عليهم النافي بالمانع المطالب.

وهناك فرق بين النافي وبين المانع المطالب، فإن من أثبت شيئًا فقال له آخر: أنا لا أعلمه ولا أوافقك عليه ولا أسلم لك حتى تأتي بالدليل، كان هذا مصيبًا، ولم يكن على هذا المانع المطالب بالدليل دليل، وإنما الدليل على المثبت بخلاف من نفى ما أثبته غيره فإن عليه بالدليل؛ إلى آخر ما قاله وهو كلام نفيس جدًا لا يمكننا الإطالة فيه.

 

قاعدة تاريخية

من بديع التحقيق، وهو يدل من ناحية أخرى على تبحره واطلاعه -رحمه الله-: الاطلاع على علم التاريخ والاستدلال به، فعندما يثبت النصارى -وإلى الآن كما تعلمون- ويسمون البابا: الرسول، ويسمون مندوبه: القاصد، ويدَّعون أن أحبارهم رسل، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد بين حال هؤلاء فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34]، وهذا حال أكثرهم كما رأى ذلك سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه في بعضهم، والمقصود أنهم يقولون: إن الرسل المذكورين في سورة يس، هم من رسل المسيح، وأرسلهم المسيح فيقول شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله: ''لا؛ بل الرسل هؤلاء مرسلون من عند الله ويستدل استدلالًا علميا واضحا بالتاريخ فيقول:- إن الله ذكر بعد ذلك أنه عذبهم وأنه أهلكهم، حتى قال: إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [يس:29]، ومعلوم عند الناس أن أهل أنطاكية لم يصبهم ذلك بعد مبعث المسيح لأنهم قد آمنوا به'' أي بعد الميلاد لم تدمر أنطاكية.

ثم يعقب بعد ذلك بذكر قاعدة عظيمة جدًا في التاريخ قل من يتفطن لها من المؤرخين إلا من كان يربط التاريخ بالعلم والإرث النبوي، يقول: ''ومما يبين ذلك أن المعروف عند أهل العلم أنه بعد نزول التوراةلم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب سماوي يعمهم كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار'' فهذه من قواعد التاريخ التي يجب أن تعلم: أن الله منذ أن أنزل التوراة لم يهلك أمة من الأمم المكذبة برمتها، وإنما فرض الجهاد على أهل هذه الكتب التوراة أو الإنجيل أو القرآن، فهم الذين يجاهدون وليس العذاب من عند الله، وهذا مما يدل عليه قول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى [القصص:43] فبين الله تعالى أنه أهلك القرون الأولى، ثم أنزل الكتاب، وبعد ذلك لم يهلك قرنًا أو أمة بعامة.

 

الكلام على البينات وعلم اليقين

وفي موضع آخر يأتي رحمه الله بكلام نفيس قل أن يوجد له نظير، أو أظن أنه لا نظير له في كتب الفقه وهو ما يتعلق بالقضاء والبينات، ومتى تكون البينة على المدعي، ومتى تكون على المدعى عليه، وما الحكم إذا نكل هذا أو حلف هذا، كلام نفيس جدًا لكنني لا أريد الإطالة فيه.

وفي علم النفس يتعرض رحمه الله إلى الحديث بأن غاية علم الفلاسفة أو ما يسمونه الحكمة العملية هو: أن النفس فيها شهوة وغضب من حيث القوة العملية، ولها نظر من جهة القوة العلمية، ثم يقررون أن كمال الشهوة في العفة وكمال الغضب في الحلم والشجاعة، وكمال القوة النظرية في العلم، وهكذا يكون كلامهم كله في حدود ما يفكرون وما تقترحه عقولهم، فيأتي رحمه الله فيقول: وما ذكروه من العمل متعلق بالندب، لكنهم لم يثبتوا خاصية النفس، ما هي؟ وما هو الذي به تكون حقيقتها وتزكوا وتطهر وتكمل؟ يقول: هو محبة الله وتوحيده؛ فإن كل علم النفس المتجرد عن ربط هذه النفس بخالقها تبارك وتعالى وتوحيده وكمال الذل والخضوع والمحبة له، هو باطل، وهو لغو، وهو إنما يتعرض لأمور خارجية عرضية شكلية مما يمكن أن يعمله الناس.

ثم يقول: ''إن محبة الله تبارك وتعالى وتوحيده هو الغاية التي فيها صلاح للنفس وهي عبادة الله وحده لاشريك له، فلا صلاح للنفس ولا كمال لها إلا في ذلك، وبدون ذلك تكون فاسدة لا صلاح لها'' ثم يطيل في بسط ذلك رحمه الله.

 

كلامه رحمه الله في علم الطيران

ولعل من طريف ما نختتم به من الأمثلة أن شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله تكلم حتى في علم الطيران، وقد يقول قائل: ما المناسبة بين علم الطيران وكتاب الجواب الصحيح؟
فأقول: إن موضوع رفع المسيح عليه السلام ينكره الفلاسفة، ويقولون: إن الجسم الثقيل لا يمكن أن يرتفع أو يصعد في الفضاء، فيرد عليهم شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله ويقول: ''إن هذا القول ضعيف في غاية الضعف، فإن صعود الأجسام الثقيلة إلى الهواء مما تواترت به الأخبار في أمور متعددة، مثل عرش بلقيس الذي حمل من اليمن إلى الشام في لحظة، عندما قال سليمان: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا [النمل:38].

ومثل حمل الريح لسليمان عليه السلام، ومثل حمل قرى قوم لوط ثم إلقاؤها في الهواء، ومثل المسرى إلى بيت المقدس'' وهذا من حكمته -رحمه الله- أنه بدأ بالأمثلة التي يعرفونها؛ لأنه يخاطب كفارًا، وهي في كتبهم، وفي الأخير ذكر مسرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعراجه، وأيضًا لا بد أن يستطرد وأن يصحح العقيدة، فيقول: ''ورجال كثيرون في زماننا وغير زماننا يُحملون من مكان إلى مكان في الهواء -وهو ما تفعله الشياطين مع الصوفية وأشباههم ثم يقول: ومعلوم أن النار والهواء الخفيف تحركه حركة قسرية فيهبط'' يذكر قانونًا من قوانين الفيزياء.

''والتراب والماء ثقيلان يحركان حركة قسرية فيصعد، وهذا مما جرت به العادة'' ولعل فيما تقدم كفاية من حيث أهمية الكتاب، واشتماله على علوم جمة وموضوعات غزيرة متفرقة، وأصول وقواعد عظيمة في علوم شتى، ولننتقل الآن إلى ما نريد أن نعمله تجاه هذا الكتاب القيم العظيم.

 


 

المصدر:

محاضرة الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، للشيخ سفر الحوالي

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجواب-الصحيح
اقرأ أيضا
مخالفة المرجئة لمنهج السلف: إخراج العمل عن الإيمان | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين تفريغات مناقشات

مخالفة المرجئة لمنهج السلف: إخراج العمل عن الإيمان


ومنهج أهل السنة والجماعة في قضايا الإيمان والتوحيد أن الإيمان قول وعمل واعتقاد وهذا خلافا للمرجئة فالإيمان بإجماع أهل السنة والجماعة: تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان والإيمان قول وعمل القول باللسان فإذن قول القلب وعمل القلب وعمل اللسان وعمل الجوارح الإيمان حقيقة مركبة من هذه الأشياء الأربعة وفي هذا المقال بيان لحقيقة الإيمان وخلاف المرجئة فيه

بقلم: محمد صالح المنجد
1215
الحياة الأدبية والأمة الإسلامية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحياة الأدبية والأمة الإسلامية


لا تستطيع أمة أن تعيش بغير تاريخها والذي يريد أن ينشئ في هذا الزمن أمة أخرى عن طريق التوهم فهو مخطئ وهذا ضرب من العبث الأمم بلسانها فقط الأمم بحركتها الأدبية واللغوية فقط أما الأشياء الأخرى من الصناعة وكذا وكذا والآراء الاجتماعية فهذه زائلة ومتحولة ويمكن أن تتحول في أي وقت لكن إذا تحول التاريخ فلا يمكن أن يبقى إنسان على صورة صحيحة في هذه الحياة.

بقلم: محمود شاكر
299
نريد أن نعيد المرأة إلى خدرها | مرابط
اقتباسات وقطوف

نريد أن نعيد المرأة إلى خدرها


نريد أن ندعو الصالحين من المؤمنين والصالحات من المؤمنات: الذين بقي في نفوسهم الحفاظ والغيرة ومقومات الرجولة واللائي بقي في نفوسهن الحياء والعفة والتصون إلى العمل الجدي الحازم على إرجاع المرأة المسلمة إلى خدرها الإسلامي المصون إلى حجابها الذي أمر الله به ورسوله طوعا أو كرها.

بقلم: أحمد شاكر
223
من يمتلك الحقيقة | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

من يمتلك الحقيقة


بين النبي صلى الله عليه وسلم للناس ما يجب عليهم اعتقاده كما بين لهم ما يجب عليهم عمله أو تركه ولم يجعل الله تعالى أمور الاعتقاد موكولة للآراء فإنها لا تجمع على شيء في قضايا الاعتقاد ألسنا نرى أن استحسانات بعض الناس قادتهم إلى عبادة الفأر و البقر والحجر والشمس والقمر كما أن آراء أخرى جعلت أصحابها يعتقدون أن دفع الضر مرتبط بخيط يحيط معصم الإنسان

بقلم: أحمد يوسف السيد
2054
أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الثاني ج4 | مرابط
تفريغات

أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الثاني ج4


ومن علامات وأمارات وأشراط الساعة: تطاول الناس بالبنيان وفيه إشارة إلى الجزئية التي تقدم الإشارة إليها وهي البنيان الذي يعلو جبال مكة أي: يفوقها وربما كان عليها الناس يتطاولون بالبنيان كما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله جبريل قال: وما أمارتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان

بقلم: عبد العزيز الطريفي
985
فن أصول التفسير ج9 | مرابط
تفريغات

فن أصول التفسير ج9


الملاحظ أن الذين يحضرون الدورات كثر ويحرصون عليها ويواظبون ويكتبون ويسجلون لكن تقع الإشكالية في عدم المتابعة وعدم المذكرة والمراجعة فلا يستفيد الإنسان من هذه الدورات إذا خرج منها ولم يتابع القراءة بنفس الموضوعات التي أخذها فيحاول أن يجتهد في تطبيق ما أخذ خصوصا أن في بعض الدورات تكون عنده دورات تطبيقية بإمكانه أن يقوم بقراءة وعمل نماذج على نفس الطريقة التي أخذها فهذه الدروس المتعلقة بالاختلاف من الأشياء التي يمكن تطبيقها ولننظر الآن شرحا موجزا يتعلق بالاختلاف

بقلم: مساعد الطيار
651